تتذكر جاريشة "العمة"، امرأة كريمة يحبها الجميع من المؤجرين إلى أصحاب المحلات الذين يوصلون الخبز والحليب إلى بيتها. لسبب ما، هذه الطبيعة الجيدة لم تظهر مع من يخدمها في منزلها، لتقوم بتغيير عاملة منزلها كل عامين.
تحكي جاريشة: “اشتكت منهم دون توقف. من الصعب التصديق أنهم جميعاً سيئين إلا أنها كانت لطيفة مع الخادمات في منزلنا خلال زياراتها. أعطتهم هدايا نقدية لتضمن تجسسهم على عاملاتها. كل شخص في الحي كان مطلوب منه أن يراقبهم من أجلها.”
مع العمالة المنزلية، كانت "العمة" طاغية. إن لم تأكل العمة لأنها صائمة أو بلا شهية، تحرم الخادمات من الأكل. حين يقوم أحد بزيارتها، لا تسمح للعاملات بالحديث معهم. حينما تنسى العمة المكان الذي وضعت فيه نقودها، وهي تعاني من عمى جزئي، تقوم باستقطاع المبلغ المفقود من راتب العاملة الذي لم يتجاوز ٥٠٠ ريال قطري (١٤٠ دولار).
في ٢٠٠٥، تعرضت العمة لكسر في وركها. قامت وقتها بنقل الخادمة من الملحق الخارجي للبيت إلى غرفة تحت السلالم ظناً منها أن خادمتها الأندونيسية الجذابة ذات الـ ٣٠ عاماً ستقوم باستضافة رجال في البيت إن لم تراقبها بحرص.
لا تظن جاريشة أن العمة، التي تعيش الآن في أبو ظبي مع أختها، غريبة: “الكثير من أرباب العمل هنا يشككون بالعمالة المنزلية. يخافون على حياتهم وممتلكاتهم.”
لم يكن للعمة أطفال وعاشت وحيدة لعقدين من الزمن بعد وفاة زوجها. فيما عدا الزيارات المعتادة، لم يكن في صحبتها سوى الخادمة. الكثير من زوارها امتدحوا شجاعتها وحذروها من "الخادمات الشريرات.” ولأن العمة لا تثق بعينيها، قامت باعطاء وثائق الخادمات وبطاقات التأمين الصحي لأحد المؤجرين لحفظها.
الخادمات صغيرات العقل. لو كانت عقولهن أذكى لما عملن في هذه المهنة.
بالرغم من أن العمالة المنزلية -التي تأتي غالبيتها من دول جنوب آسيا- معرضة بشكل دائم للتصنيفات، إلا أن الصور النمطية التي تنتظرهم في الدول المستقبلة غالباً ما تكون صادمة، وخاصة في دول مجلس التعاون. تقرير منظمة العفو الدولية العام الماضي "النوم استراحتي: استغلال العمالة المنزلية المهاجرة في قطر" يبحث الصور النمطية التي تواجه العمالة المنزلية من قبل الإعلام المحلي الذي يقدمهم كمدمرين للبيوت ومجرمين وسراق ومشعوذين يمثلون خطراً على أطفالهم. منذ سنوات ركزت Migrant-Rights.org على التغطية الإعلامية لقضايا المهاجرين في الخليج وخطورة الصور النمطية والخطابات العنصرية على سلامة وحقوق المهاجرين، خاصة العمالة المنزلية.
تحدثنا مؤخراً مع مجموعة من ٩ نساء، غالبيتهن من الأكاديميات تحدثن عن مخاوفهن من العمالة المنزلية التي قد تختطف أزواجهن. هذا الخطاب الجنساني الاتهامي سائد في دول مجلس التعاون الخليجي ويتم استخدامه لتبرير وتهميش الانتهاكات التي تتعرض لها العمالة المنزلية مثل اجبارهن على البقاء في البيت ومصادرة أوراقهن الرسمية وتأخير مرتباتهم وانتهاك خصوصيتهن واستغلالهن في العمل لساعات طويلة.
تقول سعاد أن أرباب العمل في قطر سريعاً ما يصدقون أي شائعات عن العمالة المنزلية مما يرسخ من الصور النمطية ويقدم عاملات المنازل بشكل وحشي غير إنساني. تتذكر سعاد شائعة ما انتشرت قبل سنوات بأن خادمة قامت بإلقاء طفل في الحمام بعد خلاف مع كفيلها. لم يعرف أحد من هذه الخادمة لكن الجميع تأهب لتشديد القيود على خادماتهم لتفادي وقوع تراجيديا مثل هذه في بيوتهم. تقول سعاد بأن عائلتها لم تكن لديهم تجربة سلبية مع الخادمات إلا أن الشك يلازمهم باستمرار.
تتعرض العمالة المنزلية للتحقير باستمرار في المنطقة. حسب تقرير هيومن رايتس واتش الصادر في أكتوبر ٢٠١٤ عن الانتهاكات التي تتعرض لها العمالة المنزلية في الإمارات، لا يقدر أرباب العمل ولا مكاتب الاستقدام الخادمات أو العمل الذي يقمن به. يقول شخص في أحد مكاتب الاستقدام: “الخادمات صغيرات العقل. لو كانت عقولهن أذكى لما عملن في هذه المهنة.” بينما تحدث أحد أرباب العمل قائلاً: “عاملات المنازل مثل الطين، تصنع منهم ما تشاء.” ومثل قطر، عاملات المنازل في الإمارات يعملن لساعات طويلة، يحرمن من أجورهن، ويتعرضن للتعذيب النفسي والجسدي.
في الكويت أيضاً، يتم استغلال العمالة المنزلية كما في بقية دول الخليج. في ٢٠١٠، أصدرت هيومن رايتس واتش تقريراً عن الانتهاكات التي تتعرض لها العمالة المنزلية. خلال ٢٠٠٩، استقبلت سفارات الدول المصدرة للعمالة المنزلية ما يقارب ١٠ آلاف مكالمة من عاملات منازل في الكويت يشتكين ساعات العمل الطويلة وحرمانهن من أجورهن والتعذيب الجنسي والجسدي والنفسي. هذا الرقم لا يشمل كثيرات لم يعرفن الوصول إلى سفارات دولهن.
ندفع الكثير من الأموال لاستقدام الخادمات وليس من السهل الحصول على أخريات. نخشى أن يقمن بالهرب.
مصادرة الجوازات. لماذا؟
نور، زوجة وأم شابة، اعترفت بأنها صادرت جوازات سفر عاملات مسبقاً وتعلل قرارها: “الكثير منا لا يعرف أن مصادرة الجوازات أمر مخالف للقانون. كما لا يرى الكثير منا أن هذا الفعل خاطئ. ندفع الكثير من الأموال لاستقدام الخادمات وليس من السهل الحصول على أخريات. نخشى أن يقمن بالهرب.” النساء المشاركات في الحوار الذي أجريناه جميعهن اتفقن أن هرب الخادمات مصدر قلق لهن، على الرغم من أن بعضهن لم يقمن مسبقاً بمصادرة جوازات من عملن في بيوتهن.
تقول سعاد أن الصور النمطية وفكرة أن الخادمات الجيدات مجرد "استثناء" تشجع أرباب العمل على مصادرة جوازات السفر وغيرها من وثائق رسمية. بسبب تكاليف واجراءات الاستقدام، لا يريد أرباب العمل أن تكون للخادمات فرص للهرب قبل انتهاء مدة عقد العمل. دون جواز سفر، مهمة الخروج من البلاد بالنسبة للعاملات المهاجرات شبه مستحيلة.
يقوم أرباب العمل أيضاً بمصادرة أوراقهم الرسمية المحلية في حالة حدوث جريمة، حسب ادعاءاتهم. على الرغم من أن مصادرة جواز سفر عامل فعل غير قانوني في قطر، إلا أن مرتكبيها لا يتعرضون لأي محاسبة أو ملاحقة قانونية. في مقال من يونيو ٢٠١٣ نشرته مجلة دراسات الجزيرة العربية بعنوان "بورتريه للمهاجرين ذوي الأجور المحدودة في قطر المعاصرة" نجد أن ٩٠٪ من بين أكثر من ألف من المهاجرين ممن تم استطلاع آرائهم تمت مصادرة جوازات سفرهم. على الرغم من أن القانون المحلي يقضي بإرجاع وثائق السفر بعد تخليص الأوراق اللازمة، لا تتم مساءلة أرباب العمل في حالة مصادرتهم لوثائق العمالة. استطلاع آخر من منظمة العمل الدولية يؤكد على أن أرباب العمل لا يخشون أي محاسبة حين قيامهم بمصادرة جوازات موظفيهم.
الخوف من "تغيب" العمالة المنزلية منتشر في البلاد، بين السلطات وأرباب العمل. في أكتوبر ٢٠١٤، نشرت جريدة "غلف تايمز" القطرية المحلية تقريراً عن خطة حكومية لفتح ثلاث مكاتب جديدة للبحث في قضايا العمالة المتغيبة. ويضيف التقرير أن السلطات ترغب في فرض عقوبات جديدة على من يقومون بإيواء أو مساعدة العمالة المتغيبة. وحسب موقع وزارة الداخلية، على العمالة تنفيذ عقود عملهم دون التغيب عن الكفيل أو العمل لآخر. كما لا يسمح لأصحاب العمل بتوظيف عمالة متغيبة ليست تحت كفالتهم. بالنتيجة، تعيش العمالة المنزلية في حالة يائسة لأنهم غير قادرين على الهرب من ظروف العمل السيئة دون الوقوع في خطر "التغيب" والانتهاء في سجن الترحيلات. للأسف، قليلاً ما يتم بحث أسباب هرب العمالة المنزلية.
لا قوانين لحماية العمالة المنزلية
لا تقدم قوانين العمل في قطر أي حماية للعمالة المنزلية. قانون العمل رقم ٣ ينص حرفياً أن العمالة المنزلية غير مشمولة تحت هذا القانون. على الرغم من تعرض قطر لانتقادات كثيرة بعد حصولها على حق استضافة كأس العالم لعام ٢٠٢٢، نادراً ما يتم تسليط الضوء على العمالة المنزلية في النقاشات المحلية. في مارس ٢٠١٣، قال وكيل وزارة العمل حسين الملا: “بما أن هنالك عقد عمل يربط بين العمالة المنزلية وأرباب العمل، فلا حاجة لقانون.” بالنتيجة، تقع العمالة المنزلية تحت السلطة المطلقة لأصحاب العمل الذين يستغلون غياب القوانين. على سبيل المثال، يذكر تقرير منظمة العفو الدولية أن مسؤول في مكتب استقدام في قطر قال لأحد الزبائن بأن الخادمة "ستعمل بدوام كامل وتبقى في بيتك. عقد العمل يحدد ٨ ساعات ولكنها تقيم في بيتك، فالأمر تحت سلطتك. لا حاجة ليوم اجازة.” أحد الاستطلاعات يؤكد على أن الكثير من عاملات المنازل يعملن لأكثر من ٦٠ ساعة أسبوعياً، وهي من أطول ساعات العمل في العالم حسب تقرير منظمة العمل الدولية. من المهم التذكير بأن مسؤول في وزارة الداخلية القطرية، محمد أحمد العاتق، قال بأن تعديلات تجرى الآن لقانون العمل لتشمل العمالة المنزلية.
حسب تقرير هيومن رايتس واتش عن الإمارات، تحبس القوانين المحلية العمالة المنزلية تحت سيطرة أرباب العمل من خلال نظام الكفالة الموجود في المنطقة. ومثل قطر، تستثني قوانين العمل في الإمارات العمالة المنزلية من حمايتها مما يؤدي إلى انتهاكات مشابهة ضد هؤلاء من قبل مكاتب الاستقدام وأصحاب العمل. في الكويت أيضاً يستثنى عمال المنازل من رعاية قوانين العمل. حسب تقرير هيومن رايتس واتش، لم تصوت قطر أو أي من دول مجلس التعاون على بروتوكول يونيو ٢٠١٤ لمنظمة العمل الدولية والذي يقدم الحماية من العمل القسري كجريمة تتعرض لها العمالة المنزلية.
ليس بإمكان صاحب العمل استبدال العامل/ة في حالة الهرب مما ينتهي بالعمالة في دائرة من الاستغلال والاعتقال للعمالة المنزلية في الامارات.
مقيمة من جنوب أفريقيا وأم لاثنين قامت بدفع ١٢,٥٠٠ ريال قطري (٣,٤٣٥ دولار) لتوظيف عاملة من الفليبين. يقول مقيم آخر بأنه دفع ١٤ ألف ريال قطري من أجل تكاليف الاستقدام. ويضيف هذا الشخص بأن عائلته تحرص على عدم هرب العمالة المنزلية من بيتهم، وبأن عائلات أخرى تقلق من سيناريو الهرب فيقومون بحرمان الخادمات من أجورهن.
أسعار توظيف العمالة المنزلية كان وراء مصادرة نور لجواز سفر العاملة. فرص رحيل العاملة قليلة مع حرمانها من جواز سفرها، كما أنها لا تستطيع تحمل تكاليف تذكرة سفر. تقول نور: “مكاتب الاستقدام لا تساعد في مثل هذه الأمور. حين يهربن، علينا الدفع من أجل استقدام أخرى.” حسب تقرير منظمة العفو الدولية، يشتكي أرباب العمل من مكاتب الاستقدام التي تشجع العمالة المنزلية على الهرب بعد ثلاث شهور من بداية مدة عقد العمل وهي الفترة المحددة كـ "فترة تجربة" يسمح خلالها بإعادة الخادمة إلى المكتب. بالتالي، تتخلص مكاتب الاستقدام من مهمة ايجاد بديل للعاملة الهاربة أو إعادة المبالغ المدفوعة والتي تتراوح بين ١,٩٢٢ ألف دولار للعاملات الأثيوبيات إلى ٣,٧٠٧ للعاملات الأندونيسيات. بالتالي، تقع العمالة المنزلية ضحية لهذه الآليات التي تتستر عليها مكاتب الاستقدام لتفادي أي مشاكل مع زبائنهم.
تحكي أم قطرية: “لا أريد أن أبدو عديمة الرحمة ولكننا ندفع الكثير في تكاليف الاستقدام ولذا يجب أن نكون على ثقة بأن هذه التكاليف لن تضيع وبأن العاملة ستستمر في العمل لعامين. الكثير منهن يهربن بعد ٣ شهور ولا تتم محاسبتهن أو محاسبة مكاتب الاستقدام. ثم علينا دفع مبالغ كبيرة أخرى لاستبدال العاملة التي هربت قبلها. على الحكومة تسهيل الإجراءات وتنظيمها.”
في بقية دول الخليج أيضاً، تكاليف الاستقدام مكلفة. في الامارات مثلاً، حسب تقرير هيومن رايتس واتش، يدفع أصحاب العمل بين ١٠ إلى ١٥ ألف درهم (٢٥٠٠-٤٠٠٠ دولار) لتوظيف العمالة المنزلية. التكاليف أعلى لغير المواطنين. يشتكي هؤلاء أيضاً من مكاتب الاستقدام بقولهم أنها تشجع العمالة المنزلية على الهرب بعد الفترة التجريبية، كما أن أصحاب العمل لا يحصلون على عمالة بديلة في حالة هرب الأولى. النتيجة أن دائرة الحبس والاستغلال تستمر ضد العمالة المنزلية.
بدائل للعمالة المنزلية
تحكي لبابة، امرأة عربية تعيش في قطر، عن تجاربها السيئة مع العمالة المنزلية حيث تتهمهم بسرقة بعض ممتلكات العائلة. شجعها معارفها على الشك بهم وأكدوا على أهمية مراقبة الخادمات لأنهن "يرغبن بجمع الأموال بأسهل الطرق.”
قررت عائلة لبابة توظيف عاملات بدوام جزئي ممن يعملن في وظائف أخرى في قطر. ابتداء من عامل النظافة الأوغندي في المسجد إلى الحارس البنغلاديشي. يقوم هؤلاء بمساعدتهم في الطبخ والتنظيف وغالباً ما يكونون من العمالة الغير موثقة. على الرغم من أن الوضع أقل عبثاً من العمالة المقيمة في المنزل، إلا أن العمالة بدوام جزئي تتطلب من العائلة الاعتياد على وجود غرباء في البيت. كما تكون هذه العمالة أكثر تكلفة وخارج المنظومة. تشتكي أم لبابة من عدد العمالة الموجودة في البيت.
في أكتوبر ٢٠١٤، نشرت The Peninsula Qatar تقريراً أن وكالات الاستقدام طلبت الاذن من السلطات للسماح بتوظيف العمالة المنزلية بدوام جزئي أو لمدى قصير. بالرغم من أن هكذا اجراءات قد تريح البعض، إلا أن العمالة المنزلية تبقى مستهدفة باقصائهم من قوانين العمل.
عقد العمل الموحد
في نوفمبر ٢٥، ألتقى وكلاء وزارات العمل لمجلس دول التعاون الخليجي لمناقشة خطة وضع عقد عمل موحد للعمالة المنزلية. من المفترض أن يحدد هذا العقد ساعات العمل (٨ ساعات يومياً) وساعات الراحة ويوم راحة أسبوعي مع حرية التنقل واجازات سنوية وتحديد العمل الاضافي المدفوع بساعتين كحد أقصى. اللجنة المشرفة لم تعلن بعد عن موعد اصدار وتنفيذ هذا العقد.
* تم تغيير الأسماء بطلب من المشاركين.