لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

اختفاء صيادَين مهاجرَين منذ ما يقارب العام في البحرين

الغموض يحيّر عائلتيهما

في 26 أكتوبر 2023

مضى ما يقارب العام على اختفاء صيادَين هنديين في البحرين، تاركين عائلتيهما تتخبطان في الحيرة والقلق على مصيرهما. اختفى الصيادان في عرض دون ترك أثر يدل على مكانهما. ويزداد القلق مع الافتقار للمعلومات حول مكان تواجدهما. وما يفاقم بؤس العائلتين هو الحاجة والمعاناة لكسب العيش مع اختفاء معليهما الأساسي.

ويعود اختفاء الصيادَين إلى 17 أكتوبر 2022، عندما خرج كل من سهايا سيلو (37 عاماً) وأنتوني جورج فنسنت (33 عاماً) على ظهر مركب شراعي يحمل الرقم BH9102 في مهمة صيد روتينية لمدة يومين. وعندما لم يعد الصيادان، أبلغ صاحب العمل، طارق الماجد، عن اختفائهما. ويعمل الصيادان الآتيان من ولاية تاميل نادو (كاديباتينام بمنطقة كانيكوماري) الواقعة جنوب الهند، لدى الماجد من 15 عاماً. وكان أشخاص من خفر السواحل البحرينيين قد ابلغوا الماجد في 22 أكتوبر أن نظراءهم القطريين قد أبلغوهم برؤية مركب شراعي بحريني على رادارهم، على مقربة من قارب إيراني في المياه البحرينية. 

ويشعر الصيادون في المحرق، وهي منطقة ميناء في البحرين، حيث يعيش الصيادان المختفيان، بالقلق تجاه وضع المختَفيين. وزعم أحد الصيادين الهنود يدعى جاستن «سمعنا من صيادين هنود في إيران، أن قارباً يحمل، على ما يبدو، لوحة تسجيل بحرينية، قد انقلب على حدودهم، وتعرض لأضرار جزئية وفُقِد محركه، لكننا لم نرَ شيئا آخر بعد ذلك.» مضيفاً: «يبدو أن الجميع قد فقدوا الأمل بعد مرور عشرة أشهر.»

واتصلت عائلات الصيادَين المفقودَين، وكذلك الأب تشرشل، أمين عام اتحاد صيادي جنوب آسيا في الهند، بالعديد من المسئولين لمساعدتهم في تحديد مكان المفقودَين. «لقد كتبنا لرئيس وزراء التاميل نادو، ولوزير الشئون الخارجية، والسفير الهندي لدى البحرين بالإضافة إلى السلطات المحلية.»

ولدى كل من فنسنت وسيلو، طفلين. وتعيش سبها، زوجة سيلو، حالة ذهول وهي غير قادرة على تقبل حالة عدم التأكد بشأن مصير زوجها، وتقول «لقد أصبحنا أمام طريق مسدود، ولا يوجد من ينقذنا مما نحن فيه»، وتكافح الزوجة (28 عاماً) من أجل توفير ما يكفي من المال لمعيشتهم، بالإضافة إلى الضغط النفسي الذي تعاني منه بسبب اختفاء زوجها. 

«سارعت بالذهاب إلى جميع الجهات – المسئولون المحليون، أعضاء البرلمان، ومنظمات المجتمع المدني، وبعثت رسائل للسلطات في نيودلهي والبحرين، أبحث عن المساعدة للعثور على زوجي. إن فكرة عدم معرفة مكانه، مخيفة في حد ذاتها. والآن قد مر على اختفائه 10 شهور، ووصلنا، حرفياً، إلى الوضع الذي لا أملك ما أطعم به بناتي الصغيرات، هذا عدا توفير الملابس واحتياجات المدرسة لهن. أنا يتيمة، ووالدا زوجي مريضين – أحدهما طريح الفراش. لست متأكدة مما يجب أن أفعله لأمضي بالحياة إلى الأمام، وفي الوقت نفسه، أنا قلقة دائما بشأن مصير زوجي.»

كلا الزوجتان قالتا إنهما غير قادرتان على تسديد ديون وإيجار بيتهما. اضطرت سوبي، زوجة فينسنت للانتقال والعيش مع والديها المسنَين. «لا يبدو أن أحدا مهتما لما يجري لنا، أو لأنهم عاجزون عن فعل شيء، لكننا عالقون في هذا الحال من عدم اليقين والفقر. ولا يمكنني النظر إلى أطفالي، الجائعين في أغلب الأحيان. والدي البالغ من العمر 65 عاما سيبدأ العمل الآن من أجل إطعام أطفالي – أشعر بالضياع.»

محنة الصيادين المهاجرين

يكدح الصيادون لفترات طويلة، ويتقاضون نظير ذلك، أجوراً زهيدة في الوقت الذي يعملون فيه تحت ظروف صعبة. وبرغم من الزامية عقد العمل بموجب القانون البحريني، إلا أنه في الغالب لا يتم الالتزام به، أو لا يوفّر أصلا بين الطرفين. ومن النادر أن تُدفع أجورا منتظمة للصيادين، إذ تدفع لهم نسبة مئوية من الصيد كمكافأة. ويتم تقاسم المبلغ، حينئذ، بين طاقم الصيادين، فيما يحصل القبطان على الحصة الأكبر. وكلما زاد حجم الصيد تصبح المكافأة أكبر، مما يدفع الصيادين للمخاطرة في عرض البحرين، كاجتياز الحدود للوصول إلى مناطق ذات وفرة أكبر من الاسماك، أو الصيد خلال مواسم التكاثر المحظور الصيد خلالها. وكلا الممارستان قد تؤديان حجز قواربهم واحتجازهم أيضاً. وفي حالة احتجازهم في أرض أجنبية، سيتطلب الإفراج عنهم تدخل كفيلهم (صاحب القارب)، وكذلك الدولة التي تم توظيفهم فيها، ودولتهم الأصل بالإضافة الى الدولة التي تحتجزهم – لا أحد من هؤلاء مستعد لتحمل مسئولية المحنة التي يتعرض لها طاقة الصيد. 

وفي أغلب الحالات، فإن السفن تكون مملوكة ومرخصة لمواطنين بحرينيين. ويتم إصدار بطاقة هوية لقبطان السفينة من قبل سلطات خفر السواحل البحرينية ويقوم هو بتشكيل طاقم الصيد بنفسه. وفي الغالب لا يتم تزويدهم بتجهيزات السلامة، كما لا يُوفر لهم أي نوع من التأمين أو الحماية الاجتماعية. 

في العام 2015، أطلقت البحرين نظاماً الكترونيا متطور للهوية AIS، يتم تركيبه في السفن المسجلة لدى خفر السواحل، في إطار مبادرة حكومية جديدة لضمان السلامة في البحر. ومع ذلك، فقد سُجلت حالات كثيرة من الوفيات والمفقودين في جميع أنحاء المنطقة من قبل منظمات مثل الصندوق الدولي لتنمية الصيادين INFIDET، واتحاد صيادي جنوب آسيا، وحركة الصيادين المحليين الوطنية في الهند. ومنذ 2014، بحسب INFIDET، تم الإبلاغ عن ثلاث وفيات على الأقل في المنطقة. ويزعم المسئولون أن الصيادين قد قتلوا أثناء عملية سطو مسلح في عرض البحر، برغم عدم توفر سوى القليل من التفاصيل والأدلة. ويشار هنا أن توماس غلاتوس (47 عاماً) المنتمي إلى التاميل نادو في الهند، قد قتل بالرصاص من قبل قراصنة البحر في 21 مايو 2014. على بعد 10 أميال بحرية شمال غرب الحدود البحرية البحرينية في منطقة تعرف بالرقعة.  

يُزعم أيضا، أن سيلوفاي ماثيفالان (48 عاماً) وهو أيضا من التاميل نادو، قد قتل بالرصاص في محاولة سطو بالقرب من الحدود البحرية السعودية الإيرانية في 29 مايو 2015. وبحسب ماورد من تقارير، فإن ماثيفالان وأربعة آخرين على متن مركب شراعي ضلوا الطريق ودخلوا المياه الإقليمية الإيرانية. أما أنتوني أرول أنيش (21 عاماً) فقد توفي في المياه القطرية في 3 أغسطس 2015 بعد إصابته بالرصاص بينما كان يصيد مع زملائه على متى مركب شراعي قطري. وتم انتشال جثته من المياه البحرينية من قبل دوريات البحرية البحرينية بعد يومين. 

وأشار رئيس INFIDET جستن أنتوني إلى أن الصيادين الثلاثة قد قتلوا بالرصاص خلال العامين الماضيين « الأمر الذي يدفعنا للاعتقاد أن هناك المزيد من التفاصيل القصة لم تنشر على الملأ» وبالإضافة إلى هذه الوفيات، أبلغ INFIDET عن عدد من الحالات لصيادين مفقودين، جميعهم من التاميل نادو الهند وهم أنتوني و فيجايان (2007) من كانيكوماري، وتومسون بريتو (2013) من المدينة نفسها، ومينكام (2009) من منطقة تيرونلفيلي، بالإضافة إلى ثريسايا بارنناثو (2001) من منطقة توتيكورين. 

وكررت الأخت جوزفين فالارماثي من الحركة الوطنية لعاملات المنازل في الهند قلقها بشأن الصيادين، خصوصا أولئك المنتمون إلى الولاية الجنوبية في الهند، الذين يهاجرون إلى الخليج في محاول لكسب المعيشة.

وقالت في بيان بعثته لـ Migrant-Rights.Org «إنه يجب أن يتم تغطية الصيادين بنظام تأمين مناسب». وأضافت «يجب أن يحصلوا على تدريب ما قبل المغادرة. ويجب أن يكون لكل سفينة نظام أو جهاز لتتبع السفينة عندما يكون الصيادين ذاهبون للصيد في عرض البحر، كما يجب أن توفر الحكومة تعويضات للعائلات المكلومة بموت أو اختفاء أبنائها.»

أشارت الأخت فالارماثي أيضا إلى ممارسات بعض الكفلاء الذين يقومون بتوظيف الصيادين، ثم تقاضي أموال منهم كنوع من التأمين غير الرسمي لدعمهم في حالة وقوع حادث مؤسف. «بعض الصيادين ذكروا أنهم أعطوا الكفيل نحو 3,00,000 روبية هندية للتأمين. يطلب الكفيل مبالغ كبيرة من المال، لكن الصيادين لا يحصلون على تعويضات لمجهودهم، حتى في حال تعرضهم للخطر، مثل في حالة اختفائهم أو وفاتهم. كما لا تتم مساعدة عائلاتهم. لذلك فإنه يجب وقف هذه الممارسات في مثل هذه الحالة»

وفي سياق مماثل، دعا بادا لينغمان، وهو مقيم سابق في البحرين وناشط حقوقي، إلى مد مظلة مزايا هيئة التأمينات الاجتماعية GOSI لتغطية الصيادين في البحرين. و GOSI هي هيئة حكومية توفر التأمين الاجتماعي والخدمات التقاعد لجميع من يغطيهم قانون التقاعد المدني (القطاع العام) وقانون التأمين الاجتماعي (القطاع الخاص).

«ما نراه في أغلب الحالات هو عدم اهتمام الكفلاء أو أصحاب العمل بشأن دفع تعويضات لعائلات المفقودين أو المتوفين، وتنتهي علاقتهم بالعامل بإرسال الرفات، في حالة الوفاة، إلى ذويهم. والأسوأ هو في حالة الصيادين المفقودين. لا أعرف لماذا لا يُسجّل أصحاب العمل الصيادين تحت مظلة التأمينات الاجتماعية، ربما بسبب صعوبة المتطلبات لذلك.»

وأشار أحد الاخصائيين الاجتماعيين من جماعة التاميل في البحرين أن لا أحد من المسئولين قام بالتواصل معهم بشأن الرجال المفقودين.

وبحسب مسئول سابق في إدارة تراخيص الصيد بوكالة الزراعة والثروة البحرية، فإن 96% من الصيادين في البحرين هم من المهاجرين في 2015. 

والبحرين لم تصادق على اتفاقية منظمة العمل الدولية ILO (رقم 188) لعام 2007، بشأن العمل في صيد الأسماك. وتضع الاتفاقية معايير ملزمة تتناول القضايا الرئيسية المتعلقة بالعمل على متن سفن الصيد، بما في ذلك: السلامة المهنية، والرعاية الصحية والطبية في عرض البحر وعلى الشاطئ، وأوقات الراحة، واتفاقيات العمل المكتوبة، بالإضافة إلى حماية الأمان الاجتماعي التي لا تقل في مزاياها عن العمال في القطاعات الأخرى. 

وتشمل أفضل الممارسات في القطاع، كما أبرزتها دراسة منظمة العمل الدولية ILO لعام 2015، "الصيادون أولا- الممارسات الجيدة لإنهاء استغلال العمالة في البحر"، انفاذ القانون وأنظمة التفتيش متعددة التخصصات، إلى جانب مبادرة دولية تعالج قضايا العمل. إن وجود بيئة سياسات قوية، وإرادة سياسية، وتعاون بين المنظمات العمالية ومنظمات أصحاب العمل، أمر ذو أهمية بالغة لاتخاذ إجراءات فعالة بشأن القضايا التي تواجه الصيادين المهاجرين في البحرين.