أسابيع قليلة فقط مضت على بدء العمل بالقانون رقم 21 لسنة 2015 الذي كان من المفروض، حسبما أُشيع، أن يلغي العمل بنظام الكفالة وبالمواد التي تفرض على العمال استصدار تصاريح خاصة للخروج من البلد، وكانت قد تشكلت بناء عليه لجنة تظلمات مختصة بالنظر في الحالات المتعلقة بمغادرة العمال، منذ 12 ديسمبر الفائت، أي قبل يوم واحدٍ من سريان مفعول القانون المذكور. وكان من المفترض كذلك أن تنتقل صلاحية الموافقة على خروج العمال من البلد إلى وزارة الداخلية تلقائياً، إذ يُعْلِم العامل رب عمله بمغادرته مسبقاً لكنه يتقدم بطلب الموافقة على الخروج من البلد للوزارة مباشرة وحصراً.
لكن قطر أثبتت من جديد صحة جميع الانتقادات الموجهة إليها من خلال تراجعها مرة أخرى عما أعلنته من إصلاحاتٍ طفيفة وضعيفةٍ أساساً، وإصدار أميرها القانون رقم 1 لعام 2017، بتاريخ 4 يناير الماضي، الذي يعيد تثبيت العمل بنظام استصدار تصاريح الخروج الصارم ويفرض نصُّه على العمال الحصول على موافقة أرباب عملهم إذا أرادوا مغادرة قطر.
لقد قطعنا نصف الفترة الزمنية الفاصلة ما بين فوز قطر بقرعة استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم في ديسمبر 2010، وموعد إقامة البطولة في ديسمبر من عام 2022. وطيلة هذه السنوات الست واظبت قطر على المماطلة بإصلاح نظام الكفالة، ناكثة بكل تعهداتها مع كل إعلان جديد عن إصلاحه.
فما أعلنته في نوفمبر من عام 2015 وبدأ تطبيقه في الثالث عشر من ديسمبر عام 2016، يكاد لا يمت بصلة للوعود التي أطلقتها في 14 مايو عام 2014! بعد تراجع مجلس الشورى عن تلك الإصلاحات مكثفاً الضغط على الحكومة للتخلي عن وعودها.
ولسوء حظ العمال المهاجرين تمركزت القضية والمواقف تجاه قطر حول استضافتها لبطولة كأس العالم لكرة القدم. وغلب على التقارير الدولية حول المشاكل القائمة في قطر تناولها القضايا الثانوية وتضخيمها، مع غياب التغطية الإعلامية الجدية محلياً (باستثناء Doha News حالياً). وما بين الاتهامات الاعتباطية الموجهة للإمارة وصولاً إلى التأييد الأعمى لها، وجدت قطر ثغرة تسمح لها بالتواري خلف بعض أنصاف الحقائق. يُخشى معها أن تنال حصانة من المعاقبة رغم ضغوط المنظمات الدولية عليها، بما في ذلك الإنذار الذي تلقته الإمارة من منظمة العمل الدولية ما لم تضع حدَّاً لأعمال السخرة القسرية فيها!
من المفترض أن تكون قضايا انتهاك حقوق الإنسان محطّ اهتمام الجميع، بوجود أو عدم وجود بطولة كأس العالم. وإذا كان أسوأ ما قد يحصل هو حرمان قطر من استضافة البطولة فإن ذلك لن يترك أثراً يُذكر على مواطنيها، اللهم إلا فقدان بعض ماء الوجه الذي أجادت قطر تلميعه في مرات سابقة، كما لن يُحدث فرقاً ينعكس على العمال ذاتهم.
ويكاد ينعدم الأمل بحدوث أي تغيير مستدام دون التزام جديّ بحقوق الإنسان وبدون مواطنين يستوعبون أن التعصّب الشوفيني وإحكام القبضة على العمالة الوافدة لن يصب في صالح بلدهم.
ومن ناحية أخرى، تسيطر السلطات القطرية على وسائل الإعلام المحلية وترهبها إلى حدٍّ جعل تقاريرها حول الإصلاحات الجارية في الإمارة سطحية إلى درجة تثير السخرية، لا مجال فيها لأي رأي مغاير أو محاكمة نقدية للوقائع. فعلى سبيل المثال، دون أدنى تعليق هكذا تعرضت إحدى الصحف المحلية للتعديلات القانونية الأخيرة:
حسب القانون، يحق للعامل الوافد الخروج من البلد لقضاء إجازته، أو في حالة الظروف الطارئة، أو لأسباب أخرى، بعد إعلام مستقدِمه، وفقاً لعقد التوظيف. "وكذلك يحق للعامل الأجنبي مغادرة البلد نهائياً قبل نهاية عقد عمله، بعد إعلام مستقدمه، وفقاً لعقد التوظيف. وفي حال اعتراض المستقدِم أو الجهة المعنية على خروج أو مغادرة العامل الوافد يحق للعامل أن يشتكي لدى لجنة التظلمات المختصة بالنظر في قضايا الخروج من البلد والتي تتشكل بقرار من سعادة الوزير. وعلى اللجنة البت في التظلم خلال ثلاثة أيام عمل".
"وذكر [مدير إدارة الشؤون القانونية في وزارة الداخلية، العميد سالم صقر المريخي] أنه من أجل الحصول على تصريح الخروج ليس مطلوباً من الموظف إلا التقدم بطلب لصاحب عمله كما هو الحال الآن")!!
فإذا توقفنا للتمعن في العبارات أو الفقرات "الشَرطية" فيما يتعلق بالحقوق الواردة في التعديلات: كحق المغادرة قبل نهاية مدة العقد، وحق الخروج من البلد لقضاء الإجازة، الخ... يحق للمرء أن يتساءل عما إذا كانت قطر تذكر أنها قد خرجت من مرحلة العبودية منذ عام 1952! حيث أن إيراد مثل هذه الفقرات ضمن قوانين تصدر في عام 2017 إنما يعكس مدى استخفاف قطر بحرية الأفراد واعتبارها حقوق الإنسان الأساسية مجرد امتياز تمتلك حق منحه أو منعه عن الناس متى شاءت!