أكثر من ٨٠٠ ألف مهاجر تم ترحيلهم أو تركوا المملكة العربية السعودية هذا العام. سبق وحذرنا من النتائج العكسية لنظام "نطاقات" السعودي الذي يهدف لخلق وظائف للمواطنين على حساب المهاجرين. كما حذرنا مسبقاً من عدم جدوى عمليات الترحيل الجماعية في تسهيل عملية توطين الوظائف. هذه السياسات أدت لشل عدة قطاعات من الاقتصاد السعودية والحقائق التالية أمثلة على ذلك:
- ٧٠٪ من محلات الذهب في جدة قد تضطر للإغلاق بسبب عمليات الترحيل. هذه المحلات أُغلقت لمدة ستة أشهر حتى تعمل على استيفاء شروط نظام نطاقات وهو ما أدى لارتفاع سعر الذهب بنسبة ٧٠٠٪. حتى الآن، ٤٠٪ من ورش عمل الذهب أغلقت لعدم توافر أيدي عاملة وتضاعف الطلب على العمالة المتبقية التي تطالب برواتب أعلى الآن.
- ١٨ شركة غير قادرين على توظيف سعوديين في ٢٠ ألف وظيفة في مجال المواصلات التي لا يرغب بها المواطنون بسبب الرواتب المنخفضة وساعات العمل الطويلة وظروف العمل الصعبة.
- أكثر من ٣٦٪ من مشاريع البناء تم إلغاءها.
- ما يقارب الـ ٢٠ ألف مدرسة بلا عمال حراسة.
- في بعض المناطق، أكثر من ٦٠٪ من المحلات أغلقت. كما أغلقت مخابز، محلات تنظيف، مطاعم، وأماكن تغسيل الجثث.
طوال العام، شكاوى السعوديون تتزايد فيما يخص غياب الخدمات وارتفاع أسعار السلع. قوانين "نطاقات" والحملات على المهاجرين الغير موثقين تظهر آثارها السلبية ليس فقط في انتهاكها حقوق المهاجرين بل وعلى الاقتصاد السعودي أيضاً.
خبراء اقتصاديون توقعوا الآثار السلبية لبرامج توطين الوظائف حتى قبل بدء تطبيقها في عام ٢٠١١. محللون محليون وأجانب حذروا من التطبيق القسري لنسب التوطين وعمليات الترحيل الجماعية التي قد تشل قطاعات من الاقتصاد السعودي وتقلل من نسب العمل. هذه التوقعات قائمة على فشل دول الخليج في برامج التوطين وتشديد قوانين الهجرة رغم وجود نسبة الطلب العالية على العمالة الأجنبية. قوانين التوطين وعمليات الترحيل تعكس فشل السلطات على فهم التواجد الكبير للعمالة الغير موثقة والاعتماد على العمالة الأجنبية. القوانين المتشددة تؤدي إلى خلق طرق غير قانونية واستغلالية للحصول على عمالة غير موثقة وأخرى تصل من خلال عمليات الإتجار بالبشر.
قوانين التوطين السعودية تتناقض مع أهدافها ومع حاجات الاقتصاد السعودية على المدى الطويل. مشكلة البطالة أكثر تعقيداً من أن يتم اعتبارها نتيجة "لاستغلال المهاجرين للاقتصاد السعودية بأخذ وظائف السعوديين" كما يشاع. عدد كبير من الوظائف التي يقبل بها المهاجرون هي وظائف يرفضها السعوديون لأن رواتبها قليلة وظروفها صعبة ولها قيمة اجتماعية سيئة (أقل من ربع هذه الوظائف الغير لائقة تم استثنائها من "نطاقات"). السعوديون يفتقرون لمهارات وخبرات تساعدهم على ملئ نسب التوطين في قطاعات معينة. مثال على ذلك أزمة المهندسين حيث ترك ١٦ ألف مهندس أجنبي وظائفهم في السعودية ومازالت الشركات غير قادرة على إيجاد سعوديين لملئ هذه الوظائف على الرغم من قبولهم المتخرجين حديثاً وعديمي الخبرة.
نسب التوطين المفروضة تعكس عدم قدرة السلطات على فهم سبب تفضيل الأجانب على السعوديين حيث يحتل المواطنون غالبية الوظائف الحكومية لأنها تدفع لهم رواتب جيدة بظروف عمل مناسبة بينما يعتمد القطاع الخاص على الأجانب ليحققوا أهدافه دون توفير هذه الظروف المريحة. على الرغم من أن السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي عملوا على دعم المواطنين في القطاع الخاص من خلال برامج التعليم والتدريب والتكفل بدفع زيادات مالية لهم إلا أن ذلك له تأثير ضئيل في دمج القطاعين. عملية الدمج لا يمكن أن تحصل دون الوصول إلى حقوق ومميزات متساوية لكل من العمالة المحلية والأجنبية.
بالتأكيد، دور المهاجرون في الاقتصاد المحلي واضح بالنسبة للسلطات والمواطنين إلا أن الخطاب الممارس ضد المهاجرين يخلق تصوراً بأن السعودية ترعى المهاجرين كعمل خيري على عكس الواقع الذي يبين أن المملكة تعتمد عليهم. هذا النوع من التصورات يهمش دور المهاجرين اقتصادياً واجتماعياً ويساهم في سلب حقوقهم كعمال ويجذر اعتبارهم "طارئين" يمكن التخلص منهم في أي وقت. الاعتراف باعتماد قطاعات اقتصادية وسعوديون كثر على العمالة الغير موثقة سيحد من التمييز الممارس ضدهم خاصة وأنهم حرموا من فرصة الاستفادة من "الفترة التصحيحية" التي انتهت في نوفمبر الماضي.
دول مجلس التعاون تشن حملات دورية ومفاجئة للحد من "العمالة المخالفة" إلا أن استراتيجياتهم تستمر في إثبات فشلها. هذه الحملات تعكس فشل نظام "الكفالة" الذي يساهم في خلق "عمالة مخالفة" لأن قوانين الهجرة لا تتسم بأي مرونة تسمح للعمالة بنقل وظائفهم أو الحصول على حقوقهم وفرص للعمل بعد تقديم شكاوى حال استغلالهم من قبل أرباب العمل. نظام "الكفالة" يربط قانونية العامل برب العمل فإن عمل لأكثر من شخص في وظائف جزئية أو عملوا لغير أرباب العمل يتم اعتبارهم مخالفين ومهددين بالترحيل والعقاب بالسجن.
المهاجرون يتم دفعهم بسهولة تجاه العمل الغير قانوني. في حملتنا لإنهاء نظام الكفالة، ذكرنا النقاط التالية:
- عدم السماح للمهاجرين بتغيير الكفلاء وأماكن العمل يحرم المهاجرين حقهم في التنقل الوظيفي. هذا يعني أنهم مضطرين للقبول بظروف عمل سيئة مثل حصولهم على مبالغ أقل من تلك المذكورة في عقود العمل، ساعات عمل طويلة، وظروف عمل خطيرة. بسبب عدم توافر قنوات لحماية المهاجرين من هذه الظروف والتكاليف الباهظة لمحاولات تغيير "الكفيل"، يجد العمال خيار الهرب كخيارهم الأفضل.
- يقوم بعض أرباب العمل بالتبليغ عن العمال كهاربين ليستطيعوا توظيف او استقدام المزيد من العمال. العامل المبلغ عنه لا يمكنه تصحيح وضعه دون أن يقوم الكفيل بالسماح بذلك.
- العمال الهاربون يتم اعتبارهم مخالفين يحرمون من أي مبالغ مستحقة لهم كما يتم تغريمهم وحبسهم وترحيلهم. العمال الغير قادرين على دفع ثمن تذكرة الرحيل أو تركوا من قبل كفلائهم، قد يقضون سنوات في السجون الخليجية.
يعاني المهاجرون أيضاً من استغلال المواطنين لنظام الكفالة حيث يقوم بعض المواطنون بالحصول على مبالغ كبيرة مقابل كفالة العامل وتجديد أوراقه الرسمية بينما يعمل بشكل غير قانوني لجهة أخرى. بعض المواطنون يقومون بتأسيس شركات وهمية لبيع الإقامات على مهاجرين بمبالغ كبيرة دون توفير عمل لهم. الكثير من أرباب العمل يفضلون توظيف عمالة غير موثقة أو ممن لديهم "إقامات حرة" حتى يتفادون دفع رسوم الإقامة ومكاتب التوظيف. نسبة ٧٠٪ من الإقامات الصادرة من الحكومة السعودية يتم الاتجار بها في السوق السوداء.
هذا يعني أن "برامج العفو" فاشلة لأنها تعتمد على ذات النظام الإشكالي الذي يخلق مشكلة العمالة الغير موثقة. الكثير من المواطنين اعترفوا بالحاجة لتصحيح نظام الهجرة من خلال تحديد هيئة حكومية لتقوم بكفالة المهاجرين بدلاً من الأفراد.
الوصول لاستراتيجية متوازنة وضامنة لحقوق العمال لحل مشكلة الاعتماد على العمالة الأجنبية والغير موثقة يحتاج لدراسة دقيقة للمشاكل الجذرية التي تخلق ما يسمى بالعمالة المخالفة. مثال على ذلك القيام بتوطين الوظائف بشكل سلس وحذر على فترة طويلة ومحاسبة الكفلاء ومكاتب التوظيف لممارساتهم الغير قانونية. هذا يعني، أن حملات التفتيش يجب أن يتم إيقافها أيضاً.
دول مجلس التعاون التي تستمر في حملاتها الواسعة ضد العمالة الغير موثقة عليهم أن يتعلموا من فشل التجربة السعودية في توطين وتنظيم العمالة. مرة أخرى، ندعو دول الخليج للتوقف عن حملاتهم الهجومية مراعاة لحقوق الإنسان ولعوامل اقتصادية أيضاً.