بدأ مطلع هذا الشهر تنفيذ العفو الذي أعلنت عنه السلطات القطرية والقاضي بمنح العمال "المخالفين" مهلة ثلاثة أشهر لمغادرة البلد دون أن تترتب عليهم أية تبعات قانونية، ولكن يبقى العديد من الأسئلة مطروحاً بلا إجابة.
ووفقاً لوزارة الداخلية فمهلة الإعفاء، الثالثة من نوعها في قطر والأولى منذ اثني عشر عاماً، تبدأ في 1 سبتمبر وتنتهي في 1 ديسمبر 2016، أي قبل بضعة أيام من سريان مفعول التعديلات التي كان قد سبق إقرارها على قانون الكفالة في قطر.
كما ذكرت الوزارة على الصفحات الخاصة بها على موقعي فيسبوك وتويتر، بتاريخ 24 أغسطس، أنه يمكن للأجانب المقيمين في قطر بشكل "غير شرعي"، أي المخالفين لأحكام القانون رقم 4 لعام 2009 الخاص بـ "تنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم وكفالتهم"، مغادرة البلاد مع إعفائهم من التبعات القانونية لمخالفتهم.
The Ministry announces grace period for those violated provisions of Law regulating expats’ entry, exit residence pic.twitter.com/5Nbr89yzFs
— Ministry of Interior (@MOI_QatarEn) August 24, 2016
وطلبت وزارة الداخلية من "المقيمين المخالفين الاتصال بإدارة البحث والمتابعة خلال المهلة المحددة لإنهاء إجراءات سفرهم". وكان الإعلان قد صدر أولاً باللغتين الإنكليزية والعربية ثم بتسع لغات آسيوية، واكتفت الوزارة بنشره على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي دون أي تصريح رسمي في الصحافة أو وسائل الإعلام الأخرى. والغريب أنها لم تُجرِ أي اتصال رسمي بسفارات الدول الموجودة على أراضيها، حسب ما ذكره لموقعنا عدة مسؤولين (طلبوا إغفال أسمائهم) من العاملين في بعثات دول جنوب آسيا الدبلوماسية.
حيث ذكر لنا أحد كبار العاملين في سفارة إحدى هذه الدول "نحن أيضاً علمنا بالأمر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. والمثير للدهشة أن وزارة الداخلية لم تتواصل معنا! ولكننا نعلم أنه كان قد جرى لقاء جمع بين القيادات الاجتماعية ومسؤولين من وزارة الداخلية".
وأضاف أنه في كافة الأحوال "سيحتاج كل من يسلّم نفسه وثائق سفر مؤقتة يتوجب على السفارة تأمينها لهم، ونحن نتلقى اتصالات من أفراد يتساءلون عن التفاصيل المتعلقة بالعفو، ويسألون بشكل خاص عما إذا كان سيُسمح لهم بدخول قطر مرة أخرى أم سيُدرجون على لوائح الممنوعين. وليست لدينا أي إجابة عن مثل هذه الأسئلة، وكل ما نستطيع تقديمه لهم من معلومات هو ما يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي".
في هذه الأثناء، تقدمت العديد من منظمات الوافدين لمساعدة أبناء المجتمعات التي تمثلها على الاستفادة من مهلة العفو الصادر. وهذه المنظمات التي تمثل الجاليتين الهندية والسيريلانكية، بشكل رئيسي، سوف تكون هي نقطة الارتكاز بإعانة مواطني بلدانها على جمع واستصدار الوثائق المطلوبة قبل "تسليم أنفسهم" لوزارة الداخلية. وفي ظل استمرار ارتباك العمال وحيرتهم، كتب أحدهم لموقعنا مستوضحاً عن العفو وذكر أن السفارة الفيليبينية لم توضح له شيئاً لأنها هي ذاتها لا تملك ما يكفي من معلومات!
ولم تتضح بعد ماهية الإجراءات التي سوف تُتخذ بحق العمال "المخالفين" غير الحائزين على وثائق، خاصة إذا ما كان هناك نزاع قائم بين العامل ورب عمله، مثلاً، أو محاكمة قضائية أو أنه حاصل على قرض مصرفي، رغم توقّع بعض خبراء القانون أنه سيُسمح بمغادرة مَن لديهم دعاوى جارية في المحاكم أو حاصلين على قروض مصرفية إلا إذا كان قد صدر قرار مسبق بمنع سفرهم.
وحسب منشور آخر لوزارة الداخلية في وسائل التواصل الاجتماعي، يتعين على المتقدم بطلب المغادرة حيازة جواز سفر صالح أو وثيقة سفر صادرة عن الجهات المختصة (السفارات) وتذكرة طائرة وبطاقة شخصية ونسخة عن تأشيرة الدخول.
الوثائق المطلوبة من المتقدمين بطلب مغادرة البلد خلال المهلة التي حددها العفو لمخالفي القانون رقم 4، لعام 2009، pic.twitter.com/iQZ8ECQkXy
ــ وزارة الداخلية (@MOI_QatarEn) August 31, 2016
تستقبل إدارة البحث والمتابعة بوزارة الداخلية المتقدمين ما بين الساعة الثانية ظهراً والثامنة مساء، أيام الدوام الرسمي من الأحد إلى الخميس، اعتباراً من تاريخ 1/9/2016 حتى 1/12/2016. ولكن مكتبها سيكون مغلقاً لمدة أسبوع طيلة عطلة عيد الأضحى القادم في الأسبوع الثاني من الشهر الحالي.
وإذا كان من السهل نسبياً على الأفراد تلبية شرط الوزارة بحيازة جواز سفر ساري المفعول، فالفرص تتضاءل بإمكانية توفر تأشيرة دخول لديهم أو بطاقة شخصية. علاوة على أن الفقر المدقع لمعظم هؤلاء العمال يجعل شراء تذكرة الذهاب فقط بالطائرة أمراً يتجاوز إمكانياتهم. مع العلم أن ثمن تذكرة السفر إلى الهند يتراوح بين 150 إلى-200 دولار.
سوف تكون التجمعات المساندة للمهاجرين تحت الضغط خلال الأشهر الثلاثة القادمة، من حيث المال والوقت على السواء.
"غير شرعيين" أم مجبرون على "المخالفة"؟
يُعتبر عمل الوافدين بدون ترخيص أمراً غير شرعي في قطر. ويتوجب على مَن يرغب بتغيير عمله الحصول على "شهادة لا مانع" من رب عمله الحالي.
وكل عامل يترك رب عمله أو عمله بدون رضا رب العمل يُعتبر فوراً "غير شرعي" ("هارب" أو "متغيب") وفقاً لأحكام قانون الكفالة. وقليلاً ما يؤخذ بعين الاعتبار أن غالبية العمال مجبرون على "الهرب" بسبب عدم دفع رواتبهم أو إساءة معاملتهم، أو للسببين معاً. ويتعرض هؤلاء العمال لخطر إلقاء القبض عليهم وترحيلهم، مثلما يتعرض للغرامة والسجن مَن يقوم بتوظيفهم بدون وثائق صحيحة.
يفرض القانون (رقم 4، لعام 2009) على أي وافد انتهك الأحكام المتعلقة بأسباب دخوله أو إقامته مغادرة البلد خلال 90 يوماً، وإلا سيُعاقب بالحبس لمدة تصل إلى ثلاث سنوات أو بغرامة تصل إلى خمسين ألف ريال قطري، أو بكليهما معاً.
وفي حال تكرار المخالفة، يُعاقب مرتكبها بالسجن ما لا يقل عن 15 يوماً أو بدفع غرامة لا تقل عن 20 ألف ريال قطري.
ويبقى السؤال المطروح هنا حول ما هي الإجراءات التي سيتم اتخاذها ضد الكفلاء المسؤولين عن بقاء العمال في البلد بدون تأشيرة صالحة، وما هي الموارد التي يمكن أن يعتمد عليها العمال الذين لم تُدفع لهم أجورهم.
عفو عام2004
حدد آخر عفو صدر سابقاً في قطر مهلة إعفاء امتدت بين 21 مارس و20 يونيو من عام 2004. استفاد منها، وفقاً للتقارير الإعلامية، حوالي 10 آلاف وافد، أغلبهم من نيبال والهند وباكستان. ومضت بضعة أيام قبل أن يتقدم ما يزيد عن 200 وافد إلى السلطات طالبين مساعدتهم على مغادرة البلد، أغلبهم من نيبال. كما أعيد مزيد من العمال إلى بلدانهم بعد تمديد مهلة الإعفاء حتى 20 يوليو، 2004. وكان معظمهم من الوافدين الآسيويين والعرب.
وكذلك وفقاً للتقارير الإعلامية، سمحت الحكومة بعودة المقيمين غير الشرعيين الذين سلّموا أنفسهم طوعاً وغادروا البلاد، بعد مضي عامين على مغادرتهم.
العفو في دول مجلس التعاون الخليجي
أصدرت كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي عفواً عاماً واحداً على الأقل خلال العقد الأخير من الزمن، الإمارات العربية المتحدة (في عامي 2007، 2012)، المملكة العربية السعودية (عام 2013)، الكويت (عام 2011)، عُمان (عام 2015)، البحرين (عامي 2010، 2015). تضمنت جميعها منح مهلة محددة تفاوتت مدتها ما بين 3 إلى 6 أشهر.
كما تضمّن كل منها بضعة خيارات تتيح للعمال غير الحائزين على وثائق فرصة تسوية أوضاعهم. الأمر الذي لم تعلن قطر عن مثله حتى الآن.
ومن بينها جميعاً، كان العفو الصادر في السعودية أوسعها على الإطلاق بشموله خمسة ملايين عامل يلتمسون تسوية أوضاعهم في عام 2013.
وبينما يتم تقديم العفو باعتباره مّكرمة، تقوم حكومات الخليج بالمداهمات الدورية على المهاجرين "اللا شرعيين" دون أن تُمعن التحقيق (المطلوب منذ زمن طويل) بالممارسات التي تجبر أو تدفع الكثير من المهاجرين نحو التحول إلى مقيمين بدون وثائق.