تقوم المملكة العربية السعودية بإعادة استخدام مباني المدارس الخالية وإقامة مخيمات مؤقتة لإيواء العمالة المهاجرة بعيداً عن مساكنهم المكتظة، وذلك في إطار تكثيف الحكومة لجهودها في محاربة فيروس كورونا.
وحتى 19 أبريل، بلغ معدل وفيات غير المواطنين أربعة من أصل كل خمس وفيات. وقال متحدث من وزارة الصحة أن الارتفاع في عدد الإصابات المؤكدة خلال الأيام الأخيرة، يعود جزئياً إلى الفحص الميداني النشط في مناطق المساكن العمالية المكتظة. ومع ذلك فقد اعترفت الحكومة أن هذا الاكتظاظ يشكل عقبة أمام وقف انتشار العدوى. ويجبر هذا الوضع المعنيين على بذل الجهود الآن لمعالجة الوضع السيئ المزمن للظروف المعيشية لهؤلاء العمال، إلى جانب التدابير الصارمة المتخذة في الأحياء التي يقطن فيها المهاجرون. ومن المتوقع أن تؤتي هذه السياسات ثمارها على المدى الطويل إذا ما ما ظلت هذه الجهود متواصلة على نفس الوتيرة. إلا أن هذه الإجراءات تفتقر إلى الحساسية وتؤدي إلى مزيد من التهميش لأكثر من ستة ملايين مهاجر، أكثر من نصفهم يأتي من جنوب آسيا.
بعد طول انتظار: توجه للنظر في تكدس العمالة المهاجرة
شكّلت وزارة الشؤون البلدية والقروية في 14 أبريل، لجنة للإشراف على المساكن العمالية. وكان أوّل أعمالها توسعة الإجراءات، التي نادراً ما طبقت في الماضي، والخاصة بـ"الصحة والسلامة لمساكن العمال" لتشمل ممارسات التباعد الاجتماعي وإجراءات صارمة للتعقيم. فبالإضافة إلى الفحص الحراري المنتظم، سيتم تعقيم العمال وملابسهم في كل مرة يدخلون فيها أو يخرجون من المرافق التي يسكنون فيها. كما تطالب هذه الإجراءات بإقامة مواقع حجر معقمة مخصصة للعمال الذين تظهر عليها أعراض الإصابة بالفيروس. ويُلزم أصحاب الأعمال بتوفير المعقمات والمطهرات والقفازات والأقنعة للعمال لاستخدامها داخلياً وخارجياً.
وليس من الواضح كيف ستطبق اللجنة الجديدة هذه القواعد التي سنت في مطلع العقد الأول من القرن الحالي، إلا أنه نادراً ما تم تطبيقها. ومن المتوقع أن يستغرق تخفيف الاكتظاظ وتحسين الظروف المعيشية للعمال وقتاً طويلاً، مع افتراض تطبيق التدابير والإجراءات بشكل جيد ومتواصل. وبرغم إجراء نحو 650 زيارة تفتيش، إلا أنه لم تُطبق حتى الآن العقوبة في حق أي من أصحاب الأعمال لمخالفاتهم بشأن الاكتظاظ أو لانتهاكهم القواعد التي وضعتها وزارة الشؤون البلدية والقروية.
وتختلف المساكن العمالية باختلاف أصحاب العمل، وحجم شركاتهم، وموقع وطبيعة العمل والالتزامات التعاقدية بين العامل وأصحاب العمل. فشركات المقاولات الكبرى والمصانع تُسكّن عمالها في مجمعات سكنية بالقرب من مواقع العمل. فيما يقيم العاملين في قطاع تنظيف المدن في مساكن عمالية. أما أصحاب الأعمال الصغيرة التي توظّف في حدود 10 عمال، فقد يوفّرون لعمالهم شققاً مؤجرة أو مساكن صغيرة في المناطق التي يقطنها أصحاب الدخل المنخفض. وغالباً ما يقيم المزارعون وحراس الأمن والمنظفون في غرف في مواقع عملهم. وبالإضافة إلى ذلك فإن كثيرا من العمال من ذوي الدخول المتوسطة والمنخفضة يتشاركون في غرفٍ بأسعار مناسبة في شقق في بعض المناطق الأرخص سعراً في المدن الكبيرة. وكل هذه الأنواع من المساكن تقع تحت إشراف وزارة الشؤون البلدية والقروية.
وبالتوازي مع تطبيق هذه القواعد الإسكانية، تقوم وزارة الشؤون البلدية والقروية بالإشراف على جهود إعادة استخدام المباني الخالية لإعادة إسكان العمال فيها بعيداً عن مساكنهم المكتظة. وطلبت اللجنة من أصحاب المباني الخالية الكشف عن أملاكهم العقارية والإشارة إلى استعدادهم للتبرع بها أو تأجيرها للحكومة. وقد بدأت جدة، والدمام، والباحة وسكاكا وعدد من المدن الأخرى الصغرى في إعادة تسكين العمال في مباني المدارس غير المستخدمة. ويتوقع أن تتبعها بقية المدن قريباً. ويجرى العمل على مقترح لتكفل المصانع بإقامة مساكن لعمالها في أماكن العمل.
وكذلك، خصصت البلديات وأمانات المناطق موارداً لمعالجة مشكلة المساكن المكتظة في إطار حملتها لمكافحة الفيروس. وفي منتصف مارس، بدأ موظفو البلدية في جميع أنحاء البلاد في فحص المساكن العمالية، وتقييم المناطق المكتظة، وتوزيع المعقمات وأدوات الوقاية الشخصية، كما قاموا بنشر الوعي بين المجتمعات العمالية، عن الفيروس وعن القواعد الأساسية للوقاية من الإصابة به. ومع نهاية مارس وحتى أبريل، شكلت أمانات عسير والمنطقة الشرقية فرق عمل للإشراف على الأوضاع. ولافتقار البلديات والأمانات لمعلومات صحيحة عن عدد مناطق المساكن العمالية الواقعة تحت سلطتهم، دعيت الشركات وأصحاب الأعمال إلى رفع معلومات عن المساكن العمالية على مواقع على الإنترنت تتبع للبلديات والأمانات.
ولايزال إجمالي عدد العمال الذين سيعاد تسكينهم غير معلوماً. وحتى وقت كتابة هذا التقرير تم نقل آلاف العمال إلى مباني المدارس أو إلى معسكرات عماليةمن بينهم موظفون لدى مقاولي الحكومات المحلية ممن يشغّلون طواقم أعمال التنظيف، والبناء والصيانة.
وبالرغم من زيادة حملات التفتيش إلى أنها لاتزال غير كافية. فمهمات التفتيش الضخمة على أوضاع المساكن التي تم تجاهلها لفترات طويلة من الزمن لا تحتاج إلى وقت طويل فحسب، وإنما إلى عدد كبير من المفتشين المُدربين. وغالباً ما تكون الإعلانات عن الاغلاق والتفتيش وليدة اللحظة وتفتقر لشفافية البيانات. ولا تذكر التقارير التي أُعدت عن إغلاق معسكر عمالي في جيزان، أو الانتهاكات التي تم كشفها خلال حملة التفتيش على 180 موقعاً للسكن، ومثلها التي أعدت حول الفحص الحراري لـ 55 ألف عامل في بلدية جدّه القصة كاملة. فعلى سبيل المثال، تعد نسبة الفحص التي تمت في بلدية جدة تعتبر نقطة في بحر، إذ أن المدينة تعتبر واحدة من أكثر البلديات كثافة بالسكان في السعودية ويسكنها أكثر من 3,5 مليون شخص. وبها ميناءان، جوي وبحري، دوليان. ولا تتطرق أي من هذه التقارير الصحفية إلى معاقبة أصحاب العمل المخالفين من عدمها.
العيش وسبله
هذه الإجراءات التي تقرر من سلطات عليا لا إلمام لها بما يحدث على الأرض، ثم تنفذ على أرض الواقع تترك العديد من المتضررين بلا مساعدة ولا تخدم إلا المواطنين أو ذوي الدخل المرتفع. . وتصبح معاناة الأفراد بلا أهمية، ومثال على ذلك قصة المهاجر البنغلاديشي، محمد، الذي أجبر لأن يصبح غير نظامي يعد أن رفض كفيله دفع رسوم تجديد إقامته منذ عدة سنوات. ومنذ ذلك الوقت أصبح يعتمد على أعمال يومية، إن وجدها، في قطاع الفنادق بمكة.
إلا أن خلو مكة من الحجاج ووقوعها تحت حظر التجوال الصارم، أفقده أي فرصة للعمل. فمنذ 15 مارس، تم إغلاق جميع الأعمال غير الضرورية. ومع نهاية مارس، أصدرت وزارة الداخلية حظراً للتجول لمدة 24 ساعة في منطقة المسفلة، حيث يعيش محمد، وأيضا في العديد من الأحياء التي يعيش فيها العمال متدنيو الدخل في جدة، ومكة والمدينة المنورة.
ولم تصدر السعودية قرارا يمنع طرد المستأجرين إن لم يستطيعوا دفع المستحقات. ولأن طبيعة عمل محمد لم تساعده على ادخار أي من المال ، فإنه لم يستطع دفع إيجار غرفته. وأخبر "Migrant Rights.org" أن صاحب العقار طرده من مسكنه في 15 أبريل وصادر جميع متعلقاته بما فيها مرتبة النوم، وإسطوانة الغاز وحقيبته. وحيث أنه لا يعرف مكاناً يتوجه إليه فقد بقي بقرب أحد المساجد حتى ساعده أحد فاعلي الخير واصطحبه معه. وكان من شبه المستحيل أن يحصل محمد على مأوى جديد، إذ قال :" سيعتقد الجميع أنا مشتبهون بالإصابة بالكورونا" وعندما سُئل إن كان يملك طعاماً للأيام المقبلة، فأجاب :"لا".
وبحلول 7 أبريل، فُرض الحظر على أغلب المدن الرئيسية، وسمح فقط للشركات التي تقدم خدمات ضرورية بالعمل بما في ذلك الصيدليات، ومحلات البقالة، والمسالخ، والبنوك ومحلات الصيانة، والسباكة، وخدمات مكيفات الهواء، وخدمات توصيل المياه وخزانات الصرف ومحطات تزويد الوقود. ومعظم هذه المحلات يشغلها عمالة مهاجرة.
صالونات الحلاقة وصالونات التجميل (تشير بعض التقديرات لوجود أكثر من 70,000 صالون تجميل، وأكثر منها صالونات الحلاقة في المملكة)، وقد فرض فرار صارم بالإغلاق على هذه الأعمال التي توظف فقط عمالاً مهاجرين. وتم الإبلاغ عن بعض الحلاقين الذي قدموا خدمات الحلاقة في منازلهم.
أما بالنسبة لشركات التنظيف فلاتزال تعمل، وفقاً لقواعد وزارة الموارد البشرية، ويسمح لها بالعمل فقط بتقديم خدمات العمالة المنزلية طويلة الأمد (شهرياً أو أكثر)، بشكل مختلف عن الخدمات السابقة التي تقدمها بالساعة أو باليوم. وفي هذا السياق، أوقفت وزارة الموارد البشرية خدمات "مساند" منذ 16 مارس.
وتم نشر وتشغيل طواقم التنظيف التابعة لمقاولي البلدية وجميعها من العمالة المهاجرة بكامل طاقتها في جميع مدن وقرى البلاد. وحتى 6 أبريل، قاموا بتنظيف وتعقيم 66,000 من الأماكن العامة وأشياء مختلفة من الشوارع والأرصفة وحتى أجهزة الصراف الآلي. وبالإضافة إلى ذلك أهميتهم في تعقيم عدد كبير من مساكن إقامة العمال المكتظة بهم. كذلك، فإن مشاريع الصيانة والانشاءات التابعة للمدينة مستمرة، إذ يقوم العمال المهاجرين بأعمال رصف الطرق، وبناء المتنزهات، وصيانة المرافق العامة.
كذلك فإن المزارعون وأسواق المواشي لاتزال تعمل بكامل طاقتها، إلا أنها انقسمت إلى أسواق مصغرة في أحياء مختلفة في المدن الكبيرة. وقال مسئولون أنه تم إنشاء نحو 16 ألف سوقاً مصغرة مؤقتة في جميع أنحاء البلاد.
الدعم للأعمال
لقد نص مرسوم ملكي على ضمان 60% من راتب المواطنين العاملين في القطاع الخاص، إلا أن العمال المهاجرين لم يحصلوا على مثل هذا الدعم. ولم تشتمل حزمة الإغاثة التحفيزية التي تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات على أي نوع من الحماية لحقوق العمال أو لأجورهم. وركّزت التدابير الخاصة بتقليل آثار كوفيد19، على حماية القطاع الخاص أولا، وبعض الدعم للمواطنين السعوديين.
أصدرت وزارة الموارد البشرية لائحة جديدة في 7 أبريل، تسمح لأصحاب الأعمال بإجبار العمال على أخذ إجازات غير مدفوعة الأجر، وكذلك عرضت عليهم إجازات وتخصم من إجازاتهم السنوية، أو تقليل ساعات العمل مع تأثر الراتب نسبياً بذلك. ونظرياً، لا يمكن اتخاذ مثل هذه الخطوات إلا بالاتفاق مع العمال.
وأبلغت ممرضة فلبينية في مستشفى في خميس مشيط، "Migrant Rights.org" أن صاحب العمل خفض ورديتها من ثماني ساعات إلى 6 ساعات وقام بتخفيض أجرها تبعاً لذلك. ولم يعطها إشعار سابق، كما أنه لم يكن هناك أي اتفاق بين العاملة وصاحب العمل. علماً أنه قد تم إيقاف إجراءات المنازعات العمالية، وتم إغلاق المحاكم العمالية ومكاتب العمل المحليةبشكل مؤقت.
خففت وزارة الموارد البشرية القواعد الخاصة بـ"أجير"، البوابة الالكترونية التي يُبلّغ فيها أصحاب الأعمال عن "فائض العمالة" لديهم، ما يمكّن الشركات الأخرى من استعارة هذا الفائض لفترة محددة من الزمن. وفي حين أنه كان بإمكان العمال العمل فقط بحسب الأعمال المدرجة على بطاقة الهوية الشخصية في الماضي، إلا أن التعديلات الأخيرة سمحت بالتنقل بين الأعمال ماعدا تلك التي تتطلب شهادات معينة (مثل الهندسة والطب). وتم الآن إعفاء أصحاب العمل من دفع رسوم استعارة العمال من "أجير"، كما تم إلغاء الحد المفروض سابقاً على عدد العمال الذين يتم استعارتهم للشركة الواحدة.
وقف مؤقت لرسوم التأشيرة وغرامات الانتهاء
بإمكان العمال ممن تنتهي إقامتهم في الفترة ما بين 18 مارس و30 يونيو، تمديدها دول احتساب أية رسوم على ذلك. وبالمثل، يمكن تعديل تأشيرات الخروج والدخول أو "التأشيرة النهائية" التي تمت جدولتها في السابق في الفترة ما بين 25 فبراير حتى تاريخ 20 مارس، إلى تاريخ لاحق، أيضاً مجاناً. ويقع رسم تجديد بطاقة الهوية، وإصدار تأشيرات الإقامة تحت مسئولية صاحب العمل ومعها أيضاً التكاليف الأخرى المتعلقة بها. كما تم خفض أو إلغاء الرسوم المفروضة على الشركات الصغيرة عند توظيفها لغير السعوديين. إلا أنه لايزال تحصيل رسوم المرافقين من ذوي المهاجرين.
الإغاثة والدعم
أطلقت وزارة الموارد البشرية عددا من المبادرات لتشجيع توزيع الأغذية ودعم منظمات حفظ الطعام. وقامت وزارة الموارد البشرية بالتعاون مع القطاع الخاص والمنظمات الخيرية بتوزيع 180 ألف سلة غذائية للعائلات من ذوي الدخل المتدني ممن تضرروا من كوفيد 19 في مكة وحدها. كما قامت المناطق والمدن الأخرى بتنفيذ إجراءات مشابهة.
ونظراً للتأثير الكبير للفيروس، فإن غالبية المؤسسات الخيرية والمبادرات ليس بإمكانها سوى تقديم مساعدات متفرقة وتميل لتقديم مساعداتها للمواطنين أولاً، فوق العمالة المهاجرة. وقبل فرض حظر التجول الشامل، أعلنت المؤسسات الخيرية مثل جمعية "البر" بأنها سوف تساعد المواطنين فقط، إلا أن هذا الشرط أُلغي لتشمل المساعدة أي شخص تضرر بسبب حظر التجول الإجباري.
وحتى بعض المهاجرين الذين يتحدثون العربية، ممن تسعفهم لغتهم لتسيير حياتهم بشكل أفضل في المملكة، قالوا لمنظمة "Migrant Rights.org" أنهم متخوفين من التعرض للجوع. وقال طبيب مصري لم يدفع صاحب العمل أجره منذ شهور: "لو كانت المساجد مفتوحة في هذا الوقت، لذهبت للجلوس في الخارج لأتوسل بعض المال من المصلين لشراء الطعام." كذلك عبرّ عاملَين في أحد مصانع الألمونيوم في مكة، أيضا لم يتسلما أجريهما منذ أغسطس 2019، لمنظمة "Migrant Rights.org"، عن قلقهما من تناقص كميات المواد الغذائية التي بحوزتهما.
ومع بدء شهر رمضان، وبداية فصل الصيف القاسي في الخليج، سوف تتفاقم هذه الأوضاع. وسيتوجب على المملكة مواجهة مسألة نجاة أعداد متزايدة من المهاجرين المتضررين من تداعيات تفشي كوفيد19.