تنظر النساء المهاجرات للعمل في شركة تنظيف كفرصة أفضل من العمل في منزل خاص في أغلب الأحيان، وتسافر مئات النساء للعمل كعاملات نظافة في الخليج ثم تجدن أنفسهن في نفس الوضع القمعي الذي تعاني منه عاملات المنازل.
وشهدت قطر ارتفاعًا ملحوظًا في عدد شركات التنظيف خلال الأعوام القليلة الماضية. التي يُشار إليها أحياناً باسم مكاتب الخدم بنظام الساعة، وتقدم المكاتب كما ينعكس في اسمها خدمات العمل المنزلي التي يتم حساب أجرتها بحسب عدد ساعات العمل، وتقوم بعض المكاتب أيضا بالتنسيق لتوظيف عاملات منزليات يقمن في منزل صاحب العمل.
من الناحية الشكلية، يبدو هذا الترتيب مثمرًا بالنسبة لكلا الطرفين، إذ لا يضطر صاحب العمل لدفع رسوم توظيف مكلفة أو يتحمل مسؤولية تسكين عاملة منزلية. وتتمتع العاملة، ظاهريًا، بحرية أكبر من "العاملة المنزلية"، وتكون مشمولة في قانون العمل وبذلك يضمن لها القانون حقها في الحصول على يوم إجازة، وحقها في وجود حد أقصى من ساعات العمل، مايعني إنه من المفترض أن تمتلك فرص أكثر للحصول على وقت فراغ مقارنة بالعاملة المنزلية.
لكن العاملات اللائي تحدثت منظمة Migrant-Rights.org إليهن روين قصة أخرى تماما.
جاءت أغلبية العاملات اللائي تحدثنا إليهن من الفلبين، ولم يأتِ سوى عدد قليل منهن من كينيا وغانا.
تعيش لولو* في قطر منذ قرابة العام. وجاءت باعتبار أنها ستعمل في فندق أو مجمع مكاتب كعاملة نظافة. ولتتمكن من ذلك دفعت راتب شهرين كرسوم توظيف، ووقعت عقدًا يضمن لها تحصيل 1450 ريالًا قطريًا.
وبعد مجيئها إلى قطر، تم تغيير شروط التعاقد فجأة. فلم تتقاضَ سوى 1000 ريال قطري (ما يعادل 272 دولارًا أمريكيًا) رغم أن الحد الأدنى للأجور لعاملات المنازل الفلبينية يبلغ 400 دولار أمريكي دون بدل المخصصات. وهي تقيم مع أربع عاملات أخريات، وتعمل 8 ساعات في اليوم بدون حساب فترات التنقل من وإلى العمل وبين المنازل.
أما مارين* فلم تتجاوز فترة وجودها في قطر شهرين فقط، وفي معظم الأيام يفاجئها مشرفها في منتصف دوامها للتحقق من عملها. مارين بالكاد تبدو كفتاة في عمر ال18. واضطرت لدفع أجر شهر واحد لتحصل على وظيفتها الحالية، وكانت تتوقع العمل في فندق براتب 1200 ريال قطري. "ما الذي يمكنني فعله" تساءلت وهي تبتسم، واستطردت وهي تحرك الممسحة بقوة، "هذا ما أقوم به الآن، يدفعون لي 800 فقط ويخصمون بقية الأجر مقابل الطعام والإقامة".
وتقول إن وجود "آتِه" معها -وهي تعني "أخت كبرى" باللغة التاغالوغية، ومصطلحً يستخدم للتعبير عن احترام الأكبر سناً- يخفف من معاناتها، لكنها لا تعتقد بأن هناك مفر يمكن الهروب إليه حتى انتهاء موعد العقد.
وأشارت مارين، "لقد حاول غيري. ولكنهن مضطرات لدفع مبالغ كبيرة للشركة لتتمكنّ من العودة، لذلك تجدنا مرغمين على إكمال العقد وأغلبنا اتخذ قرارا بعدم تجديده، وبالرغم من أن أوراق توظيفي وإقامتي لم يتم استكمالها بعد لكن هذا لا يعطيني حق المغادرة بشكل قانوني.
لا يعني ذلك أن مارين تريد العودة في الحال. فهذه هي المرة الأولى لها للسفر للخارج وهي تتمنى محاكاة قصص نجاح العديد من المهاجرين الفلبينيين الذين سبقوها.
قطعت مارين فجأة حديثها بعد أن دخلت إلى الغرفة زميلتها في الدوام، والتي جاءت من كينيا.
وفي مناسبة أخرى، تحدثت منظمة Migrant-Rights.org مع العاملة الكينية أميلدا* . ولا تملك إيميلدا الدعم الذي تتمتع زميلاتها الفلبينيات به. قالت "وعدوني بأجر 1200 ريال قطري، لكنني لا أحصل سوى 800 فحسب. ماذا أفعل؟ ليس لدي أحد هنا يساعدني. ولذلك سوف أنهي عقدي وأغادر".
لم تحاول أميلدا حتى التواصل مع سفارتها سعيًا لإنصافها أو إيجاد حل لمشكلتها.
هذه القصة المنشورة لعاملة نظافة في قطر تؤكد تماما ما ذكرته العاملات مسبقا.
الشكاوى لا تنحصر في العاملات فقط، إذ قامت صاحبة عمل - فضلت عدم ذكر اسمها - بتقديم شكوى رسمية إلى السفارة الفلبينية من خلال منظمة Migrant-Rights.org، وألقت الضوء على محنة العاملات اللائي تم تعيينهن للعمل في منزلها. وفيما يلي جزء مقتبس من الشكوى:
لعامين (أنا وصديقتي) كنا نوظف طاقم تنظيف على أساس دوام جزئي بالساعة. وقد وظفت سبع عاملات نظافة خلال هذه الفترة الزمنية. وحسب معلوماتنا، أن من مجموع الموظفات البالغ 85-90 عاملة اللائي توظفهن شركة "الخدمات المنزلية القطرية (Qatar Home Services)"، توجد أكثر من 80 عاملة منهن من أصل فلبيني. ويتم تسكينهن جميعًا في منزل مكون من 8 غرف نوم في منطقة الدفنة.
وتعمل العاملات طوال الأسبوع عدا يوم الجمعة، يوم إجازتهن الوحيد الذي لا يسمح لهن الخروج فيه لأي مكان، وتتاح لهن زيارة واحدة فقط بمرافقة المشرف إلى السوبرماركت لشراء الأساسيات لمدة لا تزيد عن الساعتين. وتم إخبارنا بأن الشركة تفرض قواعد صارمة فيما يتعلق بوقت الخروج مثل حرمان العاملة من الرحلة الأسبوعية إلى المتجر إذا تأخرت في الوصول 10 دقائق أو أكثر عن الموعد المحدد. وقيل لنا كذلك إن العاملات اتحدن معًا، والتمسن من رئيس الشركة إعطاءهم إجازة لا يكونون مقيدات فيها، ولكنه تجاهل هذا الالتماس على أساس أنه لا يحمل توقيع المشرف المباشر.
وقد شعرنا نحن بلزوم إحالة هذا الأمر إلى سفارة الفلبين في المقام الأول نظرًا لأن الغالبية العظمى من الموظفات من الفلبين. (يجب تقديم أي شكوى إلى وزارة الداخلية القطرية من قبل الطرف المتضرر رسميًا. وفي هذه الحالة، لن تقدم العاملات شكوى لأنهن لسن حتى في وضع يمكنهن من الخروج من مكان العمل للوصول إلى الخدمات المعنية بضمان حقوقهن، كما أنهن يواجهن احتمال فصلهن من العمل).
ثانيًا، كان من الواضح أن الموظفات حاولن مساعدة أنفسهن للخروج من هذا الوضع، واستعادة حقهن بدلاً من مجرد الاستقالة بأنفسهن. الأمر الذي يجعل من واجب المجتمع المدني أن يحيط السلطات (في هذه الحالة سفارة الفلبين) علمًا من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المواطنين.
معدل الشكاوى في تصاعد مستمر
يقر مكتب العمل الفلبيني في قطر بأن معدل الشكاوى المُقدَّمة من الموظفات في شركات التنظيف آخذ في الارتفاع. وفي الوقت ذاته، يتخذ معدل الطلب على عاملات النظافة الفلبينية هو أيضًا منحنى تصاعدياً.. ويقول المسؤولون في المكتب إنهم بدأوا بفرض إجراءات صارمة للغاية للتحقق من طلبات التقديم على طلب شركات التنظيف للقوى العاملة.
وقد دعموا أيضًا شكاوى العاملات المُقدَّمة إلى إدارة التوظيف الخارجي الفلبينية التي تعمل تحت جناح وزارة العمل والتوظيف في العاصمة مانيلا، للشروع في اتخاذ إجراءات قانونية ضد الشركات ووكلاء التوظيف المعنيين.
كما تم تقديم توصيات لإدراج تلك الشركات في قائمة الشركات الخاضعة للمراقبة. تمامًا كما فعلوا عندما رفع أصحاب العمل الشكوى قبل بضعة أشهر. وهذا يعني أن طلبات العمل التي تضعها شركات التنظيف هذه لاستئجار المزيد من العاملات من الفلبين، سيتم تعليقها أو عدم اعتمادها.
ولكن لسوء الحظ، هذا الأمر غير محصن ضد التحايل نظرًا لأن الشركات تستمر في جلب العمالة من خلال وكالة أخرى.
وتتعلق معظم هذه الشكاوي باستبدال العقود. حيث تلقت العاملات وعدًا بالعمل مقابل 1460 أو 1600 ريال قطري إلى جانب وجبات الطعام. ثم تأتي العاملات إلى هنا، وتُعطين 800 أو 1200 ريال قطري بعد خصم تكاليف الطعام. وهناك شكوى متكررة أخرى متمثلة في الرواتب غير المدفوعة أو المتأخرة.
العاملات في هذا المجال يشملهن قانون العمل، ولذلك يستفدن من نظام حماية الأجور. إلا إن الاستقطاعات والخصومات من الراتب لا تتعرض للرصد أو المراقبة من قبل السلطات.
ويرى الأستاذ الجامعي، راي جوريديني، في مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق (CILE) بجامعة حمد بن خليفة بالدوحة، أن هذا جزء من سلبيات نظام حماية الأجور. ويقول، "إذا لم تحصل العمالة على وثيقة استلام الراتب، لا يكون هناك دليل يمكن اعتماده للتحقق من الخصومات أو العلاوات".
ليست الوظيفة المناسبة بموجب القانون
من غير المفترض تكليف طاقم العاملات في شركات التنظيف ("خدمات الخدم") بأداء الأعمال أو المهام المنزلية إذ من المفترض أن يقمن بالتنظيف فحسب، وعدم القيام بأي عمل آخر يعد جزءًا من الأعمال المنزلية.
ومع ذلك، فإن بعض الوكالات تعلن على موقعها صراحة عن تقديم خدمات رعاية الأطفال وغيرها من الخدمات المنزلية (انظر الصورة). وفي إحدى مناقشات مجموعات التركيز التي أقامها مشروع جسور (Bridges) لدينا، قالت صاحبة عمل إنها دفعت مبلغ 17 ألف ريال قطري للوكالة لنقل كفالة إحدى عاملات النظافة إلى الشركة الخاصة بها. وبعد انقضاء عام من التأخير، لم يتم إنهاء المعاملة. وفي المقابل، ظلت العاملة تحت رعاية الوكالة (باعتبارها عاملة نظافة بدوام جزئي غير مقيمة)، في حين أنها تعيش في سكن صاحب العمل بموجب عقد خادمة مقيمة.
وكون أغلب عاملات النظافة في هذه الشركات من أصل فلبيني لا يعني أن البلدان الأخرى خارجة عن مضمار التنافس في هذا القطاع.
فعلى سبيل المثال، حظرت إندونيسيا مواطناتها من الهجرة للتوظيف كعاملات منازل. ولكن في اجتماع مع وزارة القوى العاملة في جاكرتا، صرح مسؤولون لمنظمة Migrant-Rights.org أن الوزارة تخطط للاستفادة من "قطاع التنظيف" لإتاحة الفرصة للعمالة لديها. ومع ذلك، فإنهم لم يميزوا بين العمل في المنازل الخاصة مقابل العمل في الشركات. ويقول المسؤولون، "حتى لو كن يعملن في منازل خاصة، فلن تكون إقامتهن هناك، ومن شأن هذا أن يحميهن".
انتهاكات التأشيرة
نظرًا لأن الشركات تجلب النساء كعاملات نظافة، فإن التأشيرات التي يحملنها لها قيمة سوقية ضخمة. وكشفت تحقيقاتنا عن اثنين من أكثر انتهاكات التأشيرات شيوعًا.
أولاً، تأتي العاملات بتأشيرات عاملات نظافة - وتندرجن مباشرةً تحت إطار قانون العمل، ولكن يتم بعد ذلك تحويل تأشيراتهن إلى تأشيرات عاملات منازل، وبذلك يتم اقصائهن من قانون العمل وتقل فرص حصولهم على آليات تحميهم من الاستغلال.
ونتيجة لذلك، يتحايل الوكلاء والعمالة على التوجيهات والتدريبات الصارمة في العديد من بلدان المنشأ لحماية العمالة المنزلية. وفي قطر، تؤخذ النساء من بيئة عمل أكثر حرية نسبيًا، ويُوضعن في منازل أسرية خاصة، فتصير حياتهن منعزلة.
ويتمثل الانتهاك الآخر في بيع التأشيرات. حيث تبيع شركات التنظيف التأشيرات مقابل أي سعر يتراوح بين 5 آلاف إلى 14 ألف ريال قطري. وتدفع العمالة هذه الرسوم الباهظة للعمل للحساب الخاص أملاً في كسب مزيد من المال. هذا هو نظام "التأشيرة الحرة" الذي يضع العمالة في خطر الاعتقال والترحيل إذا تم القبض عليهم.وتؤكد السفارة الفلبينية أنها تلقت عدة شكاوى بشأن هاتين القضيتين.
في حالة إنكار
تواصلت منظمة Migrant-Rights.org مع الشركات التي توظف بعضًا من هؤلاء العاملات. حيث تعمل جيسنا منسقة لشركة قطرية في قطاع الخدمات المنزلية. وهي تصر على أنه لا توجد خصومات، وأن العاملات تتقاضين ما وعدن به. "بسبب بعض القيود، نقوم بإخراجهن بأنفسنا. ولا يخرجن بمفردهن". ورفضت التعليق على ماهية تلك القيود، ووجهتنا إلى مشرفها الذي لم يستجب بعد لطلبنا للحصول على تعليق.
وهناك شركة أخرى تُدعى Scrubs أثارت عاملات فيها بعض القضايا، ولم تجب هي أيضًا على استفساراتنا بعد.
تقول ريزالين، مديرة العمليات في شركة "الخدم في قطر (Maids in Qatar)"، إن العاملات تتقاضين 1600 ريال قطري بالإضافة إلى بدل طعام بقيمة 300 ريال قطري. ولم تؤكد أي من العاملات اللائي تحدثنا إليهن صحة ذلك. وتصرح بأنه "بالطبع يمكن للعاملات لدينا الخروج في أيام عطلاتهن. فنحن نقدم خدمة المواصلات إلى الكنيسة صباح كل جمعة، وإلى المركز التجاري في المساء".
وحينما سُئلت عما إذا كانت العاملة لا ترغب في توصيلها إلى أي مكان، لم تجب على الفور. "ماذا لو كن يردن الخروج وحدهن، فهل باستطاعتهن ذلك؟ هل هناك حظر تجول؟"
بعد وقفة طويلة، قالت "باستطاعتهن. ولكن يجب عليهن العودة بحلول الساعة العاشرة مساءً".
ومن جانبه يقول جوريديني، الذي أجرى أيضًا بحوثًا موسعة حول عاملات المنازل في المنطقة، إن "التنقل وحظر التجوال يمثلان مشكلة رئيسية لأن النساء في شركات التنظيف هذه لا يُسمح لهن بوقت حر حقيقي - أي من دون رقابة. ويتعلق ذلك بالتمييز بين الجنسين والمخاوف بشأن المسائل الجنسية وكذلك القوانين الإسلامية القطرية التي تحظر العلاقات الجنسية قبل الزواج والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج".
وفي سياق متصل، كانت هناك شركة ما تتعاقد للحصول على عمالة من إحدى وكالات التنظيف، وقد لفتت انتباه المقاول إلى مسألة حظر التجول والتنقل. ويقول مسؤول بهذه الشركة، "لقد طرحنا الأمر من باب المساواة. حيث ينبغي معاملة العمالة الذكور والإناث على قدم المساواة. توقّع كيف تجاوبوا مع الأمرا؟ طبقوا حظر التجول على الرجال أيضًا".
الربحية
يبدو أن الاشتغال في شركات خدمات التنظيف يحقق ربحًا أكبر من توفير خدمات توظيف العمالة المنزلية. حيث تتقاضى شركات خدمات التنظيف ما بين 30 و 40 ريالاً قطريًا في الساعة. وتنطوي فاتورة العاملات على حوالي 48 ساعة في الأسبوع غير شاملة العمل الإضافي. وتتراوح قيمة الفاتورة الشهرية بين 6 و8 آلاف ريال قطري.
وتحصل العاملة على حوالي 15% فحسب من هذا الراتب. وفي حين أن الناتج النهائي هو ما يوجّه قرارات الأعمال، إلا أن البخس بحقوق العمالة لهذه الدرجة لا يعكس حساً تجاريا بقدر ما يعكس الجشع.
التوصيات |
|
*تم تغيير بعض الأسماء لحماية هوية العاملات اللائي لا زلن في قطر