تجلس ساديا (٢٩ سنة) في زاوية غرفة المعيشة مرتدية حجابها بطريقة مختلفة عن تلك الشائعة في أندونيسيا. يتطلع إليها الآخرون باعتبارها نموذجاً للمهاجر الناجح. فبعد سنوات من العمل في السعودية، استطاعت ساديا شراء قطعة أرض والعودة إلى بلادها. كما قامت بتوفير مليونين روبية بمجرد قبولها العمل في السعودية.
تشجع قصتها أحلام الكثير من الشابات الأندونيسيات عن الهجرة. وكأن العمل في الخارج الحل الأمثل لكل المشاكل، فبعد العودة تُبنى الأحلام فوق تضحيات قدمت على بعد آلاف من الآميال. وبين هاوية الأمل ويوميات الواقع، تضيع الكثير من الأحلام.
النساء
مثل الكثير من العاملات المهاجرات في قرية كاراونغ، ذهبت ساديا إلى السعودية على أمل العودة بعد فترة قصيرة. تركت أطفالها في القرية لتحقق أهدافها حتى تجتمع بهم ثانية.
“كان العربي (رب العمل) جيداً معي ولم يتأخر في دفع مرتبي الشهري.” اعتنت ساديا بأطفاله الخمسة، بينهم ثلاثة من ذوي الإعاقات.
تقول ساديا أنها كانت سعيدة خلال عملها هناك وبما حققته.
بشيء من الحذر، ناقشنا تفاصيل وظيفتها.
“كم كان عدد العاملات في البيت؟"
“كنت أعمل لوحدي"
تتردد ثم تكمل:
“كنت أقوم بكل شيء في بيت من طابقين، لذا كنت أستيقظ في الخامسة صباحاً وأعمل حتى الحادية عشر ليلاً"
“هل كنتِ ترسلين مرتبك كل شهر؟"
“لا فكنت أقوم بالتوفير لخمسة أو ستة أشهر ثم أقوم بتحويل ما ادخرته. تلقيت مرتباً شهرياً مقداره ٨٠٠ ريال ووعدوني بزيادة مرتبي لكن ذلك لم يحصل.”
“هل ذهبتِ إلى الحج؟"
“لا على الرغم من أنهم وعدوني بذلك.”
استقامت ساديا في جلستها ثم أردفت: “لكنني قمت بالعمرة مرتين لذا أنا راضية.”
“ماذا كنت تفعلين في وقت الفراغ؟ هل اتصلتِ بعائلتك؟"
“كنت وحيدة جداً" قالت وهي تمسح صدرها بضيق.
لم يكن لدي هاتف ولا أصدقاء أو يوم إجازة. حين يخرجون، أشاهد التلفاز. وإن أردت محادثة عائلتي، كان علي استخدام هاتفهم. نمت على سجاد الأرضية في غرفة الأطفال. افتقدت ابنتي كثيراً والتي تركتها في سن الرابعة.
“هل تنصحين النساء بالهجرة والعمل في الخارج؟"
“لا أحد يحتاج نصيحتي. كل يعمل حسب حاجته مثلما فعلت.”
من الممكن ملاحظة حالة التسليم وتوقع التضحيات على درجات متفاوتة. وقد يكون الوضع أسوأ من ذلك.
هنالك قصة كارتيني التي تنتظر أمها عودتها. “لم تتصل لفترة طويلة كما لم ترسل مالاً.”
ذهبت كارتيني إلى السعودية قبل خمس سنوات وبعد السنة الثانية انقطعت عن عائلتها.
“أين في السعودية؟"
“لا نعرف. لم تقل لنا.”
“هل قامت وكالة التوظيف بالبحث عنها؟"
“لا فقد تم حظر واغلاق الوكالة.”
كانت كارتيني قد أرسلت بعض التحويلات في البداية ثم توقفت. “أرادت تغيير الكفيل فوضعوها في بيت آخر. منذ تلك الحادثة، لم نسمع منها مرة أخرى. ذات مرة، اتصلت من تلفون صديقتها. لم نستطع حتى أن نخبرها عن وفاة والدها، كما لم تتلق مرتبها لثلاث سنوات" تحكي الأم بينما تمسح دموعها.
وبينما نستمع إلى الأم، يجلس الجيران في زوايا البيت يستمعون بفضول ودون تعجب ففي قرية مليئة بالمهاجرين، تعتبر هذه القصص مألوفة.
قضينا يوماً في كراوانغ، أكثر المناطق تصديراً للعمالة المنزلية إلى السعودية حيث يلعب الدين بجانب الاقتصاد دوراً في تشجيع الهجرة.
تتحصل العائلات على مبالغ من أجل توقيع عقود عمل. يظن هؤلاء أن السعودية خاصة ودول الخليج عامة جيدة للمهاجرات المسلمات على الرغم من أن الواقع يثبت عكس ذلك.
يأمل كثيرون أن تتيح لهم الهجرة إلى السعودية فرصة تأدية الحج. يعد أرباب العمل العاملات بتأدية الحج ضمن بنود العقد إلا أنهم لا يفون بوعودهم. تعتبر رحلة الحج حلماً مستحيلاً بالنسبة للكثير من الأندونيسيين الفقراء.
أما انجكاز التي وقفت مبتسمة في بيت عائلة كارتيني فتقول أن هجرتها كانت جيدة فقد عملت لوقت قصير لتنجح في تأمين مستقبل عائلتها. قدمت انجكاز بعض الاقتراحات للوصول إلى كارتيني فاستثارت عائلتها: “هل تحاولين الاستهزاء بمخاوفنا؟"
“كل ما أريد قوله أنني عملت هناك مرتين وأعرف كيف تجري الأمور" ثم تركت المكان لتفادي الجدال.
جار آخر اسمه ايثام ظل يحملق بها بينما يلعق قطعة من التبغ الملفوف. “زوجتي في أبو ظبي. ترسل لنا المال بانتظام لكن لا يوجد تواصل بيننا. كلما اتصلت، يرد علي رجل. سأعطيكي رقمها، اتصلي بها حينما ترجعين إلى (العرب).”
كل لديه قصة في "أرابيا".
الـ شالو
في قرية صغيرة فيها عشرات من البيوت، تسمع أسماء مدن ومناطق خليجية بنبرة من الحنين والأسى. ويعتبر الـ شالو (عميل الاستقدام) شخصاً مهماً في القرية.
يستلقي الشالو أومو وجايا على الكنبة. بيته مبني من الإسمنت وأكثر اكتمالاً من بقية البيوت في المنطقة. يمتلك دراجة نارية وحديقة صغيرة. تأثيره جلي وخبرته في المجال تمتد منذ عام ٢٠٠٠.
في غرفة المعيشة، هنالك ثلاث إطارات مرسومة بصور الكعبة. في الإطارات نجد صورة لزواجه وشهادة الوظيفة وصورة مع صاحب وكالة الاستقدام السعودي. هذا الشخص صاحب الفضل في ازدهار بيت أومو.
“ازدهار مضى" يقول بمسحة في الهواء من يده.
يستذكر أومو أياماً كانت فيها القوانين سهلة وتكاليف الاستقدام منخفضة.
“هنالك الكثير من المنافسة الآن والكثير من عملاء الاستقدام.”
أخرج أومو كراسة من خزانته المقفلة. صفحات من صور نساء قام بتوظيفهن في السعودية. في إحدى الصفحات، نجد ورقة حسابات دون فيها الأموال التي تحصل عليها من عائلات القرية وما تبقى عليهم من ديون له. تختار بعض العائلات دفع نسبة من المرتب الشهري له بدلاً من تقديم مبلغ كبير عند اتمام عقد الوظيفة. وكثيراً ما تقوم العائلات ببيع أراضيها أو ممتلكاتها أو الحصول على قروض من أجل تأمين وظيفة في الشرق الأوسط. إلا أن الحسابات تختلف في ذيل الورقة مع تغير الأوضاع.
يدفع العملاء مبالغاً من أجل استقدام النساء للعمل في الخليج. حين تقبل العائلة بمبلغ المال، تعتبر الصفقة تامة. لا تمتلك المرأة المختارة خيارات عدة لتفادي الهجرة.
تحدثنا مع بعض العائدات عن دائرة الاستقدام حيث أكدن لنا أن هذه المبالغ تعود مرة أخرى إلى الشالو على مر سنوات الهجرة. كما تحدثنا مع أخريات لم يتم يتوجب عليهن دفع مبالغ للشالو. لا توجد قواعد ثابتة للعبة، الهدف الوحيد تجميع أكبر عدد من النساء، خاصة الشابات، وارسالهن للعمل في الخليج.
تقول نارمي زوجة أومو أن الكراسة المليئة بالصور والمعلومات دليل على عدد العائلات التي ساهم زوجها في تحسين حياتهم.
سبق وأن عملت نارمي في الخليج وتقول أنها تشجع النساء على العمل في الخليج من أجل تحسين أوضاع عائلاتهن. ترى نارمي أن حياتها قد تطورت إلى حد كبير بعد الهجرة فقد قامت بتزويج أبنائها.
وعلى الرغم من المستوى المعيشي الذي يتمتع به، لا يبدو أومو سعيداً. يراقب أغصان الشجرة تتحرك تحت المطر ويقول: “لا يرغب أحد في الذهاب إلى العرب بعد الآن. لا تريد الحكومة لأحد أن يذهب وحين ينجح أحدهم بالوصول إلى هناك يكون ذلك عبر شالو شاب يعمل بشكل غير قانوني.”
الحلقة القادمة: الاستقدام تحت الحظر في أندونيسيا: هجرة دون تدريب وتوعية