لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

وسائل التواصل تكسر احتكار الوكلاء للتوظيف وتفتح الاتجار بالبشر في الخليج

في 28 مارس 2016

أصبحت منصات وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعيين، وخاصة الصفحات والمجموعات المفتوحة على موقع فيسبوك، أسواقاً تضارب على دور وكالات استقدام وتوظيف عاملات وعمال المنازل. حيث تنشأ هذه المجموعات على أساس الانتماء الجغرافي لبلد محدد لكنها تعرض وظائف وأعمال خارج حدوده، متجاوزة التوقيف الآني للتشغيل في هذه الدولة أو تلك من دول مجلس التعاون الخليجي. إنما من زاوية أخرى، تكشف بمجرد وجودها أن قرارات الحظر والمنع لا تحصّن العمال أو تحميهم بقدر ما تضعف مناعتهم في الواقع.

فالفيليبين مثلاً لا تسمح بإبرام عقود عمل في الإمارات العربية المتحدة لأن الأخيرة لم توافق على السماح لملحق العمالة الفيليبينية في سفارتها بمراجعة عقود العمال وتدقيقها. مما أدى إلى نشوء سوق سوداء واسعة لتوظيف عاملات المنازل الفيليبينيات المطلوبات نظراً لارتفاع مستوى تأهيلهن وإجادتهن اللغة الإنكليزية.

كما حظرت أندونيسيا أي إيفاد جديد للعاملات المنزليات إلى كافة دول مجلس التعاون الخليجي. ورغم ذلك ما زال الطلب على العمالة الأندونيسية في الخليج مستمراً مثلما تستمر رغبة بعض الأندونسيين بالهجرة لتحسين ظروف معيشتهم في ظل فقدان فرص العمل المحلية.

وبهذا الصدد، تعتقد أنيس هداية المديرة التنفيذية لمؤسسة "رعاية المهاجرين" الأندونيسية (Migrant Care Indonesia) أن الحظر المؤقت قد يكون مفيداً لإتاحة الفرصة أمام إصلاح الآليات المتبعة وتحسين شروط التوظيف؛ أما الحظر الشامل فلا يجرِّد العمالَ من حقهم الأساسي بكسب الرزق وحسب، بل يجعلهم مادة للاتجار البشري أيضاً. وتلفت الانتباه في لقاء أجرته منظمتنا معها إلى أن هذا الحظر "يسلط الأضواء على عواقب السماح للوكالات باحتكار عملية التوظيف".

وإذا كان للأرقام أن تعبّر فصفحة مجموعة "Maids.AE" الفيسبوكية، التي انطلقت من الإمارات العربية المتحدة وزاد عدد معجبيها عن الـ 74 ألف معجب، فتضم عاملات وعمالاً يعملون في الدول المجاورة للإمارات العربية، وخاصة الكويت. وتُنشر أسبوعياً عشرات المواد المتعلقة بعرض وطلب العمالة في المجموعة المغلقة "Maids in Qatar" ذات التسعة آلاف عضو.

وتتضمن نقاشات المشاركين بالصفحتين مواضيع مثل نقل التأشيرات والتراخيص والعمل الجزئي والخادمات المشترَكات والخادمة المقيمة في منزل رب العمل والخادمة المقيمة خارجه، وغيرها من مواضيع أساسية تتعلق بحَصر وصعوبة طرق توظيف وإسكان العاملات المنزليات.

لمصلحة أرباب العمل!

حوالي 40% من أرباب العمل الذين استطلع آراءهم طاقم مشروع "Shelter Me Project" يفضِّلون الاعتماد على التزكية في اختيار الموظفين أكثر من الاعتماد على وكالات التوظيف.

وقد عبّر العاملون في مجموعات تركيز المشروع عن خيبة أملهم من وكالات التوظيف، سواء بسبب تكاليفها الباهظة أو بسبب عجزها عن تقييم قدرات طالبي العمل وتأهيلهم. بينما اعتماد أرباب العمل على مبدأ التزكية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والأصدقاء يعينهم على التوليف بشكل أفضل بينهم وبين العاملة أو العامل.

كما أن الاستغناء عن الوكالات يتيح لهم خيارات أخرى لا تقتصر على التوظيف بدوام كامل لعاملة مقيمة في مكان الخدمة. حيث ترى كثير من العائلات أن من الأنسب لها توظيف عاملة منزلية بدوام جزئي أو عاملة تقيم خارج المنزل، لكن الخيار القانوني الوحيد المتاح أمامها في هذه الحالة يمر عبر شركة من شركات خدمات التنظيف التي انتشرت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، ولا تشمل مهمات عمالها العناية بالأطفال أو طهي الطعام. والعديد من العائلات يخاطرون بدفع غرامات كبيرة لتوظيفهم عمالاً لا ينضوون تحت كفالتهم. ويسمح بعض أرباب العمل الكفلاء للعمال والعاملات المنزليات بالعمل خارج منازلهم، إما لتأمين نفقاتهم الشخصية أو لمساعدتهم على كسب دخلٍ إضافي.

التنقل المحدود في أحسن الظروف يغدو أسوأ عندما يُرفق بمشاعر الخوف من الإخباريات البوليسية أو من الترحيل

لجوء العاملات المنزليات لهذا الشكل من التوظيف

يستخدم العمال هذه المنصات لأسباب ودوافع عديدة، تشير بمجملها إلى ما يتعرضون له من استغلال في العمل الجاري وفقاً لنظام الكفالة الذي يجردهم من الحماية المضمونة في قانون العمل.

ومن هذه الأسباب والدوافع:

  • اقتراب نهاية عقود عملهم الحالية ورغبتهم بالبقاء في البلد للعمل بشرط تغيير الكفيل. ودون الحاجة إلى إعادة الدخول في دوامة التوظيف السابقة التي تتطلب عودتهم إلى بلدانهم.
  • اقتراب موعد رحيل رب عملهم (عادة يكون من المهاجرين) بينما يرغبون بإكمال العمل أصولاً حتى نهاية فترتهم التعاقدية.
  • العاملات المنزليات اللواتي هجَرن العمل في ظروف صعبة وتعسفية مُثقلاتٍ بديون يتوجب سدادها أو/و أسر يُعِلنها في بلدانهن تبحثن عن خيارات عمل إضافي. وهو ما يعتبر أمراً غير قانوني في دول مجلس التعاون الخليجي ما لم يحصل على موافقة مسبقة من الجهات الحكومية ذات العلاقة.
  • هناك عاملات أتين بناء على وعود كاذبة، بتأشيرة زيارة أو عمل، دَفعنَ مقابلها الكثير من المال ثم تُركن بلا خيار لديهن سوى السعي إلى إيجاد عمل بدوام كامل أو جزئي، بانتهاك لقوانين الإقامة أيضاً.
  • رغبة بعض العاملين في القطاعات الرسمية بكسب مزيد من الأموال خلال أوقات الفراغ وعطلة نهاية الأسبوع.

هذه هي الحالات الأكثر شيوعاً التي تدفع العمال للبحث عن التوظيف بأشكال غير تقليدية ووسائل "إكسترا قانونية" من شأنها أن تعرِّضهم لمزيد من المآزق والمخاطر، من ناحية استغلالهم من قِبل أرباب العمل ومن ناحية احتجازهم على يد السلطات.

المخاطر التي تواجه العمال

يتعرض أرباب العمل للتغريم، في حال تم ضبطهم، لتوظيفهم عاملاً غير حاصل على وثائق أو ليس مشمولاً بكفالتهم، بينما يعاقب العامل بالاحتجاز والترحيل. لذلك يتوجب عليه عدم الخروج تفادياً للاعتقال أثناء المداهمات التي تقوم بها دوريات البوليس في دول مجلس التعاون الخليجي بحثاً عن العمال "الهاربين". فيصبح التنقل المحدود أصلاً في الظروف الجيدة ليغدو معه العامل مجبراً على الرضوخ لشروط عمل جائرة خوفاً من التبليغ عنه أو ترحيله.

وذكرت لنا مدبرة منزل فيليبينية أنها تعمل بدون ترخيص طيلة العامين الأخيرين. "لم يقدم لي رب العمل خلالها طعاماً كافياً أو أجراً مناسباً، فهربت لأنني لم أعد أحتمل العمل لديه وأعيش حالياً مع إحدى صديقاتي". وهي لا تريد أن تتقدم بشكوى رسمية لأنه حسب قولها "لن يتخذ أي إجراء بحقهم أما أنا فسوف يتم إعادتي إلى البلد. لذا بعد أن أدخر مبلغاً كافياً من خلال العمل بدوام جزئي سأقصد السفارة لطلب المساعدة". وبشكل عام يعكس هذا الكلام الطريقة التي يلجأ إليها كثير من العمال غير المسجَّلين.

أما آن أبوندا رئيسة متطوعي شبكة العاملات المنزليات "سانديغان الكويت" فقد عبّرت، في حديث معمق مع منظمتنا حول كيفية تسهيل الاتجار بالبشر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، عن بالغ قلقها من عدم وجود ناظم يضبط هذه المنصات مما يعرِّض العمال لأن يصبحوا مادة للاتجار البشري، إذ تقول "يتعين على العاملة أن تذهب إلى البلد الذي تعاقدت للعمل فيه، ولنفترض أنه الكويت، حيث تؤمن لها تأشيرتها بعض الحماية بأنظمة الرصد الموجودة فيها. بينما يصعب علينا تقديم المساعدة لمن تغادر البلد المحدَّد لعملها".

وتضيف أنها تجد صعوبة حتى عند انتقال العاملة إلى بلد آخر لا حظر فيه على عملها. فتعتبر أنه بمثابة "تجارة بالبشر عبر الحدود من حيث الأساس. هم يستخدمون الفيسبوك وإنستغرام لاستقدام العمال من الدول المجاورة. كما أنهم [العمال والكفلاء] يفصحون عن شخصياتهم في مشاركاتهم المكتوبة بهدف بيعها"، في إشارة منها إلى قيام الكثير من أرباب العمل بجلب "مساعديهم المنزليين" لبلدان مثل السعودية ومصر ولبنان تهرباً من المسؤولية والقوانين المحلية المتعلقة بالعاملات المنزليات.

وبرأيها أنه حتى إذا جرت العملية محلياً وبإذن رسمي من رب العمل، فوسائل الانتقال وتغيير أرباب العمل في ظل نظام الكفالة تعني في الواقع العملي بيع العامل لصالح رب عمل آخر. لذلك تقترح أبوندا على الراغبين بنقل تأشيراتهم إلى رب عمل آخر بشكل قانوني أن يقوموا بالنقل عبر وكالة التعاقد الأساسية، التي تعيد إرسالهم دون دفع أي تكلفة بالنسبة لعمال الفيليبين ووكالاتها المعتمدة.

وفي جميع الأحوال، سوف يدفع رب العمل كامل رسوم نقل العمال، حتى إذا أرادت وكالة التوظيف أن تجني ربحاً مضاعفاً من الطرفين، مستغلة وجود هذه الثغرة التي تساهم في زيادة توتر العلاقة بين العمال وأرباب العمل في أنظمة الدول المستوردة للعمالة.

من جهة أخرى، يعتقد ديفيد دي ديكانغ، الملحق العمالي في سفارة فيليبين بقطر، أن اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي أمر طبيعي. "لا بد من حصوله بسبب سهولته. لا أظن أن السبب يعود إلى مجرد الشعور بالإحباط من وكالات التوظيف، وإنما لأنه الوسيلة الأسرع أيضاً للتواصل والمساعدة على توفير الأموال".

وحسب ما ذكره لموقعنا يعتبر ديكانغ أنه أمر "يمكن أن يكون سيئاً أو جيداً.. فهو سيئ إذا حدث التوظيف بشكل مباشر يتجاوز القواعد المتفق عليها بين دول الاستقبال والإرسال التي تحمي العاملات المنزليات. وهو جيد إذا اكتفت الأطراف بالاتفاق عبر التواصل ثم أكملت إجراءات التوظيف وفقاً للأصول التعاقدية المتبعة". وهو ما يعتقد أن على حكومات الدول المضيفة مراقبته وضبطه.

دول الخليج تتحمل المسؤولية

مهما تكن عليه الأمور، لا توجد الكثير من الأدلة على أن دول مجلس التعاون الخليجي تولي الكثير من الأهمية لمكافحة الاتجار بالبشر والتهريب عبر الحدود. خاصة أثناء سعي دول مثل السعودية لتطبيع عمليات التوظيف العابر للحدود.

ففي محاولة للسيطرة على الارتفاع الكبير غير المشروع لتكاليف توظيف العاملات المنزليات في المملكة العربية السعودية، أوعز مجلس الشورى لوزارة العمل السعودية من أجل التنسيق مع السلطات المختصة لتوظيف العمال والعاملات المنزليات من خلال مكاتب خاصة في الكويت وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي.

وأوردت صحيفة بينينسولا اليومية القطرية أن "أجهزة فرض القانون ألقت القبض على العديد من المتورطين بتهريب العاملات المنزليات من كفلائهن". ومن ناحية أخرى ذكر رئيس قسم البحث والمتابعة التابع لوزارة الداخلية، العميد ناصر السعيد، أن معدلات المتاجرة بالتأشيرات غير النظامية مائل نحو الانخفاض حيث "تُظهر الأرقام بما لا يدع مجالاً للشك أن الاتجار غير المشروع بالتأشيرات لم يعد مشكلة بعد الآن".

إنما يمكن للتوظيف من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أن يتحول بسهولة إلى حالة بيع وشراء للنساء بفضل نظام الكفالة أو أية إدارة لشؤون العمالة قائمة على أساس وصائي. ولا شك أن هذه الصفحات والمجموعات توفر المساحة الضرورية لحركية العمالة ومرونتها، هذه المساحة المفقودة في قطاع التوظيف المهترئ وفي صرامة نظام الكفالة. لكن في نفس الوقت ما يزال تجاوز الأنظمة والقوانين البالية يعرّض العمال لفقدان الحماية. ولذلك يتوجب على دول مجلس التعاون الخليجي إدراك ضرورة التأطير القانوني لعنصر الخيار الكامن في هذا الشكل من التوظيف لصالح كل من العمال وأرباب العمل على السواء.

 

ETA: The report on visa trade from Qatar

إدارة التوظيف والتدريب: التقرير عن الاتجار بالتأشيرات من قطر