تأتي وفاة مهاجر في مركز اعتقال سعودي الأسبوع الماضي كتنبيه آخر على مخاطر عمليات الترحيل الجماعية ضد المهاجرين الغير موثقين. السلطات السعودية تدعي بأن المهاجر قُتل خلال عمليات شغب تسببت بإصابة ٩ آخرين إلا أن المنتديات ووسائل الإعلام اليمنية تؤكد أن حالة الشغب حدثت بعد مطالبات المهاجرين المحتجزين بتسريع ترحيلهم، مما أدى إلى مقتل ١٠ يمنيين. في نوفمبر الماضي، بررت الشرطة السعودية استخدامها العنف ضد مهاجرين أثيوبيين بحجة السيطرة على الشغب، رغم انتهاء الأحداث بمقتل أحدهم خلال ما يعرف بأحداث المنفوحة. إلا أن شهود عيان ومقاطع الفيديو تثبت أن الرواية الرسمية خاطئة وبأن مواطنين ورجال أمن هم من استخدموا العنف ضد المهاجرين.
حتى مع تصديق رواية الدولة، هنالك أسئلة قائمة حول أسباب حالة الشغب لأنها تأتي كنتيجة لظروف المعيشة في مراكز الاعتقال وطبيعة عمليات الترحيل. تقارير من مراكز أخرى تؤكد على أن الظروف التي يعيشها المهاجرين المعتقلين تخالف القوانين الإقليمية والدولية ومن بينها:
١. ظروف معيشية غير آمنة
على الرغم من إنشاء عدة مراكز جديدة لاحتواء المهاجرين بعد تطبيق حملة توطين الوظائف، إلا أن مشكلة ازدحام هذه المراكز مازالت مستمرة. انتشرت مؤخراً صور لـ ٣٥ ألف من المهاجرين في مركز واحد، حيث تؤثر هكذا ظروف على صحتهم النفسية والجسدية إلى حد كبير. وكانت منظمة "هيومن رايتس واتش" قد جمعت عدة شهادات من مهاجرين احتجزوا مؤخراً في مراكز سعودية، نقتبس منها:
في مركز الاحتجاز الأول في الرياض، كان هنالك القليل من الطعام وكنا نتشاجر من أجل الطعام، وبالتالي كان الأقوى يأكل الأكثر. الحرس أمرونا بالوقوف قرب الجدران بوجوهنا وكانوا يضربوننا على ظهورنا بعصيان حديدية. في المكان الثاني، كان هنالك حمامين لـ ١٢٠٠ شخص بينهم مجموعات من الأطفال.
سالادو، ٣٥ عام، قالت أن السلطات السعودية اعتقلتها مع طفليها (٧ و٩ سنوات) وأبناء أختها الثلاث. شرحت سالادو ظروف الحياة قبل ترحيلهم: كنا في غرفة واحدة مع ١٥٠ امرأة وطفل، كان الجو حاراً ودون تكييف. بعض الأطفال مرضوا. ابني كان يتقيئ وبطنه تنتفخ. لم يكن لأي منا فراش، كان الجميع ينامون على الأرض.
هذه الشهادات تتلاقى مع تقارير سابقة عن مراكز الترحيل السعودية التي حصلت فيها حالات وفاة أيضاً. في عام ٢٠١٠، خمس مهاجرين أثيوبيين ماتوا في مركز اعتقال بسبب الازدحام، وفي ٢٠٠٩، توفي عامل فلبيني بسبب غياب الظروف الصحية في المركز. كما قام عمال فلبينيون بتوثيق تجربتهم في مركز الاعتقال من خلال ارسال مسجات نصية لمجموعة "migrante international”:
المكان حار جدا ومزدحم، لا يمكننا أن نشرب هنا، كلنا مرضى بالحمى، لا يمكننا أن نقف لأن أجسادنا ضعيفة، أحدنا انهار البارحة.
٢. مدة اعتقال غير محددة
في المراكز السعودية، قد يستمر احتجاز المهاجرين لأسابيع، أشهر، أو حتى لسنوات دون أن يعلموا المدة المستغرقة لترحيلهم. في أغلب الحالات، لا يستطيع المهاجر ترك المركز إلا في حالة الترحيل. إلا أن البيروقراطية السلبية بإمكانها تأخير عمليات الترحيل دون أجل محدد، ولا يتم إبلاغ المهاجرين بالمدة الزمنية لإجراءات الترحيل، من بينها ادخال الوثائق الشخصية والحصول على أموال لتكاليف الترحيل وحجز تذاكر السفر. مازالت السلطات ترفض السماح للمهاجرين باستئناف قرارات ترحيلهم. في إحدى الحالات الموثقة من قبل هيومن رايتش ووتش، احتجز مهاجر صومالي في ٥ مراكز مختلفة لمدة ٥٧ يوم قبل أن يتم ترحيله.
٣. منع الملفات الفردية
رغم حالات الترحيل الكثيرة، إلا أن المهاجرين مازالوا محرومين من حق استئناف قرارات الترحيل الصادرة بحقهم. وفقاً للقانون الدولي، يحق للمهاجرين الحصول على مترجم ومحامي وحق استئناف قرار الترحيل في المحكمة. هذا الوضع يسلب المهاجرين (منهم ضحايا الإتجار بالبشر أو هاربين من استغلال أرباب العمل) حقهم في الحصول على تعويضات ورواتب مستحقة لهم. كما يعني ذلك بأن المهاجرين المعتقلين بشكل خاطئ لن يستطيعوا الخروج من المعتقل كما حصل في قضية مواطن سعودي ذي إعاقة نطقية اعتقل بشكل خاطئ وتم ترحيله إلى نيجيريا.
عمليات الترحيل السعودية لا تضع في عين الاعتبار حالات اللجوء حيث قامت بترحيل ١٢ ألف صومالي في يناير وفبراير. منظمة اللاجئين الدولية التي لم تسمح لها السلطات السعودية بمقابلة المعتقلين، تتوقع ترحيل ٣٠ ألف صومالي آخرين في الفترة القادمة.
عمليات الترحيل تنتج حالة من الغضب إلا أن السلطات تتوقع من المهاجرين التصرف بهدوء تجاه الانتهاكات الشنيعة لحقوقهم. “الشغب" مصطلح مضلل ممكن استخدامه لوصف أي نوع من المقاومة لتبرير الانتهاكات. هذه الممارسات منتشرة في دول مجلس التعاون بعدما قامت عدة دول بتطبيق قوانين توطين الوظائف. مرة أخرى، نطالب السلطات بالتعامل مع برامج توطين الوظائف من نظرة حقوقية بالتأكيد على أن حق الدول في تنظيم الهجرة وتحديد "فترة عفو" لا تحلل للسلطات انتهاك حقوق المهاجرين الغير موثقين.