أثرت الحملة السعودية الأخيرة على الكثير من المهاجرين من مختلف الجنسيات إلا أننا هنا نركز على جاليتين تواجهان أقسى عواقب هذه الحملة. عمليات الترحيل الجماعية في السعودية زادت من سوء الأزمة الإنسانية القائمة على حدودها مع اليمن، والتي كانت نقطة عبور للمهاجرين الباحثين عن العمل قبل أن يبدأ نظام "نطاقات" لتوطين الوظائف. أكثر من ٥١ ألف مهاجر أثيوبي وصلوا إلى شمال اليمن هذا العام ومنذ شهر يوليو أكثر من ٢٥ ألف مازالوا عالقين بعد أن تم إجبارهم على الرجوع إلى منطقة حرض. الكثير من هؤلاء تحدثوا عن سوء المعاملة والاستغلال والإهانات التي تعرضوا لها من قبل موظفو الحدود والمهربون.
منظمة الهجرة الدولية مازالت تعمل على تقديم الخدمات للعالقين ومحاولة إعادتهم لبلدانهم الأم إلا أن الموارد المالية القليلة تم إنهاكها بعد إبعاد الآلاف من الأثيوبيين عن السعودية. الموارد المالية الموجودة لا يمكن استغلالها الآن إلا مع أولئك في أصعب الظروف. حتى اليوم، هنالك أكثر من ١٠٠ ألف أثيوبي تم إرجاعها إلى بلدهم بجهود أثيوبيا ومنظمة الهجرة، كما سيتم إرجاع ٥٠ ألف آخرين مع نهاية هذا العام.
خلال اشتباكات مع مواطنين وشرطة، قتل على الأقل أثيوبيين اثنين في السعودية. مقاطع الفيديو عن أحداث "المنفوحة" في الرياض بالإضافة إلى حوادث أخرى كثيرة تأتي كأدلة على العنف الممارس ضد المهاجرين الأثيوبيين. الفيديو التالي واحد من مقاطع كثيرة موجودة على اليوتيوب منذ أكثر من شهر. المقطع يتحدث فيه أثيوبيون عن مخاوفهم من عصابات المواطنين.
في مدن مختلفة حول العالم، نُظمت مظاهرات لإدانة العنف ضد المهاجرين الأثيوبيين، وللتنديد بفشل الحكومة الأثيوبية في حماية مواطنيها في الخارج. الأحداث أثارت ردود فعل كثيرة من خلال شبكات التواصل الاجتماعية خاصة من الأثيوبيين. في الولايات المتحدة، أطلق أثيوبيون حملة للتظاهر ضد العنف السعودي مع المهاجرين.
المهاجرون اليمنيون تعرضوا لمعاملة مشابهة. ما يقارب ٨٠٪ منهم كانوا يتنقلون من غير وثائق عبر الحدود. السلطات اليمنية والسعودية كانت تعي آثار "نطاقات" على المهاجرين اليمنيين، إلا أن الدولتان لم تحاولا وضع استراتيجيات لتفادي هذه العواقب. أكثر من ٣٠ ألف مهاجر يمني تم ترحيلهم قبل شهر مايو، و٥٥ ألف إلى ٧٣ ألف بعد انتهاء الفترة التصحيحية في نوفمبر ٢٠١٣. خبراء يمنيون يتوقعون أن عدد اليمنيون المرحلون عن السعودية سيصل إلى المليون شخص.
الكثير من اليمنيين انتقدوا حكومتهم لعدم عملها على مساعدة المهاجرين في السعودية خلال وبعد الفترة التصحيحية مما عرضهم إلى حملات الاعتقال المفاجئة والتعسفية بطبعها. كما تم توجيه انتقادات كثيرة لصرف الدولة مليونين وثلث المليون دولار لإقامة مؤتمر وزارة الهجرة، حيث كان من الممكن استخدام المبالغ في مساعدة المرحلين.
أحد التقارير تشير لانتحار رجل يمني بعد ترحيله عن السعودية. حتى أولئك المتعاطفون مع أزمة المهاجرين الإنسانية والاقتصادية يتسائلون لماذا لم يستفد الآلاف منهم من الفترة التصحيحية أو لماذا لم يخططوا للرحيل. هؤلاء لا يعلمون أن الفترة التصحيحية لم تكن مفتوحة لمن دخلوا البلاد "بشكل غير قانوني.” الدولة سمحت لهم بالرحيل دون عقوبة لكن دون السماح لهم بالحصول على وظائف وتصحيح أوضاعهم. معنى هذا أن يتركوا وظائفهم من أجل الحصول على تأشيرات الخروج مع وجود خطر اعتقالهم حين "يسلمون أنفسهم" ويتركون لعواقب البيروقراطية التي وضعت الكثير ممن سلموا أنفسهم في مخيمات لأسابيع إلى أن يتم ترحيلهم.
مازال البعض يضع اللوم على المهاجرين ويرى أنهم يجب أن يواجهوا عقبات "خياراتهم" وبأن الدولة لا يمكنها تحمل مشاكلهم المالية والقانونية. إلا أن هذا الرأي يتجاهل الأسباب الحقيقة التي تخلق العمالة الغير موثقة. الكثير من هؤلاء أجبروا على العمل بشكل غير قانوني لأن هنالك طلب في السوق السعودية على الأيدي العاملة الغير قانونية حتى لا يتحمل الكفلاء تكاليف الإقامة وغيرها من أوراق رسمية، أو لأن الدولة لا تسمح لهم بتوظيف المزيد من الأجانب بشكل قانوني. الكثير من المهاجرين سقطوا ضحايا لكفلائهم الذين رفضوا تعديل أوضاعهم خلال الفترة التصحيحية تفادياً للرسوم المفروضة.
المهاجرون يواجهون عقوبات قاسية لهذه الإشكالات المتعددة، إلا أن السعودية مازالت تستفيد من عملهم. أحد المقاولون السعوديون قال:
هؤلاء عملوا في هذه البلاد ودمهم مازال موجوداً في حجارتها ومبانيها
على الرغم من أن القوانين الدولية تعطي الحق للدول في ترحيل العمالة الغير قانونية إلا أن ذلك يجب أن يتم دون التعدي على حقوقهم. حسب تقرير لمنظمة الهجرة الدولية، الكثير من المرحلين تم إبعادهم من غير ممتلكاتهم وأحياناً حفاة الأقدام. بعضهم عانى من العطش والتعب لاكتظاظ مراكز الاعتقال وازدحام وسائل المواصلات التي نقلتهم.
٣٥٪ من المهاجرين اليمنين تعرضوا للسرقة والضرب من قبل شرطة الحدود السعودية. كما تستمر السعودية في تجاهلها للمطالبات بتوفير مترجمين ومحامين لمساعدة المهاجرين، كما أنهم غير قادرين على استرجاع حقوقهم خاصة أن الكثير من السفارات لا تهتم لمطالبهم وأوضاعهم. تحت هذه الأوضاع، يستغل السعوديون وضع المهاجرين خاصة مع غياب أي محاسبة من السلطات واستمرار نظام الكفالة.
المشاكل التي يواجهها الأثيوبيون واليمنيون هي نتائج لأسباب مزمنة تفجرت خلال الحملة البوليسية. حملات الترحيل الجماعية وغياب استعداد الدول الأم عوامل زادت من أزمة هؤلاء. تجاربهم تؤكد على أهمية إيقاف الحملة الأمنية والتعامل مع العمالة الغير موثقة من زاوية حقوقية والعمل مع الدول الأم ومع الجمعيات التي أسستها اجاليات من أجل التضامن والعدالة.