لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

احتجاجات عمالية نادرة لسائقي «دليفرو» و «طلبات» تلقي الضوء على استغلال الوظائف المؤقتة

في 12 مايو 2022

لفت الاحتجاج الثاني خلال أقل من أسبوعين الذي نّفّذ في الإمارات، الانتباه إلى الشروط الخطرة والاستغلالية في اقتصاد الوظائف المؤقتة، وبالتحديد بالنسبة لسوّاق توصيل الوجبات. ونظم سوّاق طلبات آخر الاحتجاجات مطالبين بشروط وظيفية أفضل، وذلك خلال إضراب واسع على مستوى دبي بدأ الساعة مساءً في 9 مايو. 

يقول سائق من «طلبات» شارك في الاضراب: «تعرضت لحادثين خلال الأيام العشرة الماضية. أصبت بكدمات في الحادثين وتعرضت لغرامة في أحدهما.»

وتعتبر هذه الاحتجاجات النادرة في الإمارات – حيث تعتبر المظاهرات، وتشكيل النقابات، والإضرابات وأي نوع من أنشطة المجتمع المدني غير المرخصة، غير قانونية – دليلا على تنامي الإحباط بين سوّاق التوصيل. 

وتوقّف سائقو دليفرو الأسبوع الماضي عن تلبية الطلبات بعدما أعلنت الشركة عن تخفيض ما تدفعه للسوّاق لكل طلب توصيل من 10.25 دراهم إلى 8.75 دراهم (2.79 دولار أمريكي إلى 2.38 دولار أمريكي) فتوقفوا عن العمل الساعة 6 مساءً في 30 أبريل. 

وبعد التغطية الإعلامية الواسعة، والدعم الكبير الذي حظيت به الاحتجاجات في وسائل التواصل الاجتماعي، ألغت دليفرو خطط خفض الأجور وأصدرت بيانا لصحيفة ناشيونال نيوز الإماراتية ذكرت فيه إنها تحقق في «الدعاوى المرفوعة ضد وكالات السوّاق التي تخرق القوانين.» 

كان أحمد* أحد سائقي دليفرو الكثيرين في دبي الذين قاموا بتوثيق الإضراب على تيك توك إلى جانب لقطات من الاحتجاجات. ونشر أحمد فيديو حقيقياً مصوراً لسائق لقي حتفه فور تعرضه لحادث في العام الماضي مع نص يقول: «احترموا السوّاق، لتخجل دليفرو، فـ 8.75 غير مقبول.» 

نموذج مشوه 

ويوجد للتطبيق الذي يتخذ من المملكة المتحدة مقرا له، في 12 دولة. وعلى عكس العمليات في أوروبا، فإن عمليات دليفرو في دبي لا تتعاقد أو توظف أي سائق بشكل مباشر وإنما من خلال شراكة مع وكالة تعتبر طرف ثالث، وتقوم بدورها بتوظيف السوّاق أنفسهم. ويكون لـ دليفرو علاقة محدودة بالسوّاق وتكون مسئولة فقط عن دفع رسوم لكل عملية توصيل يقومون بها. وهذا مشابه لآلية عمل تطبيقات النقل والتوصيل السريع مثل أوبر وكريم التي أيضا تستغل شروط التوظيف كما ورد في تقرير سابق لـ Migrant-Rights.Org.

وهذه هي العلاقة نفسها التي تربط تطبيقات توصيل الطعام الأخرى مثل طلبات – ربما تفتقر لذلك – مع سائقيها. فشركة طلبات تدفع لسائقيها 7.5 دراهم لكل طلب توصيل. 

يقول أحمد: «ليس لدينا تواصل مباشر على هذا النحو مع دليفرو. فهم لا علاقة لهم، وربما لا يهمهم ما نمر به ما دمنا نؤدي عملنا.لقد ناقشوا فقط خض الأجر مع الوكالة التي امتثلت لذلك، وأخبرونا فقط عن القرار الصادر من جانب واحد.» 

وبحسب الموقع الالكتروني دليفرو، فإن السائق يجب أن يكون مكفولا من قبل وكالة على شراكة مع دليفرو، وأن يوفّر دليلا على حقة في العمل، بالإضافة إلى وثائق لتغطية تأمينية في الإمارات، وأن يكون لديه رخصة سياقة دراجة نارية صالحة، وأن يكون تجاوز الـ 18 من العمر. وفي الوقت الذي يقع فيه موظفو الوكالات تحت مظلة قانون العمل، تكون الوكالات ملزمة قانونياً بتزويد السوّاق بتأشيرة، وتأمين صحي، ومزايا أخرى. ومع ذلك، ففي الممارسة الواقعية، ينتهي الأمر بالكثير من السوّاق بالدفع لتأشيرتهم كما يفتقرون للحقوق – مثل دفع أجر العمل الإضافي – التي يحق لهم الحصول عليها بموجب القانون. 

ويقول: «علينا أن ندفع ثمن البنزين الذي نستهلكه، وأية غرامات قد نتحملها، ومن ثم إيجار مكان الإقامة، والطعام، وأي شيء آخر يخطر ببالك. لا يتبق لنا شيئا مما نكسبه». ويضيف: «كذلك، فإن الكثير منا يدفعون لتأشيرتهم التي تكلّف الآلاف، ويخاطرون بحياتهم في محاولة السياقة بسرعة لزيادة عدد طلبات التوصيل التي نلبيها». وعلى السائقين تحمل غرامات تأخر الطلبات وغرامات السرعة المرتفعة في الإمارات والتي قد تبدأ من 3000 درهم (800 دولار أمريكي). 

يقول أحمد: «لا يوفر الوكيل أي شيء سوى تكاليف تأجير الدراجة، والتي تبلغ حوالي 500 درهم، وربما بطاقة سيم كارت أو شيء من هذا القبيل. فالوكيل لا ينفق أكثر من 600 درهم على السائق شهرياً. فيما نتحمل كافة التكاليف الأخرى بأنفسنا. بينما تتعامي دليفرو وغيرها من التطبيقات الأخرى عن كل ذلك ما دامو يكسبون الملايين.» 

أكد مصدران أن الوكالات التي عملا معها تدفع 13 درهم (3.54 دولار أمريكي) لكل طلب توصيل، ولكنهما يقولان إن عقود دليفرو مع الوكالات تختلف بناءً على عدد من العوامل. فدليفرو تفرض رسوماً على المطاعم للتسجيل في التطبيق، كما تفرض عموله بنسبة 35% على كل طلب. 

وتواصلت Migrant-Rights.org مع أربع وكالات، رفضت ثلاث منها التعليق. وقال موظف من أحد هذه الوكالات إنهم يتّبعون كافة قوانين العمل في الإمارات، وأن السوّاق «يكذبون» أحياناً للحصول على مزيد من الإكراميات. 

يقول أحمد: «أعتقد أنه لا ينبغي لأي شخص أن يعمل في مكان ليس هو صاحب الشركة المباشر. حتى يكون لهذه الشركات الكبرى بعض المسئوليات. فلوكالات الصغيرة التي يتعاملون معها، يديرها محتالون. وحتى الشركات الكبيرة تستغل العمال، لكن لايزال هناك بعض الأمل فيها. أظن أنني أفتقد وظيفتي كعامل، لكن صحتي الآن ليست جيدة بما يكفي لهذا النوع من العمل.» 

يقول أحمد إن الوكالات توظّف من دول منشأ جديدة، كما تُقنع السواّق المحتملين لدفع مبالغ كبيرة من المال للتأشيرة على وعد بكسب الآلاف من وراء العمل في تطبيقات مثل دليفرو وغيرها مثل زوماتو، و طلبات وأوبر ايتس والآن كريم. 

«هناك الكثير من وكالات لسوّاق الدراجات. بعض السوّاق القدامى أنفسهم تحولوا إلى وكلاء وأصبحوا الآن يكسبون الكثير من المال.»

وعود كاذبة

برغم تلبية طلباتهم بسرعة إلى حد كبير وبدون أية عواقب سلبية على أولئك الذين شاركوا في الإضراب حتى الآن، إلا أن أحمد يعتقد أن انضمامه للمضربين هو من أسوأ القرارات التي اتخذها في حياته. 

يقول: «كانت وظيفتي عاملا في السابق، وادخرت المال وحصلت على رخصة سياقة الدراجة من أجل العمل في هذا المجال، سوف ترى على تطبيق تيك توك كيف يتمكن سواق الدراجات من كسب 7000 درهم (900 دولار أمريكي) أو أكثر شهرياً، لكن بعدما حصلت على الرخصة وبدأت العمل أدركت أن ذلك هو أكبر خطأ ارتكبته في حياتي.» 

كانت فيديوهات تيك توك تنشر من قبل سوّاق آخرين يعملون لدى أصحاب تطبيقات توصيل الطعام في الإمارات – وليس من غير المألوف بالنسبة للمهاجرين الجدد ممن لديهم عدد كبير من المتابعين أن ينشروا أحيانا صورة مبالغة فيها عن واقع حياتهم وعملهم على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا للجمهور في أوطانهم. 

لكن الواقع يختلف. يقول إنه في الأوضاع الجيدة يمكنه كسب 2,500 درهم (680 دولا ر أمريكي) شهرياً وذلك بعد العمل 11 ساعة في اليوم. 

وبرغم أن خدمات توصيل الطعام عبر الانترنت كانت تنمو لسنوات، إلا أن الطلب سجل ارتفاعا صاروخيا منذ تفشي فيروس كورونا. وارتفعت المبيعات الالكترونية في سوق الأغذية والمشروبات في الامارات بنسبة 225% عاما تلو الآخر لتصل في 2020 إلى 412 مليون دولار، بحسب تحليل غرفة تجارة دبي.  وخلال 2019/2020 تمكنت دليفرو من تحقيق إيرادات بلغت 861 مليون درهم (234 مليون دولار أمريكي) للاقتصاد الإماراتي. 

ومن المقرر أن يصل الدخل الأساسي للرئيس التنفيذي لشركة دليفرو، ويل شو، هذا العام 600,000 جنيه إسترليني (732,000 دولار أمريكي). على أن يتسلّم أسهما تعادل 5 ملايين إضافية في أبريل 2023 ضمن حزمة من المزايا تصل إلى 30 مليون جنيه إسترليني للسنوات الست المقبلة. 

وذكرت دليفرو في بيان لـ Migrant-Rights.org أنها تعتزم العمل مع وكالات السوّاق ضمن «هيكل عمل يناسب الجميع.»

«كانت نيتنا الأولية من الإعلان، اقتراح هيكل جيد للأرباح، بحيث تشارك الوكالات السوّاق بالإضافة إلى مبادرات أخرى. وبعد إيقاف كافة التغييرات، سوف نتواصل مع وكالات السوّاق التي نتعامل معها لضمان إيجاد هيكل يناسب الجميع ويركز بشكل أساسي على مصلحة ركابنا من الوكالات، وهو أمر الذي كنا نهدف اليه دائما.»

يوضح رياض، وهو أحد سائقي دليفرو الذي نشر فيديو للإضراب على الانستغرام الخاص به، كيف تم تنظيم الإضراب.

يقول: «يجتمع العديد من سائقي الدراجات حول مطابخ مطاعم التوصيل الافتراضية (المطابخ السحابية) لأنهم يقومون بأغلب طلبات التوصيل منها. بدأنا نتحدث هناك ثم قمنا بالتواصل مع سوّاق آخرين ممن لديهم معرفة شخصية بمن هم غير متواجدين معنا». ويضيف: «هكذا انتشرت الأخبار، وحتى هؤلاء الذين لم يسمعوا بالإضراب من قبل لأي سبب كان، علموا به عندما بدأنا النشر عنه.»
استمر الإضراب لفترة لأكثر من يوم، وانتهى باستلام السوّاق خطابا الكترونيا يؤكد أن قرار خفض معدلات أجورهم تم الغائه.

«بدأ عدد قليل من الأشخاص بدعمنا من خلال تويتر مطالبين بحصولنا على العدالة. وكان ذلك جيدا حقا. أعتقد أن هناك عدد أكبر يرغب بالمشاركة ولكنهم كانوا متخوفين. وإن كنت لا أعرف لماذا. لم نقل أي شيء خطأ.»

يعتبر التشهير فعلا إجراميا في الإمارات، وعندما يتم ذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، يقع ذلك تحت مظلة قانون الجرائم الالكترونية الصارم. لذلك يتريث الإعلام المحلي قبل كتابة التقارير عن هذه القصص لاحتمال قيام الشركات أو الأشخاص بمقاضهم إذا ما نالوا من سمعتهم وكرامتهم.

من المحتمل أن يكون الخوف من الاتهام هو السبب الذي أخّر نشر الإعلام المحلي عن الإضراب حتى أصدرت دليفرو بيانا رسميا.

أحمد مثل رياض معرفته بقوانين التشهير الإماراتية قليلة، لكنه لم يكن قلقا: «كانت مطالب سلمية بالعدالة، لم يتصرف أحد بعنف أو عدائية، فقط رفضنا العمل» مضيفا: «لذلك لم نخشَ أية عواقب. لم يكن هناك خطأ فيما فعلناه.»

تم ترحيل عمال قاموا بإضراب في السابق، من الإمارات.

رحلة خطيرة 

يقول أحمد إن أكثر الأمور التي تقلقنا كسوّاق الدراجات النارية هو الافتقار للرعاية الصحية. 

وتعتبر حوادث الطرق شائعة بشكل كبير. ويغطي الوكلاء تأمين الدراجة النارية، لكن على السوّاق تغطية التأمين الصحي بأنفسهم وفي الغالب تكون التغطية محدودة. 

«نحن ندفع لتأميننا الصحي الذي يتراوح ما بين 600 و1000 درهم إماراتي (170 – 270 دولار أمريكي)، إلا هذا لا يغطي شيئا. فعندما نذهب للمستشفى بعد وقوع حادث ونبرز هذا التأمين معتقدين أن لدينا الحق في الحصول على الخدمات الصحية منه، يسخرون منا.»

وبحسب بيانات صادرة عن شرطة دبي، فإن 22 شخص قتلوا وجرح 253 شخص في حوادث الطرق بما في ذلك الدرجات النارية في 2020. في أول شهرين من 2022، سجلت إدارة شرطة المرور 46 حادثا نتج عنها 3 وفيات و47 إصابة. 

ويخشى أحمد من أن ترتفع معدلات الحوادث خلال الشهور المقبلة. 

ويقول: «كل سائق توفي في حادث مروري، اتضح أنه لم يكون لديه الخبرة في السياقة». وبرغم عدم تمكن MR من التأكد من هذه المزاعم، إلا أن أحمد أوضح أن الوكالات تشجع وبشكل متزايد السواق للحصول على الرخصة من الإمارات الأخرى حيث يكون الأمر أسهل كثيرا منه في دبي. 

ويضيف: «الكثيرون غير متمرسين في قيادة الدراجة النارية ومع ذلك لديهم رخصة سياقة. كما أنهم يقودون الدراجة بسرعة عالية للحصول على طلبات كافية خلال اليوم. الأمر لا يتعلق فقط بعمال يريدون الحصول على المزيد من المال، وإنما بأشخاص يريدون أن لا يموتوا من أجل 10 دراهم.» 

وفي الرد على استفسار MR بشأن سلامة العمال، قال متحدث من دليفرو: «نعمل بشكل قريب مع جماعات التوصيل الآخرين، ومع هيئة الطرق والمواصلات وهيئات المواصلات في الإمارات الأخرى لضمان أننا نعمل كل شيء من أجل سلامة سوّاقنا.»

ويضيف: «يشمل ذلك العمل التعاوني عن تطوير معدات أفضل لسلامة السوّاق مثل خوذة الرأس، وحامية الركب، وقفازات السلامة (…). تدريبنا الفعلي على سياقة الدراجة يعتبر شاملا ويركز على السلامة، بما في ذلك فيديوهات السلامة من دليفرو ومن شرطة دبي.»

وتحدثت MR لمجموعة من سائقي الدرجات كانوا واقفين على جانب الطريق، فيما كان الإضراب مستمرا. وغالبيتهم ذكروا أنهم كانوا يعملون لساعات طويلة فوق طاقتهم ويحصلون على أجور أقل مما يستحقون، وغالبا ما يخاطرون بأنفسهم في هذا العمل بسبب الافتقار للسلامة على الطريق. وعبروا عن أن أغلب هذه المشاكل تأتي من نموذج العمل، حيث لا يتحمل التطبيق أية مسئولية عن ظروف عملهم. ودفع 4 من أصل 7 عمال أموالا من أجل الحصول على تأشيراتهم. وتعرض 5 منهم لحوادث مرورية من قبل. 

*تم تغيير الأسماء