يلعب البرلمان الكويتي (مجلس الأمة) دوراً كبيراً في حرمان السكان غير المواطنين من حقوقهم، سواء من خلال سنّه التشريعات ذات الطابع التمييزي أو دعمه للمراسيم والقرارات الحكومية التي تنتهك حقوق الوافدين، بل حتى برفضه تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة لصالحهم! إلى حدٍّ جعل خطاب أعضاء البرلمان متطابقاَ مع خطاب مسؤولي الحكومة حول العمالة الوافدة الذي يلخصه قول وزير التربية والتعليم الكويتي بأن على الوافدين أن يكونوا شاكرين لكونهم يتقاضون رواتباً أعلى من رواتب الآخرين ممن يعملون في دول المنطقة المجاورة، وأن يراعوا الأوضاع المالية الحرجة التي تمر بها الكويت! لكنه بالطبع لا يريد التطرق إلى أن الكويت، مثل بقية دول مجلس التعاون الخليجي، هي بأمس الحاجة لاستقطاب المعلمين والأساتذة الأجانب من أجل تعزيز نظامها التعليمي!
قبل فترة وجيزة، جرى انتخاب أعضاء البرلمان الجدد، وكانت منظمتنا قد تابعت عن كثب حملات المرشحين الذين ركَّزوا على قضايا المهاجرين. وكما هو متوقع، للأسف، واظب المرشحون على ترداد الخطاب المكرِّس للخوف من المهاجرين وتصوير العمالة الوافدة كـ "مشكلة" مقيمة في المجتمع الكويتي. فلم يخرج عن تبني هذا الخطاب حتى المرشح المنتخب حديثاً، أحمد نبيل الفضل، الذي يُعتبر ممثلاً لجيل جديد من الشباب المنفتح والأكثر تحرراً، إذ ألقى باللائمة على الوافدين لاستيلائهم على وظائف الكويتيين! ولمسؤوليتهم عن انحدار مستوى التعليم في البلاد مستنداً في زعمه إلى "تقرير صادر عن الأمم المتحدة يعتبر أن الكويت صاحبة أسوأ مستوى تعليم للمعلمين الوافدين"! التقرير الذي لا وجود له!
ومثله كان المرشح غير المُنتخَب، علي الخميس، قد وضع على رأس أولوياته تكويت الوظائف داعياً إلى "توظيف الشباب الكويتيين المسجلين في الخدمة المدنية بدلاً من العمالة الوافدة في المؤسسات الحكومية". ومن نفس الدائرة الانتخابية برز المرشح حمد التويجري للمطالبة بأن تُخصص المستشفيات الحكومية للكويتيين فقط، وليذهب العمال الوافدون للعلاج في منشآت القطاع الخاص! فيبدو أن المرشح التويجري لا يتابع الأخبار ولا يقرأ الصحف فقد سبق أن تبنّت الكويت فعلاً سياسة الفصل العنصري هذه منذ فترة!
ولم يقتصر استهداف الوافدين على المرشحين للبرلمان خلال الحملة الانتخابية. فنقابة نفط الكويت، مثلاً، شنَّت حملة تحريض لدفع المرشحين نحو تبني برنامجها الذي يتضمن "توظيف المزيد من الكويتيين بدلاً من آلاف الوافدين الذين عينوا على مدى العقود الماضية".
لكن بعض المرشحين مثل حسين فريدون، من الذين كسبوا أصواتاً أقل، تبنى في حملته الانتخابية الدفاع عن حقوق الوافدين، واصفاً عنصرية الفصل بين المواطنين والوافدين في المنشآت الصحية بأنها "تمييز على أساس المواطنة"، ومطالباً بزيادة رواتب الوافدين بنسبة 10-إلى 15% بعد خمس سنوات من العمل في البلد والسماح لهم بالعمل مستقلين دون كفيل بعد عشر سنوات. وإلى جانب فريدون، أعرب مرشح آخر لم ينجح بالانتخابات، الدكتور محمود دشتي، عن اعتراضه على سياسة الفصل والتمييز في تقديم الخدمات الصحية للسكان.
وفي هذا السياق، تعرّض الباحث الاقتصادي محمد رمضان، ضمن عمود صحفي، لطريقة تعاطي المرشحين مع قضية العمال الوافدين، منتقداً نبش المرشحين للأفكار الشعبوية الرثة التي انعكست في دعواتهم لتقليص عدد الوافدين، وفرض مزيد من الغرامات والرسوم على تحويلاتهم المالية، وتحديد سنوات إقامتهم، والتقليل من قيمة كفاءات ومساهمات المهاجرين الموجودين في الكويت.
فأعاد رمضان تذكير الكويتيين بأنهم يوظفون 20% من العمال الوافدين، كعمالة منزلية. فـ "هم من يعلمون تلاميذنا ويرعون مرضانا! طبعاً لا يقتصر دورهم على ذلك، فهناك أكثر من 1.2 مليون وافد يعمل في القطاع الخاص الذي ينادي الكثير من النواب بتفعيل دوره". كما نوّه في مقاله إلى عدم إمكانية وضع حد 5 سنوات لعمل الوافد في الكويت لأن البلد بحاجة إلى خبرات الوافدين التراكمية في العمل، وإلى عدم جدوى فرض المزيد من الغرامات والرسوم عليهم نظراً لانخفاض دخل معظمهم، بل من الأجدى أن تشجعهم الدولة على الإنفاق داخل الكويت من خلال توفير مستوى معيشة جيد لهم.
وفي استطلاع أجرته إحدى الصحف لآراء عدد من الوافدين حول ما يتوقعونه من أعضاء مجلس الأمة الجدد توصلت إلى أن الوافدين "غير موجودين في برامج المرشحين الانتخابية". واشتكى عدد من الوافدين المستطلعة آراؤهم بشأن التأمين الصحي وتسعيرته المخطط رفعها بينما تنخفض نوعية الخدمات التي يوفرها! حيث ذكر أحدهم، وهو أب لأربعة أطفال ويعيش في البلد منذ أكثر من عقدين، أنه في الوقت الحالي يدفع عنهم للتأمين الصحي 160 ديناراً كويتياً بالسنة، كشرط إلزامي لتجديد إقاماتهم، لكنه سيضطر لدفع 520 ديناراً حال تطبيق زيادة الأسعار.
وأكّد وافد آخر للصحيفة أن الكويت لا تقدم للوافدين خدمات صحية جيدة رغم إلزامهم بدفع تكاليف التأمين الصحي السنوي الذي، على سبيل المثال، لا يشمل إجراء كثير من الفحوصات الضرورية والأدوية المناسبة.
كما اشتكى الوافدون من نظام الكفالة إجمالاً ومن ارتفاع تكاليف المعيشة وتدني مستوى الرواتب وشحّ أو انعدام الحوافز. واحتج بعضهم كذلك على أوضاع المدارس الخاصة التي يتعلم بها أبناؤهم، إذ لا تسمح دول مجلس التعاون الخليجي للوافدين بتسجيل أولادهم في المدارس الحكومية العامة، مما يضطرهم للتسجيل في المدارس الخاصة الباهظة التكاليف. وإلى جانب أسعار التسجيل العالية تحدث الوافدون عن الرفع الدائم لأسعار مستلزمات الدراسة فيها من "الزي والكتب ودفاتر المواد المختلفة والأنشطة". وعندما يحتجون لوزارة التعليم ترد عليهم بالقول "إن هذه الزيادات شأن خاص بالمدارس الخاصة".
في نهاية المطاف، ورغم أن الوافدين يشكلون غالبية السكان في الكويت، إلا أن مطالبهم واحتياجاتهم لا تجد طريقاً لتلبيتها لا من خلال أعضاء مجلس الأمة ولا من خلال مسؤولي الدولة. وفي حين أن تشويه سمعة العمال المهاجرين والتمييز في معاملتهم يشكل ظاهرة عالمية، إلا أنه يتبدى في الكويت بشكل أكثر وضوحاً وحدَّة في ضوء التركيبة السكانية لبلدٍ يتحمل ساسته المسؤولية عن أزمته الاقتصادية، الناجمة فعلياً عن سوء إدارة الحكومة للثروات، وطيلة ثلاثين عاماً من سياسة التوطين الفاشلة. وبدلاً من أن يصب أعضاء البرلمان جهودهم على إصلاح النظام الاقتصادي المخلخل في الكويت، يركِّزون على تفضيل المواطنين وكسب رضاهم للفوز بمقاعد المجلس على حساب مصالح المواطنين والمقيمين من السكان على حد سواء.