سلط تقريران حديثان الضوء على الانتهاك الممنهج لحقوق العمال المهاجرين في ظل استمرار العمل بالقوانين المنظمة لشؤون العمالة في قطر. فقد تطرقت منظمة العمل الدولية في آخر تقاريرها إلى تنامي الدور السلبي الذي يلعبه المتعهدون المخالفون ومقاولو الاستقدام غير المعتمدين.
ومن ناحية أخرى، رغم لحظِ منظمة العمل الدولية لجهود الحدِّ من ظاهرة العمل القسري "السخرة" إلا أنها أشارت إلى عدم كفاية هذه الجهود لإنهائها، وأمهلت قطر مدة سنة واحدة لضبط الظاهرة. وبانتظار دخول قانون الكفالة الجديد حيز التنفيذ في الشهر الأخير من هذا العام 2016، تبين أن كافة التعديلات التي أُعلن عنها في العام الماضي لم ترتقِ إلى مستوى إيفاء قطر بوعودها.
وفي حال لم تشهد المنظمة التقدمَ الذي تتوقعه في هذا المجال فسوف تَمثُل قطر أمام لجنة مساءلة، في إجراء يُعتبر أعلى مستوى من التحقيقات التي تلجأ منظمة العمل الدولية إليها عندما تواجه إحدى الدول الأعضاء تهماً بارتكاب انتهاكات بشكل متكرر ورفضِ معالجتها بشكل جذري.
وفيما يلي نبرز أهم ما ورد في تقارير المنظمتين:
منظمة العمل الدولية:
شكوى تتعلق بعدم التزام قطر باتفاقية العمل القسري، 1930 (رقم 29)، واتفاقية التفتيش العمالي، 1947 (رقم 81)، اللتان أقرتهما الوفود المشاركة في الدورة 103 (2014) لمؤتمر العمل الدولي بموجب المادة 26 من دستور المنظمة.
فيما يتعلق بظروف المعيشة، شهد الوفد الثلاثي بعد زيارة مساكن العمال في منطقة السيلية أن مساكنهم لا تلبي الحد الأدنى من المعايير حتى الآن، حيث غالباً ما ينحشر حوالي 10-12 عامل في غرفة واحدة صغيرة، ويستخدمون مرافق ومطابخ غير صحية. علاوة على أن هؤلاء العمال لم يكونوا يستفيدون أو يعرفون بوجود نظام دفع الأجور الإلكتروني من خلال نظام حماية الأجور المُنشَأ حديثاً.
[...] لاحظ الوفد الثلاثي أن لجنة خبراء منظمة العمل الدولية لمتابعة تطبيق الاتفاقيات والتوصيات، إبان آخر تفتيش أجرته في ديسمبر (كانون الأول) 2015 حول مدى تطبيق حكومة قطر للاتفاقية رقم 29، قد أشارت إلى أن عدداً من فقرات القانون رقم 21 ما زال يضع قيوداً على مغادرة العمال للبلد أو تغيير أرباب العمل، ويمكن أن يمنع العمال من ضبط أوضاعهم وتخليص أنفسهم عندما يتعرضون للتعسف وإساءة المعاملة. ويعتقد الوفد أن هناك حاجة لجمع معلومات أكثر عن نتائج القانون رقم 21 في هذه المرحلة من سريان مفعوله، بغية الوصول إلى معاينة ملموسة لعواقب تطبيقه، بالإضافة إلى ضرورة أن تكون التعليمات التنفيذية واضحة دائماً.
كما أخذت منظمة العمل الدولية علماً باستثناء قطر المتعمَّد لعاملات وعمال المنازل من قانون العمل القطري ومواصلتها عزلهم وإضعافهم، ولا يوجد ما يؤشر إلى حلها في المستقبل القريب.
وسجَّل الوفد الثلاثي أن عمال وعاملات المنازل المهاجرين باتوا يخضعون لأحكام القانون المدني المحلي وقانون العقوبات الجزائية، نظراً إلى حرمانهم من الاستناد إلى قانون العمل لعام 2014، والقانون رقم 4 لعام 2009 المعدِّل لنظام الكفالة. وفوق ذلك، لن تسري عليهم أحكام القانون رقم 21 لعام 2015 المزمع بدء العمل به في ديسمبر (كانون الأول) 2016. وقد وضع مشروع قانون للعمال المهاجرين منذ عام 2012، ولكنه ما يزال معلقاً دون تحديد تاريخ مباشرة تنفيذه. ونظراً إلى أن نظام توظيف عمال المنازل المهاجرين يمكن أن يزيد من ضعف حالتهم وباعتبار أن عددهم كبير في قطر، يرى الوفد الثلاثي ضرورة اتخاذ تدابير سريعة وإجراءات فعالة لحمايتهم في النص القانوني وفي الممارسة العملية على حد سواء، دون أدنى تأخير.
وقد وضع الوفد الثلاثي بعين الاعتبار التدابير التي اتخِذت مؤخراً لتحسين ظروف عمال المنازل، مع التنويه إلى أن تقييم آثار القوانين الجديدة لا يمكن أن يتم إلا بعد مباشرة تنفيذها.
يمكن قراءة التقرير كاملاً باللغة الإنكليزية هنا: منظمة العمل الدولية، قطر.
منظمة العفو الدولية "أمنستي"
على مدى السنوات القليلة الماضية قامت منظمة العفو الدولية بالعديد من التحقيقات حول الانتهاكات المرتكبة ضد حقوق العمال المهاجرين والتعسف الذي يتعرضون له.
فسلطت الضوء في نوفمبر (تشرين الثاني) 2013، في تقرير بعنوان "قطر: الوجه المظلم للهجرة"، على قطاع البناء قبل بطولة كأس العالم. وفي أبريل (نيسان) من عام 2014، أصدرت تقريراً بعنوان "إن فترة الاستراحة الوحيدة التي أحصل عليها هي حين أخلد إلى النوم" يركز على الاستغلال الذي تتعرض له العاملات المنزليات وإساءة معاملتهن. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، تطرقت في تقرير حمل عنوان "لا وقت إضافياً" إلى فشل قطر حتى الآن في احترام حقوق العمال قبيل حلول موعد بطولة كأس العالم.
أما في تقريرها الأحدث، الصادر في 31 مارس (آذار) من هذا العام، بعنوان "الجانب البشع من اللعبة الجميلة" فتركز أمنستي على التطبيق المحدود جداً لمعايير رعاية العمال التي تبنتها المنظمات بما فيها اللجنة العليا للمشاريع والإرث ومؤسسة قطر. وخلص التقرير إلى أن المعايير المعتمدة لا تنسحب مفاعيلها على المقاولين الفرعيين "من الباطن".
ونورد هنا بعض ما أبرزه التقرير مع التعليق عليه:
[...] في عام 2015، تعرَّفت منظمة العفو الدولية على ما يزيد عن 100 من العمال الأجانب العاملين في استاد خليفة، ممن يتعرضون لانتهاكات لحقوق الإنسان على أيدي الشركات التي يعملون لديها. كما توصلت المنظمة إلى أن العمال الأجانب الذين يشاركون في أعمال التشجير وتصميم الحدائق الخارجية في المناطق الخضراء المحيطة باستاد خليفة في مجمع "أسباير زون" يتعرضون لانتهاك حقوق العمل على أيدي صاحب العمل.
[...] وقال كثير من العمال الأجانب الذين تحدثوا مع باحثي منظمة العفو الدولية إنهم وجدوا، لدى وصولهم إلى قطر، أن شروط عملهم وأوضاعه تختلف عن تلك التي وعدتهم بها شركات توظيف العمالة في بلدانهم الأصلية. وكان الشكل الأساسي للخداع، الذي ذكره العمال، فيما يتعلق بالأجر. ومن بين 234 عاملاً أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات معهم، ذكر 228 أنهم علموا، لدى وصولهم إلى قطر، أن أجورهم ستكون أقل من تلك التي وعدتهم بها شركات التوظيف في بلدانهم. ويُذكر أن ممارسات الخداع في شروط التوظيف من شأنها أن تجعل العامل الأجنبي أكثر عُرضةً للاتجار به بغرض استغلاله في العمل أو إجباره على العمل بالسخرة. ولما كان هؤلاء العمال قد دفعوا رسوماً، واستدانوا في كثير من الأحيان، من أجل الذهاب إلى قطر، فإنهم يشعرون بأنه لا يوجد خيار أمامهم سوى قبول الأجور الأقل، بالرغم من أن ذلك يضع كثيرين منهم في ظروف بالغة الصعوبة، لأنهم يعانون أشد المعاناة من أجل سداد القروض التي استدانوها معتمدين على دخول أقل من تلك التي توقعوها.
[...] وعلى حد علم منظمة العفو الدولية، فإن جميع العمال الذين وُثِّقت حالاتهم في التقرير الحالي لم يتقدموا بشكاوى إلى السلطات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان التي تعرضوا لها. وقد عرضت منظمة العفو الدولية على الحكومة القطرية الانتهاكات في استاد خليفة وفي مجمع "أسباير زون"، وذلك من خلال مكاتبات. ولم يتطرق رد الحكومة إلى أيٍّ من الانتهاكات المحددة، بالرغم من أن بعض الحالات تنطوي على مخالفاتٍ للقوانين القطرية.
[...] هناك بعض المشاكل الجوهرية في منهج "اللجنة العليا" بخصوص مراقبة "معايير رعاية العمال" وفرضها، وهو الأمر الذي تبرهن الانتهاكات التي اكتُشفت في مشروع استاد خليفة. فأولاً، بالرغم من أن المفترض أن تُطبق "معايير رعاية العمال" على جميع الشركات والعمال في المشروعات المتعلقة ببطولة كأس العالم، فقد ركَّزت "اللجنة العليا" على الالتزام بالمعايير من جانب الشركات الرئيسية المتعاقدة. وهذا النهج يتجاهل الأدلة التي تثبت أن حقوق العمال الأجانب تتعرض عموماً لمخاطر أكبر إذا كانوا يعملون لدى شركات أصغر متعاقدة من الباطن أو لدى شركات استقدام العمالة. وقد لُوحظ أن من أبشع الانتهاكات التي وثَّقتها منظمة العفو الدولية قد ارتُكبت من جانب شركات لاستقدام العمالة لم يكن لدى "اللجنة العليا" أي علمٍ بأنها تشارك في المشروع.
ويتحدث التقرير أيضاً عن تعرض طالبي المساعدة للتهديد وعن خوف العمال من الطرد والإعادة إلى بلدانهم الأصلية بدون حصولهم على مستحقاتهم.
كما يسلط تقرير منظمة العفو الدولية الضوء على واحدة من المشاكل الأساسية التي تواجه سوق العمالة القطري، والمتمثلة بطريقة تجميع ونشر العمال في مواقع مختلفة بحيث لا يتحمل مقاول رئيسي واحد مسؤولية سلامتهم، وبنفس الوقت يتمكن العملاء الرئيسيون غالباً من التنصل من أية مسؤولية تجاههم.
ويُذكر أن مئات من شركات توريد العمالة تعمل في قطر، وفي كثير من الأحيان تستقدم العمال المهاجرين فقط من أجل إبرام عقود عملهم مجدداً "من الباطن" مع شركات أخرى. وبعد أن يصبح العمال في قطر تعجز شركات التوريد الصغيرة (الموصوفة بأنها شركات فردية) أو أنها غير مستعدة لضمان استلام العمال لأجورهم في مواعيدها وتزويدهم بالوثائق المكلِفة، بالنسبة إليها، مثل تصاريح الإقامة. كما أنها لا ترغب بالسماح للعمال الذين تعتبرهم "استثماراً" بمغادرة البلاد.
وتضمنت التوصيات الرئيسية في التقرير:
- زيادة رصد وصول العمال إلى قطر بحيث يُدقق موظفو الحكومة عقود عملهم بمجرد وصولهم، وبحضور أرباب أعمالهم، للتأكد من تطابق البنود والشروط المنصوص عليها مع ما كانوا قد وُعدوا به قبل مغادرتهم بلدانهم.
(قالت قطر إنها يمكن أن تطبق نظام التعاقد الالكتروني، لكن على النقيض مما هو متبع في الإمارات العربية المتحدة، لن يكون إلزامياً العمل به لكل الشركات الموجودة في قطر).
- اعتماد الضوابط التي تحدد الضمانات الواجب على شركات توريد العمالة تأمينها قبل كفالة أي عامل مهاجر، والتأكد من تطبيقها فعلياً بما يتطلبه ذلك من القيام بعمليات الرصد والتفتيش الدوري على شركات توريد العمالة.
- تطبيق معايير اللجنة العليا المتعلقة بالرعاية العمالية على كافة الشركات العاملة في مشاريع التحضير لبطولة كأس العالم بغض النظر عن حجمها أو طول مدة تعاقدها.
وكما كان متوقعاً، رد قطر على تقرير منظمة العفو الدولية أتى على ذكر نظام حماية الأجور وزيادة عمليات التفتيش العمالية ووضع الشركات المخالفة على اللوائح السوداء: 1800 عملية تفتيش طالت شركات الاستقدام، و تعيين 375 مفتش عمالي جديد، والقيام بـ 56 ألف عملية تفتيش خلال عام 2015، وحظر عمل 923 شركة في قطر.
أما اللجنة العليا للمشاريع والإرث فقد ذكرت في ردها "مع الاحترام نرفض بيان منظمة العفو الدولية الذي يعتبر أن اللجنة العليا 'أخفقت'. فقد واظبنا على الدوام تبيان أن اطراد تحسين الأوضاع يحتاج إلى زمن، ونعتقد أن أصحاب المصلحة الأساسيين عندنا سوف يدعموننا في هذه الرحلة".
وفي الحقيقة أن الإصلاحات المذكورة أعلاه قد شكلت تقدماً قبل عام أو عامين من الآن، وهكذا اعتبرتها في حينه منظمتا العمل والعفو الدوليتين، أما اليوم فلم يعد بالإمكان النظر إليها كنوع من التقدم. ذلك أنها كانت تُعتبر بمجملها مجرد نقطة استناد لإصلاحات عمالية أكثر اتساعاً، كخطوات مرحلية نحو إجراء تعديلات جوهرية شاملة على نظام الكفالة. إنما عوضاً عن ذلك يبدو أن هذه الإجراءات المحدودة قد آلت إلى ما كان يخشاه العديد من المراقبين: مظاهر براقّة تخطف أبصار المراقبين بدلاً من الالتزام الجاد بتحسين ظروف وأوضاع العمال المهاجرين.
يمكن الاطلاع على ردود قطر واللجنة العليا للمشاريع والإرث والفيفا على الرابط هنا.