لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

دول مجلس التعاون الخليجي تسعى إلى مصادر بديلة للعمالة تجنبًا للإصلاحات

في 11 سبتمبر 2013

قد يؤدي سعي الدول المصدرة للعمالة إلى تحسين ظروف العمال إلى انخفاض تدفق العمالة الوافدة إلى دول الخليج، إذ أن الأخيرة تنزع لاستيراد عمالة بديلة رخيصة يسهل استغلالها. وبالرغم من سرعة الفصل النسبية في التوترات الناجمة عن الخلافات المتعلقة بالعمال، فهي تؤثر سلبًا في مستقبل العلاقات بين الدولتين (المصدرة والمستقبلة للعمالة).
وتوضح المفاوضات الأخيرة بين المملكة العربية السعودية من جهة، وكل من إندونيسيا، والفلپين، وسريلانكا من جهة أخرى هذا الاتجاه الرائج لدى الدول الخليجية. وقد سبق وحظرت السعودية إصدار تأشيرات للعمالة الإندونيسيين في شهر يونيو/حزيران عام 2011، في أعقاب تهديد إندونيسيا بفرض حظر على تصدير العمال، ما لم تقدِم المملكة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة. وفي الشهر نفسه، قامت السلطات السعودية بحظر استقدام عاملات المنازل الفلپينيات، استجابةً لتفعيل الحكومة الفلپينية لـ"عقد العمل الموحد"، والذي يستلزم حدًا أدنى للأجور بقيمة 400 دولار أميركي. وفي أعقاب ذلك، وقّعت السلطات السعودية عقودًا جديدة مع إثيوپيا، وكينيا، والمغرب لسد حاجة السوق، كونها دولًا ذات مطالب أقل و"أكثر منطقية"، من وجهة النظر السعودية بالطبع.

وأعلنت السعودية مؤخرا عن سلسلة اتفاقيات مزمعة من شأنها أن تواصل توظيف عاملات المنازل الإندونيسيات، بعد فترة الحظر التي دامت حوالي سنة ونصف، ولكنها لم تفعّل بعد سلسلة اللوائح الجديدة، والتي تشمل حدًا أدنى للأجور ويوم عطلة أسبوعية. ويبدو أن تأثير الحظر قد خفّض معدل العمالة الإندونيسية في البلاد بالفعل. وبالمثل، رفعت السعودية الحظر على عاملات المنازل الفلپينيات في أكتوبر/تشرين الأول 2012 بعد الانصياع لـ"عقد العمل الموحد"، بيد أنها لم تلزم أرباب العمل قانونًا بلوائح العقد بعد.

ووافقت الإمارات العربية المتحدة أيضًا على تنفيذ لائحة الحد الأدنى التي فرضتها الحكومة الفلپينية، ولكن فشلت كذلك في فرضه، إذ لا زال العديد من عاملات المنازل يتقاضين أجورًا منخفضة. وقد أفصحت دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعةً عن استيائها من لوائح العقود الفلپينية الجديدة، ولا سيما أنها تفضل تثبيت الحد الأدنى للأجور عند 240 إلى 300 دولار. وقد قدرت وكالات التوظيف أن الحد الأدنى المشروط من قبل الحكومة الفلپينية (400 دولار) قد يقلل نسبة العمالة الفلپينية في منطقة الخليج بنسبة 70% هذا العام وحده.

وفي شهر يناير/كانون الثاني من عام 2013، تغاضت السعودية مرةً أخرى عن تنفيذ الإصلاحات العمالية الأساسية، بعد أن فرضت سريلانكا حظرًا على تصدير العاملات المنزليات إلى السعودية، إثر إعدام ريزانا نافيك، مطالبةً بتعزيز حمايتهن. ومع استمرار إنكار السلطات السعودية لارتكاب أي إهمال في قضية نافيك، فإن احتمال تنفيذ السعودية للإصلاحات المرجوة، حتى بمجرد التعهد بالوعود فقط، هو أمر غير مرجح. وعوضًا عن ذلك، سوف تلجأ الحكومة السعودية للتعاقد مع أكثر من 45 ألف إثيوبي لسد حاجة السوق المحلية. وأشار رئيس لجنة التوظيف بالغرفة التجارية الصناعية بجدة إلى أن الإثيوپيين هم "بديل جيد"، نظرًا لكلفتهم الأقل، وتساهل حكومة بلادهم بمت يتعلق بقوانين العمل.
وتبرز ممارسة جلب العمالة الأرخص والأسهل استغلالًا لتجنب إصلاحات قوانين العمل واضحة أيضًا في قطر. وكان موردو العمال النيپاليين قد طالبوا الحكومة النيپالية مؤخرا بالكفّ عن مطالب زيادة الحد الأدنى للأجور إلى ألف ريال قطري، خشية تفضيل الحكومة القطرية للعمال البنغلاديشيين، والذي لا يكلف العامل منهم سوى 700 ريال فقط. وهذا المفهوم الذي يربط حقوق العمال بالسوق، بل ويتغاضى عنها تمامًا طالما وجدت "البدائل منخفضة التكلفة"، يسلّع العمال الوافدين ويركد حقوقهم.

ويثني هذا الأسلوب، الذي تتبعه دول مجلس التعاون الخليجي، الدول المصدرة عن السعي إلى المطالبة بأجور عادلة وظروف عمل مناسبة. وبالرغم من توقيع دول مجلس التعاون الخليجي لعدد من اتفاقيات منظمة العمل الدولية، إلا أنها تتجه لبلدان أشد عوزًا، وهي البلدان التي لن تطالب بتطبيق هذه الاتفاقيات على أي حال، حالما تتعرض للضغط الدولي. ولكن هناك حدود لجدوى هذه الممارسات، وخصوصًا فيما يتعلق بعاملات المنازل، إذ أن مواطني الخليج يميلون لتوظيف جنسيات معينة نظرًا لما تتمتع به من مواهب أو مهارات. وفي الماضي، عندما حاولت الدول الخليجية فرض جنسيات بعينها كبدائل أرخص، تفاقم غضب المواطنين واتجهوا إلى السوق السوداء لسد احتياجاتهم. وتعد العمالة غير الموثقة مصدر قلق بالنسبة لدول الخليج، كونها تفوّت على الحكومات الأرباح التي تجنيها من وكالات التوظيف المسجلة، بالإضافة إلى أنها تخلق عددًا من القضايا الأمنية.
إن معاقبة الدول الخليجية للدول المصدرة التي تحاول تحسين أوضاع عمالها يحيد بمسار حقوق العمال، ويجبر الدول المصدرة على التغاضي عن استباق الإجراءات الاحترازية في هذا الصدد. ولذلك، يجب على الدول المصدرة الاستمرار في الضغط لتعزيز الحماية اللازمة لعمالها، حتى تظهر الدول الخليجية حسن النية في المفاوضات العمالية. وهناك حزمة مقترحة من الآليات في هذا الصدد قبل وبعد سفر العامل، من شأنها أن تخفف من وطأة ظروف العمل السيئة دون الحاجة إلى تدخل الدول المستقبلة، ومنها تنظيم وكالات التوظيف، وعقد البرامج التدريبية، وتوفير وسائل دعم، مثل الخطوط الساخنة وخدمات المحاماة، لتلقي شكاوى العمال.

وبالرغم من عودة العلاقات شبه الطبيعية بين الدول المصدرة والمستقبلة، وبروز إمكانية إحراز العمال لبعض المكاسب المحتملة، إلا أن عدم استجابة دول مجلس التعاون الخليجي لمقترحات الإصلاح ما فتئت تضر بظروف العمالة الأجنبية، ناهيك عن البطء الشديد الذي يستغرقه مجرد تطبيق هوامش تلك المقترحات.