يعود سبب فشل دولة قطر إلى موقفها المتعنت بعدم الاعتراف بالعمال المهاجرين كعنصر فاعل في البناء الوطن،يستحق العدل والمساواة. كما يعود جزئياً إلى ضعف تطبيق الأنظمة النافذة والتضييق على أي نوع من أنواع العمل الاجتماعي المستقل على أسس حقوقية.
ومع تزايد الانتقادات الموجهة للإمارة بشأن طريقة معالجتها قضية العمال المهاجرين، أخذت تبذل جهوداً إضافية بتصوير العمال المهاجرين كعنصر آخر عرَضي الوجود عبر الإشارة لهم في الوثائق الرسمية باعتبارهم "ضيوفاً" أو عمالاً "عابرين"! وبالتالي إظهار معاناتهم على أنها مجرد مشاكل طارئة، بينما هي تنبع من صلب بنية سوق العمالة.
فإذا وجدت نفسك مشرداً ذات يوم ولم تتلق أجرك أو صودر جواز سفرك أو تحولت إلى مخالِف بلا وثائق لأن رب العمل لم يستصدر ترخيص عملك، فلعل أفضل ما ينتظرك سيناريو الترحيل الفوري إلى بلدك مع جزء من أجرك.
ولحسن حظ معظم قراء هذا المقال أنهم لا ينتمون لفئة العمال المهاجرين ذوي الدخل المتدني، ولا يتذوقون علقم سياسات البوليس القطري البغيضة، حيث تحكم وزارة الداخلية المهاجرين وتطاردهم قوات بوليسها، وإذا أُلقي القبض عليك تقع على عاتقك مسؤولية إثبات تعسف رب عملك وسوء معاملته، وما لم تملك الدليل تبقى رهن الاحتجاز مداناً بجرم "التغيب" عن العمل أو "الهرب" منه، أو توجَّه لك تهمة محاولة إنشاء تنظيم نقابي إذا رفضت العودة للعمل (مُضرب!) بدون أجر وبدون أي تغيير في ظروف العمل!
ولأن أرباب العمل يتبرأون عادة من كل عهودهم تجاه العاملة أو العامل بمجرد تركه مكان العمل. يعتبر محظوظاً جداً ذاك العامل الذي يتمكن من تحصيل أجوره غير المدفوعة، وتلقّي تعويضات نهاية الخدمة وتذكرة طيران وتصريح مغادرة البلد. لكن معظمهم ينتقل بسذاجة من تحت الدلف لتحت المزراب محاولاً فهم نظامٍ لا يفهمه غالباً حتى المنتفعون منه.
ونظراً إلى أن مصادر المعلومات المعينة للعاملين في قطر على حل مشاكلهم غير متاحة، فجلّ ما يعرفه العامل المهاجر أو يتعلمه إنما يقوم فقط على ما يستطيع الحصول عليه من أقرانه، كالاستعانة بصديق زميله في السكن ذي الخبرة في ملء استمارة شكوى مثلاً، أو شقيق زميلٍ نجح بالحصول على تصريح مغادرة البلد، وهكذا.
توجد ستة مواطن خلل في السياسات المتعلقة بشؤون العمال المهاجرين: تدريب ما بعد الوصول. المسافات وصعوبة الحصول على المساعدة. المتعهدون غير المعتمَدين. فقدان المأوى والملجأ. غياب المساعدة القانونية. منع كافة أشكال نشاط المجتمع المدني. وهي المشاكل الأكثر بروزاً والمتممة لثغرات بنية نظام الكفالة، كاشفة بالنتيجة عن كيفية تخلِّي قطر عن إنصاف 92% من قوّتها العاملة.
- تدريب ما بعد الوصول:
أو لنقل انعدامه! فلا يمكن الحديث عن تلقي العامل المهاجر التوجيه والإرشاد قبل سفره من خلال مراكز تأهيل فقيرة التجهيز ووكالات استقدام وإيفاد فاسدة. فيما الوصول للمعلومات عن الحقوق مقنن أو معدوم. ولا يوجد أدنى التزام تجاه العامل بتعريفه على حقوقه وواجباته بعد وصوله إلى البلد.
تركز آخر التقارير الأخيرة الصادرة عن اللجنة العليا للمشاريع والإرث (SCDL)، وهي اللجنة المنظمة لإقامة بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022، على أخلاقية الجهود القطرية في الاستقدام والتوظيف. وتدقق في آليات تظلم العمال المدرجين على جداول رواتب المقاولين المعتمَدين.
لكن الكثير من حالات الاستغلال والإساءة تجري على بُعد بضعة درجات في سلم التوظيف قبل الاستقدام، في مرحلة العلاقة مع المتعهدين غير المعتمدين (راجع الفقرة 3). العلاقة التي تتطلب معالجة تتجاوز حالة الركون إلى معايير مجردة لا تنطبق إلا على حفنة من المشاريع والشركات. مثلما تتطلب التزاماً على المستوى الوطني ما يزال غائباً حتى في ظل تشديد التدقيق على المقاولين.
- المسافات وصعوبة الحصول على المساعدة:
تبعد مساكن العمال مسافة 15 – 20 كم عن مركز المدينة حيث يقع مكتب اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان. وإذا كنت تسكن في المنطقة الصناعية في محيط "مجمع الويست إند"، فتُعتبر إدارة العمل قريبة على مسافة 8 كم، والوصول إليها سهل نسبياً. على العكس من الرحلة الشاقة إلى مكتب اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، الذي يتضمن إضاعة ما يقارب 90 – 120 دقيقة من الوقت إذا كنت تقيم في المُريخ أو السيلية، مع تحمّل مشقة تغيير وسيلة النقل أكثر من مرة والسير على الأقدام لمدة تتراوح بين عشرين وثلاثين دقيقة على الأقل. وإذا استطعت إيجاد تكسي يأخذك إلى مكتب اللجنة فالرحلة تكلفك 50 ريالاً قطرياً تقريباً. مع العلم أن معظم العمال لا يلجأون لطلب المساعدة إلا بعد أشهر من خضوعهم للاستغلال وإساءة المعاملة، ووصولهم إلى شفير الإفلاس وبالكاد يملكون ثمن طعامهم.
ويبدو أن عزل العمال بهذا الشكل أمر متعمَّد يجعلهم معتمدين كلياً على أرباب العمل لنقلهم من وإلى أماكن عملهم. أما في شؤونهم الأخرى، من الترفيه وحتى ملء استمارات الشكاوى، فيُتركون ليتدبروا أمرها بأنفسهم دونما موارد أو مُعين.
- المتعهِّدون غير المعتمدين
تتبنى كل من مؤسسة قطر واللجنة العليا للمشاريع والإرث معايير رعايةٍ عمالية جديرة بالثناء. ولكنها مع ذلك عاجزة عن أن تشمل العمال الوافدين أساساً من خلال المتعهدين الوسطاء الذين يقدمون خدماتهم لصالح شركات المقاولة وتصدير العمالة، ويتحكمون بعملية تجميع العمال واستدعائهم للعمل في المشاريع الكبرى أينما دعت الحاجة. حيث كل العمال المستقدمين بكفالة هؤلاء المتعهدين لا يتم إدراجهم على جداول رواتب عمال الشركات الكبيرة ولا في دفاتر حساباتها.
علاوة على أن المتعهدين يجمعون العمال بمعزل عن توفر أو عدم توفر فرصة العمل. وفي حال عدم توفر مشاريع لتشغيلهم مباشرة يبقونهم معلقين إلى أجل غير محدد. وقد تواصلت منظمتنا خلال الشهر الفائت مع اثنين من هؤلاء العمال المعلقين اللذين جرت قصتهما كالتالي:
كان كل منهما قد أبرم عقداً من خلال متعهد للعمل لصالح شركة لا تكفله. وبعد إتمامهما ستة أشهر من العمل في أحد المشاريع بقطر أُرسِل العاملان لبلدهم الهند إلى أن حلّ موعد المشروع الجديد بعد بضعة أسابيع فأُعيدوا إلى قطر في أغسطس/2015، لكن سرعان ما توقف المشروع الذي يعملان به.
تلقى العاملان أجورهما بالتقسيط في الفترة ما بين شهري أغسطس وحتى ديسمبر 2015، ولم يتم استصدار تصاريح عمل لهما. مما اضطرهما لتقديم شكوى في مكتب اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان وعلقا في الدوامة التي ذكرناها آنفاً. وفي نهاية الأمر تم ترحيلهم إلى بلدهم إثر مفاوضات جرت مع المتعهد (بتدخل عامل اجتماعي محلي)، إنما دون استرداد رواتبهما المستحقة.
يُذكر هنا أن وزارة الداخلية ذكرت مؤخراً أنها أدرجت 8900 شركة على اللائحة السوداء. وفي حين يمكن اعتبار هذا الإجراء إيجابياً، إلا أن إدراج الشركات على اللائحة السوداء لا يَعنى بمعالجة العواقب والحالات العالقة. فحال سحب ترخيص شركة ما، تصبح تلقائياً غير مسؤولة عن العمال الذين استقدمتهم، حتى أنها لا تستطيع أن تمنحهم إذن أو ترخيص خروج من البلد.
وهكذا تتضافر نتائج استمرار تهرّب المتعهدين مع نتائج اللائحة السوداء لتزيد من الإضرار بمصالح العمال إلى حد يزيد عما يصيب مالك الشركة ذاتها.
- فقدان المأوى والملجأ
يوجد لدى سفارة الفيليبين ملجأ يقدم الطعام للعاملات المنزليات، وملجأ آخر تقوم عليه مؤسسة قطر لمكافحة الاتجار بالبشر التي تتعامل مع حالات وقضايا العنف المنزلي. وكذلك تفتح السفارات ملاجئ مؤقتة كتدبير غير رسمي. وعدا عن ذلك يتحول العمال إلى مشردين في غالب الأحيان أو يلجأون إلى بيت صديق من أبناء بلدهم يقبل مشاركتهم مكان إقامته الضيق.
أما مركز الاحتجاز والترحيل فهو سجن تجميع للعمال الذين يُفترض في الأحوال العادية أن يتم إيواؤهم في ملاجئ! وكما يذكر المبعوث الخاص للأمم المتحدة في تقريره عن حقوق العمال المهاجرين في قطر:
... بدل بناء عنابر للنساء في مراكز الترحيل، يمكن إيجاد حلول أفضل وأقل كلفة. وليس مقبولاً أن يعيش الأطفال في الحبس: دائماً، يجب أن تُؤوى النساء المهاجرات مع أطفالهن في ملاجئ
الملفت في الأمر أن يصبح شائعاً اعتبار مركز الاحتجاز ملجأً وكأنه أمراً طبيعياً! حتى أن منظمتنا تتلقى طلبات من عمال باحثين عن مساعدة لإدخالهم فيه! وتقدم السفارات "النصيحة" للعمال بـ "تسليم أنفسهم"! ولكن مركز الاحتجاز غالباً لا يقبل إدخال العمال الذين انقطعت بهم السبل إلا بعد اكتمال أوراق ترحيلهم وحجز تذاكر سفرهم، حرصاً على تقنين مدة مكوثهم فيه!
ويُذكر بالمقابل أن البحرين والكويت والسعودية والإمارات العربية المتحدة تتوفر لديها ملاجئ، وإن تكن حالتها مزرية.
- غياب المساعدة القانونية
رغم الانتقادات الشديدة الموجهة لقطر ما تزال أبواب الوصول للعدالة موصدة في وجه العمال المهاجرين، ولم تتزحزح الدولة قيد أنملة لحل المشكلة. فبعد زيارة لقطر دامت ثمانية أيام خلال الشهر الأول من عام 2014، ذكرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية باستقلال القضاة والمحامين، غابرييلا كنول، في تقريرها:
يساورني قلق شديد إزاء حالة الناس الذين يمرون بأوضاع معيشية صعبة، بمن فيهم النساء المهاجرات والعاملات المنزليات، ويوضع في وجههم المزيد من العراقيل كلما حاولوا الوصول إلى العدالة.
وفي حين أن إصلاح أو إعادة هيكلة النظام القضائي قد يأخذ زمناً طويلاً، ما تزال صرامة قطر في السيطرة على أي نوع من أنواع مشاركة المجتمع المدني تؤشر إلى أن توفير المساعدة القانونية لمن يحتاجها أمر غير وارد. ناهيك عن أن القيام بملء استمارة شكوى أو طلب إصلاح الوضع من شأنه كسر معنويات العامل الرازح تحت ضغوط المصاعب، وربما زجّه في مواقف غير قادر على التعامل معها.
مثلاً، منذ أكثر من أسبوع، اتُّهِم خمسة صيادين كانوا على متن قارب سعودي بالصيد في المياه الإقليمية القطرية، وتم تغريم كل منهما بمبلغ 20 ألف ريال قطري في إحدى محاكم الدوحة. وحسبما ذكر موقع دوحة نيوز:
بعد قضائهم خمس ليالٍ في السجن وقّعا إفادة مكتوبة باللغة العربية معتقدين أنها إقرار بكونهم ضلوا الطريق ودخلوا المياه القطرية
أما إذا أردت تقديم شكوى أو تقويم أوضاعك في العمل، فلديك ثلاثة خيارات تؤدي بك جميعها إلى إحدى دوائر الترحيل التابعة لوزارة الداخلية ومن ثَمَّ إعادتك إلى بلدك. وإذا كنت تملك المبلغ الكافي من المال والدعم فربما تجد قضيتك طريقها إلى أروقة القضاء. وهذه الخيارات هي:
- الذهاب إلى السفارة، التي تزودك برسالة تُحيلك إلى إدارة البحث والمتابعة ليشار إلى قبولك كـ "مُبعَد" من هناك.
بشكل عام، تتعاطى معظم السفارات مع مثل هذه القضايا على أنها مجرد عودة للعمال إلى الوطن، لا على أنها قضايا متعلقة بحقوق عمالية تستدعي الكفاح من أجلها! ومن ناحية المدة الزمنية، فحتى لو صدرت رسالة السفارة على الفور، تأخذ إدارة البحث والمتابعة مهلة لإعطاء العامل النتيجة تتراوح بين أسبوع وشهر من الزمن، تقوم أثناءها بالاتصال بالكفيل لتطلب منه إعادة جواز سفر العامل واستصدار تصريح مغادرته البلد.
- الذهاب إلى اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، حيث سيُطلب منك ملء استمارة شكوى باللغة الانكليزية أو العربية. وإذ يجيد الطاقم المكلف بالتعامل مع العمال اللغة العربية وقليلاً من الإنكليزية إلا أن معظم العمال لا يجيدون أي من اللغتين، لذلك يعتمدون في الترجمة على أي مساعدة من عمال آخرين في مكتب اللجنة، وغالباً ما يُفقد الكثير في هذه الترجمات. على سبيل المثال، في إحدى الحالات الأخيرة أصر المسؤول عن وحدة تقديم الشكاوى على أن يبرز العامل بطاقة شخصية قطرية صالحة، دون أن يستوعب أن العامل آت ليشتكي على شركة لم تصدر له الوثائق والتراخيص النظامية. وعموماً، يلجأ مكتب اللجنة إلى إعادة تحويل العمال باتجاه وزارة العمل أو سفارة بلدهم.
- الذهاب إلى وزارة العمل (التي يسميها العمال المهاجرون بالمحكمة العمالية) فإذا كانت الشكوى واضحة ولا لبس فيها تخضع لفترة من التحكيم تتضمن مطالبة الكفيل بإعادة جواز سفر العامل في حال كان قد صادره، وكذلك دفع مستحقات العامل أو ثمن تذكرة سفره. وعلى الأغلب يعمد الكفيل إلى اتهام العامل بالهرب كي لا يدفع تكاليف إعادته إلى بلده.
ولأجل كل هذا يمكن السماح لعيادات المساعدة القانونية بالعمل بشكل مستقل أن يقدم عوناً كبيراً للعمال. فبالتأكيد هناك حاجة ماسَّة لفتح عيادة قانونية في كل مركز احتجاز حيث يوجد محتجزون لا يعرفون حتى ما هي الخطوات التي يتوجب عليهم اتباعها كي يُفرج عنهم. وقد سبق لمنظمتنا أن كتبت عن العامل الذي بقي رهن الاحتجاز 17 شهراً بدون سبب يُذكر.
وبما أن قطر تحظر العمل الاتحادي والنقابي العمالي، لا يجوز لعدة عمال أن يجتمعوا على تقديم شكوى واحدة جماعية، ويضطرون للتقدم بالشكاوى والدعاوى منفردين كلٌّ على حدى! وإلا سيُعتبر عملهم بمثابة تأسيس نقابة بمخالفة صريحة للقوانين.
- المجتمع المدني
لا وجود لمنظمات مجتمع مدني مستقلة في قطر، ويقتصر نشاط المنظمات المسموح بها على الأعمال الخيرية وتوجد غالباً خارج البلد. وكأنّ المشاكل القائمة داخل البلد نافلة!! وتوجد منظمات تنشط من الخارج بحماية سفارات محترمة كمنظمة "Indian Community Benevolence Fund" على سبيل المثال لا الحصر. وكما ذكرنا، تقدم هذه المنظمات إعانات خيرية الطابع بشكل رئيسي فلا تتحدى النظام السائد ولا تحاول تجاوزه لتقديم المعونة. وكلها تعمل في نفس المجال مثل مساعدة العمال المبعدين إلى بلادهم.
تقول الأرقام الصادرة مؤخراً عن وزارة الداخلية القطرية أنه قد تم تقديم 10.086 تذكرة سفر مجاناً للعمال. لكن الأدلة، في حالات وردت أخبارها لمنظمتنا ولعاملين اجتماعيين آخرين، تشير إلى أن تخفيض الإنفاق الحكومي أدى إلى استبعاد الكثير من العمال الذين طُلِب منهم تأمين تذاكر السفر بأنفسهم. كما تم الإبلاغ عن مثل هذه الحالات من قِبل العمال المرضى الذين تخلّى عنهم أرباب عملهم وأُهملوا في مؤسسة حمد الطبية (المشفى العمومي) فيما "الشرطة" غير قادرة على توفير تذاكر تسفيرهم إلى بلادهم.
وعلاوة على ذلك هناك نقص في المعلومات المتوفرة عن ماهية الإجراءات الواجب اتخاذها في حالات انتهاك حقوق العمال و/أو حقوق الإنسان. مما يدفع بالعمال لاتخاذ خطوات ارتجالية ليس من شأنها إلا أن تزيد سوء أوضاعهم. ولأجل هذا الغرض توجد منظمات مجتمع مدني وعيادات خدمة قانونية تلعب دورها الوظيفي في أي مجتمع منفتح وعادل. هذا الدور المفقود في قطر!
تخشى قطر السماحَ بأي نشاط لمنظمات المجتمع المدني على أراضيها، مستخدمة مقولات الجيوبوليتيك والأمن القومي واختلال التوازن الديموغرافي كمبرر لحظره. مما يعني تخفيض العمل الاجتماعي الممكن إلى حدوده الدنيا من خلال منظمات مشتتة في الخارج، أو العمل باستقلالية تعرض القائمين به للمضايقات.
كما أن السماح للمنظمات غير الحكومية المستقلة بالعمل في هذا المجال من شأنه كذلك ضمان أفضل إخبار عن القضايا ذات العلاقة وأفضل توثيق لسجلاتها. ذلك أن التوثيق الشامل لحالات الاستغلال والإساءات أمر ضروري جداً لفهم طبيعة المشاكل التي يتعرض لها العمال المهاجرون. ولذلك يتوجب على قطر التحلي بالجرأة الكافية لمواجهة نواقصها وعدم الركون ببساطة للرد على الاتهامات الموجهة لها من الخارج.
أخيراً، في ظل عدم وجود شبكة وافية من منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية يطغى عجز الآليات الحكومية القاصرة عن معالجة مشاكل السكان المتنوعين أثنياً. وبعد أن تعمدت قطر عرقلة كل نشاطات المجتمع المدني ومنعت المجتمع من أداء دوره الحر الطبيعي لبناء مجتمع عادل، زادت صعوبة حلِّ المشاكل المنبثقة عن سوق العمالة المرتكز على مساهمة العمال المهاجرين.