لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

مقال رأي: الكورونا والعنصرية تجاه العمالة المهاجرة

في 25 مارس 2020

أثناء الأزمات، غالباً ما يتحمل الفئات المهمشة والضعيفة مسؤوليات أكبر استطاعتها، إضافة إلى كونها أكثر المتأثرين بتبعات تلك الأزمات أياً كان نوعها.

وخلال الاسابيع الماضية، شهدت منطقة الخليج تأثراً واضحاً بفايروس كورونا الذي أصبح بحسب تعبير منظمة الصحة العالمية وباءً يتطلب تظافر كافة الجهود من أجل الخروج منه بأقل قدر من الخسائر البشرية.

ومع ازدياد حدة انتشار الفايروس في أكثر من بلد خليجي، بدأت خطابات مشوبة بالعنصرية ويصل بعضها إلى حد الكراهية تجاه الفئات الأضعف في المجتمع، سواء أكانت تلك الفئات وطنية، كما هو حاصل في البحرين على سبيل المثال من دعوة بعض أعضاء مجلس "النواب" بعدم إعادة أكثر من الف مواطن عالقين في إيران أغلبهم إن لم يكن جميعهم من اتباع المذهب الشيعي، أم كانت تلك الفئات العمالة المهاجرة، كما الخطابات التي أطلقها البعض تجاه جنسيات محددة من العمالة في الكويت أو البحرين. ووصل الحال بأحد المغردين في الكويت إلى التمييز بين المهاجرين على أساس دولهم، ففي الوقت الذي انتقد فيه وجود مركز للحجر الصحي قريب من مسكنة مخصص للعمالة المهاجرة القادمة من الدول النامية والفقيرة، رحب ذات المغرد باستقبال مهاجرين قادمون من إحدى الدول الصناعية!!

وبين هذا وذاك، وفي كلا الحالتين تُحمّل تلك الفئات المُستضعفة مسؤوليات إما عن انتشار المرض أو أن ممارساتها المعيشية تؤدي لانتشار المرض، لا لسبب إلا لكونها "الطوفه الهبيطه" بالمصطلح الدارج في منطقة الخليج، وهو يعني أنهم الحائط القصير الذي يمكن اجتيازه بسهولة.

ولست بوارد في هذه المقالة استعراض قضية المواطنين البحرينيين العالقين في إيران كون أسبابها ومساراتها أصبحت أكثر وضوحاً لمن يفهم السياقات السياسية والطائفية في البحرين. 

موضوع هذه الخاطرة هو فيديو

انتشر مؤخراً على وسائل التواصل الاجتماعي في البحرين حول "عدم التزام" العمالة المهاجرة بالإجراءات التي اعلنت عنها الحكومة لمواجهة انتشار الفايروس من غلق للمطاعم والمقاهي إلا لتقديم الخدمات الخارجية، ومنع التجمعات في الأماكن العامة، باستثناء المساجد!!، وتحميل أولئك المهاجرون ما قد ينتج عن تجمعاتهم من انتشار للمرض من خلال التعليقات التي وردت على الفيديو.

 إلا أن لا أحد من أولئك الذين تبادلوا نشر الفيديو وعلقوا عليه بضرورة "فرض" الاجراءات بالقوة إن تطلب الأمر، تساءل عن الظروف الصحية للمساكن التي يقيم فيها جزء ليس بالقليل من أولئك العمال، وعن ظروف الصحة والسلامة في مواقع عملهم، وهل استفادوا، كغيرهم من العمال والموظفين، بتقليص ساعات العمل أو العمل من خلال منازلهم أو أن جهات عملهم وفرت لهم المستلزمات الصحية وغير ذلك من الأسئلة التي عبر عنها أحد المغردين بالقول "على فكرة هؤلاء لا يمكنهم العمل من المنزل، هم من يقدم لكم الخدمات التي تحتاجون وانتم في منازلكم. التوعية مهمة لهم، لكن عليكم التفهم انهم يعيشون أصلا في تجمعات وهم نفسهم عليهم العمل نهاراً 

وطبخ ما يحتاجون ليلاً، لا يمكنهم أصلا شراء أكثر من حاجتهم اليومية ولا يمكنهم تخزين شيء".

لا يمكن أن يُجادل أحد على الأوضاع المتردية الي يعيش فيها أعداد كبيرة من العمالة المهاجرة في البحرين، سيما وأن أغلبهم يعملون إما في قطاعات هامشية أو في قطاع الإنشاءات وبالتالي فإن قدراتهم المادية محدودة للغاية. وبغير العمال الذين يوفر لهم صاحب العمل السكن ويقيمون في معسكرات العمال، والظروف الصحية فيها قصة أخرى، يعيش الآلاف منهم في منازل قديمة وآيلة للسقوط أو بنايات سكنية يعوزها أبسط مقومات السلامة والصحة.

ويشير تقرير إخباري منشور في العام 2016 إلى وجود ما يقارب 235 ألف عامل يسكنون في أحد أحياء المنامة القديمة فقط، ناهيك عن بقية الأحياء سواء في العاصمة المنامة أو في المدن والقرى البحرينية الأخرى، حيث يُقدر

 عدد سكان المنزل الواحد 40 الى 50 عامل. وتشير دراسة أخرى إلى أن لجنة حكومية مشكلة برئاسة وزير البلديات والتخطيط العمراني قامت بزيارات تفتيشية على المساكن العمالية، وخلصت إلى أنه في العام 2009 مسحت اللجنة 361 مبناً سكنياً للعمال كان من بينها 4 مباني فقط هي المجهزة كمساكن للعمال، فيما بلغت عدد المباني التي شملتها الزيارات في العام 2010، 279 عقار، لم يكن منها إلا عقارين اثنين مجهزين للسكن للعمال، تم مخالفة 360 منها وصدور أحكام قضائية بحق 160 عقاراً آخر.

ويبلغ عدد العمال المهاجرين في البحرين لغاية الربع الثاني من العام 2019 (499,127( عامل وعاملة، يتقاضى ما يفوق 350 ألف منهم أجور لا تزيد عن 200 دينار بحريني حسب الأرقام الرسمية  لنفس الفترة

ظروف السكن والعمل وفايروس الكورونا

إن الاوضاع التي تعيش فيها نسبة كبيرة من العمالة المهاجرة في البحرين، ظروف العمل والسكن، يجعل منها أكثر هشاشه وعرضة لانتشار فايروس كورونا في أوساطها بصورة أكبر وأسرع، ما يتطلب إجراءات احترازية وتوعية لا تقوم على "القمع" و"الفوقيه" كما وردت في العديد من الردود على الفيديو المذكور.

أشار  تقرير سابق لـ "مايجرنت رايتس" إلى أن "غالبية العمال الوافدين من ذوي الدخول المنخفضة في المنطقة، [يعيشون] في أماكن مكتظة تفتقر للنظافة، في الوقت الذي يُوصَى فيه بالتباعد الاجتماعي كأفضل وسيلة لمحاصرة انتشار الفيروس، إلا أنه من الصعب تحقيق ذلك خصوصاً بين العمال من ذوي الياقات الزرقاء في المنطقة الذين يقيمون في غرف تضم 6 إلى 8 أشخاص في أفضل الأحوال".

وعلى الرغم من توضيح التقرير لبعض الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول الخليجية بهدف ضمان صحة وسلامة العمال المهاجرين كـحظر "عدة دول خليجية دخول مواطني عدد من الدول التي تستقدم منها العمالة، ونشرت بعدد من اللغات، منشورات توعوية تستهدف العمالة الوافدة لديها"، إلا  التقرير استدرك "لازال من غير المعروف إن كانت هناك خطوات إضافية قد اتخذت لتجنّب انتشار الفيروس بين مجتمعات العمال الموجودة حالياً في البلاد".

ودعت "مايجرنت رايتس" إلى اتخاذ الحكومات وأصحاب الأعمال عدد من الاجراءات الاحترازية منها: الزام الشركات بتعقيم مواقع العمل وتوفير مواد السلامة (معقمات اليد والمحارم الورقية والصابون والاقنعة الواقية).

والملاحظ لمواقع العمل في البحرين، بالأخص في مواقع الانشاءات والمشاريع الأخرى ذات الكثافة العمالية، يتضح أن إجراءات الصحة والسلامة المهنية يشوبها العديد من الثغرات، وهو ما يتطلب تكثيف عمليات "التفتيش على مساكن العمال [ومواقع عملهم] من أجل التأكد من تلبيتها للمعايير الصحية، وفتح خطوط اتصال ساخنة للعمال للإبلاغ عن الحالات المخالفة"، إضافة إلى قيام الجهات الحكومية بالتعاون مع سفارات العمالة المهاجرة بتعميم توصيات محددة لأصحاب العمل بهذا الخصوص.

وبحسب بعض الأرقام الرسمية المنشورة في الصحافة المحلية، وعلى الرغم من الآلاف الذين استفادوا من نظام التصريح المرن (تصريح تصدره هيئة تنظيم سوق العمل يمنح العامل حرية الإقامة في البحرين والعمل في أي وظيفة غير تخصصية دون كفيل لمدة سنتين قابلة للتجديد)، يصل عدد العمالة "غير النظامية" في سوق العمل في البحرين إلى 62 ألف عامل وعاملة. وهذا العدد بعيد عن سلطة أجهزة التفتيش التابعة لوزارة العمل وهيئة تنظيم سوق العمل، ولا تعُرف لهم مواقع عمل أو سكن، وفي الغالب يسكنون في مساكن يعوزها الكثير من اجراءات الصحة والسلامة، ويسكن أكثر من 5 أو 6 أشخاص في غرفة واحدة، الأمر الذي يعرضهم أكثر من غيرهم للعدوى في حال تعرض أحدهم للمرض.

ويتطلب ذلك، وكخطوة استباقية، إجراء حملات تفتيش واسعة على المساكن العمالية الواقعة في الأحياء والقرى بهدف التأكد من إجراءات السلامة والصحة فيها، دون أن تترافق تلك الحملات بترهيب العمال "غير النظاميين" كون الهدف الحالي حمايتهم وحماية المجتمع من أية عدوى قد تنتشر. وقد يكون من الضروري أن تنفذ تلك الحملات بتعاون بين الجهات الرسمية وسفارات العمالة والقطاع الخاص. إضافة إلى ذلك، قد يكون من المهم الشروع حالياً وعلى مراحل بتنفيذ توصيات الدراسة التي أشرنا إليها سابقاً والتي خلصت إلى:

إن تطبيق إجراءات الحظر المنزلي لمن قد يصاب من أولئك العمال ضرورية بحسب الإجراءات التي أعلنت عنها السلطات المحلية، ولكن كيف يمكن عزل عامل وهو في مسكن للعمال يعوزه، كما أشرنا، للكثير من إجراءات الصحة والسلامة فضلاً عن الاكتظاظ البشري الهائل، يضاف إلى ذلك احتمالية انقطاع دخل العامل خلال فترة العزل.

لقد أطلقت الحكومة البحرينية مؤخراً حزم من الدعم موجهة للقطاع الخاص لمواجهة تبعات الفايروس من ضمنها تكفلها بأجور الموظفين القطاع الخاص للشهور الستة المقبلة، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كان هذا الدعم سيشمل العمالة المهاجرة. إلا أن سؤالاً يبقى عالقاً، ما مصير الآلاف من العمالة "غير النظامية"؟

تتطلب الإجراءات المعمول بها في البحرين أن يكون العامل المهاجر مقيماً إقامة قانونية في حال طلبة للخدمات الصحية العامة، وهذا يتطلب من الجهات الرسمية أن تكون أكثر مرونة في التعاطي مع فئات العمال "غير النظاميين" من حيث "ضمان وإبلاغ العمال المهاجرين غير النظاميين، بوضوح، أن بامكانهم الوصول إلى الخدمات الصحية دون خوف من العقوبة أو الترحيل"، فضلاً عن "إجراء الفحوصات في مراكز التوقيف والترحيل المعروفة بازدحامها بالنزلاء"، بحسب مايجرنت رايتس.

تلك الإجراءات وغيرها الكثير الذي يجب تعزيزها بشراكة بين الجهات الرسمية والقطاع الخاص ومنظمات العمال وكذلك سفارات الدول المرسلة للعمالة، كفيلة بضمان صحة المجتمع ككل ومن ضمنهم العمالة المهاجرة وتخفيف آثارها. وبدلاً من توجيه اللوم لهم لنمارس دوراً توعوياً من جهة وضاغط على الجهات الرسمية وأصحاب العمل من جهة أخرى لنتجاوز سوياً هذه الأزمة.