لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

تكلفة الصحة الجيدة لعمال الكويت المهاجرين

في 20 فبراير 2023

في ديسمبر 2022، بدأت وزارة الصحة الكويتية فرض رسوماً على صرف الأدوية للمقيمين من غير المواطنين، من المستشفيات الحكومية والعيادات. حالياً، يتوجب على غير المواطنين دفع رسوماً ثابتة بقيمة 5 دينار كويتي (16 دولار أمريكي) عند استلام الأدوية المذكورة في وصفة الدواء من قبل عيادات الصحة الأولية وأقسام الطوارئ بالمستشفيات، و10 دينار كويتي (32 دولار أمريكي) في العيادات الخارجية. وتم فرض الرسوم الجديدة لتضاف إلى رسوم الاستشارة الطبية الحالية (2 دينار كويتي في العيادات الشاملة، و10 دينار كويتي في العيادات الخارجية)، والمختبر، ورعاية المرضي المتواجدين في المستشفى، ورسوم الأشعة التي على المرضى المهاجرين دفعها عند الاستفادة من الخدمات الصحية العامة. ولتجديد التأمين الصحي العام، يدفع المرضى المهاجرين العاملين في القطاع الخاص مبلغاً سنوياً قدره 50 دينار كويتي (163 دولار أمريكي)، وهو ما يجب أن يتحمله، على الورق، صاحب العمل إلا أن الأمر قد لا يكون كذلك في الممارسة العملية. ظاهرياً، يهدف هذا الإجراء الجديد، إلى " وقف هدر الامدادات الطبية، ورفع مستوى الخدمات الصحية"، إلا أنه في الواقع يمثل عقبة تمييزية أخرى في سبيل الوصول إلى الرعاية الصحية بالنسبة للغالبية العظمى من سكان الكويت، خصوصاً المهاجرين وعاملات المنازل من ذوي الدخول المتدنية. 

وتطرقت وسائل الإعلام المحلية بالفعل لانخفاض حاد في عدد الزيارات اليومية للعيادات العامة في الضواحي حيث غالبية المقيمين فيها غير المواطنين. وفي الوقت الذي تبدو الرسوم متواضعة، لكنها ليست كذلك في بلد يبلغ الحد الأدنى الرسمي للأجور فيه 75 دينار كويتي (248 دولار أمريكي) لكل من عمال المنازل المهاجرين وللعاملين في القطاعين الخاص والنفط. الجدير بالذكر أن دول الأصل تقوم بوضع حد أدنى للأجور الخاصة بمواطنيها في الكويت. وبرغم إنه أعلى مما تضعه السلطات الكويتية، إلا أنه منخفضة للغاية بشكل عام. فللهنود، على سبيل المثال، بالكاد يبلغ الحد الأدنى للأجر الذي حددته السفارة الهندية في أغسطس 2022، لمختلف فئات العمال، 100 دينار كويتي (320 دولار أمريكي).  

عمال مهاجرون ينتظرون العلاج في مستشفى مكتظ بالكويت [صورة من الأرشيف]. مصدر الصورة: Arabtimesonline

بالتفكير في هذا الواقع، يتساءل أحد منظمي المجتمعات المهاجرة، كيف يمكن تصور أن يكون بإمكان العمال تحمّل الرسوم الجديدة. "تخيّل أن تمرض وأن ما تكسبه هو 150 دينار كويتي شهرياً! وماذا لو حدث ذلك في منتصف الشهر! وأن لا تكون قد حصلت على راتبك بعد!  وأن يكون عليك دفع إيجار ومصروفات أخرى، كيف تدفع!" الأمر سيكون أكثر سوءاً لمن يعانون من أمراض مزمنة تتطلب أخذ أدوية بشكل يومي. وحين يُجبر كثيرون على الاختيار بين إرسال الأموال لعائلاتهم في أوطانهم وبين الانفاق على الطعام والمأوى، الكثيرون تتراجع لديهم أولوية الاهتمام بصحتهم. 

وفي حديث مع Migrant-Rights.org، عبر طبيب يعمل في المستشفى العام بالجهراء اشترط عدم ذكر اسمه عن قلقه بأن تُثني الرسوم الجديدة العمال من ذوي الدخول المتدنية عن محاولة الحصول على الخدمات الصحية الأساسية. وقال الطبيب نفسه: "يعاني كثير من العمال، خصوصا القادمين من جنوب آسيا، من ضغط الدم المرتفع والسكر. "ما يفعله هؤلاء عند زيارة عائلاتهم مرة كل ثلاث سنوات، هو الذهاب إلى الطبيب هناك، ومن ثم شراء الأدوية بكميات كبيرة نظراً لأن كلفتها أقل هناك. وعندما يعودون يمددون فترة استخدام ما لديهم من أدوية بدلاً من الذهاب إلى المستشفى هنا". ويتركون الزيارات للمستشفى للوقت الذي يكون فيه الألم أكبر من الاحتمال، أو ربما عندما يكون الشخص على عتبة الموت. وربما عبّر بيان نادر أصدرته وزارة الصحة باللغة الانجليزية في يناير 2023، عن مستوى وعي المسئولين فيما يتعلق بقدرة العمال المهاجرين على الوصول للخدمات، إذ أوضح البيان أنه سيتم اعفاء غير المواطنين ممن يتعرضون لحالات حادة من الطوارئ، من رسوم المستشفى في غرفة الطوارئ. 

وتتبرع جمعيات خيرية كثيرة وصناديق المرضى التي تديرها المستشفيات بتغطية تكاليف العلاج لمن ليس لديهم قدرة أو قدرتهم محدودة على تحمل التكاليف. إلا أنه من الصعب الوصول إلى هذه المصادر إلا في حالة أن يكون الشخص يتحدث اللغة العربية أو أن يكون لديه متسع من الوقت لاستكمال إجراءات التقديم الطويلة والبيروقراطية، وهو ترف للعمال الذين بالكاد يمكنهم الحصول على إجازة مرضية ليوم واحد. وعبّرت بعض فئات المجتمع المدني عن قلقها بشأن التأثيرات السلبية للرسوم الجديدة على صحة العمال. إلا أنه، ومن جهة أخرى، أشارت تقارير إخبارية حديثة عن تضييق وزارة الصحة الخناق على الأفراد المتخصصين في الرعاية الصحية ممن يحاولون دعم المرضى غير الآمنين مالياً من خلال التحايل وعدم اتباع إجراءات دفع رسوم المختبر والأشعة. 

وفيما يتعلق بعمالة المنازل، فإن القانون الكويتي يلزم صاحب العمل لتغطية أية تكاليف للرعاية الصحية يحتاجها العامل في البلد. إلا أن منظم آخر من منظمي مجتمعات المهاجرين، يعمل عن قرب مع عاملات منازل أثيوبيات، قال إن الكثير من أصحاب العمل، في الواقع، يرفضون أصلاً، أخذ عاملاتهم إلى المستشفى، وعندما يقومون بذلك، فإن افتقار العاملات للوعي بحقوقهم يدفعهن لتحمّل التكاليف من أجورهن المتدنية. وإذا لم تكن العاملة برفقة صاحب العامل، وليس لديها بطاقة مصرفية، فقد ينتهي بها الأمر باللجوء للغرباء طلباً للمساعدة. ولم تعد العيادات والمستشفيات العامة تقبل بالدفع النقدي. ويضيف: "كثير منهم (أصحاب العمل) لن يدفعوا إلا إذا ما ذهبنا نحن (منظمي المجتمعات) إلى الشرطة أو تقدمنا بشكوى لدى إدارة العمالة المنزلية". وفي حين تبدو هذه الرسوم الجديدة على الصيدليات العامة، بأنها تقع تحت مسئولية أصحاب العمل، فإن ميل ميزان القوة بين عاملات المنازل وأصحاب عملهم لغير صالح العاملات كونهن الطرف الأضعف، فهذا يعني أنهن معرضات لتحمل العبء الأكبر لهذه التكاليف بأنفسهم. 

بالإضافة إلى ذلك، يطلب دائما من عاملات المنازل "أخذ البنادول" ومواصلة العمل. ولطالما أصبح البنادول الدواء المفضل لاختيار أغلب العمال المهاجرين، بغض النظر عن الأعراض التي يعانون منها أو التشخيص. وأظهرت البحوث الطبية على مدى السنوات القليلة الماضية أن استخدام الباراسيتامول لفترات طويلة من شأنه أن يشكل خطراً على صحة الأوعية الدموية والكلي. ولكن بدلا من تحمل سلسلة من التكاليف لكل استشارة، وإحالة، وخدمة مختبر - والآن الدواء – في المستشفيات، يفضل العديد من العمال التداوي الذاتي أو الذهاب لصيدلياتهم المحلية وشراء ما يوصي به الصيدلاني فيها. البعض منهم يشككون في جودة الرعاية التي يحصلون عليها في المستشفيات العامة. يقول أحدهم: "لماذا أدفع 10 دينار كويتي عندما تكون الوصفة الطبية فقط بنادول؟   

ومن المتوقع أن تجني وزارة الصحة الكويتية 29 مليون دينار كويتي سنويا من الرسوم التي يتم تحصيلها من الصيدليات التابعة لها، بالإضافة إلى نحو 100 مليون دينار كويتي تحصل عليها، في المتوسط، سنويا من رسوم التأمين الصحي من غير المواطنين. إلا أن هذه الإيرادات الإضافية لا تشكل سوى نقطة في بحر إذا ما قورنت بالميزانية الإجمالية للوزارة – حوالي 1% من نفقات الموازنة المرصودة للسنة المالية 2022-23 وقدرها 2.69 مليار دينار كويتي

بشكل عام، فإن الرسوم الجديدة ماهي إلا بند جديد في قائمة طويلة من السياسات الصحية التمييزية والاستبعادية التي بدأت تُطبّق في الكويت. فمن إعطاء الأولوية للمواطنين لتطعيمات كوفيد، وحتى قصر بعض الأدوية للمواطنين فقط، لايمكن إلا القول ان كلفة الصحة الجيدة للمهاجرين في الكويت آخذه في الزيادة فقط.