قبل أكثر من أسبوع، قامت امرأة كويتية بعمل حساب على الانستغرام مخصص لـ "نشر صور الخادمات الهاربات في دولة الكويت" من أجل "محاربة هذه الظاهرة". صورة الحساب تستخدم رسماً كاريكاتورياً عن العمالة المنزلية الهاربة بينما يحتوي تعريف الحساب على رقم تلفون ليقوم المتابعون بإرسال صور العمالة الهاربة من خلال الـ whatsapp.
خلال أسبوع فقط، نشر الحساب ٧٨ صورة لعمالة هاربة بالإضافة إلى صور للشرح. في إحدى التدوينات، قالت صاحبة الحساب "هذا الحساب يهدف لتحذير آخرين من توظيف العمالة الهاربة.” بينما تدعو في تدوينة أخرى لـ "تصوير الخادمة إن كانت مؤقتة" احتياطاً في حالة هربها.
ويشرح الحساب للمتابعين أن لا يقوموا بإبلاغ مكتب الخدم بل الذهاب إلى الشرطة ومن ثم تقديم شكوى في المحكمة المستعجلة لتوقيف قيد الخادمة وعمل المثل في إدارة الجوازات، مضيفة أن هذه الطريقة ستضمن عدم تكفل صاحب العمل بتكاليف ترحيل العمالة الهاربة. وفي تدوينة أخرى، تطلب صاحبة الحساب صورة البطاقة المدنية للعمالة الهاربة بحجة "تشابه الجاليات".
على تويتر، طالب مجموعة من الكويتيين أن يقوم متابعيهم بالإبلاغ (لإنستغرام) عن الحساب بحجة الإساءة ليتم حذفه. غالبية التعليقات الموجودة في الحساب تؤيد ما يتم نشره، بلهجة معادية للأجانب وأفكار معتادة تصور العمالة المنزلية باعتبارهم انتهازيين. مثل هذه التدوينات انتشرت في الفترة الأخيرة خاصة بعد الحملة المضادة للعمالة الأثيوبية التي شنتها السلطات الكويتية في مارس الماضي.
على الرغم من أن شعبية الحساب محدودة، إلا أن تواجده خلق نقاشاً ما بين المواطنين. التعليقات النقدية القليلة نجحت في دفع صاحبة الحساب للرد، حيث قال المنتقدون بأن العمالة لما كانت ستهرب لو أن أصحاب العمل عاملوهم بشكل حسن ومنحوهم حقوقهم المادية والإنسانية. هذا النوع من الآراء كان مغيباً عن المجالات العامة قبل سنوات إلا أن الحراك المدني الصاعد ساعد على خلق مساحة للنقد. مع ذلك، تصرفات تشهيرية من هذا النوع يتم فهمها بشكل كبير باعتبارها رد فعل على تصرف "غير قانوني" من قبل العمالة، نتيجة لقوانين الكفالة الكويتية التي تعتبر الخارجين من بيت الكفالة مخالفين للقانون وتستمر في ترحيلهم. العمالة التي يتم اعتقالها من قبل الشرطة تواجه الترحيل أو إجبارها على العودة إلى بيت الكفيل. كما ترغب الكويت في فرض عقوبات على السفارات التي تأوي أي عمالة هاربة من جالياتها.
العمالة المنزلية ليس أمامها خيارات سوى الهرب حينما تتعرض للاستغلال والإساءة التي قد تصل إلى ظروف عمل قسرية، خاصة مع صعوبة تقديم شكاوى ضد الكفلاء. القوانين الكويتية لا تكفل وصول العمالة لمترجمين ومحامين بل وإنها لا تسمح لهم باللجوء للمحاكم إلا في حالة مبالغ غير مدفوعة. الحالات القانونية التي تجد العمالة المنزلية طريقها إليها تكون شديدة بطبيعتها مثل التعذيب والقتل. السفارات أيضاً لا تتدخل من أجل العمالة إلا في حالات إنسانية دون تقديم مساعدة قانونية.
هذا الحساب يمثل الأفكار السائدة التي تصور الكفلاء باعتبارهم ضحايا للعمالة المهاجرة كما يتم نقلها من قبل وسائل الإعلام الخليجية. الظروف السيئة التي تدفع العمالة للهرب يتم تهميشها بفعل أفكار عنصرية تبرر أفعال الكفلاء وسلطتهم الغير محدودة على العمالة. كما يتم تصوير العمالة المنزلية باعتبارها خطيرة ومجنونة وطماعة وشريرة وكأن تصرفاتهم تأتي بدوافع عرقية وطبقية لا تتعلق بواقعهم وظروف عملهم. هذا الخطاب العنصري يهمش الظروف الروتينية التي تواجه العمالة مثل الإساءة الجسدية والنفسية والجنسية وانتهاك الخصوصية وساعات العمل الطويلة وسوء رواتب العمل. باستمرار، يتم قلب الصورة وتصوير العمالة المنزلية باعتبارها متآمرة مع مكاتب الاستقدام ضد الكفلاء وبأن الكفلاء هم من يحتاجون للحماية القانونية وبأنهم هم ضحايا ومهمشين في المجتمع!
هذه الأفكار المتطرفة تعكس أفعال لا يمكن تبريرها من قبل الحكومة الحكومية التي قامت بترحيل الآلاف منذ العام الماضي بحجة الحفاظ على الأمن العام. هنالك من تم ترحيله بسبب مخالفات مرورية أو العمل من غير أوراق أو حتى بلا أسباب. غالبية هؤلاء تم ترحيلهم من دون حق اللجوء لمحاكم تبت في حالاتهم. قليل منهم حصلوا على فرصة ايقاف ترحيلهم بتقديم شكاوى ضد الكفلاء الذين دفعوهم للهرب. الكويت تجرم العمالة الهاربة دون أن تحاول البحث في أسباب هربهم أو محاسبة الكفلاء على تصرفاتهم الغير إنسانية. كما تبين هذه السياسات نظرة السلطات للعمالة الغير موثقة والهاربة باعتبارهم غير جديرين بحقوقهم الإنسانية- نظرة غير عادلة يتم تشجيعها بين المواطنين.