كان الهدف من نظام الكفالة أن يكون "نظاماً جيداً يحمل المواطنين مسؤولية الاعتناء بغير المواطنين.” صار هذا النظام الآن أداة تعسفية للاضطهاد والاستغلال.
في أي مقال عن أوضاع العمالة المهاجرة في الشرق الأوسط، ستجدون نقداً موجهاً لنظام الكفالة المطبق في أغلب دول المنطقة. تصف مجموعات حقوق الإنسان الكفالة بأنه نظام لإدارة الهجرة يسهل استغلال العمالة المهاجرة واجبارهم قسرياً على العمل (يتم تعريف العمل القسري باعتباره استحصال على الشغل من خلال توجيه تهديدات وعقوبات للعامل). وتشبه وسائل الإعلام ظروف العمل تحت نظام الكفالة باعتبارها شكلاً من العبودية الحديثة. من جانبها، ترد الحكومات بوعود لإنهاء نظام الكفالة أو إصلاحه. ورغم كل هذه الوعود، لم يتغير الوضع إلا قليلاً دون التأثير على قوة وطبيعة هذا النظام في دول الخليج.
تستمر قوانين الكفالة التعسفية في تحديد خيارات وأوضاع الملايين من العمالة المهاجرة في المنطقة. أغلبية هؤلاء جاءوا من جنوب أو جنوب شرق آسيا أو أفريقيا. كما تعمل الأغلبية في وظائف زهيدة الأجر مثل أعمال البناء أو في الخدمات الخاصة أو في العمل المنزلي حيث تواجه العمالة المنزلية قيوداً أكبر دون ضمان حمايتهم وحقوقهم المادية والمعنوية. ولكن حتى المهاجرون من أصحاب الرواتب الجيدة والعالية يواجهون المصاعب بسبب نظام الكفالة حيث يحرمهم هذا النظام من الحصول على إقامة دائمة أو المواطنة أو حتى الزواج من مواطن/ة. كل مقيم أجنبي يقع تحت رحمة نظام الكفالة.
في سياق الهجرة، يسمح هذا النظام للحكومات بترك مسؤولية المهاجرين في أيدي المواطنين والشركات
لذلك فإن فهم نظام الكفالة ضروري لمعرفة أوضاع العمالة المهاجرة في المنطقة ممن يجدون أنفسهم في أوضاع صعبة أو مستحيلة مثل العمل القسري. ما هو نظام الكفالة؟ وهل يختلف من دولة إلى أخرى؟ هل يعتبر هذا النظام وحده سبباً لكل مشاكل المهاجرين؟ لماذا يعتبر الكفالة سيئاً إلى هذه الدرجة؟
تقوم وزارة الداخلية في كل من دول الخليج بإدارة والاشراف على هذه النظم ما يعني أن الدولة تتعامل مع المهاجرين بشكل أمني بدلاً من ربطهم بشؤون وقوانين العمل
نقدم لكم هنا دليلاً في أشكال نظام الكفالة الذي ينظم أمور الهجرة في دول مجلس التعاون الخليجي (البحرين، الكويت، عمان، قطر، السعودية، والإمارات) بالإضافة إلى دول أخرى خارج الخليج مثل الأردن ولبنان. من المهم التنويه أن نظام الكفالة لا يشمل جميع المهاجرين في لبنان حيث يسمح للعمال السوريين سلك طرق أخرى للإقامة وفي الأردن يتم اعفاء مناطق تجارية معينة من قيود الكفالة.
ما هو نظام الكفالة بالضبط؟
ما يتم الإشارة إليه حالياً بـ "نظام الكفالة" ويتكون من عدة قوانين تحكم أوضاع الهجرة والإقامة في دول الشرق الأوسط – خاصة دول الخليج. دول مثل قطر لديها قانون اسمه "قانون الكفالة" بينما تجمع دول أخرى مثل الكويت عدة تشريعات تحت قوانين الإقامة والهجرة.
الكفالة نظام سلطوي. في سياق الهجرة، يسمح هذا النظام للحكومات بترك مسؤولية المهاجرين في أيدي المواطنين والشركات حيث يعطي الكفلاء صلاحيات قانونية للتحكم بمصير العمال فمن غير إذن الكفيل، لا يستطيع العامل تجديد أوراقه وتغيير وظيفته والاستقالة منها أو ترك البلاد. حينما يرحل العامل عن وظيفته من دون إذن الكفيل، فيحق للكفيل إلغاء إقامته مما يضع العامل في وضع غير قانوني داخل البلاد. وبعدما يقوم الكفيل بإلغاء الإقامة، لا يستطيع العامل الخروج من البلاد سوى من خلال إجراءات الترحيل التي تعرضهم تلقائياً للحبس لمدة أسابيع أو شهور وأحياناً لسنوات.
وتقوم وزارة الداخلية في كل من دول الخليج بإدارة والاشراف على هذه النظم ما يعني أن الدولة تتعامل مع المهاجرين بشكل أمني بدلاً من ربطهم بشؤون وقوانين العمل.
الجدير بالذكر أن كلمة "الكفالة" تستخدم في بعض الدول الإسلامية للإشارة إلى نظام تبني الأطفال. قوانين الشريعة تمنع التبني القانوني الكامل وتسمح بـ "كفالة" اليتيم.
كيف بدأ نظام الكفالة؟
تختلف الروايات عن تاريخ هذا النظام حيث تصف عالمة الاجتماع آنه نغا لونغڤا في كتابها "جدران فوق الرمال: الهجرة والإقصاء والمجتمع في الكويت" فكرة الكفالة باعتبارها ناتجة عن تجارة صيد اللؤلؤ التي كانت تمثل الأساس الاقتصادي في منطقة الخليج قبل اكتشاف النفط. كانوا أصحاب السفن يقومون بـ "كفالة" الغواصين كل موسم من خلال استخدامهم في الغوص مقابل تغطية مصروفات عائلاتهم حيث يقومون باقتطاع قيمة المصروفات من أجور الغواصين في نهاية الموسم. ومن المعتاد وقتها أن يعيش الغواصون في دائرة مستمرة من الديون.
يعود مفهوم الكفالة أيضاً إلى وقت آخر من تاريخ الخليج حينما كان عدد السكان أقل بكثير وخاصة عدد الأجانب. في ذاك الوقت، نجد أن السكان المحليين يتكفلون بالواصلين الجديد مادياً وقانونياً مع تحمل عواقب أفعالهم. فحينما يقوم الشخص المكفول بارتكاب جريمة تحت نظام الكفالة، يتحمل الكفيل مسؤولية هذه الجريمة. يشرح أظفر خان، اختصاصي الهجرة في منظمة الهجرة الدولية، أن نظام الكفالة كان يهدف لأن يكون "نظاماً جيداً يحمل المواطنين مسؤولية الاعتناء بغير المواطنين، لكنه أصبح الآن أداة تعسفية للاضطهاد والاستغلال.” ومع أن الكفلاء مازالوا قانونياً مسؤولين عن المهاجرين تحت كفالتهم إلا أنهم نادراً ما يواجهون أي محاسبة قانونية عند تجاهلهم لهذه المسؤولية القانونية عن رعاية العامل/ة المهاجر/ة.
نظراً لواقع سوق العمل المعاصر، لا يمكن الاعتماد على نظام أنشئ في مجتمعات صغيرة تعتمد على شبكات من العلاقات الشخصية ليقوم بحماية وتنظيم شؤون الهجرة. كما لا يمكن الاعتماد على الأفراد لضمان سلامة من يقعون تحت كفالتهم خاصة أن هؤلاء الأفراد لهم مصالح اقتصادية. يطمح هؤلاء لدفع أقل مبالغ ممكنة لعمالهم وحرمانهم من حقوقهم ودفعهم للعمل لمزيد من الساعات. الشركات في الخليج تقوم بكفالة أغلب المهاجرين في هذه الدول حيث يسمح لكل شركة بكفالة عشرات الموظفين، وأحيانا المئات، من المهاجرين دون أن يكترث أصحاب الشركات بأوضاع موظفيهم والمبالغ المدفوعة لهم.
من بين دول الخليج، مازالت السعودية وقطر تشترط "إذن الخروج" للسماح للمهاجرين بالسفر خارج البلاد.
هل تعتمد دول الخليج ذات النظام؟
على الرغم من أن النظم والقوانين التي يقوم نظام الكفالة عليها تتشابه بين دول الخليج، إلا أن هنالك فروقات جديرة بالذكر.
فيما يخص العمالة المهاجرة، هنالك ثلاث قيود رئيسية يواجهونها تحت نظام الكفالة:
قدرة العامل/ة على تغيير العمل دون إذن الكفيل/ة
قدرة العامل/ة على الاستقالة من الوظيفة
قدرة العامل/ة على ترك البلاد دون إذن الكفيل/ة
هذه القيود تؤثر بشكل مباشر على كل جوانب حياة المهاجر/ة ومنها قدرتهم على تنفيذ شروط عقد العمل أو في استرداد حقوقهم في حالة حدوث انتهاكات مادية أو جسدية ونفسية. ماذا يفعل العمال في حالة حرمانهم من أجورهم؟ ماذا عن جودة الطعام المقدم لهم؟ ماذا لو طلب منه أو منها النوم على الأرض؟ ماذا لو كان إذن الكفيل شرطاً للاستقالة أو ترك البلاد أو تغيير جهة العمل؟ خاصة أن الكفيل يملك القرار في تحديد الوضع القانوني للمهاجر أو حتى اتهامه بالهرب.
الإجابة: لا يملك المهاجرون حلولاً جيدة عند مواجهة هذه المصاعب.
تستمر قطر والسعودية بفرض "إذن الخروج" للسماح للمهاجرين بترك البلاد. هذا يعني أن كل مرة يرغب فيها موظف (سواء عامل بأجر محدود أو مدير براتب كبير) بالسفر حيث يتطلب منهم الحصول على إذن من صاحب العمل. كثيراً ما حرم الكفلاء موظفيهم من إذن الخروج كنتيجة لنزاع ما بين الموظف وصاحب العمل. في مثال شهير، مُنع اللاعب الفرنسي زاهر بلونيس من السفر لمدة سنتين بعد خلاف مع إدارة النادي القطري الذي كان لاعباً فيه. صرح بلونيس وقتها لجريدة الغارديان البريطانية قائلاً: “نظام الكفالة هذا يقوم بقتلي بشكل بطيء وهنالك كثيرون غيري معرضين لمثل هذه الظروف.”
في دول أخرى، يقوم الكفلاء باتخاذ خطوات معينة لمنع موظفيهم من ترك البلاد دون رضاهم فإذا قاموا بالتبليغ عنهم للسلطات باعتبارهم "متغيبين عن العمل"، يتعرض الموظف للمحاسبة والملاحقة القانونية. في نوفمبر الماضي، صرح رئيس إدارة القوى العاملة في الكويت عن وجود ١٢ ألف قضية تغيب عالقة مسجلة ضد مهاجرين حيث قامت السلطات بإلغاء إقامات هؤلاء بشكل تلقائي. وصفت جمعية حقوق الإنسان الكويت إدعاءات التغيب هذه "سيفاً على رقاب العمال يتم استغلاله لحرمانهم من الحصول على حقوقهم المادية.” ولا يسمح لمن سجلت ضدهم بلاغات تغيب بترك البلاد حتى اسقاط التهم ضدهم من خلال تدخل سفارة بلادهم أو الوصول لحل مع الكفيل. يقبع الكثير منهم في السجون لفترات مفتوحة حتى اسقاط التهم فلا تكترث السلطات إن كان للمهاجر سبباً وجيهاً في ترك الوظيفة مثل حرمانه من مستحقاته المادية.
في البحرين، يسمح للمهاجرين بتغيير وظائفهم دون الرجوع للكفيل بعد عام من بدء العمل. في الإمارات، تغيير العمل مسموح بموافقة وزارة العمل التي تضع شروطاً مثل اثبات تعرضهم لانتهاك من قبل الكفيل أو بسبب قيام الكفيل بإنهاء عقد العمل بشكل تعسفي. خارج هذه الاستثناءات المحدودة، يحتاج العامل لموافقة الكفيل بورقة "لا مانع.” في بقية دول مجلس التعاون، لا يسمح للمهاجرين بتغيير وظائفهم دون إذن صاحب العمل بغض النظر عن فترة عملهم. عدا ذلك، على العامل/ة الحصول على إذن خاص من وزارة الداخلية أو رفع قضية ضد الكفيل.
أكبر المشاكل الناتجة عن نظام الكفالة أنه يحد من قدرة المهاجرين على تقديم شكوى أو اعتراض في حالة الاخلال بأي من شروط عقد العمل.
هل يسمح نظام الكفالة لأصحاب العمل بمصادرة جوازات السفر؟
تعتبر مصادرة جوازات السفر محرمة قانونياً في دول مجلس التعاون ولكنها ممارسة شائعة يستخدمها الكفلاء لترهيب الموظفين وإجبارهم على الاستمرار في العمل بسبب غياب محاسبة الكفلاء في مثل هذه الحالات. حينما يقوم مهاجرون بتقديم شكاوى لسفاراتهم أو جهات حكومية عن مصادرة وثائقهم، يكون الرد المعتاد أن يتصلوا بالكفلاء ليطلبوا منهم إرجاعها بشكل ودي.
تعتبر منظمة الهجرة الدولية مصادرة جوازات السفر مؤشراً رئيسياً لحالات العمل القسري.
كيف يسهل نظام الكفالة حدوث هذه الانتهاكات؟
أحد أكبر إشكاليات نظام الكفالة أنه لا يضمن حق العامل في تقديم شكوى قانونية في حالة انتهاك أي من حقوقه المادية والمعنوية والجسدية. حينما يقوم العامل بتقديم شكوى ضد الكفيل، فأنه يصبح في صراع غير متساو مع الكفيل حيث يمكن للأخير إلغاء إقامته والتسبب بترحيله عن البلاد. يسمح للمهاجرين من أصحاب الشكاوى بالبقاء في البلاد في حالة حصولهم على إذن من وزارة الداخلية إلا أن هذا الحل عصيب على الأغلبية لأنه يتطلب قضاء الوقت والمال دون عمل حتى البت في القضية والحصول على هكذا استثناء. في مثل هذه الحالات، يتحمل العامل مصاريفه وتكاليف المواصلات ورسوم المحكمة وأجر المحامي.
القضية التالية مثال على ذلك:
غل نواز، عامل هندي يعيش في السعودية، كتب عن معاناته لكاتب سعودي في صحيفة محلية. أراد نواز تغيير وظيفته فقرر كفيله تسجيل بلاغ تغيب ضده. حاول الكفيل ابتزازه بطلب ٢٠ ألف ريال منه (ما يعادل ٥٣٠٠ دولار) من أجل التراجع عن فعلته. قام نواز بدفع المبلغ ولكن حينما ذهب كفيله الجديد لتخليص أوراقه، اكتشف أن بلاغ التغيب لم يلغ. دون تعاون الكفيل، وجد نواز نفسه بلا حل. حينما حاول الحديث معه مرة أخرى، طلب منه الكفيل المزيد من المال وإعطاءه جواز سفره من أجل حل المشكلة. دفع نواز مرة أخرى دون أن يحصل على حل أو حتى يسترجع جواز سفره. للمرة الثالثة، طلب الكفيل مبلغاً من نواز ودفعه ثم توقف عن الرد على اتصالاته. كتب نواز في مناشدته:
اليوم وضعي القانوني أنني مخالف دون ذنب مني. لا يمكنني أن أتنقل أو أعمل. مر عام علي دون أن أعمل. لم أستطع ارسال مال إلى أهلي لفترة طويلة وأنا المسؤول الوحيد عنهم. دفعت مبالغاً كبيرة للكفيل واستدنت من أصدقائي ونمت جائعاً لليالٍ كثيرة.
على الرغم من أن نواز كان بامكانه اللجوء للمحاكم السعودية لحل مشكلته إلا أن قرار التفاوض مع الكفيل والسقوط في الديون يبين طبيعة علاقة المهاجر بالنظام القانوني. إذا أراد الرحيل عن البلاد، يتوجب عليه التخلص من تهمة التغيب القائمة ضده ودفع عقوبة مالية لفترة اقامته الغير قانونية. بذلك، قام الكفيل باستغلال قوته في حرمانه من تغيير عمله وإلغاء اقامته. حينما يرحل عن البلاد، سيتحتم على نواز الخروج على طريقة الابعاد النهائي. القوة القانونية التي يمتلكها الكفيل ضد المهاجر لا تسمح له باستخدام القنوات القانونية للحصول على حقوقه.
وتأتي الاضرابات العمالية القليلة في دول الخليج كدليل آخر على العلاقة النفعية بين أنظمة الهجرة وأرباب العمل. في حالات كثيرة في دول الخليج، يجازف العمال باتخاذ قرار الاضراب معرضين أنفسهم لخطر الترحيل وهو المصير الأكثر احتمالاً عن حصولهم على حقوقهم المذكورة التي سلبها منهم أصحاب العمل أو مكاتب الاستقدام. الاضرابات في الخليج ممنوعة قانونياً. بينما تستمر السلطات بمعاقبة المضربين دون أصحاب العمل الذين ارتكبوا انتهاكات غير قانونية أدت لتظاهر العمال. الكثير من العمال تم ترحيلهم دون دفع أجورهم التي حرموا منها لشهور. في ٢٠١٤، قام ٢٠٠٠ من العمال بالاضراب في مصنع في البحرين للمطالبة بتحسين ظروف العيش والعمل وزيادة أجورهم. حصل المضربون على زيادة بسيطة لأجورهم دون تحسين ظروف عيشهم مع ترحيل العمال الذين نظموا هذا الاضراب. في الإمارات، أضرب ٣٠٠٠ عامل للمطالبة برواتب أفضل، فقامت السلطات باعتقال وتعذيب وترحيل ٣٠٠ منهم.
غالباً ما يوفر أصحاب العمل السكن والطعام للعمال وفي حالة كانت أوضاع المعيشة سيئة بالنسبة للعامل، يرد رب العمل بكل بساطة أن على العامل الرحيل إن لم يعجبه الوضع. الكثير من المهاجرين وخاصة العمالة المنزلية ليس لديهم مكان يلجأون إليه.
يعمل هؤلاء المهاجرون مقابل أجور زهيدة تحاول السلطات عدم تغييرها مستغلين حاجتهم المادية.
هل يتسبب نظام الكفالة وحده بهذه الانتهاكات؟
تؤدي مجموعة من العوامل لوقوع العامل/ة في حالة استغلال او انتهاك لحقوقهم. أحد هذه العوامل الرئيسية هي ممارسات وتكاليف الاستقدام. الكثير من العمال يدفعون مبالغ كبيرة من أجل الحصول على وظيفة في الخليج. يعتمد هؤلاء على الديون لدفع تكاليف الاستقدام على أمل تسديد الديون من خلال الوظيفة التي يتوقعون الحصول عليها. أحياناً، يقوم البعض برهن بيوتهم أو أراضيهم لهذا الهدف. بعد رحيلهم، تعتمد عائلاتهم عليهم لارسال مبالغ تغطي مصروفاتهم وتسديد ديونهم. تمثل هذه الديون ضغطاً كبيراً عليهم. بعد وصولهم إلى الخليج، يكتشف الكثير من هؤلاء أن الوظيفة المتوقعة والأجر المدفوع يختلفان عما ذكر في عقود العمل.
ويمثل عنصرا اللغة والتنقل صعوبات كبيرة أيضاً فالكثير من المهاجرين لا يتحدثون العربية إلا إن كانوا مهاجرين عرب. كما لا يتحدث أغلبهم الإنجليزية. بالتالي، لا يعرف هؤلاء كيفية الحصول على مساعدة حكومية أو حتى الاتصال بخطوط المساعدة الهاتفية وقراءة الوثائق واستخدام الانترنت. أغلبية دول الخليج لا تمتلك مواصلات جيدة مما يحرم المهاجرين من ذوي الأجور المحدودة من الوصول للدوائر الكويت والمستشفيات والسفارات والمحاكم.
هل يعني ذلك أن تجربة كل المهاجرين سيئة تحت هذا النظام؟
بالتأكيد لا فهنالك الكثير من أرباب العمل ممن يدفعون راوتبهم في وقتها وغيرها من حقوق. مثلاً، بإمكان المقيم الثري أن يستثمر في البلاد ويصبح الكفيل القانوني لنفسه. إلا أن المهاجرين ممن لهم علاقات جيدة بكفلائهم يواجهون اشكاليات مع نظام الكفالة فمن دون موافقة الكفيل لا يمكنهم تغيير وظائفهم من أجل أخرى أفضل حتى وإن عملوا لذات الكفيل لسنوات. هذا يعني أنهم قد يتحصلون على ذات الأجور الزهيدة لأن أرباب العمل غير مضطرين لزيادتها حتى وإن ارتفعت تكاليف المعيشة.
أي فئة تواجه أكثر الصعوبات تحت نظام الكفالة؟
من يتركون بلادهم بوعود كاذبة من مكاتب الاستقدام في بلادهم التي تقدم لهم عقوداً بلا قيمة تحدد رواتبهم وطبيعة وظائفهم ليكتشفوا بأن هذه العقود لا تعني شيئاً بعد وصولهم. هنالك طبعاً المهاجرون ممن يقعون تحت رحمة كفلاء لا يحترمون قوانين الشغل والهجرة ويخالفون شروط العقد، بالإضافة إلى أولئك الذين يقعون في إشكاليات مع كفلائهم ويضطرون للهروب أو اللجوء للجهات القانونية التي تستنزف وقتهم وجهدهم دون ضمان حقوقهم أو تقديم المساعدة القانونية لهم. في المقابل، هنالك من المهاجرين من يحظون بأرباب عمل جيدين يحترمون حقوقهم.
وفقاً لقوانين المنطقة وأوضاع العمل، بالامكان القول أن العمالة المنزلية تعاني أسوأ القيود بين قطاعات العمالة المهاجرة حيث يتم اقصاءهم من قوانين العمل في الخليج ولبنان والأردن. هذا يعني أن ساعات عملهم غير محددة ولا الحد الأدنى لأجورهم، كما أنهم محرومون من برامج الدولة. هذا ويتم اقصاء العمالة المنزلية من تقديم شكاوى ضد كفلائهم من خلال وزارات العمل ولا يقوم مفتشو وزارات العمل بزيارة أماكن عملهم للتأكد من دفع رواتبهم وأوضاعهم المعيشية.
الكثير من اصلاحات الهجرة التي حدثت في السنوات الأخيرة تستثني العمالة المنزلية من منافعها خاصة امكانية تغيير الكفيل حتى وإن كانوا ضحايا لانتهاكات مادية أو غيرها فتقضي العاملة شهوراً وأحياناً سنوات في المحاكم في حالات مثل الاعتداء الجنسي أو التعذيب دون الوصول إلى حلول وكثيراً ما تكون قرارات المحاكم غير منصفة.
إصلاحات نظام الكفالة في البحرين |
تلقت السلطات البحرينية المديح بعد الاعلان عن اصلاحات لنظام الكفالة حيث وصف البعض هذه الاصلاحات باعتبارها إنهاء لهذا النظام. في ٢٠٠٩، سمحت البحرين للمهاجرين بتغيير وظائفهم بعد تقديم تنويه للكفيل قبل ترك العمل بثلاث أشهر ومن ثم يسمح للمهاجر البقاء لمدة ثلاثين يوم في البلاد للحصول على وظيفة جديدة. ورقياً، يعتبر هذا القرار مهماً فالكثير من المهاجرين يعانون بسبب حرمانهم من حق تغيير وظائفهم دون إذن الكفيل، إلا أن تغيير الوظيفة دون إذن الكفيل يعني الخوض في عملية بيروقراطية مطولة. في يونيو ٢٠١١، تراجعت الحكومة البحرينية عن قرارها بسبب ضغط من الشركات وأصحاب المتاجر. الآن، يسمح للمهاجرين بتغيير وظائفهم بعد العمل لعام واحد لصالح ذات الكفيل. |
مصادر أخرى:
يقوم موقع The Gulf Labor Markets and Migration بجمع وترجمة قوانين العمل المتعلقة بالمهاجرين في دول الخليج بالإضافة إلى إحصائيات وبحوث متعلقة بدول مجلس التعاون الخليجي.
يعمل موقع GCC Legal على جمع قوانين دول الخليج باللغة العربية فقط.
تقدم مقالة "إصلاح الكفالة: التحديات والفرص" لأظفر خان وهيلين هاروف-تافل شرحاً جيداً لنظام الكفالة والاصلاحات الضرورية.
يقدم كتاب آنه نغا لوفا "جدران فوق الرمال: الهجرة والاقصاء والمجتمع في الكويت" تشخيصاً مفيداً للهجرة في الكويت ولتطورات علاقة المهاجرين والمواطنين. الكاتبة باحثة في الانثربولوجيا الاجتماعية كانت قد عاشت لسنوات في الكويت حيث تقدم في كتابها ملاحظات دقيقة تتشارك فيها بقية دول الخليج.
في كتابه "مدينة الغرباء: الهجرة في الخليج والتجمع الهندي في البحرين" يقوم آندريو غاردنر بتحليل نظام الكفالة باعتباره نوع من العنف المنظم ضد العمالة المهاجرة. يعتبر الكتاب دراسة أنثربولوجية قائمة على عمل غاردنر الميداني في البحرين حيث استخدم مقابلاته مع عمال مهاجرين من ذوي الأجور المحدودة بالإضافة إلى أولئك العاملين في المكاتب والمجالات المهنية.