نيباليات يُتاجر بهن في الإمارات ويتعرضن للإساءة والاستغلال الجنسي
الوصول إلى العدالة في دول المنشأ والمقصد لا يزال صعب المنال
كانت كريشا* - 28 عاما- والقادمة منطقة سيندهبالكوك في النيبال، تعمل كعاملة منزل في دبي. وبعد أن تعرضت للإيذاء الجنسي من قبل صاحب عملها ولم تتمكن من الهرب، حاولت الانتحار مرتين. كما أنها حاولت الهروب من المنزل لكن دون جدوى. بعد ذلك استسلمت لمطالب ربة الأسرةـ على أمل أن يساعدها ذلك في الهرب. وتمكنت كريشا من العودة إلى بلدها بعد عامين من الاستغلال الجسدي والعقلي. وفي يوليو 2021، قامت بتقديم شكوى لدى مكتب مكافحة الاتجار بالبشر في النيبال.
تقول كريشا: "صاحب العمل، وابنه وأقاربهم كانوا يغتصبونني مرات عديدة رغماً عني". وأضافت: "قالوا لي في وكالة التوظيف في النيبال أنني سوف أعمل في وظيفة التدبير المنزلي في شركة هناك (دبي) لكن الأمر انتهي بي في هذا الوضع."
يتم الاتجار أعداد كبيرة من النساء النيباليات مثل كريشا إلى الإمارات بوعد الحصول على وظيفة، لكن ينتهي الأمر باستغلالهم من قبل المتاجرين بالبشر من وكالات التوظيف وكذلك أصحاب العمل. وكشفت مراجعة Migrant-Rights.org للوثائق والمقابلات التي أجريت مع الضحايا، والناشطين، وجهات تطبيق القوانين أن البعض كان يتم المتاجرة بهن فقط من أجل العمل في تجارة الجنس.
براميلا* - 38 عاماً- من منطقة مورانغ الواقعة في جنوب شرق النيبال، تعرضت للإيذاء من قبل الوكيل مادو شريسثا، الذي وعدها بالزواج ثم أرسلها للعمل في الإمارات فيما أسماه بوظيفة مكتبية" (تم رفع قضية ضد شريسثا ولا تزال قيد النظر في المحكمة).
تقلو براميلا: "قام باغتصابي على مدى ثلاثة أيام في كتمندو قبل أن يرسلني إلى الإمارات". وتضيف:" فور وصولي إلى عجمان، أُجبرت على العمل في منزل حيث أساء لي صاحب العمل العربي وحاول اغتصابي."
بعد ثلاثة أشهر من سوء المعاملة، تمكنت من الهرب بمساعدة مجموعة من النيباليين غير مقيمة في الإمارات. وتقيم حالياً في مأوى لدى منظمة غير ربحية تتخذ من كتمندو مقرا لها تدعى ميتي النيبال، وتقدم خدمات لضحايا الاتجار بالبشر.
تقول أنجانا شريسثا، نائبة المشرف على الشرطة (DSP) في مكتب مكافحة الاتجار بالبشر النيبالي، وهو وحدة خاصة لجرائم الاتجار بالبشر: "تردنا قضايا اتجار بالبشر دائما وبشكل متزايد.".
وتقول: "وردتنا تقارير عن حالات الاتجار بالبشر تعرض لها نيباليين في دول عديدة، ولكننا نسمع أكثر عن ضحايا من النساء من الخليج."
وبحسب بيانات المكتب، فقد تم انقاذ ما مجموعه 346 من ضحايا الاتجار، بما في ذلك 280 امرأة من دول مختلفة منذ إنشائه في 2018. إلا أن الرقم الحقيقي للضحايا غير متوفّر بسبب الافتقار للسجلات الرسمية الكافية. وقدّرت لجنة حقوق الإنسان النيبالية أن 35,000 شخص تشمل 15,000 امرأة، و5,000 طفل، وقعوا ضحايا للإتجار في 2018 (وهي أحدث البيانات المتوافرة).
"فور وصولي إلى عجمان، أُجبرت على العمل في منزل حيث أساء لي صاحب العمل العربي وحاول اغتصابي."
وعود كاذبة
يُعتبر الفقراء، والاميون والعاطلون عن العمل هم الفئات الأكثر ضعفاً ومن السهل أن يؤثر عليهم المتاجرين بالبشر واقناعهم بوجود فرص للعمل في الخارج، وذلك بحسب الناشطين وسلطات تطبيق القانون.
تقول أنجانا: "يتظاهر وكلاء التوظيف بأنهم وسطاء توظيف شرعيين لإقناع النساء، فيما تثق هؤلاء النساء، اللاتي ليس لديهن أي مصدر للدخل في هؤلاء المتاجرين دون أدنى شك."
وقالت كريشا في خطاب قدمته للمكتب إنها وافقت على السفر للإمارات بـ "مساعدة" راميش كونوار من وكالة التوظيف وذلك بسبب الحالة المالية المعدمة التي كانت تعاني منها في بلادها. وعدها راميش – متستراً تحت غطاء الموظِّف – بإرسالها للعمل في فندق في دبي. وأن راتبها سوف يتراوح ما بين 20,000 و25,000 روبية نيبالية (165 و205 دولار أمريكي).
وسلمته كريشا، بعد أن وثقت به، أكثر من 125,000 روبية نيبالية (1035 دولار أمريكي) ليقوم بالإجراءات اللازمة. ومثلها فعلت برميلا عندما صدقت صاحب وكالة التوظيف، مادو شرسثا، وأعطته 130,000 روبية نيبالية وغادرت إلى الإمارات في نوفمبر 2020. وبرغم وعود وكلاء التوظيف، فإن كلاهما انتهى الأمر بهما بالعمل كعاملات منازل.
وقالت مانجو غورانج، المؤسسة المشاركة في منظمة حقوق المهاجرين "بوراكي نيبال" التي تتخذ كتمندو مقراً لأعمالها: "لا يمكننا استئصال جذور الاتجار بالبشر إلا إذا عالجنا أوضاع المرأة الاقتصادية والاجتماعية".
وأضافت: "بعض النساء، مدفوعات بالفقر واليأس، على استعداد للذهاب إلى الخارج حتى مع علمهن بأنهن سوف يعملن كعبيد. إنه ليس خيار بالنسبة لهن وإنما لمحاربة عوزهم، إنه أمر مقلق حقاً."
طريقة عمل جديدة
يعمل المتاجرون، حالياً، تحت ستار وكالات التوظيف الخارجي، ويكسبون ثقة ضحاياهم، على عكس الأساليب السابقة حينما كان اختطاف الفتيات ويرسلن إلى مراكز الدعارة في الهند. وبرغم التغيير في أساليب الإتجار، إلا أن العواقب على النساء النيباليات لا تزال مدمّرة: يستمر بيعهم في أراضي أجنبية، خاصة في الخليج، كما تقول شركة النيبال.
يقول أنوراج دويفدي، مشرف الشرطة في مكتب مكافحة الاتجار بالبشر: "الأمر يبدو وكأنه تهريب أكثر منه إتجار، فهذه الأيام يُقنع المتاجرون بالبشر الضحايا للتأكد من تعاون الضحايا أنفسهم معهم للذهاب إلى الخارج. ويعطي هؤلاء المتاجرون انطباعاً أنهم وكلاء توظيف "حقيقيون""
وبحسب دويفدي، فإن المتاجرون يتركون ضحاياها في ظروف أشبه بالعبودية في "مراكز احتجاز" بدول مختلفة قبل أن يتم بيعهم إلى "أصحاب العمل" في الخليج.
تقول براميلا أنها أّبقيت في مكان ضيق في مركز احتجاز في كتمندو لثلاثة أيام بمعية ثلاث فتيات. وعندما وصلت إلى الإمارات، استقبلتها امرأة نيبالية تدعى "نيشا" واصطحبتها من مطار الشارقة الدولي، واحتجزتها لثلاثة أيام أخرى، ثم قامت ببيعها بقيمة 15,000 درهم (4,000 دولار أمريكي) لمواطن سعودي مقيم بالإمارات.
يستخدم المتاجرون، بشكل متزايد، تكنولوجيا الهواتف النقالة لإغواء الفتيات، بل أنهم يقومون بتثبيت أسعار هؤلاء الفتيات مع الزبائن المحتملين في الخليج. ويقول دويفدي: “تظهر تحقيقاتنا أن الوكلاء (المتاجرون) يقومون بإرسال صور الفتيات للزبائن المحتملين وبدورهم يقوم هؤلاء بالاختيار من بين مجموعة كبيرة من الفتيات".
بحسب تقرير الاتجار بالأشخاص 2021 (TIP)، فإن المتاجرين يقومون برشوة المسئولين الحكوميين لتضمين جوازات السفر النيبالية الأصلية، معلومات مزورة وتقديم وثائق مزورة للعمال المهاجرين المحتملين أو وكلاء التوظيف الخارجيين. كما يقومون أيضاً برشوة والدي الضحايا لئلا يقدموا شهاداتهم في القضايا. وفي بعض الأحيان، تتواطأ عائلات الضحايا أنفسهم وقادة الأحزاب السياسية في عصابات الاتجار.
قال راميش كونوار وكيل التوظيف الذي تعاملت معه كريشا، لها أنه قام بـ "تضبيط الوضع" – وهي شفرة بتم استخدامها بشكل واسع بين المسئولين الفاسدين للإشارة إلى تواطئهم مع مسئولي الهجرة حتى لا تواجه أية مشكلة في المطار. وليس بالمستغرب أن يظهر "صديق" كونوار ويقوم بإرشاد كريشا في مطار تريبوفان الدولي. وإلى جانب مطار النيبال الدولي، فإن المتاجرين يقوم بنقل النساء النيباليات من خلال الهند وسيرلانكا وبورما، قبل أن يتم ارسالهم إلى دول الخليج، وذلك بحسب الشرطة النيبالية.
"يضع نظام الكفالة الاماراتي أيضا النساء في وضع محفوف بالمخاطر (...) فأصحاب العمل غالباً ما يصادرون جوازات سفرهن ووثائقهن ويقيدون حركتهن."
لا جدوى من الحظر
في 2017، حظرت حكومة النيبال هجرة النساء النيباليات للعمل في المنازل في الخليج. إلا أن النشطاء قالوا إن الحظر فاقم ضعفهن وأصبحن أكثر عرضة للاتجار.
وقالت غورانج:"إن ذلك رفع درجة المخاطرة والاستغلال، إذ بدأن بالسفر من خلال طرق غير مرخصة وغير آمنة، أغلبها من خلال الهند."
في 2020، بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات، وجهت لجنة برلمانية الحكومة لرفع الحظر عن هجرة عاملات المنازل ممن تقل أعمارهن عن 24 عاماً. وبصرف النظر عن توصية اللجنة، فالحكومة لم تصدر أي تصريح عمل لعاملات منازل منذ 2016، وبذلك، فإن النساء لا زلن يبحثن عن طرق أخرى – غير قانونية – للذهاب إلى الخارج.
بالإضافة إلى ذلك ، فإن قانون العمالة الأجنبية لعام 2007 لا يتطرق إلى الاتجار بالبشر والتهريب. كما لا يعالج قانون الاتجار بالبشر ونقلهم لعام 2007 (المراقبة) الاتجار تحت غطاء فرص العمل الأجنبية.
تقول نيها تشودري، منسقة المشروع الوطني بمنظمة العمل الدولية ILO:"غالباً ما يغتنم الوسطاء فرصة الغموض القانوني الحالي." وأضافت:" يجب أن يكون هناك تنسيق ما بين القوانين المطبقة لتوسيع التعريفات والاعتراف بالاتجار بالبشر الذي يحدث في نطاق التوظيف الخارجي."
"كان صاحب العمل، وابنه وأقاربها يغتصبوني مرات عديدة (...) قالوا لي في وكالة التوظيف في النيبال أنني سوف أعمل في وظيفة التدبير المنزلي في شركة هناك (في دبي) لكن الأمر انتهي بي في هذا الوضع."
التعامي عما يحدث
بالإضافة إلى القانون النيبالي، فإن نظام الكفالة الإماراتي يضع النساء في وضع محفوف بالمخاطر. فدول المقصد، بما فيها الإمارات، لا تعترف ولا تلتزم بالحظر الذي تفرضه دول الأصل. فبمجرد وصول العاملة إلى أرض الإمارات، يمكن توظيفهن كعاملات منازل بدون موافقة السفارة النيبالية. وتقوم مراكز "تدبير" التي تهدف إلى التي تعتبر المحطة المركزية لتوظيف عمالة المنازل، بتخليص المعاملات المطلوبة لتأشيرة عاملة المنزل بعد وصولها إلى البلاد.
في الإمارات، والحال نفسه في دول الخليج الأخرى، يصادر أصحاب العمل جوازات العاملات ووثائقهم ويقيدون حركتهن. وكنتيجة لذلك، لا يمكنهم مغادرة البلد أو حتى تغيير وظيفتهن، وبدلا عن ذلك يظلون متورطين في المنازل وعرضة للإساءة والاستغلال.
تضيف تشودري: "نحن بحاجة لإصلاح أوسع للسياسات وتطبيق أكثر فعالية للتشريعات لمحاربة الاتجار بالبشر الذي يتم أثناء عملية هجرة العمال في النيبال ودول المقصد الرئيسية، والتأكد من سلامة جميع فئات العمال المهاجرين."
سهّل نظام تأشيرة الزيارة الاماراتي الاتجار في العمالة والجنس لسنوات، إلا أن السلطات تفتقر إلى الإرادة لمعالجة الثغرات. وهناك ضمانات قليلة لضحايا الاتجار منها الوصول إلى الدعم والمآوى مع اقتصار الأخيرة بشكل عام على ضحايا تجارة الجنس فقط. وبحسب تقرير TIP 2021، فإن الحكومة لم تحكم في أي قضية اتجار بالعمالة في 2020.
صعوبة تقديم الشكاوى
بحسب ناشطون ومسئولون عن تطبيق القانون، فإن ضحايا الاتجار يواجهون مجموعة من الصعوبات عند تقديم الشكاوى. تقول غورنج: "غالبا ما تكون النساء اللاتي يتعرضن للإتجار غير متعلمات وغير واعيات" وتوضح: "ليس لديهن وعي بالإجراءات القانونية لتقديم الشكاوى، كما أنه ليس لديهن القدرة على الوصول إلى السفارة، أو مكاتب إنفاذ القانون الأخرى".
وأنشأ The Foreign Employment Act آليتين – الأولى، وحدة التحقيق في الشكاوى في إدارة التوظيف الخارجي (DOFE)، والثانية، محكمة التوظيف الخارجي – وبإمكان العمالة تقديم الشكاوى من خلالهما، ضد وكالات التوظيف الخارجي. إلا أن غورنج يلفت إلا هذه الآليات لا تتجاوب ولا تستجيب."
وأضافت أن الضحايا يترددون أيضا في تقديم الشكوى بسبب تورط أفراد من عائلاتهم وأهلهم. ويوجد لدى إدارة التوظيف الخارجي النيبالية بوابة الكترونية (أونلاين) تمكن العمال المهاجرين الذين يواجهون إساءة أو حالات يتعذر الدفاع عنها في الخارج أن يقدموا طلب للإعادة للوطن.
ولكن بحسب تقرير TIP، فإن المنظمات غير الحكومية التي تكافح الاتجار بالبشر، ذكرت أن "الكثير من المهاجرين يفتقرون للقدرة على الوصول لأجهزة الكمبيوتر أو المهارة لاستخدام الموقع الالكتروني". وجاء في التقرير، أيضا، برغم أن الحكومة لها معاييرها الوطنية لرعاية الضحايا، إلا أن جهود الإحالة لاتزال عشوائية وغير كافية.
وتقول مصادر الشرطة النيبالية أنه من الصعب إعادة الضحايا النيباليين من الإمارات بسبب الافتقار إلى التنسيق بين الطرفين. "بسبب عدم وجود معاهدة تسليم المجرمين ومعاهدة المساعدة القانونية المشتركة بين البلدين، يصبح من الصعب علينا تحقيق العدالة للضحايا ومحاسبة الجناة."
تم تغيير الأسماء لحماية الأشخاص.
الصورة عبر Seki Chin / Flickr