في الوقت الذي تواجه البحرين انخفاضاً حاداً في المخزون السمكي، تتزايد معاناة الصيادين المهاجرين من تعرضهم لسرقة الأجور. وكثفت السلطات البحرينية جهودها للقبض على الصيادين المهاجرين وترحيلهم بسبب قيامهم بالصيد من غير ترخيص، وذلك بدلاً من التعامل مع الأزمة التي يمر بها القطاع أو تحميل الكفلاء المسئولية
يعتمد قطاع صيد الأسماك في البحرين، بشكل كبير، على العمال المهاجرين، برغم أنه يُسمح فقط للبحرينيين بالحصول على تصريح لصيد الأسماك. ويقوم هؤلاء البحرينيون من أصحاب الرخص بكفالة صيادين مهاجرين وتزويدهم بقوارب ومعدات الصيد. ويحصل العمال عادة على حصة من صيدهم باقتسام الإيراد مع كفيلهم، أو يقومون بدفع مبلغ شهري محدد للكفيل من مبيعات الأسماك مع المحافظة على الإبقاء على مكسبهم أعلى من نقطة التوازن. وفي حالات نادرة، يتم توظيفهم بأجر شهري. وبغض النظر عن اتفاقات التوظيف، فإن انخفاض كمية الصيد تؤثر سلباً على أوضاع العمال المهاجرين وتجعلهم عرضة للاستغلال. وتتشابه الأوضاع بالنسبة للصيادين المهاجرين في جميع دول الخليج، كما ورد في تقرير أعدته Migrant-Rights.Org حول تفاصيل هذا القطاع.
أزمة في طور التكوين
على مر السنين، تعرض المخزون السمكي في البحرين للانخفاض، وذلك بفعل أسباب مختلفة كاستصلاح ودفن الأراضي، والصيد الجائر، وممارسات الصيد الضارة مثل استخدام شباك الجرف العائمة، والصيد أثناء مواسم التكاثر بالإضافة إلى الاحتباس الحراري. وبحسب دراسة أعدتها إدارة الموارد البحرية البحرينية، فإن مخزون البحرين السمكي تراجع بحوالي 90٪ منذ عام 2000 والسنوات التالية في العقد الأول من القرن الجاري. فيما تقلصت أنواع الأسماك من 80 نوع إلى 4 أنواع فقط خلال العقود القليلة الماضية.
وخلال السنوات الأخيرة، بلغت مستويات المخزون السمكي مستويات حرجة، مما أثار احتجاجات عامة على ارتفاع أسعار السمك غير المسبوقة. مثال على ذلك ارتفع سعر الكيلوجرام الواحد من سمك الصافي، وهو السمك الأكثر شهرة في البحرين ارتفاعاً صاروخياً إلى أكثر من 7 دينار بحريني، مقارنه بسعره في السابق عند مستوى أقل من دينار. وتجاوبت حكومة البحرين مع هذه الاحتجاجات بحظر تصدير جميع أنواع السمك والروبيان في مياهها الإقليمية، كما حظرت صيد 3 أنواع من السمك خلال شهر مايو.
وعلى مدي عقود من الزمن، أدى سعى البحرين الحثيث للتنمية واستصلاح الأراضي، إلى تدمير الشعاب المرجانية وكذلك نظم البيئة البحرية، مما أدى إلى إبعاد الأسماك عن الساحل حيث يتم بناء المشاريع. وبرغم ذلك، إلا أن البحرين شرعت مؤخراً في خطة لبناء 5 جزر صناعية، ومن المفارقة أن اثنتين من هذه الجزر تحملان أسم أكبر شعاب مرجانية في الخليج. ويُترقب من هذه الخطة أن تزيد مساحة البحرين بنسبة نصل إلى 60٪.
وفي الوقت نفسه، تضاءلت الانتقادات الموجهة لخطط استصلاح ودفن الأراضي، في وسائل الاعلام الرئيسية بسبب تضييق الحكومة على حرية الصحافة. ونتيجة لذلك، تصاعد توجيه اللوم للصيادين المهاجرين في انخفاض المخزون السمكي. ويعكس هذا النمط الاتجاه الشائع في جعل المهاجرين كبش الفداء أثناء الأزمات.
وخلال العام الماضي، تقدم عدد من النواب بمقترح للوائح مستعجلة لمنع المهاجرين من العمل في نشاط الصيد التجاري، واستبدالهم ببحرينيين. وقال النائب حسن بوخماس، وهو أيضا رئيس لجنة الشئون الخارجية، الدفاع، والأمن الوطني في المجلس «إن العديد من الأجانب يفرطون في الصيد من أجل كسب أكثر قدر ممكن من المال، وحتى إن رأوا سلحفاة عالقة في الشباك فإنهم لا يتورعون عن تمزيق أطرافها للتخلص منها، في حين أن القانون يحمي جميع أنواع السلاحف». وبالإضافة إلى ذلك، فقد دفع إلى تأجيج مشاعر الكراهية تجاه الأجانب ببدء خطابه بالقول «بأن مهنة الصيد تعرضت لغزو الأجانب القادمين من الهند ومن شبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا».
وكثف سلطات خفر السواحل البحرينية، تفتيش قوارب الصيد لفرض استخدام أدوات الصيد القانونية، ولمنع صيد أنواع السمك المحظورة». وقد أدي ذلك إلى القبض على أعداد كبير من الصيادين المهاجرين ومن ثم ترحيلهم.
وفي حين يتورط بعض الصيادين المهاجرين، فعلا، في ممارسات صيد غير مرخصة، نظراً لوجودهم بكثافة بين الصيادين في البحرين (شريط جانبي)، إلا أن مسئولية سلوكهم تقع على عاتق الكفيل البحرين. وغالباً ما يفشل الكفلاء في توفير أدوات صيد مسموح بها، وبالتالي يقومون بالضغط على الصيادين لتجاهل لوائح الصيد، للتحقيق الأرباح. إن خطاب وسياسات الكراهية التي تستهدف الأجانب تصرف الانتباه عن جذور مشكلة تراجع الحياة البحرية، وعن افتقار الحكومة للإجراءات اللازمة لمعالجتها.
ممارسات العمال والأفراد التي تروج للصيد الجائر
يقول خبير في قطاع الصيد البحريني إن الأطباق البحرية تعتبر جزءا أساسيا من المطبخ البحريني، كما يرغب في تناولها المقيمون في البحرين. وأدى هذا الطلب إلى الضغط على مخزون الأسماك، فكثير من المستهلكين لا يحسبون حساباً لمواسم تكاثر الأسماك التي يقومون بشرائها.
وبدت اتجاهات عدم استدامة الاستهلاك أكثر وضوحاً بعدما صوّت نواب البرلمان البحريني بالإجماع على إنهاء الحظر الحكومي على الصيد الذي فُرض خلال شهري أبريل ومايو. وقال أحد النواب المحتجين على المنع «إن أنواع السمك الثلاثة المحظور صيدها تعتبر جزءا أساسيا في كل طبق وكل وجبة في رمضان، ومنع صيدها في هذا الوقت أمر خاطئ». وأضاف: «يجب وقف القرارات التي لا يتم اتخاذها بالتشاور مع أصحاب الشأن – في هذه الحالة، الصيادين». وبفعل هذا الضغط، رضخت الحكومة في نهاية الأمر وقصرت الحظر على شهر مايو فقط.
وبرغم الانخفاض الحاد في أعداد الأسماك، إلا أن الصيادين البحرينيين وأصحاب تراخيص الصيد احتجوا على قرار الحكومة بمواصلة الحظر في شهر مايو، مشيرين إلى التأثير السلبي لذلك على أرباحهم. وليست هذه هي المرة الأولى لاحتجاجات الصيادين. ففي 2017، نظم الصيادون البحرينيون وأصحاب رخص الصيد احتجاجاً أمام البرلمان البحريني للاعتراض على الحظر على صيد الروبيان وحثوا الحكومة على تقصير فترة الحظر.
وبحسب عدد من الصيادين الذين قابلتهم MR، فإن غالبية أصحاب تراخيص الصيد التجاري والذين يجب أن يكونوا مواطنين بحرينيين، يقومون بتأجير تراخيص الصيد للصيادين المهاجرين ولا يتواجدون، أبداً، على سفن الصيد. ويقوم هؤلاء المهاجرين بتعويض الكفلاء بحسب ترتيبات الاتفاق بين الطرفين.
وتتضمن مثل هذه الترتيبات، عادة، الكفلاء لمبالغ شهرية محددة ومتفق عليها من الصيادين المهاجرين. وبعد دفع هذا المبلغ يتم اقتسام المتبقي من الإيرادات فيما بين الصيادين أنفسهم. أو أن يُعرض على الصيادين نسبة من صيدهم كتعويض، لكن نادرا ما يتسلمون رواتب شهرية نظير عملهم. وبحسب صيادين قامت MR بإجراء مقابلات معهم، فإن أغلب أصحاب تراخيص الصيد البحرينيين يختارون الترتيب الأول الذي يوفر لهم دخل منتظم دون عناء. وقال أحد أصحاب رخص الصيد البحرينيين لـ MR: «أغلب أصحاب رخص الصيد ينظرون لذلك كفرصة لكسب المال، إنهم غير مهتمين بتأثير ذلك على البحر مادام سيحصلون على المال». مضيفاً بـ«أنه في المقابل، يتعرض الصيادون المهاجرون لضغوط الصيد والبيع لأكبر كمية ممكنة من الأسماك والروبيان، حتى خلال فترات الحظر، حتى يتمكنون من الوفاء بالتزامهم أمام الكفيل تفادياً لرد فعله».
ويختلف بيع الأسماك بحسب الترتيبات. في العادة، من يتسلمون رواتب شهرية، يقومون بتسليم الكفيل صيدهم، ويقوم من جانبه ببيعه في السوق بشكل مباشر. أما في حالة خيار قيام المهاجرين بدفع مبلع محدد للكفيل، فيصبح عليهم بيع السمك في السوق بأنفسهم. وفي الشهور الأخيرة، كانت هناك عدة حالات لمهاجرين تم القبض عليهم وترحيلهم لسبب بيعهم السمك والروبيان في أكشاك في مختلف مناطق البلاد خلال فترة الحظر. وفي المقابل، يواجه البحرينيون الذين يُقبض عليهم وهم يبيعون الأسماك، بشكل عام، فقط دفع الغرامة.
«أغلب أصحاب رخص الصيد ينظرون لذلك كفرصة لكسب المال، إنهم غير مهتمين بتأثير ذلك على البحر مادام سيحصلون على المال...في المقابل، يتعرض الصيادون المهاجرون لضغوط الصيد والبيع لأكبر كمية ممكنة من الأسماك والروبيان، حتى خلال فترات الحظر، حتى يتمكنون من الوفاء بالتزامهم أمام الكفيل تفادياً لرد فعله»
وصل فينيش، وهو صياد هندي من إقليم التاميل ناندو، الى البحرين في يناير 2024 بعد أن اقترض ودفع لوكيل التوظيف في الهند 50٬000 روبية هندية (600 دولار أمريكي). وخلافاً للترتيبات الاعتيادية التي تقوم على دفع مبالغ للكفيل بناء على كمية الصيد أو مبالغ محددة، فقد وعده الكفيل بأجر شهري قدره 80 دينار بحريني (212 دولار أمريكي). إلا أن فينيش وطاقمه، وبعد أن تسلم القارب و أدوات الصيد، لم يتمكنوا من صيد الكمية الكافية خلال رحلات الصيد التي قاموا بها بسبب التراجع الكبير في المخزون السمكي.
ونتيجة لذلك، لم يدفع الكفيل لفينيش وزملائه أية أجور منذ وصولهم إلى البحرين. واعتمد الصيادون لتوفير الطعام، خلال تلك الفترة، على المنظمات الخيرية برغم مواصلتهم للعمل في البحر. وبعد مرور ثلاثة شهور من العمل بدون أجر، طلب الصيادون من كفيلهم استعادة جوازات سفرهم والترتيب لعودتهم لبلادهم.
إلا أن الكفيل رفض، وطالب العمال باسترداد تكاليف التأشيرة والتوظيف، وهي ممارسة غير قانونية، ولكنها شائعة في البحرين. وعندما تقدم العمال بشكوى لهيئة تنظيم سوق العمل، أخبروهم ببساطة «أن صاحب العمل لا يرد على الهاتف»، وطلبوا منهم العودة في يوم آخر.
وبعد أسابيع من الضغط بمساعدة جماعات من المجتمع المحلي، رضخ صاحب العمل وسلم العمال جوازات سفرهم. بفمساعدة هذه الجماعات عاد فينيش وزملاؤه إلى الهند مؤخرا إلى الهند، خاليي الوفاض ليواجهوا الديون التي تحملوها من أجل فترة العمل القصيرة التي قضوها في البحرين.
ويتعرض كثير من الصيادين المهاجرين في البحرين لضغوطات مشابهة، وغالباً ما يجبرون على تحمل المخاطرة باستخدام شباك الجرف الثقيلة غير القانونية للصيد، وكذلك الصيد خلال مواسم التكاثر المحظورة، أو حتى المغامرة بالصيد خارج حدود مياه البحرين الإقليمية في مصائد أكثر خصوبة لكسب أجورهم أو للدفع لكفلائهم تجنباً لإلغاء تأشيرتهم. وهناك حالات كثيرة لصيادين مهاجرين فُقدوا في عرض البحر أو خسروا حياتهم لأنهم اضطروا للإبحار بعيداً عن الساحل بسبب أزمة المخزون السمكي.
كما أنه من الشائع أن يجبر الكفلاء أو يشجعوا العملاء على صيد الربيان في فترات الحظر من أجل تحقيق الربح. والمعروف أن حكومة البحرين تفرض حظراً مدته 6 شهور على صيد الروبيان كل عام، مما يعني أن الصيادين المهاجرين المكفولين لمدة عام كامل بإمكانهم الكسب لنصف المدة إلا إذا ما كان لديهم المهارة لصيد أنواع أخرى من الأسماك. ففي حادثة أُبلغ عنها في 2021، تم القبض على مجموعة من الصيادين المهاجرين أثناء قيامهم بصيد الروبيان في المياه البحرينية خلال فترة الحظر. وقام خفر السواحل باعتراض قاربهم بالاصطدام به بسفينة الدورية مما أدى إلى مقتل أحد أفراد طاقم خفر السواحل. وزعم الصيادون المقبوض عليهم إنهم أبحروا لصيد الروبيان بناء على طلب صاحب القارب.
وبحسب اللوائح البحرينية، فإن صاحب التصريح وقارب الصيد، يتحمل المسئولية ويواجه، رسمياً، الغرامات والعقوبات عن مخالفات الصيد. ومع ذلك، وبحسب ما أشار أحد الخبراء في قطاع الصيد البحريني، فإنه من الشائع أن يدّعي أصحاب الصيد عدم العلم، ويؤكدون إنهم لم يسمحوا للطاقم بالصيد خلال فترة الحظر. ونتيجة لذلك يتم تخفيف إدانتهم. وفي المقابل يتم القبض على الصيادين المهاجرين وترحيلهم على الفور.
وأضاف الخبير «من المهم الآن، لحماية المخزون السمكي البحريني، التنفيذ الصارم لحظر الصيد خلال مواسم التكاثر، والتأكد من تواجد أصحاب القوارب شخصياً لقيادة سفنهم للصيد. وبذلك يتحملون المسئولية بشكل مباشر عن اتباع اللوائح ومواجهة العواقب الحقيقية في حال مخالفتهم للقواعد».
وبدلاً عن معالجة عدد من العوامل التي تساهم في تراجع المخزون السمكي في المياه البحرينية، اختار المسئولون البحرينيون اتخاذ الصيادين المهاجرين كبش فداء. وفي الوقت نفسه، يواصل كفلاؤهم الذين عرضوهم للمخاطر، تحقيق المكاسب من وراء استغلالهم.