إشكالية التمكين: الثمن الباهظ للحرية الاقتصادية
هذه الملاحظات مبنية على محادثات عن الهجرة مع مهاجرين أوغنديين وعائلاتهم. ليست هذه المحادثات مقتصرة على أوغندا، وإنما تتردد تجارب مشابهة في دول أخرى مُصدِّرة للعمالة الإفريقية والآسيوية.
كانت تضم طفلها إلى صدرها حين بادرت الأم الشابة بالسؤال: «إذا مات ابني، هل سيُسمح لي بالعودة لدفنه ثم الرجوع من جديد؟» كانت الجماعة المكونة من مئة عضو مجتمعة في قاعة في القرية. وقد هزوا رؤوسهم جميعًا. إنهم أيضًا يريدون أن يعرفوا.
إذا مات شخص عزيز، هل يمكننا العودة لدفنه؟
إذا كانت العائلة التي نعمل لديها مكونة من ٢٠ أو ٣٠ شخصًا، هل يمكننا أن نرفض العمل؟
هل من المسموح أن نتقاضى رواتبنا الكاملة عند انتهاء العقد؟
هل يمكن لنا الحديث إلى عائلاتنا؟ هل يُسمح لنا بذلك؟
هل سنأخذ يومًا للراحة؟
إذا لمسنا صاحب العمل وغضبت زوجته، ماذا علينا أن نفعل؟
كم من الإساءة يُعَد مقبولًا؟
هل علينا أن نغسل ملابسهم الداخلية؟ هل يجب أن ننظف سياراتهم؟
هل ستتعرض زوجتي للتحرش الجنسي؟
هل ستُجبَر ابنتي على الدعارة؟
هل ستُعامَل النساء كجواري للجنس؟
يُلقى ما لا يُحصى من هذه الأسئلة في المكان. بعضها يجيب عنها المدربون، وبعضها يجيب عنها النظراء، لكن الكثير منها يبقى دون إجابة. تحويل العمل إلى جنس والعاملين إلى آلات جنسية يحيط بكل سؤال. رغم ذلك، لا يبدو في المحادثات أي إحجام عن الهجرة، فقط رغبة في معرفة ما الذي يُقدِمون عليه.
لم يسبِق لمعظمهم الخروج من قرية إيغانغا في الريف الشرقي بأوغندا، لكنهم حاليًا يريدون السفر إلى السعودية، والأردن، وعمان، ودبي… أماكن لا يستطيع معظمهم تحديدها على الخريطة.
كيف يمكن للواحد أن يجيب عن أسئلة «هل يمكننا؟»، و«هل علينا؟». و«هل سنفعل؟»، حين يكون السؤال الحقيقي هو «هل سيُسمح لهم؟»، ليس بالضرورة بموجب القانون، وإنما وفق سلطة أقوى كثيرًا… سلطة أصحاب العمل.
نحن، المدافعون والمُدربون، علينا أن نكرر من حين لآخر أننا لسنا متعهدي توظيف. مع ذلك، يهاجمنا البعض. الأم التي ادخرت ما يكفي لتدفع تكلفة سفر ابنها إلى دول الخليج، شاب مستعد لرهن أرضه فقط لكي يسافر ويعمل في الخارج، أم صغيرة على نحوٍ لا يُصدَّق لابنة صغيرة على نحوٍ لا يُصدَّق تريد إرسال ابنتها إلى الخارج لتلتحق بـ«أي عمل متاح». «هل يمكن أن ترسلوهم إلى هناك وحسب بدلًا من أن تحاصروهم بمعلومات عن قوانين البلاد؟»
بالاستعانة بقوانين دول مجلس التعاون الخليجي ودول الشام، نحاول الإجابة عن سؤالٍ بعد الآخر من استفسارات الساعين إلى الهجرة وعائلاتهم. يتكرر نمطٌ جديد: «نعم… لكن…»
«نعم، يسمح القانون بذلك، لكن صاحب العمل قد لا يسمح به».
«نعم، هذا غير قانوني، لكنها ممارسة شائعة».
«نعم، ربما يصرخون أو يتكلمون بوقاحة، لكن هذا لا يُعَد انتهاكًا فعليًا للعقد».
حين يُنظر للعمل في المنازل، بأجر ودون أجر، باعتباره عمل وضيع وغير جدير بالاحترام، وحين تكون المرأة في مكانة الخاضعة في المجتمعاتٍ الذكورية، وحين يُعامَل العمال الوافدين باشتباهٍ دائم فيهم، وحين يتم إضفاء طابع جنسي على عمل المهاجرات… كيف يمكن تدوين قوانين أو اتفاقيات ثنائية للحفاظ على كرامة العمالة؟
«أجابوا: إنها فقيرة إفريقية، لكنها ذكية»
ثمة غضبٌ يجيش في الصدور عندما يشارك العائدون من الخارج في محادثات ما قبل القرار أو محادثات المغادرة.
ما أن انتهينا من تفنيد حقوقهم (الاحتفاظ بجوازات سفركم، والحق في التواصل مع عائلاتكم في بلادكم الأصلية، وتقاضي أجوركم شهريًا)، حتى وقفت فتاة نحيلة، لا تبلغ من العمر أكثر من ٢٢ عام، كانت قد أتمت ثلاث سنوات في عمان والكويت، وواجهتنا بسلبية.
«أُخِذ جواز سفري مني فور وصولي، ولم أره مرة أخرى إلا عندما كنت أستعد للمغادرة. دفعوا لي عند نهاية التعاقد، ولم أتمكن من الحديث إلى عائلتي طوال الخمسة أشهر الأولى».
تعاملت الشابة مع بعض المواقف على أفضل نحوٍ كان في استطاعتها. قالت للعائلة إن من حقها أن تحتفظ بجواز سفرها. «أجابوا: إنها فقيرة إفريقية، لكنها ذكية». وكأن الاثنين لا يمكن أن يجتمعا.
بشأن كيفية التصرف في حالات الانتهاكات القانونية التي قد يتعرضون لها، نقترح بتردد: «اتصلوا بالسفارة».
يبدون غير مقتنعين. إنهم يعلمون (ونحن نعلم) أن السفارات عاجزة في معظم الحالات، وأنهم إذا تحدثوا عن مشكلة حقيقية ما، سوف يزداد الأمر سوءًا قبل أن يكون هناك احتمال بأن يتحسن قليلًا.
من المقلق أيضًا أن جميعهم يتوقعون أن يُعاملوا على أساس عنصري، فكما يوضح أحد المدربين المحليين، إنهم يعتقدون أن كوننا سود يجعلنا أقذار؛ إننا أفقر من أن يكون لنا خيار.
لا يعني هذا أنهم يتراجعون عن الهجرة.
تقول غريس موكوايا، رئيس منظمة «بلاتفورم فور ليبور أكشن – Platform for Labour Action» وهي منظمة محلية غير حكومية تناضل من أجل حقوق العمال: «ثمة العديد من قصص النجاح. تتغير مكانة المهاجرين في المجتمع عندما يعودون من الخارج وينشئون بيوتهم أو مشاريعهم الخاصة، حتى أن النساء (الناجحات) تبدين أصغر، لأن الحياة في أوغندا شاقة».
هذا هو ما يطمح إليه كل شخص في قاعات البلدة ومراكز التدريب فيها.
لا يكون النقاش عما قد يلاقيه العمال فحسب، وإنما عادة ما يتطرق إلى ما يتعذر عليهم فهمه بشأن الحياة في بلد أجنبي.
نقول: «يجب احترام خصوصية صاحب عملك».
لا يفهم الحضور أقوالنا. إن الخصوصية ككلمة وكمفهوم غير مألوفة على الإطلاق.
يتبع ذلك شرح طويل باللهجة المحلية، والتي لا تتضمن كلمة للتعبير عن مفهوم الخصوصية أصلًا، فيصبح شرحها ووضعها في سياقها مهمةً شاقة. هذه المنطقة تعتبر أن الجماعة هي كل شيء، وترى الفاصل بين الخاص والعام غير موجود.
وبينما نجتهد لنفسر معنى الخصوصية، تفلت ألسنتنا بأنهم على الأغلب سيعيشون ويعملون في عزلة خلال فترة التعاقد. هذه العزلة والقيود على التحركات والتحكم في حيواتهم، كلها سيتم تبريرها بادعاءات الحماية والخصوصية والثقافة.