لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

المهاجرون الباكستانيون: مُعلَّقون بين الفرصة وخيبة الأمل

في 20 مارس 2018

حينما سافر "ناصر خان" (26 عاماً) إلى المملكة العربية السعودية للعمل كسائق سيارة أجرة، لم يعانِ قلّةً في عدد العملاء. ولكن في أحد الأيام أقلّ راكبًا في حرّ الرياض القائظ رفض دفع الأجرة له في نهاية التوصيلة. وحينما أصرَّ خان على الحصول على أجرته، طعنه الرّجل وهرب.
تعافى خان في النهاية من هذه المحنة، لكنه لم يقصّ الحادثة أبدًا إلى عائلته التي تنتمي إلى قبائل البشتون والتي تستقر في مقاطعة باجور الباكستانية النائية المتاخمة للحدود الأفغانية. ويقول أحد أبناء عمومة خان، "دعاء الله عطاء الله" (25 عاماً) والمقيم في "لاهور"، إن خان كان يُغفل ذكر الجوانب البغيضة للحياة في الخارج، مفضِّلاً فقط تسليط الضوء على قصص تدفق الأموال إليه.

وفي المناطق القبلية في باكستان، حيث عاشت عائلته، دفع السعي وراء تحسين الوضع المالي الكثير من المهاجرين الشباب إلى عبور الحدود، وكان القليل منهم ميّالاً إلى إخبار أفراد عائلته بأن الحياة في الخليج العربي تتخللها أيامٌ عصيبة.

ويقول "عمر دين خان" (20 عاماً)، الشاب البشتوني الذي يتحدّر من المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية (FATA) "إنهم يقضون حياتهم كسجناء في هذه البلاد الأجنبية".
هناك ثمانية من أفراد عائلة عمر يعملون في الإمارات العربية المتحدة كسائقي سيارات أجرة. ويوضح بأنّ أجورهم مجرد جزء من المبلغ الذي يكفل للعائلة البقاء على قيد الحياة. ويضيف عمرموضحاً "تعتمد عائلتنا اعتمادًا كليًّا عليهم؛ ولكنهم يواجهون مشكلات تتعلق بتأشيراتهم".

Douallah Attaullah says his cousin Nasir glossed over the more unpalatable dimensions of life abroad.

يقول دعاء الله عطاء الله إن ابن عمّه كان يُغفل ذكر الجوانب البغيضة للحياة في الخارج مفضِّلاً عليها التحدّث عن تدفق الأموال إليه

 

ويشير إلى أن هناك الكثير من العائلات الكبيرة المقيمة في حزام الباشتون الباكستاني تعتمد على شخصٍ واحد لسدّ رمقها.

"سجَّاد حسين" (22 عاماً) هو طالب من "وزيرستان"، يقول إنه "في معظم الأحيان، يعتمد من 30 إلى 50 فردًا من أفراد العائلة الكبيرة على راتب عاملٍ واحد"، وحينها يكون العبء أثقل بكثير على كاهل العائلات البشتونية. "يُعزى السبب الرّئيس في سفرهم إلى الخارج إلى عدم توافر فرص العمل في وزيرستان".

تعاني المنطقة من التخلف الاقتصادي كما تحيق بها تداعيات عمليات القوات العسكرية الباكستانية وهجمات الطائرات المسلحة بلا طيار التابعة إلى الولايات المتحدة، بينما لا يُوجد سوى القليل من الصناعات التي توظف الشباب بخلاف زراعة الكفاف.

غالبًا ما يهاجر سكان "وزيرستان" إلى أقاليم أخرى في باكستان بحثًا عن الأمن الاقتصادي، بيد أنهم يعودون خالي الوفاض في الغالب. ويذكر سجَّاد أنهم "يعيشون خارج البلاد من خمس إلى ست سنوات نظرًا لأن الحياة أفضل هناك".

يتم توظيف أكثر من 95% من العمالة الباكستانية المهاجرة في بلدين فقط: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ولطالما جذب البلدان العمالة الباكستانية بأعداد كبيرة منذ السبعينيات. وعلى مر السنين، جاء أغلبُ المهاجرين الباكستانيين من إقليم "البنجاب"، الذي أرسل أكثر من ربع مليون عامل إلى خارج البلاد السنة الماضية.

ورغم أن أهل "البنجاب" يشكّلون أغلب أعداد المهاجرين إلى خارج البلاد، إلا أن الجماعات الإثنية الأخرى مثل "البشتون" يواجهون تحديات ومظاهر فريدة على صعيد الهجرة.

تشكل الحوالات المالية الحصّة الأكبر من دخل العائلات "البشتونية" مقارنةً بالجماعات الإثنية الأخرى. ويُظهر تمركزهم في المناطق الهامشية من باكستان الرّابط بين الهجرة إلى الخارج والإهمال السياسي في الوطن.

علاوة على ذلك، تولّد هجرة "البشتون" إلى خارج البلاد هجرةً أخرى من نوعٍ ثان، داخلية. إذ غالبًا ما يُعاد استثمار الحوالات المالية المرسلة من منطقة الخليج العربي في تعليم الأطفال في الوطن، وهو ما يتطلب في أغلب الأوقات انتقال الأبناء في عمر الدراسة من المناطق القبليّة إلى المراكز الحضرية الكبرى مثل "لاهور" و"إسلام آباد".

واليوم، تُعد باكستان ثاني كبرى الدول المصدّرة للعمالة المهاجرة في جنوب آسيا، وتمثل الحوالات المالية نسبة 7% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. في العام 2017، هاجر قرابة نصف مليون باكستاني إلى الخارج عبر القنوات القانونية، إلا أنّ التقديرات تشير إلى أنّ عددًا أكبر بكثير قد سعى إلى الهجرة عبر القنوات غير الشرعية. وينفق الكثير من الباكستانيين مبالغ تصل إلى 9000 دولار أمريكي للعثور على وظيفة في بلدان مثل المملكة العربية السعودية. و في بعض الحالات ينفقون مبالغ تساوي 14 ضعفَ رواتبهم الشهريّة للحصول على فرصة عمل بالخارج.

Amir Mehmand Khan says that his entire village in Balochistan cannot apply for a passport without harassment or an extensive security check from government officials.

يقول أمير مهمند خان إن سكّان قريته لا يستطيعون التقديم على جوازات سفر دون مضايقات من المسؤولين الحكوميين أو دون إخضاعهم لفحوصات أمنية مطولة

 

رغم ذلك، فقد يكون العائد من هذا الاستثمار غير مثمر. في خضم نمو مشروعات البنية التحتية الطموحة مثل معرض "إكسبو" الدولي 2020 في الإمارات العربية المتحدة، وكأس العالم 2022 في قطر، تسارع الطلب على العمالة بعقود مؤقتة في أرجاء الخليج العربي. لكن في الوقت نفسه، من المرجّح أن يؤدّي انخفاض أسعار النفط وحملات التحوّل إلى العمالة الوطنية المنتشرة على نطاق واسع في الخليج — مثل حملة "السعودة" في المملكة العربيّة السعوديّة لاستبدال العمالة الوافدة جزئياً بالمواطنين — يُؤدّي ذلك إلى إبطاء معدّل التوظيف. وبالفعل، فقد انخفض عدد العمالة الباكستانية المهاجرة إلى المملكة العربية السعودية العام الماضي بنسبة 70%.

مُهمّشون في الوطن

العام الماضي سجّلت  باكستان أعلى معدل نموّ اقتصادي لها خلال هذا العقد، إلا أنه من المرجّح أن تظل هذه الثروة بعيدةً عن المناطق التي ترتفع فيها أعداد "البشتون" في البلاد؛ حيث يندر وجود أي صناعات.

ويقول سهيل خان (41 عاماً) من منطقة "زوب" في بلوشستان "حتى أصحاب المؤهلات العليا يشعرون باليأس ويرغبون في الرحيل". ويضرب خان المثل بأحد أبناء عمومته، الذي يحمل درجة الماجستير لكنه يعمل كسائق سيارة أجرة في الخليج، ويكسب حوالي 50 ألف روبية (أي 453 دولارًا أمريكيًا) في الشهر. "ليس أمامه خيار آخر".

يلفت خان إلى إن سحابة من اليأس الاقتصادي خيمت على المدن التي يسيطر عليها "البشتون" مثل زوب، وهي التي دفعت الملايين نحو الخارج. حتى تذكرة العودة إلى الوطن أصبحتْ تشكل عائقًا ماليًا. "لم يزرنا ولا مرة واحدة".

Eight of Umer’s family members work in the UAE as taxi drivers, and he says their wages are integral to the financial survival of the larger family unit.

ثمانية من أفراد عائلة عمر  يعملون كسائقي سيارات أجرة فيالإمارات. ويقول إن أجورهم جزء لا يتجزأ من المبلغ المالي الذي يكفل للعائلة كافّة البقاء

 

في مناطق مثل "بلوشستان" والمناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية، يعاني أكثر من 70% من السكان من الفقر المدقع، مما يجعل هذه الأقاليم؛ حتّى مع حجم سكّانها الصّغير، ميّالة على نحوٍ خاص إلى الهجرة للخارج.

خلال الثلاثة الأشهر الأولى من هذا العام فقط، هرب أكثر من 2000 رجل من المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية وأكثر من 200 من بلوشستان إلى الخارج نتيجة عوامل عدّة، تتنوع بين عدم الأمان ومعدلات البطالة المرتفعة.

وعلى الرغم من تفكير الحكومة مؤخرًا في دمج المناطق القبلية مع إقليم "خيبر بختونخوا" المتاخم، إلا أنّ معظم المهاجرين البشتونيين ليسوا متأكدين مما إذا كانت الفرص ستتبلور نتيجة لهذا الدمج. ويبحث الكثير منهم عن الفرص في أماكن أخرى.

يقول "غلزيب تارين" (23 عامًا) من "بيشين" في بلوشستان: "الاستثمارات قليلة في المنطقة التي يقطن بها شعب البشتون وهناك نقص في التعليم"، مضيفاً " نحن مهمشون في باكستان".

يشير آخرون إلى أنّ الحكومة توزّع بشكلٍ غير متساوٍ، التسهيلات المرتبطة بالهجرة الضرورية للعمالة بالخارج، مثل الحصول على جوازات السفر أو تجديد بطاقات الهوية القومية. يقول "أمير مهمند خان" (22 عامًا) من "قلعة عبد الله" وهي إحدى مناطق بلوشستان: "إنّ كل سكّان قريته لا يستطيعون التقديم على جوازات سفر دون مضايقات من المسؤولين الحكوميين أو دون إخضاعهم لفحوصات أمنية مطولة".

Even the well-educated feel a desperation to leave, says 21-year-old Sohail Khan from Zhob, Balochistan.

يقول سهيل خان إنه حتى أصحاب المؤهلات العليا يشعرون باليأس ويرغبون في الرحيل

يوضح "واجه أبي وقريبي المتاعب وهما يستخرجان جوازيْهما للسفر إلى الخارج فحسب".

رغم هذه العقبات، وبمجرد وصول المهاجرين من "بلوشستان"  أو المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية أو البنجاب، إلى الخليج، تتكالب عليهم النتائج.

استطاع "جميل حيدر" (24 عاماً) الدخول إلى الإمارات العربية المتحدة من خلال تأشيرة مدتها عامان، متوقِّعًا أن يجني 1300 درهم (حواليّ 354 دولارًا أمريكيًا) في الشهر من العمل ككهربائي. ولكنه حين وصل اكتشف أن راتبه لم يكن سوى مبلغ زهيد، 800 درهم في الشهر (حواليّ 217 دولارًا أمريكيًا). وبالكاد يغطي هذا الأجر تكاليف المعيشة في الخليج، وهو يساوى تقريبًا ما كان بوسعه تحصيله في وطنه باكستان. بينما لا يغطي هذا المرتّب التكلفة الإضافية لاستخراج تأشيرة الإمارات العربية المتحدة والّتي تقدّر بـ 4500 درهم (حوالي 1225 دولارًا أمريكيًا)، ولا تذكرة الطيران البالغة 28 ألف روبية (حواليّ 253 دولارًا أمريكيًا) الّتي دفعها شقيقه.

كما أنّ الكفيل الإماراتي لم يُصدر على الإطلاق عقدًا مكتوبًا لـ"جميل" والذي لم يعلم إلاّ لاحقًا أن الوظيفة التي تم توظيفه لأدائها لم تكن موجودة أصلاً. لقد أخبروه أن خياره الوحيد هو العمل كعامل باليومية، إلى جانب غيره من العاملين في مجال البناء. كانت مهمّته تختلف في كل يوم، ولم يغطِّ أجره الطعام، كما وُعد في الأصل. أما الإقامة  فكانت عبارة عن غرفة مزدحمة غير مريحة مُشتَرَكة مع اثني عشر شخصًا.

في أغسطس 2017، قدم "جميل" بالتعاون مع عاملين آخرين شكوى إلى المحكمة العمالية في الإمارات العربية المتحدة، طالبين الإذن بإنهاء عمالتهم لدى الكفيل الإماراتي، وقد وعد الكفيل الإماراتي بأن ينهي عمل العاملين، بعدما أدرك المتاعب التي سيواجهها. وفي المحكمة، جلب الكفيل الإماراتي مستندًا مكتوبًا بالإنجليزية، لم يفهمه "جميل"، وأخبر مجموعة العمال أن "هذه ورقة إلغاء العمالة"، واعدًا بإرسالهم إلى وطنهم. ليكتشف جميل فيما بعد أنّ الورقة ذكرت افتراءً أنّ كلاً منهم كان يتقاضى أجرًا قيمته 1,500 درهم (حوالي 408 دولارات أمريكية) في الشهر، كما لم يُعفِ أيًّا منهم من وظيفته.

مع مرور الوقت، أقنع "جميل" والعاملون الآخرون كفيلهم بإلغاء عمالتهم؛ لكن بقيت أمامهم مشكلة واحدة: كان الكفيل يتحفظ على جوازات سفرهم جميعًا، مما جعل مغادرتهم البلاد مستحيلة. تواصل "جميل" مجددًا مع المحكمة العمالية، وحصل أخيرًا على مستندات إثبات الهوية؛ ولكن، وجب عليه شراء تذكرة عودته إلى وطنه باكستان، في الوقت الذي لم يكن قد تلقَّى بعدُ أجر الأشهر الثلاثة الأخيرة التي عملها في الإمارات العربية المتحدة. واليوم، يقيم "جميل" في مدينة ديبالبور البنجابية عاطلاً عن العمل.

وكما هو الحال مع "جميل"، يقترض نصف المهاجرين الباكستانيين المال لتمويل هجرتهم، ويعتمد أكثر من ثلاثة أرباعهم على أحد الأصدقاء أو الأقرباء لتمويل الرحلة، وفقاً لدراسة أجرتها منظمة العمل الدولية العام 2016.

يقول "ناصر إقبال"، الباحث المقيم في "إسلام آباد" والذي يجري دراسة عن كلفة الهجرة إلى الخليج، إن المهاجرين الباكستانيين يدفعون واحدة من أعلى رسوم التوظيف في العالم للحصول على فرصة العمل في الخارج. وغالبًا ما يدفع المهاجرون الذين يعتمدون على الأصدقاء أو العائلة للعثور على وظائف، يدفعون رسوم توظيف فلكية، مما يؤدي إلى استنفاد أصولهم والوقوع في فخاخ الديون الثقيلة. ينبع جزء من المشكلة من حقيقة أن أغلب المهاجرين الباكستانيين يقومون بترتيبات الحصول على الوظائف خارج القنوات الحكومية الرسمية؛ وهو ما يزيد من الكُلفة أضعافًا مضاعفة.

وإذا لجأ أحد الساعين إلى الهجرة إلى الوسائل الرسمية، فعادةً ما يدفع مبلغًا يتراوح بين 200 و900 دولار أمريكي مقابل مجموعة من الخدمات. وتشكل رسوم تأشيرة الدخول ورسوم وكالة التوظيف الحصة الأكبر من رسوم هذه الخدمات. وللسفر إلى المملكة العربية السعودية خارج القنوات الرسمية، ينفق العامل العادي ما يصل إلى 4000 دولار أمريكي كتكاليف للهجرة. أما الإمارات العربية المتحدة، فيصل المبلغ إلى 2000 دولار أمريكي في المتوسط. ويُطلب من المهاجرين الساعين وراء وظائف في المملكة العربية السعودية العمل من خلال وكالة توظيف مرخصة في باكستان ولدى السفارة السعودية؛ لكنّ بعضهم يتجنّب هذا الأمر تماماً.

عالقون

Abid says of his brother Majid’s ordeal, “He doesn’t have a passport, he works in hiding, and his status is illegal.”

يقول عابد عن محنة شقيقه ماجد: "ليس لديه جواز سفر، وهو يعمل في الخفاء، ووضعه غير قانوني"

قبل نحو ست سنوات، وفي أحد أزقة حي "بادامي باغ" الضيّقة في إسلام آباد، كان "ماجد علي" (22  عامًا) جالسًا في منزل أسرته بعد إتمامه دورة دراسية في مجال ميكانيكا السيارات بميناء مدينة كراتشي. وكان ابن جاره قد فشل في اجتياز اختبار البصر؛ لذا لم يتمكن من استيفاء الفحص الطبي اللازم لوظيفة في المملكة العربية السعودية.

جمعت عائلة "ماجد" ثروة صغيرة، 500 ألف روبية (حوالي 4520 دولارًا أمريكيًا)، لإرسال أوراقه إلى متعهد التوظيف المجاور بدلاً من ابن جاره. وقال "ماجد" لعائلته: "سأكسب المزيد هناك مقارنةً بباكستان".

أعربت أمه، "طاهرة بيبي" (55 عامًا)  عن قلقها الممزوج بمسحة من إيمانها بالقضاء والقدر، وتحدثت مشيرة إلى رحلة "ماجد" الوشيكة: "للأبناء ما يحبونه وما يكرهونه".

تقدّم "ماجد" بطلب للعمل في الدمام، المدينة التاريخية الواقعة على الخليج العربي. يشكّل الباكستانيّون ثاني أكبر مجموعة من العمالة الأجنبية في المملكة العربية السعودية؛ لذا فقد وثق "ماجد" بأن الخليج سيُفسِح له مجالاً ليطأ بقدمه أوّل درجات السلم الاقتصادي.

لكن بعد فترةٍ وجيزة من هبوط طائرته في الربع الشرقي من المملكة العربية السعودية، ندم على اختياره. فقد اكتشف أنه تم الاحتيال عليه في سعر التأشيرة، حيث دفع ما يربو على 3400 دولار أمريكي زيادةً عن الرسوم الأصلية. وسريعًا، بات من الواضح أن الوظيفة المسجلة على تأشيرة ماجد لم يكن لها وجود. في البداية، تواصل مع جيرانه في "لاهور" الذين ساعدوه، على أمل أن يصححوا الموقف؛ إلا أن هؤلاء ردّوا قائلين: "ليست هذه مشكلتنا لنحلها".

ولمدة سنة، اعتمد ماجد على وظائف عابرة تنامت إلى سمعه من خلال الأحاديث المتداولة من عاملين مهاجرين آخرين. ولكن  ماجد الذي كان بالكاد يتدبر أسباب معيشته، لجأ إلى مسارٍ آخر. فقد عرض على كفيله مبلغ 500 ريال شهريًّا (حوالي 133 دولارًا أمريكيًا) مقابل الإذن له بتسجيل ورشة تصليح سيارات باسمه. بدا أن الأمور تسير على ما يرام إلى أن رأى الكفيل كم أمسى هذا العمل مربحًا، فتحرّك سريعًا للاستحواذ عليه.

في البدء، لم يرغب "ماجد" في الانصياع لطلب الكفيل بالتنازل عن مشروعه؛ فقد استثمر أكثر من 6000 دولار أمريكي من ماله الخاص فيه.  لكن الكفيل هدده بالقبض عليه، وأكرهه على التخلي عن المشروع والموافقة على دفع 4000 ريال (حوالي 1,066 دولارًا أمريكيًا) لنقله إلى كفيلٍ آخر.

“My son is gone, what can I do?” Tahira Bibi asks.

تتساءل طاهرة بيبي: "لقد ذهب ابني، ماذا يمكنني أن أفعل؟"

نُقلت كفالة العمل الخاصة بماجد إلى رجلٍ سعودي آخر، وعرض عليه الكفيل الجديد ترتيبًا مجديًا في السنوات القليلة الأولى. استخدم "ماجد" 10 آلاف ريال (حوالي 2666 دولارًا أمريكيًا) من مدخراته لإنشاء ورشة لإصلاح مكيفات الهواء، ودفع لكفيله الجديد رسومًا شهرية تقدر بـ 500 ريال (حوالي 133 دولارًا أمريكيًا) لتشغيل رخصة العمل باسمه.

ولكن في أكتوبر الماضي، تغيرت الظروف، وأخبر الكفيل السعودي ماجد أنه كان يبني منزلاً، وقال إنه يحتاج من ماجد أن يدفع 5000 ريال (حوالي 1333 دولارًا أمريكيًا).

كان هذا عسيرًا؛ فلم يكن ماجد يحقق  سوى من 1000 إلى 1500 ريال شهريًّا من الأرباح (حوالي من 266 إلى 399 دولارًا أمريكيًا). ويتحدث "ماجد" إلى Migrant-Rights  "لم أتمكن من أن أدفع له 5000 ريال".

 

وفي نوفمبر الماضي، هدده الكفيل بالامتناع عن تجديد إقامته، إذا لم يتمكن من توفير المال. حاول "ماجد" التفاهم مع الكفيل، لكن الكفيل السعودي ظل يصرخ في وجهه بأن عليه أن يعطيه المال. وقد عقّب: "من أين آتي بالمال إذا لم أكن أجني أيًّا منه؟".

ترك الكفيل إقامة "ماجد" إلى أن انتهت صلاحيتها، وقام بتقديم شكوى رسمية ضده في مركز الشرطة، معلنًا أنه كان عاملاً هاربًا من رب عمله وأنه يجب ترحيله في الحال. وخوفًا من العواقب، طلب "ماجد" من الكفيل أن يعيد إليه جواز سفره الذي احتفظ به في بداية توظيفه، إلا أنّ الأخير رفض. وبدون إقامة سارية والشكوى المعلقة ضده، صار "ماجد" الآن خائفًا من العمل بشكل علني.

وبالنسبة إلى عائلة "ماجد" الذين بالكاد تمكّنوا من فهم الوضع المعقَّد الذي تورط فيه "ماجد"، بدا أن وقته خارج البلاد بلا جدوى. يقول شقيقه "عابد" في لقاء معه  داخل منزل العائلة: "باكستان بلد أفضل". "لو كان يعيش هنا مع عائلته، لكنا نَعِمْنا بالسعادة بمعناها الحقيقي".

وأضاف: "لن يحصل على أي شيء، ليس لديه جواز سفر، ويعمل في الخفاء، ووضعه غير قانوني".

مؤخرًا، اتصل "ماجد" هاتفيًّا بأمه ليبثّ لها مخاوفه، متوسلاً بعائلته أن ترتب له فرصة عمل بديلة في "لاهور". أرادت العائلة إعادته إلى الوطن، لكنها أدركت أن "ماجد" يحتاج إلى أن يعود إلى وطنه بالمال للمساهمة في دخل العائلة. وقد قالت أمه "بيبي": "قلبي لم يعد يطيق التحمل. إنه قلب أم. لقد غضبت من نفسي في البداية، متسائلةً عن سبب سفر ابني إلى الخارج؟". تضيف: "ظللت أقول في نفسي: لماذا نحتاج الذهاب إلى هناك؟ يمكنه العمل هنا في باكستان ويجد الفرص لنفسه".

أما "عابد" فيقول إن أسوأ شيء في رؤية معاناة شقيقه خارج البلاد كانت معرفته أن كل ما حدث لم يكن له داع: "إذا كان يمكنه العمل هنا، فعليه العودة".

لأكثر من عام، لم يرسل "ماجد" أي أموال إلى الوطن، كما بدت أمه مكروبة لعدم رؤيته منذ شهور. "لقد ضاع ابني، ما الذي يمكنني القيام به؟".