بقلم منّة التركي
بعد زيارة منطقة الخليج العربي لأول مرة، صدمت تماماً مما شاهدت. فكلما نظرت بأي اتجاه، أجد عمالاً من جنوب وشرق آسيا يعملون في الهواء الطلق والحرارة المفرطة، أو عاملات في المنازل يتعرضن لسوء المعاملة من قبل من كفلائهن. سمعت باستمرار تصريحات مؤلمة وعنصرية حول هذه الفئة من السكان من قبل المواطنين، وخصوصاً ادعائهم "أن العمال المهاجرين أفضل حالاً هنا."
بصراحة، شعرت كما لو كنت قد سافرت بالزمن إلى الوراء إلى مكان لا يزال الاستعباد العلني موجود ومقبول فيه. على الرغم من أنني كنت أعتقد بأنني "شخص كوني"، إلا أنني كنت فعلاً ساذج. فعلى الرغم من انتقادي لسياسة معاملة الأقليات في الولايات المتحدة، كنت اعتقد أن الولايات المتحدة ألغت مثل هذا النوع من الممارسة العمالية. وكنت مخطئاً تماماً.
في ولاية شمال كارولينا وبشكل غير علني، هنالك الكثير من عمال المزارع المهاجرين، مثل عمال جنوب آسيا في قطر، يعيشون في معسكرات عمل، ويتقاضون أجورا قليلة مقابل عمل أكثر من طاقتهم، ويعيشون في ظروف سيئة. أفاد مزارع لاتيني أنه يتقاضى باستمرار راتباً تحت الحد الأدنى للأجور، وهناك عدة تقارير عن عمال من الأطفال، وعمال يتعرضون يومياً وبشكل مفرط للمبيدات الحشرية، ناهيك عن العمال الذين يعانون من مرض "التبغ الأخضر". الكثير من هؤلاء لا يحصلون على كميات كافية من المياه والتي تكون أحياناً قذرة وغير باردة ان توفرت. تشير التقارير بأن هنالك مزارع واحد على الأقل يموت يومياً في الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، تم تحرير أكثر من 1000 عامل مهاجر منذ عام 1997 من العمل القسري.
أن تكون عاملاً موسمياً مهاجراً أو بلا وثائق في الولايات المتحدة قد يكلف حياتك الكثير. على الرغم، من أنه من الناحية القانونية، صاحب العمل يتحمل تكاليف التأشيرة والنقل، والسكن، إلا أنه وفي الكثير من الحالات يتحمل العمال هذه النفقات. في تقرير صادر عن مركز حقوق المهاجرين (CDM)، أكثر من 58٪ من العاملين شملهم الاستطلاع، دفعوا رسوم توظيف قيمتها 590 دولار أمريكي، ونادراً ما يتلقى العامل قيمة تكاليف السفر والتأشيرات والتوظيف. كما أفاد التقرير أيضاً أن 1 من أصل 10 عمال يدفعون لشركات التوظيف رسوماً لوظيفة غير موجودة. ولتغطية هذه التكاليف، يقوم العديد من العمال بالحصول على قروض بفوائد عالية جداً، وهذا غالباً ما يؤدي في حالات كثيرة للعمل القسري والعبودية والاتجار بالبشر. كما أن ما يقارب نصف العمال الذين استطلعت (CDM) آرائهم، اقترضوا المال لتغطية تكاليف التوظيف.
هذه القصة ليست مقتصرة على عمال أمريكا اللاتينية في الولايات المتحدة، ولكنها تعكس قصة العمال المهاجرين من جنوب آسيا إلى الخليج العربي أيضاً. في قطر، يضطر العمال المهاجرون الذين يقومون ببناء مبانٍ وملاعب لاستضافة كأس العالم 2022، للعمل في درجة حرارة تقارب الخمسين درجة مئوية، ويعملون أحياناً لمدة 12 ساعة دون فترات راحة لتناول الطعام أو شرب الماء، ويحرمون من أجورهم لعدة شهور، وفي كثير من الأحيان تتم مصادرة جوازات سفرهم لمنعهم من مغادرة البلاد، كما يعيش هؤلاء في أماكن مكتظة وغير صحية في معسكرات العمل. العديد ممن لديهم بطاقات خاصة تتم مصادرتها، مما يجعلهم عمال مهاجرين بلا وثائق، وقد يعيش 12 منهم في غرفة واحدة، ويضطرون للتسول من أجل الأكل بسبب حجب رواتبهم.
عمال دول جنوب آسيا وأمريكا اللاتينية على حد سواء، تركوا أسرهم وبيوتهم، في سبيل السعي لتحقيق سبل عيش جيدة. ولكنهم يجبرون على تحمل الديون ويتم استغلالهم من قبل شركات التوظيف والمتاجرون بالبشر وأرباب عملهم. يمر هؤلاء بتجارب مشابهة حيث يتم استقبالهم في بيوتهم الجديدة بالتمييز العنصري، وظروف عمل بشعة، ومستقبل مظلم.
من المقلق أن نرى أنه بعد عدة حركات من أجل المساواة في الولايات المتحدة، مثل حركة إلغاء الرق، ومنح المرأة حق التصويت، وحركة الحقوق المدنية، مازالت مثل هذه الانتهاكات موجودة. الأمر الذي يجعلني أتساءل كيف سيبدو المستقبل لدولة مثل قطر التي تشهد تقدماً اجتماعياً محدود جداً؟ بعد كل هذا، هل فعلاً العمال المهاجرون في الولايات المتحدة حقا "أفضل حالاً" من العمال في قطر؟ أو هي وسيلة للمواطنين لكي لا يشعرون بالذنب لتجاهلهم الاعتداءت الجسدية والنفسية المستمرة والمكررة في حق هؤلاء العمال؟