حسب احصائيات من عام ٢٠١١، هنالك أكثر من ٧٠٠ ألف من المهاجرين النيباليين في منطقة الشرق الأوسط مع وجود ٤٠٠ ألف منهم في قطر وحدها. وتعتبر نيبال بجانب الفليبين أكثر الدول اعتماداً على الأموال العائدة من مواطنيها في الخارج. ولكن مع غياب الظروف والضوابط المناسبة، يواجه المهاجرون النيباليون أشكالاً مختلفة من الاستغلال خاصة مع انعدام التنظيمات النقابية والأهلية بينهم والتي عمل المهاجرون الفليبينون على تشكيلها في السنوات الأخيرة.
يقول البعض "إنهم محظوظون لامتلاكهم وظائف هنا، فحياتهم أفضل هنا عن المكان الذين جاءوا منه.” باستخدام مثل هذا الخطاب، يتم تهميش معاناة المهاجرين من ذوي الدخل المحدود.
يهاجر النيباليون إلى الخليج لأن الأجور أعلى وفرصهم لادخار الأموال أفضل. إلا أن حياتهم ليست أفضل في قطر. هنالك خط عريض يفصل بين الاحتياجات المادية (رسوم المدارس، بناء بيت، صناعة رأس المال) وجودة الحياة (توفر الأكل الصحي، تواجد العائلة، العيش في مجموعة، البيوت الصغيرة على تلال ووديان الهامالايا).
كثيراً ما تتم مقارنة الحياة في نيبال بتلك التي يعيشها العمال في دول الخليج بشكل خاطئ. الأولى تعتمد على المجموعة وسلامة الشخص، خلية متضامنة لا تفصل الناس بناء على النوع الاجتماعي، وحياة تعتمد في جودتها على الطبيعة. حينما يهاجر هؤلاء من أجل أجور أفضل، يعيشون تجربة من العزلة والتمييز وأوضاع معيشية قاسية.
بالامكان اعتبار الموارد البشرية نقطة فقر في دول الخليج. وعلى الرغم من هذه الحقيقة، لا يتم الاعتراف بتضحيات المهاجرة وما تركوه خلفهم للعمل في دول لا يمكنها بناء كل هذه المشاريع بالاعتماد على سكانها المحليين.
انعدام التقدير لجهود المهاجرين من جهة الدول المصدرة والمستقبلة له دور في سوء أوضاع المهاجرين واستغلالهم.
قرية العائدات
قدنا السيارة لثلاث ساعات خارج كاتماندو باتجاه محافظة تاناهون ثم توقفنا. لا يمكن للسيارة أن تستمر في التحرك إلى الأعلى. مشينا مدة ٢٠ دقيقة إلى قرية يامبابانت حيث بيوت مكونة من غرفة واحدة وحدائق وحمامات صغيرة.
بعض البيوت أكثر اتساعاً ووهجاً، أخرى تمتلك عدداً أكبر من الأبقار والطيور والدواجن. وتحدد هذه الممتلكات تأثير صاحبها. أغلب هذه البيوت والمزارع بنيت بعائدات المهاجرين.
شربت الحليب اللذيذ الذي يتم تحضيره طازجاً كل يوم. هنالك أيضاً الدجاج والبيض ومحصودات مثل القرنبيط والنباتات الورقية والتي تباع لوسيط يأخذها إلى أسواق خارج القرية. الطعام متوفر بأفضل جودة. لا أعرف كيف عاش المهاجرون منهم على الأكل المعلب في الغربة بعدما عاشوا حياة من هذا النوع.
عند الفجر، تزدحم الطرق بباصات تأخذ الأطفال إلى مدارس إنجليزية خاصة. كما يأخذ الناس منتجات مزارعهم لبيعها على وسطاء عند محطات الباص. يعلم هؤلاء أن ما يدفع لهم لا يصل إلى نصف سعر السوق إلا أنهم لا يعرفون طريق أخرى للوصول إلى الزبائن.
لا تحاول الحكومة النيبالية دعم هؤلاء في عملية الانتاج والبيع هذه. تمثل الزراعة ٧٠٪ من النشاط الاقتصادي في البلاد، إلا أن كثيرين تخلوا عن أراضيهم للعمل في دول الخليج وماليزيا دون محاولات من الحكومة لتصحيح هذا المسار.
استقبلنا رجل اسمه سومبراساد لاميشين برفقة عائلته. كان والده قد عمل لعدة سنوات في الدوحة خلال التسعينات، كما قضى أخوه عدة سنوات في قطر. أما سومبراساد فقد عمل في السعودية لخمس سنوات.
على الرغم من صغر سنه، يقوم سومبراساد بدور الأخ الكبير الذي يأتي له أهل القرية من أجل المساعدة والنصيحة فيما يخص الهجرة وعقود العمل أو حتى فيما يخص بدء مشروع تجاري وتحقيق اكتفاء اقتصادي بعد العودة من العمل في الخارج فقصة نجاحه هي أكثر ما يطمح المهاجرون لتحقيقه بعد رحلة العمل في الخارج.
إلا أن رفيقنا يعرف أيضاً عن القصص الصعبة التي تملئ هذه القرية. كل بيت في تلك القرية له شخص يعمل في الخليج أو آخر عائد.
استطاع سومبراساد تنظيم المزارعين، ومن بينهم أخيه، في جمعية. يقوم ١٠-١٢ منهم ببيع الحليب سوية لضمان أفضل الأسعار. خطوة صغيرة ومهمة. ويحاول هؤلاء الآن توسيع هذه الجمعية لدعم الصناعات المنزلية ومنتجات الحليب. كل الخطط الجيدة تحتاج لدعم حكومي والتمويل. بالتالي، تأتي الهجرة كأفضل الطرق لتنفيذ مثل هذه المشاريع.
انتظار تلك المكالمة
يحمل شريرم آمغاين (٢٦ عام) شهادة بكالوريوس في العلوم التجارية وسيهاجر إلى البحرين قريباً.
أخذني شريرم في جولة حول القرية ليخبرني عن خططه وآماله والتي لم يكن يتوقع أنه سيضطر للهجرة من أجل تنفيذها.
“كنت أرغب في العمل في بلدي، وإنشاء مزرعة دواجن. لكنني لم أنجح. لذا سأذهب إلى البحرين لتحسين وضعي الاقتصادي.” كلما حاولت الحديث معه بالهندية، أجابني شريرم بالإنجليزية.
“قبل شهرين، ذهبت إلى كاتماندو إلى شركة "أوول موون أوفرسييز" للموارد البشرية. احتاجت شركة في البحرين لـ ٤٢ شخص وكان هنالك ٢٣ مؤهلين في الجولة الأولى من المقابلات ليتم اختيار ستة منهم فقط وبينهم أنا. ثم قمنا بمقابلات مع الشركة عبر سكايب والتي لم يجتازها أحد سواي. سأعمل على الخدمة في مطعم هناك.”
“هل حصلت على أي معلومات عن طبيعة العمل؟"
“أخبروني أنه ليس بعمل صعب" بنظرة شك في عينيه "أريد أن أحصل على بعض المعرفة والخبرة في مجال الفندقة لأعود هنا وأنشئ مشروعاً من هذا النوع.”
دفع شريرم مبلغ ٥٠٠ دولار من أجل الفحوصات الطبية و١٠٠٠ دولار أخرى بعد الحصول على التأشيرة. كل هذه المبالغ اقترضها من عائلته وأصدقائه في القرية، لتضاف بذلك لديونه الأخرى.
“لا يمكنني البدء بمشروع هنا. حينما حاولت بدء مشروع لمزرعة الدواجن، خسرت الكثير من المال فلم تغطي أسعار السوق تكاليف الانتاج. خلال شهرين، خسرت ألفين دولار. اضطررت لاقتراض مبالغ من عائلتي وأصدقائي.”
“لماذا لم تحاول الحصول على قرض بنكي؟"
“لأن ذلك يعني رهن ممتلكاتي خاصة أنني أدفع الفوائد على ما اقترضت.”
“هل تعرف عن الظروف التي يعيشها النيباليون في الخليج؟"
“نعم كما حذرني أخي أن الحياة هناك ستكون صعبة. لكني لا يمكنني جني المال هنا.”
بالمال يقصد المبلغ الذي ينقصه لدفع ديونه وإنشاء مشروع.
“كنت أظن أنني لن أهاجر أبداً لكنني لا أمتلك أية خيارات. عائلتي مكونة من ٥ أشخاص هم جدتي ووالدّي وأختي. لا يوجد مصدر دخل آخر. كان والدي يعمل في مصنع ورق طوال حياته إلا أن المصنع أغلق دون أن يدفعوا له أجوره لمدة عامين. مازلنا نلاحقهم من أجل هذه المبالغ. الآن والدي يعيش في القرية معنا ويعمل في الزراعة بدخل زهيد.”
شريرم متحمس لتغيير حياته وفرصة العمل في الخارج تأتي كمفتاح لحل كل مشاكله الاقتصادية.
“سيدفعون لي ١٣٠ دينار بحريني (٣٥٠$) بالإضافة إلى السكن والطعام. مدة التأشيرة سنتين لكنني أرغب في البقاء لخمس سنوات. بالتالي سيكون بوسعي إنشاء مشروع في بلدي. أخطط لتوفير ٣٠٠$ من مرتبي الشهري.”
لم أعرف كيف أخبره أن المبلغ الذي يرغب بادخاره غير عقلاني. أبقيت على صمتي مثلما فعل أهل قريته.
“هل قرأت عن الحياة في البحرين؟"
“وقت المقابلات، نعم. أعجبني ما قرأته. قبل ذلك كنت قد طلبت من الشركة ارسالي إلى دبي لأن لي أقارب وأصدقاء هناك. لكن الوسيط أخبرني بأنه لا توجد وظائف هناك حالياً ونصحني بالبحرين.”
(بعد عدة أسابيع من اجراء المقابلة، اتصلنا بشريرم لمعرفة أي تحديثات. مازال بانتظار الحصول على عقد العمل).
مضينا في المشي بين القرى الصغيرة على التلال وقرب الجداول، محاطين بالجبال الشاهقة. يلفتون نظري إلى بعض البيوت البراقة بالقول "بيت عائدات.” كل أشكال الجودة مرتبطة بالعائدات. وكأنها الجزرة المعلقة في نهاية العصا.