لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

عاملات المنازل والشعوذة..الرواية المسيئة لا تزال تلقى رواجًا في السعودية

في 15 أكتوبر 2017

 

في العاشر من يونيو، أوقفت الشرطة الدينية السعودية، والتي تعرف بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عاملةً منزليةً لأنها "هددت بأن تسحر عائلة الرجل الذي يشغّلها". ولكن السلطات لم تقدّم أي تفاصيل إضافية عن الأمر. تنتشر روايات من هذا القبيل انتشارًا كبيرًا في وسائل الإعلام السعودية. وفي معظم الأحيان، يمكن أن يفضي مجرد الاتهام بالسحر والشعوذة إلى توقيف العاملات المنزليات وترحيلهن. وتكرار سرد مثل هذه الأخبار الغريبة يعزّز المفاهيم النمطية واسعة الانتشار بأن العاملات المنزليات مشعوذات يسحرن أرباب عملهنّ لكسب مودّتهم أو ابتزاز الأموال منهم أو إلحاق الضرر النفسي أو الجسدي بهم.

 

A scene from the Saudi TV serial Tash Ma Tash

مشهد من مسلسل طاش ما طاش السعودي: 

تستخدم صورة العاملة المنزلية على أنها مشعوذة بصورةٍ واسعةٍ في البرامج التلفزيونية الترفيهية بالمملكة. يحكي مسلسل "طاش ما طاش" التلفزيوني، والذي كان محلّ نقدٍ لاذع، في إحدى حلقاته التي حملت عنوان "في بيتنا خادمة" قصة عائلة سعودية تشغّل عاملةً منزليةً لتكتشف فيما بعد أنها تمارس الشعوذة. تبدأ العاملة المنزلية، والتي كانت تلتزم الصمت على نحوٍ ملحوظ على مدار الجزء الأكبر من الحلقة، بإبداء ما كانت العائلة تراه سلوكًا غريبًا على نحوٍ غير مفهوم. وفي خضم محاولات العائلة للتحقيق في سلوك العاملة، تعتدي على خصوصيتها باقتحام غرفتها وتفتيش أغراضها الشخصية. وبعد ذلك تسير أحداث الحلقة لتكتشف العاملة ما حدث. وسعيًا للانتقام، تقوم العاملة بعمل سحر للعائلة من أجل تسخيرهم ليكونوا خدما لها. وتُختتم الحلقة بمشهدٍ يعرض أفراد العائلة يعاملون الخادمة معاملة الملكة؛ حيث تعتني ربة المنزل السعودية بأظافرها ويغني لها الأطفال ويقدم إليها الزوج المشروبات.

ربما تبدو هذه الخاتمة سخيفة للمتابع الخارجي، ولكن الحلقة تضرب على وتر حساس لدى الجمهور السعودي. فهي تغذي الوهم الشعبي بأن العاملات المنزليات يتحكمن بالحياة الاجتماعية لأرباب عملهن. وتبعا لهذا الاعتقاد، فإن العاملات المنزليات يتمتعن بالسيطرة على العائلة السعودية من خلال العلاقة القائمة بين العاملة ومشغّلها وليس العكس. لا يتناول التلفزيون أو أي وسيلةٍ ترفيهيةٍ أخرى كيف يجرّد نظام الكفالة العمال من حقوقهم الأساسية ويمنح الكفلاء سلطة هائلة على الوافدين. والأهم من ذلك، وبينما يقدّم مسلسل "طاش ما طاش"، وكذلك غيره من المسلسلات الكوميدية السعودية، القصة في إطارٍ هزلي، فإنه يرسّخ الصور النمطية على أن العاملات المنزليات لسن سوى مشعوذات.

 تنوّه البروفيسور أنطوانيت فليجر، والتي تناولت حال العاملات المنزليات بدراسةٍ ميدانيةٍ في المملكة العربية السعودية، إلى أن النظام القضائي السعودي لا يعتمد على شروط إثبات معينة فيما يتعلق بالاتهامات بالشعوذة. فإذا اشتبه مواطنون بأن العاملة في منزلهم تمارس الشعوذة، فإن بإمكانهم التبليغ عنها للسلطات دون الحاجة إلى تقديم أدلة. وحينها تستطيع السلطات اعتقالها أو محاكمتها أو ترحيلها. وهذا يمنح ربّ العمل سلطةً واسعةً على حياة العاملات المنزليات وسلوكهن، كما يتيح لهم إيذاءهنّ وإساءة معاملتهن.

وأخبر دبلوماسيٌ البروفيسور فليجر بأن أرباب العمل "يتهمونهن (بالشعوذة) لأنهم لا يريدون دفع رواتبهنّ أو بدافع الغيرة أو شيءٍ من هذا القبيل"، موضحاً بأن "اتّهامهنّ بالتنجيم يسوغ لهم رفض سداد أجورهن، ويمكّنهم من رفض أي اتهاماتٍ ومن ثمّ طردهنّ بعيدًا. وعندما يعذبون الخادمة يتهمونها بالسحر ليجيزوا تعذيبها من دون أن يلاحقوا قانونيًا".

والصور النمطية، شأنها شأن الأكاذيب، تنتشر انتشار النار في الهشيم عبر التكرار.