التقارير المنتشرة عن حالات المعاملة السيئة ضد العمالة المنزلية المهاجرة في لبنان أصبحت معتادة، إلا أن القليل منها يصل إلى المحاكم ليحاسب المسيئين والاستغلاليين من أرباب العمل ومكاتب الاستقدام. مركز المهاجرين التابع لمنظمة كاريتاس تشارك مع منظمة العمل الدولية مؤخراً لبحث أسباب قلة القضايا المقدمة في المحاكم من قبل المهاجرين.
الدراسة التي نشرت بعنوان "العمالة المنزلية المهاجرة في لبنان وحق التقاضي" صدرت في ١٣ يونيو ٢٠١٤ بعد تبني منظمة العمل الدولية لبروتوكول جديد فيما يخص اتفاقية محاربة العمل القسري والتي تهدف لتحسين طرق وقاية وحماية وتعويض العمال في حالات الاستغلال والإساءة، بالإضافة إلى محاربة الِأشكال الجديدة للعمل القسري.
هذه الدراسة هي الأولى من بين سلسلة تصدرها منظمة العمل الدولية هذا العام عن العمالة المهاجرة وحق اللجوء للقضاء بالاعتماد على ٧٣٠ حالة من العمالة المنزلية الأثيوبية ممن تعاون معهم مركز كاريتاس منذ ٢٠٠٧. كما يتضمن التقرير على تحليل لـ ٢٤ حالة وصلت إلى القضاء في المحاكم الجنائية والإدارات المختصة بالعمل من قبل محامي المركز بالنيابة عن مهاجرين من جنسيات مختلفة. في هذا الحوار، تحدثنا مع آلكس نصري التي شاركت في تنفيذ هذا التقرير لمناقشة نتائجه.
تواجه العمالة المنزلية في لبنان صعوبات كبيرة في الحصول على مساعدة قانونية وقد يتم تجريمهم في بعض الحالات. أخبرينا عن المشاكل القانونية التي تواجه العمالة المهاجرة في لبنان.
للأسف العمالة المهاجرة يتم تجريمها في حالة الهرب من أرباب العمل بسبب الإساءة والاستغلال حيث أن قوانين الإقامة تفرض عليهم تواجدهم في بيت صاحب العمل وتربط صفتهم القانونية بذلك تحت نظام الكفالة. في حالات الإساءة والاستغلال، يتم التعامل مع العمالة باعتبارهم مجرمين خالفوا قوانين الإقامة وضحايا لحوادث العنف والمعاملة السيئة في آن واحد. هذا الوضع الإزدواجي يمنع الكثيرين من اللجوء للمحاكم.
من جانب آخر، تعاني العمالة المهاجرة من إقصائها من قوانين الشغل التي توفر سبل لحماية العمال وحقوقهم. هذا التمييز القانوني يجب ألا يمنع المحاكم المدنية من حل قضايا العمالة المهاجرة التي تنتج عن عقود العمل. إلا أن هذه العقود غالباً ما تفتقد لحقوق أساسية مثل تحديد ساعات العمل ويوم للراحة وحقوق الخصوصية. بالنتيجة، يتقدم المحامون بقضايا بالنيابة عن العمالة المهاجرة غالباً ما تكون محدودة بحالات رواتب غير مدفوعة أو إلغاء عقد العمل من قبل صاحب العمل بشكل تعسفي.
هل توفر عقود العمل أي حماية للعمالة المنزلية؟
يفترض أن عقود العمل تقوم بوظيفة قوانين الشغل إلا أن أغلبها لا يتضمن لحقوق أساسية يجب أن يتم كفلها للجميع. كما ذكرت، هذه المعضلة تمنع المحامين من التقاضي بالنيابة عن المهاجرين في قضايا غير الرواتب الغير مدفوعة. لو كانت الحقوق المكفولة في قوانين الشغل متضمنة في عقود العمل لاستطاع المحامون التقاضي ضد مخالفات كثيرة ومختلفة.
إشكالية أخرى تواجهنا في إثبات خداع العمالة المهاجرة قبل وصولهم إلى لبنان حيث يصل الكثيرون ظناً أنهم سيعملون بأجور أعلى أو في وظائف أحسن. القضاء لا يعترف بالعقود التي وقعت في الدول الأم، ويقتصر على العقود التي وقعت داخل لبنان والتي تحتوي على اتفاقية مختلفة عن التي جاءت العمالة من أجلها إلى لبنان. في هذه الحالة، يحاول المحامون بشتى الطرق إثبات أهمية الاعتراف بعقود العمل التي وقعت في الدول الأم.
ما نوع القضايا التي قمتم بتقديمها للقضاء بالنيابة عن عمالة مهاجرة؟
قضايا مدنية وجزائية. أغلب القضايا تركزت على مستحقات غير مدفوعة. كاريتاس نجحت مع هذا النوع من القضايا وفي حالات حصلت على تعويضات لعمال تركوا لبنان. كما نجحنا مع عدة حالات في الإساءة الجسدية ومصادرة جوازات السفر. لكن لم تكن هنالك أي قضايا في الإتجار بالبشر على الرغم من صدور قانون يجرم الإتجار بالبشر في ٢٠١١.
كيف تستطيع العمالة المنزلية المهاجرة الوصول إلى القضاء؟
مركز كاريتاس للمهاجرين يعتبر الأكبر من حيث تقديم المساعدة للعمالة المنزلية، كما نتواجد في ملجأ بيروت حيث يتوجه الكثيرون من العمالة المنزلية الهاربة. كل يوم، نتنبى قضايا جديدة، كما تتواجد منظمات أخرى وسفارات الدول الأم التي تحاول تقديم المساعدة والاستشارات القانونية.
هل هنالك طريق للعمالة المنزلية المهاجرة للوصول إلى المحاكم قبل الاضطرار للهرب من منزل الكفيل؟
الحراك المدني في لبنان فاعل كثيراً بالمقارنة بدول أخرى في الشرق الأوسط. المنظمات تقدم الكثير للعمالة المهاجرة فيما يخص حقوقهم وسبل الحصول على مساعدة. لكن بشكل عام، تفتقد العمالة المهاجرة المعرفة اللازمة لسبل التعامل مع الانتهاكات التي تواجههم.
التقرير يذكر محاولات بعض الكفلاء اتهام العمالة المنزلية بالسرقة لترهيبهم ومنعهم من التقاضي.
نعم هذه مشكلة في لبنان ودول أخرى في المنطقة. دراستنا استنتجت أن القليل من هذه الادعاءات ضد العمالة المهاجرة صحيحة. هذا استغلال واضح للقوانين من قبل الكفلاء ضد العمالة المهاجرة وأسلوب سهل للتحكم وتخويف العامل/ة. إنه تحدي مهم يجب مواجهة القضاء به مستقبلاً، لنطالب بمحاسبة أصحاب هذه التهم الكيدية ومنع هذه الممارسة الروتينية.
تحدثنا عن الإشكاليات القانونية، ولكن ماذا عن الممارسات النظامية.
أكبر المشاكل في بطء عمل النظام القضائي في لبنان. تقديم قضية في المحكمة يحتاج لوقت طويل وهو ما ينفر العمالة المهاجرة من التقاضي. مشكلة أخرى في ضعف قدرة السفارات على التعامل مع قضايا النزاع التي يأتي بها مواطنوهم. هنالك اعتماد كبير على المنظمات الحقوقية في تقديم المساعدة للمهاجرين ولكن على السفارات تحسين خدماتها لمساعدة العمالة المهاجرة. المشكلة الأخرى أن العمالة المهاجرة لم تنظم نفسها بشكل نقابي للمطالبة بحقوقها مما يجعل وصولهم للمحاكم معتمد على حالات فردية. هذه المشاكل النظامية يجب أن يتم التعامل معها لضمان ظروف عمل جيدة للعمالة المنزلية المهاجرة في لبنان.
بإمكانكم قراءة التقرير كاملاً بالفرنسية. سنشير للنسختين العربية والإنجليزية هنا بعد نشرهما.