اعتمد البرلمان الكويتي في يونيو الماضي قانونين لتنظيم العمالة المنزلية في البلاد: الأول يقرر إنشاء شركة مساهمة مقفلة لإدارة عملية الاستقدام والآخر لتنسيق العلاقة القانونية ما بين العمال وأصحاب العمل والوسطاء. وكانت إحدى الصحف الكويتية قد انتقدت تشريع القانونين في آنٍ واحد على الرغم من التناقضات المتباينة بينهما حيث يقوم الأول بإنشاء مظلة واحدة للاستقدام بينما يفترض القانون الثاني استمرار عمل مكاتب الاستقدام في عملية التوظيف.
وتأتي هذه التشريعات بتغييرات إيجابية إلا أن الإشكاليات الرئيسية لم يتم التطرق لها أو تم تجاهلها إجمالاً كما يتضح عند مقارنة مسودة القانون بنسخته المعتمدة.
ايجابيات: غياب الدقة وآليات التطبيق
يقدم قانون العمالة المنزلية عدداً من التغييرات الإيجابية مع القليل من آليات التطبيق والمحاسبة. كما تفتقد بعض الإضافات قيمتها بتحديد مساحة سلطتها وغياب دقة تعريفها مثل تحديد الحد الأقصى لساعات العمل بـ "١٢ ساعة متضمنة فترات الاستراحة.” لأول مرة تحدد الكويت حداً أقصى لساعات العمل في هذا القطاع لكن ذلك يتجاوز بكثير ساعات العمل الثمان المشرعة في بقية قطاعات العمل. كما أن عدد ومدة فترات الاستراحة غير محدد. ويذكر القانون حق العامل/ة في إجازة أسبوعية دون التوضيح ما إذا كان من الممكن قضاء الاجازة خارج المنزل.
وفي كل الحالات، لا تملك العمالة المنزلية سبلاً مضمونة للابلاغ عن تجاوزات. ويبذل الكثير منهم جهداً كبيراً لابلاغ أهاليهم أو سفارات بلادهم عما يتعرضون له. وحتى في مثل هذه الحالات، تكون أجهزة الدولة مجرد طرف ثالث في القضية.
ومن الملاحظ تغيير مسميات الأطراف من "خادم ومخدوم" إلى "عامل وصاحب العمل". ويمنع القانون وكالات الاستقدام من الاعلان عن خدمات العمالة المنزلية بطرق مهينة قائمة على الدين والنوع واللون والتكاليف. وهذه إضافة مهمة مع انتشار الإعلانات العنصرية التي من شأنها تسليع العمال. يذكر أن بقية دول الخليج لم تشرع أية قوانين في هذا الشأن فيما يخص المهاجرين.
ويأتي القانون بإضافة مهمة أخرى وهي العمل الإضافي مقابل أجر دون تحديد أي آليات لقياس وتطبيق ساعات العمل الإضافية. لا يتمتع قطاع العمالة المنزلية بأي آليات مراقبة وضمان من قبل أجهزة الدولة كما يصعب عليهم تقديم الشكاوى، إلا عبر مكتب الاستقدام الذي لا يكترث سوى بإرضاء صاحب العمل. ويأتي القانون الجديد بقاعدة جديدة تفرض على مكاتب الاستقدام تحويل كل النزاعات إلى إدارة العمالة المنزلية، ولكننا مرة أخرى لا نعرف كيف سيتم تنفيذ هذا الأمر. كانت مسودة القانون قد تضمنت على عقوبات مالية ضد مكاتب الاستقدام في حالة عدم الابلاغ عن الانتهاكات والنزاعات إلا أن النص الرسمي تخلى عن هذه الجزئية.
بالتالي تأتي جزئية "العمل الإضافي" بمثابة غطاء قانوني يسمح بتشغيل العمالة المنزلية لمدة ١٢ ساعة يومياً.
أما عن عقود العمل، فقد ذكر القانون أن على الطرفين توقيع عقود موحدة تصدر عن وزارة الداخلية. هذه خطوة ضرورية لتعريف العمال بواجباتهم وأجورهم. هذا ويحدد القانون حداً أدنى للأجور بـ ١٥٠$ (١٤٥ دينار) مع استخدام فواتير التحويل لاثبات دفع أجور العمالة. وفي حالة التأخير، على صاحب العمل دفع ١٠ دنانير عن كل أجر متأخر.
ويسمح القانون لإدارة العمالة المنزلية بتمديد إقامة العامل في حالة تسوية نزاعات معلقة. إلا أن فترة التمديد غير محددة وغير معروف إن كانت ستشمل "العمالة المتغيبة" لتسقط عنهم التهم. كثيراً ما تقع العمالة المنزلية تحت خطر الاعتقال بعد خروجهم من بيوت كفلائهم هرباً من الاستغلال أو التعسف. ويذكر تقرير المتاجرة بالبشر لعام ٢٠١٤ أن قانون التغيب سبب رئيسي في إعاقة حركة العمالة المنزلية وتعريضهم لظروف العمل القسري.
ويعفي القانون الجديد العمالة المنزلية من رسوم المحكمة في حالة نزاعات العمل حيث ستكون المحاكم المدنية مسؤولة عن النظر في كل قضية تقوم إدارة العمالة المنزلية بتحويلها خلال شهر من استلامها.
السلبيات
لا يحق للعامل تغيير جهة العمل.
ويلزم القانون الجديد أصحاب العمل بتوفير "السكن الملائم" دون التأكيد على ضمان خصوصية العامل. وفي الجلسة التشريعية لمجلس الأمة، لم يكترث النواب بخصوصية العامل/ة بل ركزوا على سكن "غير المطبخ" على حد قول النائب الزلزلة. من الملاحظ أن القانون لا يحدد منزل صاحب العمل باعتباره السكن الالزامي للعمالة المنزلية لربما لأن الذكور منهم (مثل السائق) قد يعيشون خارج المنزل.
وطالت أسوأ التغييرات التي قام بها مجلس الأمة على هذا القانون قضية مصادرة جوازات السفر حيث صوت النواب على السماح لأصحاب العمل بالاحتفاظ بالوثائق الرسمية الخاصة بالعمال "بموافقة من العامل". وبالتالي يتم استخدام "الموافقة" كغطاء قانوني في علاقة يحكمها طرف واحد هو صاحب العمل، خاصة أن العمال لا يتم اعلامهم عن حقهم في حفظ وثائقهم أو أنهم غير قادرين على تحدي أوامر كفلائهم. ولا يتوعد القانون بأي عقوبات ضد من يقومون بمصادرة جوازات السفر رغم تجريم فعل المصادرة مسبقاً من قبل وزارة الداخلية. وفي هذا الصدد، يشرح تقرير الإتجار بالبشر لعام ٢٠١٤:
نادراً ما يلجأ عامل في الكويت إلى سفارة بلاده وبحيزته جواز السفر. مازالت الحكومة تماطل في محاسبة المواطنين من المتورطين في الاتجار بالبشر. كما تتعامل السلطات الكويتية مع حالات العمل القسري باعتبارها نزاعات إدارية لتكتفي بفرض غرامات مالية وإغلاق بعض مكاتب الاستقدام وإصدار أوامر للشركات لإعادة جوازات السفر المصادرة ودفع الأجور العالقة. وفي ٢٠١٤، قامت وزارة الداخلية بتنظيم برنامج تدريبي مشترك مع منظمة دولية لمناقشة مكافحة الاتجار بالبشر.