لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

الحماية الاجتماعية في دول الخليج: ما الحقوق التي يتمتع بها العمال المهاجرون؟

في 12 سبتمبر 2023

تعتبر الحماية الاجتماعية حق إنساني عالمي منصوص عليه في العديد من معايير الحقوق الإنسانية والعمالية. ويتضمن ذلك الوصول للرعاية الطبية، والخدمات الصحية، وضمان الدخل خلال دورة الحياة، خصوصاً في حالة المرض، والإصابة المهنية، والحمل والولادة، والمسئوليات الاجتماعية، والتعطل، وفقدان معيل الاسرة، وكذلك خلال فترة التقاعد وكبر السن. 

المصدر: المؤلفون، استناداً على أرقام منظمة العمل الدولية (2023)

شهدت أنظمة الحماية الاجتماعية، على مدى القرن الماضي، نموا كبيرا مثيرا للإعجاب. ومع ذلك، لايزال نصف سكان العالم – أكثر من 4 مليار نسمة – يفتقرون لسبل الوصول أي من مزايا الحماية الاجتماعية.

على الصعيد العالمي، غالباً ما يفتقر العمال المهاجرون لإمكانية الوصول للحماية الاجتماعية بسبب القيود القانونية والعملية. ويعني الافتقار للحماية الاجتماعية الشاملة، أنه ليس أمام العمال المهاجرين سوى مواصلة العمل – وربما ليس بإمكانهم تحمل كلفة الرعاية الصحية تماما – في حالة المرض أو الحمل. كما قد يعني ذلك أنهم يتحملون تكلفة الإصابات في موقع العمل، وغالباً ما يجعلهم، وعائلاتهم عرضة لعدم الأمان المالي عندما تتوقف قدرتهم على العمل بسبب كبر السن، الإعاقة أو الوفاة.  

الحماية الاجتماعية في منطقة الخليج

تتجلى تحديات مد الحماية الاجتماعية لتغطية العمال المهاجرين، بوضوح في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يشكّل العمال المهاجرون مابين 75% - 95% من القوى العاملة فيها. وفي حين كان موضوع الحماية الاجتماعية من المشاكل المتصاعدة قبل كوفيد-19، فقد أكدت الجائحة على أهميته الملحة. وقد تركت الثغرات في أنظمة الحماية الاجتماعية الكثيرين، بدون دخل عندما لم يكن بوسعهم العمل بسبب المرض أو قيود الجائحة أو بسبب الاستغناء عنهم خلال فترة إغلاق الشركات. 

ويعتبر فهم المزايا المتاحة حاليا للعمال المهاجرين هو الخطوة الرئيسية لتقوية الحماية الاجتماعية لهم في المنطقة:

  1. ماهي مستحقات الحماية الاجتماعية التي تتوفر للعمال المهاجرين؟ 
  2. إلى أي مدى يستطيع العمال الأجانب الوصول لهذه المستحقات في الواقع العملي؟ 

استناداً على تقرير صدر حديثاً حول تشريعات الحماية الاجتماعية الوطنية والإطار القانوني للعمال المهاجرين في دول الخليج – وهو جزء من مشروع  تعاون بين ILO  و ODI الذي يهدف إلى مد الحماية الاجتماعية للعمال المهاجرين من خلال البحث وحوارات السياسات – يستكشف هذا المقال السؤال الأول. وسوف تنشر نتائج السؤال الثاني، بناء على بحث يجرى فيما بعد، في مقال ثان ينشر لاحقاً هذا العام. 

نصوص الحماية الاجتماعية: القطاع العام مقابل القطاع الخاص

سوق العمل في دول الخليج مجزأ: الغالبية العظمى من مواطني دول الخليج موظفون في القطاع العام، فيما غالبية المهاجرين يعملون في القطاع الخاص. وهذا يظهر فيما يقدم للحماية الاجتماعية: وظائف القطاع العام تمنح أجور أفضل بشكل عام، وهي أكثر سخاء في مستحقات الحماية الاجتماعية للمواطنين، فيما الحماية الاجتماعية في القطاع الخاص عادة ما تكون أقل بدرجة كبيرة.  

ويعتمد الكثير من يقدمه القطاع الخاص للموظفين، على ترتيبات "مسئولية صاحب العمل" (على عكس نظام التأمين الاجتماعي). وتعنى مسئولية صاحب العمل أن أصحاب العمل الأفراد مسئولين بشكل مباشر عن دفع المزايا، وعلى سبيل المثال، عندما يتعرض العامل لإصابة في العمل، أو يطلب إجازة مرضية أو إجازة حمل. 

ومن الممكن أن تشكّل هذه الترتيبات ضغوطاً على العمال وتدفعهم لعم أخذ إجازة مرضية أو إجازة أمومة، أو تشجّع أصحاب العمل على التمييز في التوظيف أو إبقاء العقود مع العمال الذين لديهم ظروف واضحة. بالإضافة إلى ذلك، قد تعاني الشركات الصغيرة من التبعات المالية، مما يخلق حافزاً لتوظيف العمال بشكل غير رسمي، او تقليل الالتزام بالبنود المنصوص عليها. 

بشكل عام أكثر، فإنه من الصعب مراقبة وانفاذ أحكام المسئولية. وحيث أن صاحب العمل يتحمل، منفردا، مسئولية دفع المستحقات، فقد يُترك العمال بلا حماية في حالة مواجهة صاحب العمل مصاعب مالية أو تعرضه للإفلاس. غالباً ما تكون متابعة الشكاوى صعبة بسبب إلزام نظام الكفالة العمال بمغادرة البلاد بعد فترة قصيرة من انهاء عقود عملهم. بالإضافة إلى ذلك فإن عملية التظلم تستغرق وقتاً طويلاً، وسوف تكون مكلفة لو بقي العامل بدون عمل لمتابعة قضيته والدفاع عن حقه. 

التمييز بين المهاجرين والمواطنين

إلى جانب هذه القيود في أحكام القطاع الخاص، فإن أحكام الحماية الاجتماعية أصعب بالنسبة للمهاجرين، ذلك لأن القانون غالباً ما يفشل في الاعتراف بمبادئ المساواة في المعاملة بين المواطنين وغير المواطنين.  

يتزايد التمييز بين المواطنين والعمال المهاجرين فيما يتعلق بشروط الوصول للرعاية الصحية. بالإضافة إلى ذلك، فإنه غالباً ما يتم استثناء المهاجرين من حقوق الضمان الاجتماعي الواقعة خارج نطاق العلاقة بين صاحب العمل والموظف. على سبيل المثال، لا توجد حقوق للمهاجرين للحصول على المزايا العائلية، مزايا التعطل (في جميع الحالات، ماعدا البحرين، وحديثا انضمت لها الإمارات من خلال صندوق خاص يموّل من قبل الموظفين)، وكذلك كبر السن، الإعاقة، ونصيب الورثة من معاشات التقاعد. وتعتبر مكافأة نهاية مدة الخدمة، هي الاستحقاق الأكثر شيوعاً، وهو عبارة عن مبلغ مقطوع بُدفع عند انتهاء مدة الخدمة. 

المصدر: منظمة العمل الدولية (2023)

استثناءات لأنواع معينة من العمل

لا يوجد أية مستحقات، تقريبا، للعاملين بنظام الدوام الجزئي، أو في الوظائف الموسمية، أو المؤقتة، أو العاملين لحسابهم الخاص. ومن المهم الإشارة، مع ذلك، إلى أن العاملين في اقتصاد الوظائف المؤقتة، عادة ما يتم توظيفهم على أساس أنهم موظفين لدى شركات تقوم بتوظيف عمالها لدى شركات المنصات الرقمية. وفي هذه الحالة، فمن الأجدى أن يتم تغطيتهم بالأحكام نفسها السارية على موظفي القطاع الخاص أكثر من تصنيفهم على أنهم "يعملون لحسابهم الخاص". 

كذلك، فمن المعروف، تاريخياً، أنه يتم استثناء عاملات المنازل، برغم أنه تم منحهن بعض المستحقات خلال العقد الأخير (ترد مناقشته أدناه). أما أولئك اللاتي ليس لديهن إقامة عادية أو تأشيرة عمل، فليس لهن الحق في الحماية الاجتماعية، إلا في حالات الرعاية الصحية الطارئة. 

تطورات إيجابية

وفي مقابل هذه التحديات الصعبة، توجد هناك بعض المؤشرات الإيجابية الدالة على الإصلاح. 

أولاً، هناك بعض الأدلة على أن هناك تحول من الأحكام التقليدية المتعلقة بصاحب العمل، إلى إدراج العمال المهاجرين تحت مظلة أنظمة الضمان الاجتماعي. في البحرين والسعودية، يسمح القانون للعمال الأجانب، مبدئياً، بالوصول إلى أنظمة الضمان الاجتماعي على قدم المساواة مع المواطنين – وكذلك إلى نظام التعطل في البحرين (وإن كان الوصول في الواقع العملي يبقى محدوداً). وحديثا، أصدرت عمان قانوناً يمهد الطريق لنموذج جديد في المنطقة؛ يمنح العمال المهاجرين مدخلاً للوصول إلى نظام التأمين الاجتماعي الوطني لتغطية المرض، الأمومة، وإصابات العمل على قدم المساواة مع المواطنين. 

وفي الوقت الذي يستمر استثناء المهاجرين من أنظمة التقاعد، أعلنت بعض دول المنطقة، أو بدأت بدراسة، إصلاحات لتغيير ترتيبات مكافأة نهاية الخدمة ليتم دفعها من خلال مؤسسات الضمان الاجتماعي، كما هو الوضع في البحرين منذ 2022 بحسب القانون 14/2022، وكذلك في عمان، حيث تم إنشاء صندوق ادخار ليحل محل مكافأة نهاية الخدمة، في يوليو، وسيدخل حيز التنفيذ خلال السنوات الثلاث المقبلة (المرسوم 52/2023) ومن شأن ذلك أن يتيح قدر أكبر من الرقابة والإنفاذ من قبل الدولة. 

وفي الوقت الذي تسقط عاملات المنازل خارج نطاق قانون العمل في معظم دول الخليج، إلا أن العقد الماضي شهد إصلاحات لتطوير تشريعات جديدة لعاملات المنازل، لإعطائهم الحماية العمالية –  بما في ذلك بعض مستحقات الحماية الاجتماعية. ويعني هذا، أن عاملات المنازل في جميع هذه الدول، ماعدا عمان، أصبح لهم حق التغطية الصحية، ومكافأة نهاية الخدمة – ومزايا تغطية المرض، وإصابة العمل في بعض الحالات. ومع ذلك، إلا أن آليات نطاق، وكفاية تمويل ذلك، لعاملات المنازل غالباً ما تكون أقل من تلك الخاصة بالعمال الآخرين في القطاع الخاص. 

المخاطر هل توجد أية مخصصات لتغطية هذه المخاطر
للعمال المهاجرين العاملين في وظائف بدوام كامل في القطاع الخاص  للعمال المهاجرين العاملين في القطاع المنزلي
كبر السن، الإعاقة، الورثة  لا لا
إصابة عمل نعم- بشكل عام من خلال مسئولية صاحب العمل (التأمينات الاجتماعية في البحرين، والسعودية وقريبا عمان) نادراً – توفر الإمارات والكويت فقط بعض التغطية لعمالة المنازل
المرض نعم – من خلال مسئولية صاحب العمل (قريبا، التأمينات الاجتماعية في عمان) في بعض الأحيان – تتضمن لوائح العمالة المنزلية في السعودية وقطر والامارات، بنود خاصة بالمرض، إلا أنها بمزايا أقل من العمال المهاجرين الآخرين
الرعاية الصحية نعم – الآن، إلى حد كبير، من خلال التأمين الخاص الذي يتحمله صاحب العمل نعم – لكن الحد الأدنى لمتطلبات السياسات غالباً يختلف بين عاملات المنازل والعمال المهاجرين الآخرين
الأمومة نعم – من خلال مسئولية صاحب العمل (قريبا، التأمينات الاجتماعية في عمان) لا يوجد
البطالة في البحرين فقط (من خلال التأمينات الاجتماعية)، وفي الإمارات (من خلال التأمين الخاص) لا يوجد
العائلة  لا يوجد لا يوجد
مكافأة نهاية الخدمة نعم – بشكل عام من خلال مسئولية صاحب العمل (رغم أن هناك إصلاحات جارية في الوقت الحاضر لإنشاء صناديق وطنية للضمان الاجتماعي في عمان والبحرين) ليس في عمان. وفي الدول الأخرى، تعتبر مكافأة نهاية الخدمة إجبارية لعمالة المنازل، لكن هذا الأمر مضمون فقط على نفس مستوى عمال القطاع الخاص في البحرين والكويت

المصدر: منظمة العمل الدولية (2023)

مخاوف متزايدة

وبرغم وجود بعض التطورات الإيجابية في أحكام الحماية الاجتماعية، إلا أن هناك بعض الحالات التي تستدعي قلقاً كبيراً. 

المصدر: المؤلفون

من بينها، ظهور التأمين الخاص الإلزامي لتوسيع أشكال معينة من الحماية لتشمل العمال المهاجرين. ويشكل هذا النهج خطورة لتولد المزيد من عدم المساواة في المزايا، وارتفاع كلفة هذا الاستثناء، والفشل في تحقيق مبادئ التكافل واسع النطاق ودور الدولة كضامن للحماية الاجتماعية. 

وباستثناء خمس من الإمارات، فإن التأمين الصحي للعمال المهاجرين والممول من قبل صاحب العمل سوف يكون إلزاميا، قريبا، في جميع دول الخليج، وعلى الأغلب، سيكون من خلال نموذج التأمين الخاص. في الإمارات، أصبح جميع موظفي القطاع الخاص، ملزمين بدفع تكلفة التأمين ضد التعطل بالكامل. وفي مركز دبي المالي العالمي، تم استبدال ترتيبات مكافأة نهاية الخدمة بنظام ادخار الزامي يديره القطاع الخاص

يجب إعادة تقييم تبني الحلول المجزأة القائمة على التأمين الخاص، في ضوء معايير الضمان الاجتماعي الدولية، لأنه يهدد بتعميق التمييز في الاستحقاقات والوصول اليها بين العمال المهاجرين والمواطنين .وينبغي أن يتم إعادة تقييم عملية تبني أنظمة التأمين الخاص المجزأة، في ضوء معايير الضمان الاجتماعي العالمية

التوصيات

وبرغم وجود هذا التقدم الملحوظ، إلا أنه لاتزال هناك الكثير من الثغرات في مستحقات الحماية الاجتماعية للعمال المهاجرين في دول الخليج – كما أن بعض التدابير التي يرجى منها أن تسد هذه الثغرات، هي نفسها تشكل مصدرا للقلق. 

لذا فهناك حاجة إلى تدابير وسياسات كثيرة لتقوية الأحكام القانونية التي تغطي العمال المهاجرين في المنطقة، بما في ذلك:

  • المزيد من التصديق على الاتفاقيات والمعايير العالمية ذات العلاقة بالحماية الاجتماعية وتطبيقها – حتى الآن، لايزال كثير من هذه الاتفاقيات غير مصدق من قبل دول الخليج
  • وقف وتغيير اتجاهات التدابير المتخذة التي تم توثيقها؛ بما في ذلك الأنظمة الوطنية للحماية الاجتماعية التي تعرضت لمزيد من التشتيت من خلال الحلول المعتمدة على القطاع الخاص. 
  • يجب أن تتواكب التعديلات الجارية على ترتيبات كفالة صاحب العمل مع ترتيبات فعالة للحماية الاجتماعية لتتماشى مع زيادة تنقل العمال المهاجرين بين الوظائف في سوق العمل. 
  • هناك حاجة لتحديد كيفية حماية العمال المنزليين من المخاطر طويلة الأجل التي يواجهونها عند عودتهم من العمل في دول الخليج – بما في ذلك تنسيق أقوى بين الدول المنشأ والمقصد بشأن الضمان الاجتماعي. 

بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة للإبقاء على اتجاهات الإصلاحات الإيجابية من أجل: 

  • تقليص الفجوة بين أحكام القطاعين العام والخاص.
  • مد تشريعات الحماية الاجتماعية لتغطية جميع العمال في مختلف اشكال التوظيف.
  • تعزيز إدماج العمال المهاجرين في أنظمة التأمين الاجتماعي الوطنية.
  • تعزيز دور أنظمة التأمين الاجتماعي الوطنية، بناء على التمويل التشاركي من العمال وأصحاب العمل كحجز الزاوية للضمان الاجتماعي.
  • تعزيز الحوار بين دول المنشأ والمقصد لتسهيل نقل المزايا وقابلية تحويلها بينهما.

وبطبيعة الحال، فإن السياسات وحدها ليست كافية لتغيير أوضاع العمال المهاجرين اليومية. ومن أجل حماية حقوق العمال بشكل مجدٍ، لابد أن تقترن الجهود الرامية لتوسيع نطاق الأحكام القانونية بخطوات تضمن الوصول للمستحقات في الواقع العملي. 

ترقبوا المقال الثاني في هذه السلسلة من المقالات في وقت لاحق هذا العام، حيث سنعتمد على أبحاث تُجرى على العمال المهاجرين وذوي العلاقة الآخرين، لاستكشاف إمكانيات الوصول الفعلية للمستحقات – والخطوات اللازمة لتحسين التغطية الحمائية الفعالة للعمال المهاجرين في جميع دول منطقة الخليج.