لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

وفاة خادمة أوغندية في أحد سجون دبي

في 20 نوفمبر 2015

كمبالا: في قرية أوغندية نائية في ماساكا، بكت فتاة في العاشرة من عمرها على والدتها "فلورا ريتا زاويدي نانتيزا" ذات الـ ٣٣ عام وهي تنزل إلى قبرها. نانتيزا التي انتقلت للعيش في دبي عام ٢٠١٣ لقت حتفها في سجون الامارات.
لم تكن نانتيزا مجرمة. فقد ذهبت إلى دبي للعمل كخادمة لعام قبل أن تترك وظيفتها بسبب تعسف رب العمل معها. قدم الكفيل شكوى ضدها وتم تسجيلها كمتغيبة عن العمل لتصبح بذلك مستهدفة من قبل السلطات المحلية. أعتقلت نانتيزا في ١٧ يوليو ٢٠١٥ لتتوفى بعد اعتقالها بأسبوعين بسكتة قلبية نتيجة ارتفاع ضغط الدم- حسبما تدعي السلطات الاماراتية. أخذوها إلى المستشفى ووضعوها تحت العناية المركزة لتتوفى بعد اسعافها بثلاث أيام يوم الثاني من أغسطس.
بعد وفاتها، قام مهاجرون أوغنديون بجمع مبلغ لتغطية تكاليف نقل جثمانها إلى أوغندا وهو ما حصل بالفعل بعد أسبوعين من وفاتها.
من السهل الحديث عن حالة نانتيزا باعتبارها مثال آخر على الصحة المتردية للعمال المهاجرين إلا أن هنالك أسئلة مهمة يجب توجيهها: لماذا يتحتم على المهاجرين المثابرين من أجل حياة أفضل لهم ولعائلاتهم أن يواجهوا خطر الاعتقال والترحيل؟

A portrait of Nanteza’s picture on her coffin in Masaka, a few minutes before it was laid to rest, Photo by Yasin Kakande,

A portrait of Nanteza’s picture on her coffin in Masaka, a few minutes before it was laid to rest, Photo by Yasin Kakande,

في دبي وبقية الامارات، يمنح نظام الكفالة أرباب العمل سلطة مطلقة تتيح لهم تقييد العاملين. المهاجرون من أمثال نانتيزا بحاجة لإذن من صاحب العمل لترك أو تغيير جهة العمل. في السعودية وقطر، يضطر المهاجرون للحصول على إذن الكفيل لترك البلاد وهو ما يسمى بـ (إذن الخروج). وعلى الرغم من أن هذا الشرط غير مفروض في الإمارات، إلا أنه من الصعب على المهاجر ترك البلاد خاصة إن كانت هنالك مشاكل عالقة مع الكفيل فيما يخص ظروف العمل حيث يستمر غالبية أرباب العمل بمصادرة جوازات العاملين. كما تشتكي العمالة المنزلية من مصادرة هواتفهم النقالة التي قد تكون طريقهم الوحيدة للتواصل مع عائلاتهم في الخارج.
ولا يتمتع المهاجرون بضمانات قانونية تحميهم من استغلال أرباب العمل حيث يدعي المسؤولون في الخليج أنهم غير قادرين على مراقبة ظروف العمل، خاصة بالنسبة للعمالة المنزلية. كما لا تكترث الحكومات بمصير المهاجرين القادمين من دول نامية. إن اصلاح نظام الكفالة غير ممكن دون تغيير جذري يمس سلطة وصلاحيات صاحب العمل.
العام الماضي، وصلت جثة عاملة أوغندية أخرى إلى بلادها وتم اعادة تشريح الجثمان للتأكد من أسباب الوفاة. كان تقرير السلطات الإماراتية قد أشار إلى الوفاة نتيجة سكتة قلبية لكن تشريح "مستشفى مولاغو" في أوغندا يشير لعلامات تعذيب على جسد الضحية مع استبعاد احتمال السكتة القلبية. تحدثت مع صحافيين آخرين عن هذه التقارير في لقاء إذاعي للراديو المركزي في أوغندا بحضور نائب برلماني ووسيط لمكاتب الاستقدام.
اتصل المستمعون معبرين عن استيائهم من الوعود الزائفة التي ينشرها المسؤولون ووسطاء الاستقدام للعاطلين عن العمل من أجل دفعهم للهجرة دون التوقف عند الحاجة الماسة لتشريع قوانين وشروط تساهم في محاربة احتمالات التمييز العنصري والاستغلال الجسدي وحتى الموت التي يواجهها المهاجرون في دبي. اتهمني وسيط الاستقدام بأني لا أرغب لغيري بتحسين حالتهم الاقتصادية كما فعلت أنا من خلال عملي كصحافي في الإمارات (رغم أن الإمارات قامت بترحيلي بسبب كتاباتي الصحافية). كان ردي أن تجارة البشر في دبي لا تختلف كثيراً عن العبودية وبأن وسطاء الاستقدام هم وسطاء العبودية الجديدة.
حين حضرت جنازة نانتيزا، تحدثت مع والدها ديفيد كيغوزي وسألته إن قامت العائلة بإجراء تشريح آخر للتأكد من سبب وفاتها. أجابني بأنهم لم يقوموا بذلك إلا أنه "ممتن لكرم هؤلاء الذين تكفلوا بإيصال جثمان ابنتي.”
لا يقتل نظام الكفالة الأوغنديات وحدهن بأوضاع العمل المتعسفة. في أبو ظبي مثلاً، اعترف كفيل اماراتي بأنه قام بضرب خادمته حتى الموت لأنها كسولة. عثُر على الجثة في حوض الحمام وقد وجد المشرحون كسوراً في رأسها وأسنانها بالإضافة إلى كدمات على ساقيها وذراعيها. في حالة أخرى، قامت عائلة عربية بقتل خادمتهم الأثيوبية وحرق جسدها قبل الالقاء به في صحراء أبو ظبي. كما أذكر حالة كنت قد كتبت عنها خلال عملي في أبو ظبي وهي عن شابة أثيوبية قام كفيلها بحرقها بزيت مغلي.

Ritah Nanteza 1
لا تنتهي قائمة العنف في الامارات ودول الخليج مما يجعل المنطقة الأكثر خطورة للعمل في قطاع الخدمات المنزلية. في السعودية، قامت امرأة سعودية بحرق شابة اسمها "سميطي بنتي سالات مصطفى" باستخدام مكواة للملابس وطعنها عدة مرات باستخدام مقص. تم نقل العاملة إلى المستشفى واعتقال الكفيلة لتحصل بعدها على ثلاث سنوات فقط في السجن ومن ثم التبرئة بعد الاستئناف. كما عثر على عاملة سيرلانكية أخرى اسمها "آرياواتي" تبلغ من العمر ٤٩ عام وقد غرست المسامير في جسدها، كما أظهرت الأشعة آثار ٢٤ مسمار وابرة على جثتها. وأقدمت السعودية على اعدام روياتي بن سابوبي (٥٤ عاماً) من أندونيسيا وريزانا نافييك من سيرلانكا. تحدث مثل هذه المحاكمات بشكل مستعجل وسري ليتم تبرئة القتلة وحماية المواطن بحجة الدفاع عن النفس.
أثار خبر مقتل نانتيزا ضجة في أوغندا حول مصير المهاجرين في الخليج وفرص تحسين حياتهم. كثيراً ما كانت الصحافة المحلية تتجاهل قصص هؤلاء ممن تم تعذيبهم واهانتهم واستغلالهم في الدول العربية إلا أن ذلك يتغير تدريجياً.
كما تحاول السلطات المحلية تحذير المهاجرين من ظروف العمل في الخارج خاصة في دول نظام الكفالة. وبعد قصة نانتيزا، طلب رونالد متيبي من المسؤولين تنفيذ برامج توعوية لحث المواطنين على العمل في بلادهم بدلاً من الهجرة ومواجهة مخاطر العمل في الخارج.