أعلنت هيئة تنظيم العمل في مملكة البحرين عن إصدارها لأول 100 تصريح مرن في اليوم الأول لتدشين الخدمة. وهو نظام يتيح للعمال الوافدين ذوي تصاريح العمل الملغية أو المنتهية والتي لم يتم تجديدها من قبل صاحب العمل بالإضافة للعمالة التي ألغي السجل التجاري الذي كانت تعمل تحته توفيق أوضاعها القانونية لمدة سنتين قابلة للتجديد من خلال دفع رسوم معينة يعطى بموجبها بطاقة زرقاء تمكنه من مغادرة البلاد والعودة بحرية.. رغم أن هذا النظام يحرر العمالة الأجنبية من التعرض للاستغلال بسبب وضعها غير القانوني؛ إلا أنه من المبكر جداً الحكم عليه والتنبؤ بالإيجابيات والسلبيات التي قد تنتج بسبب تطبيق القانون. أولاً، لأن القانون ما يزال يخضع للدراسة من قبل هيئة تنظيم سوق العمل لذا فإن تطبيقه يجري العمل عليه بشكل تدريجي. وثانياً، لأن هذه هي المرة الأولى التي يتاح فيها للعامل الأجنبي في البحرين العمل من دون أن يكون لديه كفيل؛ وذلك منذ أن جرى اعتماد هذا القانون في بدايات الطفرة النفطية.
لكن رغم ذلك فقد عملت هيئة تنظيم سوق العمل على إشاعة مناخ من الإيجابية لدى قيامها بإقرار نظام التصريح المرن. ويقول الرئيس التنفيذي للهيئة أسامة العبسي إن "تطبيق هذا النظام سيسهم في خلق المرونة الكافية لسوق العمل، وفي معالجة ملف العمالة غير النظامية وحمايتها من محاولات الاستغلال والاتجار". بدوره، اعتبر الرئيس التنفيذي للاتحاد الحر لنقابات عمال البحرين يعقوب يوسف أن القانون "فرصة لمحاربة استغلال عمال الفري فيزا (العمالة السائبة)؛ إذ سيزيد من تنافسية البحريني لكونه سيجعل العامل الأجنبي يطالب بمقابل أعلى نظير عمله ليتمكن من سداد الرسوم المطلوبة عليه".
بإقرارها هذا النظام الجديد تعتبر البحرين أول دولة خليجية تتيح الفرصة للأجانب للإقامة والعمل بدون كفيل. إلا أن التدقيق في محتوياته يكشف عن أمور لافتة. أولى الأشياء التي يمكن ملاحظتها هو أن القانون يستثني العمالة التي تركت العمل بسبب التعرض لاستغلال الكفيل حيث تعتبر محليا من فئة "العمالة الهاربة". فهي ليست مشمولة في هذا القانون. الأهم من ذلك هو ارتفاع كلفة الرسوم التي يتوجب على العامل الوافد تسديدها للاستفادة من هذا النظام؛ إذ يصل مجموعها إلى 1169 دينار (حوالي 3200 دولار). وهو ما يجعل منه قانونا للعمال المقتدرين فقط.
كما يعزز الفكرة التي تربط إقرار القانون بالدوافع الاقتصادية من ورائه؛ وذلك كمحاولة لزيادة موارد دخل الدولة ومواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة.
وربما تعكس النسبة الضئيلة لاستجابة العمالة الأجنبية السائبة لتوفيق أوضاعها ضمن القانون جانباً من ذلك. ووفقاً للإحصائيات فإن عدد العمال الأجانب الذين أقبلوا على تصحيح أوضاعهم من خلال ترخيص العمل المرن في الأسبوع الأول من بدء العمل به في 23 يوليو/ تموز الماضي لم يتجاوز 130 عاملا بدلا من 500 في الأسبوع كما كما كان متوقعاً.
ويقول أحد العمال الباكستانيين إنه ينوي تعديل وضعه بموجب هذا القانون لكنه أشار إلى ارتفاع التكلفة. وذكر في مقابلة مع صحيفة "البلاد" البحرينية إن "المبلغ كبير وكثير من العمالة لا تستطيع تأمينه حتى لو عملت 24 ساعة يوميا".
فيما يتخوف عضو الأمانة العامة لاتحاد نقابات عمال البحرين جعفر خليل من احتمالية استخدام القانون لاستغلال الأجانب عبر تشغيلهم لساعات أو أيام محدودة ثم الاستغناء عنهم، ما قد يتسبب بـ"ضياع حقوق العامل الأجنبي"؛ إذ سيضطر للعمل وفق شروط مجحفة إذا لم يجد وظيفة مستقرة يتمكن من خلالها سداد مديونياته ودفع المبالغ المستحقة لهيئة تنظيم سوق العمل.
ويرى الأمين العام المساعد لشئون القطاع الخاص في الاتحاد العام لعمال البحرين كريم رضي في مقابلة مع موقعنا بأن أبرز سلبيات نظام الكفالة المعمول به هو التحكم في حركة العامل واحتجاز أوراقه الرسمية ما يقلل قدرة العامل على ترك العمل في حالة التعرض للاستغلال أو عدم استلامه لأجره بشكل منتظم. ولذلك فإن التصريح المرن ــ من وجهة نظره ــ سيساعد على إعطاء العامل حقه في التنقل من جهة، وتحسين العلاقة بين العامل وصاحب العمل من جهة أخرى. وذلك بسبب وجود آلية قانونية تعطي للعامل حق رفع الشكاوي إذا تعرض للاستغلال.
من الصعب تحليل مدى فاعلية القانون في مراحله الأولى بمعزل عن قوانين أخرى سبقته، إذ يأتي ضمن سلسلة قوانين تم اعتمادها خلال السنوات الأخيرة في البحرين تزامناً مع انخفاض أسعار النفط وتعرض دول الخليج لضغوط لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، بالإضافة لضغوط أخرى لتحسين أوضاع حقوق الإنسان فيها خصوصا تلك المتعلقة بالعمالة الوافدة.
ففي أغسطس/ آب 2009 تم إقرار قانون يعطي العامل حق الانتقال إلى صاحب عمل آخر دون الحاجة إلى موافقة صاحب العمل الحالي. وفي مايو/ أيار 2016 أدخل قانون النظام الموازي للبحرنة حيز التنفيذ وهو قانون يعفي الشركات من الالتزام بتوظيف البحرينيين مقابل دفع رسم معين. وفي يوليو/ تموز 2016 أقر قانون يسمح للأجانب بتملك الأنشطة التجارية والأراضي والعقارات بنسبة 100٪ ليأتي بعدها بسنة قانون التصريح المرن الذي تم تدشينه مؤخرا.
باقة القوانين هذه كلها تتسم بكونها تقدم تسهيلات لأصحاب الشركات وتدخل إصلاحات على صعيد حقوق العمالة المهاجرة. لذلك لا يمكن دراسة نتائج قانون النظام المرن بمعزل عن القوانين أخرى لمعرفة آثارها على حقوق العمال وديناميكية العلاقة بين الأطراف المختلفة في سوق العمل البحريني.
ورغم أن هذه الإصلاحات تضمن حقوقا أفضل للعمالة الأجنبية في البحرين، إلا أنها تحدث في المقابل خللا تدريجيا في معادلة تاريخية حافظت عليها دول الخليج منذ بدء الطفرة النفطية واستمرت لأكثر من 40 عاماً؛ وهي فتح الباب لأعداد هائلة من الوافدين للعمل والاستقرار حتى أصبحت نسبة الأجانب تفوق عدد السكان في أغلب دول الخليج دون التسبب بزعزعة للسلم الأهلي. كيف تمكنت من ذلك؟ عبر إعطاء الوافدين حقوقا أقل بكثير من المواطنين ليشعر المواطن بأنه حتى لو تمكن الوافد من الحياة والعمل في الخليج إلا أنه لن يتساوى معه أو ينافسه أبدا.
فكيف ستتمكن البحرين من تطوير هذه المعادلة انطلاقاً من القانون الجديد بما يحفظ حقوق المهاجرين وفي الوقت نفسه الحفاظ على معادلة السلم الأهلي؟ هذا ما سيتكشّف مع الأيام مع المضيّ في تطبيق قانون التصريح المرن.