لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

التكنولوجيا المالية في الخليج: تخفيض تكاليف التحويلات للعمالة المهاجرة

منتجات جديدة من شركات التكنولوجيا المالية في الخليج تبحث عن طرق لخفض تكاليف إرسال العمال الأجانب للأموال لأوطانهم

في 19 مارس 2019

ينفق إجمالي العمال الأجانب في الخليج مئات الآلاف، إن لم يكن ملايين الدولارات سنويًا مقابل رسوم تحويل الأموال لبلدانهم الأصلية. الخيارات التقليدية لتحويل الأموال، مثل «ويسترن يونيون» أو شركات الصرافة أو التحويلات البنكية، (وحتى الخيارات التي تعتبر غير قانونية لكنها شائعة، مثل «هوندي» و«حوالة») قد تكلِّف الكثير من الأموال عند إرسال المبالغ الصغيرة.

لكن بعض شركات التكنولوجيا المالية تسعى لإيجاد طرق لتخفيض التكاليف على العمال المهاجرين. هذه الشركات توفر خدمات مثل الخدمات المصرفية الإلكترونية وخدمات الدفع التي تتيح للعمال تحويل الأموال عبر الحدود بلمسة واحدة على هواتفهم الذكية. يعتقد بعض خبراء الأعمال أن شركات التكنولوجيا المالية ستتمكن في النهاية من إحداث ثورة في القطاع المصرفي التقليدي، تمامًا مثلما أحدثت شركتا «أوبر» و«كريم» ثورةً في قطاع النقل، ومثلما غيرت «نتفليكس» عادات مشاهدة التلفزيون.

على مستوى العالم، حوَّل العمال الأجانب ٥٧٥ مليار دولار أمريكي عام ٢٠١٦، ذهبت ٤٢٩ مليار دولار منها إلى دول نامية، بحسب البنك الدولي. لكن في العديد من الأحوال، تلتهم التكاليف المرتفعة لتحويل الأموال أجور العمال، تاركةً القليل لعائلاتهم ومجتمعاتهم في بلدانهم الأصلية.

سواء كان لتغطية تكاليف تعليم الأبناء، أو الرعاية الصحية للكبار، أو لتأمين أي حلم آخر، فإن المال سبب أساسي وراء قرار معظم العمال المهاجرين بالسفر إلى دول الخليج.

المفارقة أن هؤلاء العمال يجدون أنفسهم على هامش النظام المالي في معظم الدول الخليجية. حتى عندما تكون أوضاعهم قانونية ويكونون عمالًا مُسجَلين، فإن الخدمات المالية المتاحة لهم قليلة جدًا، وعادةً ما تكون مُكلفة وغير مناسبة بالنسبة لهم (على الرغم من ظهور بعض الاستثناءات الملحوظة في السنوات الأخيرة).

مبدئيًا، فإن الخدمات المصرفية التقليدية في دولة مثل الإمارات ليست مُصممة لمراعاة العمال الأجانب من الأساس. العديد من هذه الخدمات يتطلب أن يحافظ العميل على رصيد شهري ثابت بقيمة ثلاثة آلاف درهم إماراتي على الأقل (نحو ٨٠٠ دولار أمريكي)، وفقًا للموقع الإماراتي لمقارنة الأسعار «سوق المال». هذا المبلغ يعادل على الأقل ضعف متوسط الراتب الشهري للعمالة المنزلية في دبي، وبالتالي يصبح هذا الشرط تعجيزيًا بالنسبة للعمال المهاجرين.


بموجب نظام حماية الأجور، يُفترض أن يتلقى العمال الأجانب مستحقاتهم عبر أحد مقدمي الخدمة المعتمدين، مثل الحسابات البنكية أو البطاقات المدفوعة مسبقًا أو شركات الصرافة.

لكي يحول العامل المهاجر في الإمارات مبلغ ٧٣٥ درهم إماراتي (نحو ٢٠٠ دولار أمريكي) نقدًا إلى نيبال، سيكون عليه أن يدفع رسوم تحويل قدرها قرابة ٣١.٤٣ درهم إماراتي (٨.٥٥ دولار أمريكي)، بحسب بيانات جمعها البنك الدولي في يوليو ٢٠١٨ ضمن مبادرته بشأن تكاليف التحويلات المالية العالمية، والتي تجمع البيانات بخصوص «ممرات» التحويلات المالية بهدف إضفاء بعضًا من الشفافية على رسوم التحويلات، وبخاصة فيما يهم العمال المغتربين.

إرسال ٧٣٠ ريالًا قطريًا (قرابة ٢٠٠ دولار أمريكي) من قطر إلى نيبال من شأنه أن يكلف العامل نحو ٣٢.٣٨ ريال قطري (٨.٨٤ دولار أمريكي). أما لكي يرسل العامل مبلغ ٧٥٠ ريالًا سعوديًا (٢٠٠ دولار أمريكي) من السعودية إلى الفلبين، فسيدفع نحو ٤٣.٥٤ ريال سعودي (١١.٦١ دولار أمريكي).

وفقًا لحسابات البنك الدولي، إذا أمكن تخفيض تكاليف التحويلات المالية لتصبح بنسبة ٥٪ من قيمة كل معاملة، سيتلقى مستلمي التحويلات ١٦ مليار دولار في السنة أكثر مما يتلقونه في الوقت الحالي. 

ثمة العديد من الأسباب التي تجعل التحويلات المالية مرتفعة التكاليف بالنسبة للعمال المهاجرين، منها على سبيل المثال، وبحسب البنك الدولي: البنية التحتية المالية غير المُطورة، وقلة المنافسة، وانعدام الشفافية. معاناة العامل لاستكمال الوثائق الرسمية اللازمة لاستخدام الخدمات المالية التقليدية يمكن أن تكون عائقًا أيضًا.

الحلول المتنقلة

أحد الشركات التي تحاول تطوير طرائق جديدة لإنجاز المعاملات المالية هي شركة «NOW Money» التي تتخذ من الإمارات مقرًا لها وتقدم خدمات التحويل المالي عن طريق تطبيق على الهاتف المحمول للعمال المهاجرين غير المتعاملين مع البنوك.

تأسست الشركة في ٢٠١٥ على أيدي رائدي الأعمال آيان دايلون وكاثرين باد، وتقدم «NOW Money» للعمال الأجانب خدمات حسابات المحمول وخدمات التحويل المالي عبر الهاتف.

تقول برايوني ترافرس، مديرة التسويق في شركة «NOW Money» لـ«Migrant-Rights.org»: «تقديراتنا تشير إلى أن NOW Money توفر للعامل الأجنبي نحو ١٣٠٠ درهم إماراتي (٣٥٠ دولارًا أمريكيًا) سنويًا. رسوم التحويل في شركات الصرافة تتراوح ما بين ٨٪ إلى ١٢٪، بينما هي أقل كثيرًا لدينا».

وتضيف ترافرس أن معظم العمال المهاجرين في الإمارات لديهم هواتف محمولة، والعمال من الهند وباكستان بالتحديد معتادون على فكرة تحويل الأموال عن طريق الهاتف لأن تلك الخدمات منتشرة في بلدانهم الأصلية.

وفقًا لحسابات البنك الدولي، إذا أمكن تخفيض تكاليف التحويلات المالية لتصبح بنسبة ٥٪ من قيمة كل معاملة، سيتلقى مستلمي التحويلات ١٦ مليار دولار في السنة أكثر مما يتلقونه في الوقت الحالي.

على نحوٍ غير مفاجئ، تُعتبر التكاليف الأولوية الأولى بالنسبة للعمال المهاجرين عند التفكير في تحويل الأموال إلى عائلاتهم. تقول ترافرس: «إذا كان أحد محلات الصرافة أرخص من غيره بجزء ضئيل من الدرهم، يُفضِّل العمال إرسال أموالهم مع أحد الزملاء عبر ذلك المحل، حتى ولو كان على مسافة بعيدة جدًا».

بجانب الحسابات الجارية وطرائق الدفع، ترى شركة «NOW money» عدة فجوات في السوق فيما يتعلق بالقروض والتأمين على التحويلات، بحسب ترافرس.

بدأت شركات تكنولوجيا مالية أخرى في دول الخليج في تقديم خدمات مالية مصممة خصيصًا للعمال المهاجرين. 

شركة «Democrance» التي تأسست في دبي مثلًا تقدم خدمات التأمين الهاتفية للأشخاص الذين لا يقدرون على دفع تكاليف التأمين العادي. أما شركة «Rise» فتقدم خدمات مالية هاتفية (من بينها الادخار والاستثمارات متناهية الصغر) مخصصة للمُربيات في دولة الإمارات.

الشركة الكندية لتحويل الأموال «Remitr» لها نشاط في الإمارات أيضًا، إذ توفر خدمات تحويل الأموال عبر الإنترنت تتيح للعملاء إرسال الأموال إلى الهند بسهولة وبتكلفة بسيطة (لكن يبدو أن الخدمة تركز على قاعدة عملاء من المهنيين المحترفين من أبناء الطبقة الوسطى، أكثر مما تركز على محدودي الدخل من المغتربين). أما شركة «RemitNow»، والتي تتخذ من دبي مقرًا لها أيضًا، فهي شركة ناشئة لتكنولوجيا الأموال تقدم حلولًا تقنية لتمكين المؤسسات المالية الأخرى (مثل البنوك التقليدية) من تطوير منتجات مالية رقمية تعزز الشمول المالي.

في قطر، تقدم شركة الاتصالات «أريد Ooredoo» الخدمات المالية الهاتفية منذ عام ٢٠١٠، ويمتد نشاط الشركة إلى دول الخليج وشمال إفريقيا وبعض دول آسيا بما فيها ميانمار والمالديف. وبينما لا يتم التسويق للخدمات المالية عبر المحمول باعتبارها مُصممة للعمال المهاجرين غير المتعاملين مع البنوك، تحل تلك الخدمات العديد من المشاكل التي كان العمال يواجهونها لإدارة أموالهم. لا يتطلب إنشاء محفظة الهاتف المحمول حدًا أدنى للرصيد، ويمكن تحويل الأموال عن طريق الهاتف مباشرةً دون الحاجة إلى زيارة أي فرع بنكي أو وسيط.

و من وجهة محو الأمية المالية، توفر «Rise» التي تتخذ من الإمارات مقرًا لها، حسابات مصرفية عن طريق الهاتف للعمال االمهاجرة في الإمارات العربية المتحدة دون الحاجة اللى حدًا أدنى للرصيد. كما توفر للعملاء الأدوات اللازمة للوصول الى درجة من ائتمان والحصول على مجموعة من منتجات الإقراض والادخار. قال الرئيس التنفيذي للشركة، بادميني جوبتا، بإن الشركة تدشن أيضًا حملات توعيه على وسائل التواصل الاجتماعي لجعل اصحاب العمل لعاملات المنازل في الإمارات يفهمون أهمية المعرفة المالية والتخطيط للعمال المهاجره.

تكاليف جديدة؟

يواجه العمال الذين يرغبون في تحويل الأموال لبلدانهم بأقل التكاليف تحديًا آخر في دول الخليج هو ضرائب التحويلات. في إبريل ٢٠١٨، أقرت الحكومة الكويتية ضريبة تحويلات مثيرة للجدل تفرض نسبة ١٪ على المعاملات حتى ٩٩ دينارً كويتيًا (٣٠٠ دولار أمريكي)، و٢٪ على المعاملات من ١٠٠ دينار كويتي إلى ٢٩٩ دينارًا كويتيًا، و٣٪ على المعاملات من ٣٠٠ دينار كويتي إلى ٤٩٩ دينارًا كويتيًا. تُضاف إلى ذلك الرسوم والعمولات المعتادة التي تفرضها البنوك أو يتقاضاها السماسرة.

من المفترض أن الكويت أقرت تلك الضريبة لتشجيع المغتربين على إنفاق أموالهم داخل الدولة بدلًا من إرسالها إلى بلدانهم الأصلية، لكن الحكومة عادت وألغتها في يوليو ٢٠١٨. في الأمر شيء من المفارقة إذا نظرنا إلى حقيقة أن العمال المهاجرين من ذوي الدخل المنخفض يميلون إلى إنفاق الحد الأدنى من أموالهم في دول الخليج ويختارون أن يرسلوا الجزء الأكبر من أموالهم إلى عائلاتهم في بلدانهم الأصلية.

يبدو أن الإمارات بصدد إقرار ضريبة مشابهة، في حين نفت وزارة المالية السعودية الشائعات بشأن خطط اعتمادها ضريبة التحويلات. أما أعضاء البرلمان البحريني فقد رفضوا مشروع ضريبة التحويلات في مايو ٢٠١٨.

في عمان، لا توجد ضرائب على التحويلات، لكن الدولة تشدد على التدقيق في المعاملات إلى خارج البلاد منذ عام ٢٠١٨، فقد أصدرت وزارة المالية مخططًا بعنوان «العناية الواجبة المعززة»، والذي يجري بموجبه التدقيق الإضافي في المعاملات فوق ٤٠٠ ريال عماني (١٠٣٧ دولار أمريكي وفقًا لسعر الصرف خلال يناير ٢٠١٩) في محاولة للقضاء على غسيل الأموال.