لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

المهاجرون في البحرين يعانون من انخفاض الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة

بينما تتزايد أرباح القطاع الخاص

في 14 أغسطس 2022

أدى ارتفاع تكاليف المعيشة والممارسات العمالية السيئة في البحرين إلى تفاقم سوء أوضاع العمال المهاجرين منخفضي الدخل وجعلها أكثر هشاشة.

في هذا العام الجاري صنفت مؤسسة InterNations البحرين في استطلاع للرأي أجرته، بأنها تحتل المرتبة 15 «كأفضل وجهة للأجانب الذين يعيشون ويعملون في الخارج”. وبرغم أن البحرين احتلت المرتبة الأولى في مسح 2017 و2018، إلا أنه، مع ذلك، تم الاحتفاء بالنتائج في الإعلام المحلي بعناوين رئيسية مثل «إنها حياة جيدة للأجانب!».

التقرير يحكي فقط نصف القصة، أما النصف الآخر فيرويه العمال المهاجرون، الذين يشكلون الغالبية العظمى من الأيدي العاملة في القطاع الخاص. وبرغم أن الشركات البحرينية في القطاعات الرئيسية تحقق أرباحاً كبيرة، إلا أن أجور العمال المهاجرين تبقى في مكانها، وغير متناسبة مع التكاليف المتزايدة للمعيشة. 

فقد ارتفعت أسعار أغلب الأغذية والسلع الاستهلاكية، كذلك ارتفعت فواتير الكهرباء والماء والمنتجات الأساسية الأخرى، بشكل متسارع في السنوات الأخيرة – إلى الدرجة التي اقترح أحد أعضاء البرلمان في إبريل الماضي، إصدار بطاقة تموين للمواطنين لـ«ضمان أن لا يذهب الناس في البحرين إلى النوع وهم جيّاع.  وبحسب النائب إبراهيم النفيعي «فإن الأشخاص متوسطي الدخل يعانون لتغطية احتياجاتهم، فلك أن تتخيل صعوبة الوضع بالنسبة لمنخفضي الدخل والمتقاعدين.» 

وهذا المقترح لا يمتد للعمال المهاجرين الذين يشكلون نحو 50% من سكان المملكة. 

أجور غير كافية للعيش

جدد الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين الدعوات لرفع الحد الأدنى لأجر العمال البحرينيين إلى 700 دينار بحريني (1,857 دولار أمريكي)، وذلك استناداً على أوضاع التضخم ورفع القيمة المضافة هذا العام. وشدد الاتحاد على “أن أي شيء أقل من هذا الراتب لا يفي بالتزامات الحياة” في البحرين، اليوم. 

لا يوجد في البحرين حد أدني للأجر لغير البحرينيين، ولعمال القطاع الخاص، فيما يكسب العمال المهاجرون أقل كثيراً من الحد الأدنى للأجر المقترح من قبل الاتحاد. وبحسب هيئة التأمين الاجتماعي، فإن 71 % من الأجانب العاملين في القطاع الخاص في البحرين يكسبون أقل من 200 دينار (530 دولار أمريكي) شهرياً. وفي حديث أجرته MR مؤخرا مع عدد من العمال من قطاعات مختلفة، أكدوا أن أجورهم منخفضة ولا تزيد عن 60 دينار بحريني (158 دولار أمريكي)، فيما لم يتلقَ البعض الأخر من العمال أي تعديلات في الأجر خلا ل السنوات الـ 6 الماضية. 

وزاد عدد غير المواطنين الذين يقل دخلهم عن 200 دينار بحريني في الربع الأول من 2020، بحوالي 1,6% عنه في 2010، بغض النظر عن وجود عدد أكبر من العمال الأجانب في البحرين في 2010، عنه الآن

بالإضافة إلى ذلك، فإن أصحاب العمل في البحرين غير ملزمين بتوفير الطعام والسكن للعمال، إلا في حالة العمل في مناطق نائية. وتتراوح علاوة الطعام والسكن للكثير من العمال منخفضي الدخل، ما بين 10 و20 دينار بحريني (26 و53 دولار أمريكي). وهو مبلغ غير كافي مقارنة بالتكاليف الفعلية. 

هناك عدد من المؤشرات، عدا المقابلات التي أجرتها MR، على أن الكثير من المهاجرين يقل دخلهم كثيرا عن 200 دينار بحريني شهرياً.  وبحسب آخر البيانات الصادرة عن هيئة تنظيم سوق العمل LMRA، فإن أغلب تصاريح العمل التي تم إصدارها في الربع الأول من 2021، كانت لأعمال برواتب تتراوح ما بين 55 و99 دينار بحريني (146 و262 دولار أمريكي)، تليها وظائف تتراوح أجورها ما بين 100 و 149 دينار بحريني (265 و395 دولار أمريكي). بالإضافة إلى ذلك، هناك 663 وظيفة تم تسجيلها في الفترة نفسها بأجر أقل من 50 دينار بحريني (132 دولار أمريكي). 

وأكّد المهاجرون الذين أجابوا على الاستطلاع الموجه للأجانب في قسم «الرسائل» في صحيفة جلف ديلي نيوز الناطقة بالإنجليزية GDN، على انتشار هذه الأجور المنخفضة، وبشكل أكبر. ويعتبر قسم الرسائل الموجهة إلى GDN من أشكال المنتديات العامة حيث يستطيع المهاجرون التعبير فيه عن آرائهم بشأن القضايا التي تؤثر فيهم.  

وفي رسالة معنونة بـ «راجعوا الأجور»، كتبها مقيم لم يعرّف نفسه، قال فيها: «ضاق الأمر بنا. لقد حان الوقت لنتفق على حقيقة أن الشركات الخاصة في البحرين يجب أن تستيقظ وتدرك مدى فقر أجورهم. مضيفاً «العديد من الشركات أوقفت صرف المكافآت والتذاكر السنوية، بينما تمادت في خفض الرواتب ورفض إعادة الأجور إلى مستوياتها الأصلية برغم إظهار ميزانياتها تحقيقها للأرباح.»

وفي رسالة أخرى ردت على المطالبة بـ « حياة جيدة للأجانب»، أكد الكاتب على أن المقال «لا يعكس الواقع”»، مضيفاً أن «رواتب أغلب الأجانب لم ترتفع منذ 17 عاماً! ارتفعت كلفة المعيشة، وزادت أسعار أغلب السلع، إلا أن الأجور ظلّت كما هي.»

وفي رسالة أخرى لصحيفة GDN، نشرت منذ عدة أيام، قال الكاتب «إن هؤلاء الذين يعملون في البحرين لا يحصلون على رواتب عادلة، فكلفة المعيشة ارتفعت، لكن الأجر الشهري ظل كما هو. نحن نطلب من الحكومة البحرينية ضمان حصولنا على سعر عادل».

كما كتب معلّق آخر: «الراتب الأساسي ينخفض كل عام. أنا متأكد أن وقتا سيأتي يعمل في الناس للحصول على وجبة برياني.»

ومع عدم وجود حد أدني للأجر في القطاع الخاص، ومع سهولة الحصول على موارد متجددة من العمال من جميع أنحاء العالم، ومع نظام التأشيرات الصارم الذي يقيد حركة العمال، فإن أصحاب العمل يمكنهم توظيف العمال دون الحاجة لرفع الأجور. 

ويدفع غير البحرينيين حاليا لخدمات الكهرباء والماء تعرفة أعلى من البحرينيين بنسبة 866%.

دولة الرفاهية التمييزية

في الماضي، كانت إعانات ومساعدات الدولة في جميع دول الخليج تشمل غير المواطنين إلى حد ما. لكن مع التراجع العام في توفير الرعاية الاجتماعية في العقود الأخيرة، أصبح المهاجرين أوّل من يتم استثنائهم في هذه الرعاية، خصوصاً في البحرين.  

فعلى سبيل المثال، ألغت الحكومة البحرينية دعم اللحوم في 2015، مما ضاعف سعر اللحوم والدجاج. وأصبحت الحكومة توزع مساعدات نقدية للمواطنين البحرينيين كتعويض جزئي لارتفاع أسعار اللحوم. في الأسابيع الأولى من 2020، استلمت 165,310 عائلة بحرينية مساعدات نقدية بقيمة إجمالية قدرها 7 ملايين دينار بحريني (18,57 مليون دولار أمريكي).  

وفي وقت سابق من هذا الشهر، صرفت الحكومة البحرينية دعما ماليا لـ 127,945 عائلة بحرينية منخفضة الدخل «لتخفيف آثار الارتفاع العالمي لأسعار الغذاء». وفي الوقت نفسه، تم استثناء غير البحرينيين من علاوة اللحوم الحكومية والدعم المالي. 

في 2016، ألغت الحكومة، تدريجياً، الدعم الحكومة للكهرباء والماء عن المهاجرين. ويدفع غير البحرينيين حاليا لخدمات الكهرباء والماء تعرفة أعلى من البحرينيين بنسبة 866%. وتستقطع فواتير الكهرباء والماء، خصوصا في فترة الصيف حيث تعمل مكيفات الهواء بكامل طاقتها، جزء كبير من رواتب المهاجرين. وقال مهاجر هندي يعمل في شركة طيران في البحرين، فضل عدم ذكر اسمه، لـMR أن فاتورة الكهرباء والماء تستهلك أكثر من 20% من إجمالي راتبه خلال الصيف.  

وخلال شهور الصيفي تحظي فواتير الكهرباء والماء الفلكية بانتباه قسم رسائل القراء في صحيفة GDN الناطقة بالإنجليزية في البحرين أكثر من أية موضوعات أخرى. إذ يتوجه المقيمون بالشكوى لقسم الرسائل في الصحيفة مثل: 

نشر @feemaison : «فواتير هيئة الكهرباء والماء EWA باهظة جدا خلال الصيف. لدي مكيف هواء واحد وتصل الفاتورة إلى 100 دينار.»

في ديسمبر 2021، بعد أن تم الكشف عن أن فواتير الخدمات العامة غير المسددة بلغت نحو 200 مليون دينار بحريني، اتجه الناس لبريد القراء للشكوى من ارتفاع التكلفة:

قال آخر: «أنتم تعرفون السبب وراء الفواتير غير المسددة. بدلا من صنع الأخبار، قوموا بعمل اللازم. اخفضوا التعرفة الجمركية حتى يتمكن الناس من دفع فواتيرهم في الوقت المحدد»

@malcolmdsouza5 نشر: « أعتقد لو أن فواتير EWA معقولة، لدفعها الناس في الوقت المحدد. »

وعندما كُشف عن أن 71% من غير البحرينيين تقل أجورهم عن 200 دينار بحريني نشر شخص آخر باسم الجناح الأحمر: «إذن الآن بإمكانكم تصور كيف ندفع إيجار سكننا، وأيضا فواتير EWA.»

وكان مجلس النواب البحريني قد أقر العام الماضي مقترحاً يقضي بإلزام غير البحرينيين لدفع 100 دينار بحريني (265 دولار أمريكي) شهرياً عن كل طفل مسجل في المدارس الحكومية. وهذا التشريع الآن قيد المراجعة من قبل الحكومة. وقد عبّر المقيمين عن إحباطهم من هذا القرار في قسم رسائل القراء بـGDN: 

«هذا قرار غير عادل للوافدين، فالجميع يعانون. عليهم أن يدعمون الأشخاص الذين وُلدوا هنا ولا يزالون أجانب. فالأجانب يدفعون إيجارات أعلى، رسوم خدمات أعلى للكهرباء والماء، ورسوم هيئة تنظيم سوق العمل والآن 100 دينار للتعليم!»

منشور آخر ذكر «أرجوكم، اجعلوا التعليم مجانياً، هناك الكثير ممكن لا يمكنهم دفع 100 دينار كرسوم. التعليم يجب أن يكون مجانياً.»

وبرغم أن التراجع الاقتصادي الناجم عن الجائحة وأسعار النفط المنخفضة، عرّض الكثير من العمال المهاجرين لسرقة الأجور، وفقدان الوظائف، والطرد، إلا أن هشاشتهم هذه تعتبر جزءً من النمط الأكبر للتهميش الاجتماعي والاقتصادي. فاقتصاد البلد بدأ يتعافى من مع تخفيف قيود كوفيد 19، وارتفاع أسعار النفط، لكن الأوضاع لكثير من العمال المهاجرين ظلت متردية. 

أوضاع الحياة والعمل الصعبة تجبر المهاجرين على التسول في الشوارع

في الشهور الأخيرة، أوردت تقارير محلية ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الأشخاص الذي يتسولون في شوارع البحرين. وبحسب التقرير، فإن معظم هؤلاء إن لم يكن جميعهم من المهاجرين.

في تقرير طويل نشر في مايو 2022، في صحيفة الوطن، بعنوان: «ظاهرة مزعجة وغير حضارية تؤرق المواطنين.»، أثير جدل بين مجموعة من الاقتصاديين والخبراء بأن هؤلاء المتسولون يستنزفون الاقتصاد البحريني بإرسال الأموال إلى الخارج. حتى أن اقتصادياً شدّد على أن «جميع الشحاتين في البحرين هم من الأجانب» وأشار إلى «أن البحرين ليس من الدول التي ينتشر فيه الفقر… فهي تعتبر من الدول الغنية في العالم»، و«أن هناك جماعة تقف وراء المتسولين الأجانب.»

ولم يعترف أي من هؤلاء النقاد أن الأسباب وراء ارتفاع معدلات التسول هو الأوضاع المعيشية والعملية الصعبة في البحرين، أو ارتفاع كلفة المعيشة. 

وهذه الظاهرة ليست مقصورة على البحرين وحدها. فبحسب تقرير حديث للتلفزيون السعودي، إن كثير من عمال النظافة الذي يتقاضون أجور بمعدل 510 ريال (135 دولار أمريكي) لجأوا إلى التسول في الشوارع لتغطية نفقاتهم. وكشف تقرير أعدته قناة إخبارية سعودية عن أن الأجر الأساسي لعمال النظافة منخفض جداً عند مستوى 350 ريال سعودي (93 دولار أمريكي). وأكدت الشرطة السعودية مؤخراً أنه سيتم القبض على المتسولين وترحيلهم وسيحظر عليهم دخول المملكة مرة أخرى. 

وبدلا من توفير الحماية الاجتماعية للمهاجرين وتحسين أوضاع المعيشية والعملية، فإن دول الخليج تجرّم التسول. ويواجه العمال الذين يتم ضبطهم وهم يتسولون، السجن، والغرامات، والترحيل. وقبضت السلطات البحرينية على عدد من المتسولين المهاجرين في المحرق العام الماضي. 

فيما توفر البحرين للعمال المهاجرين درجة أعلى نسبيا من الحرية للتنظيمات أكثر من دول الخليج الأخرى. لايزال صوت العمال المهاجرين غير ممثلا بشكل جيد في النقابات العمالية البحرينية.

الحاجة للدفاع والدعوة من أجل ظروف حياتية أفضل للجميع

في السنوات الأخيرة، كرّست المنظمات الدولية اهتماما كبيرا لموضوع سرقة الأجور، الممارسة التي تصاعدت خلال فترة الجائحة. لكنه ضروريا ومهما بذات القدر أن تدافع هذه المنظمات عن الأجور المعيشية والأوضاع المعيشية اللائقة لجميع العمال، بمن فيهم المهاجرين، لاسيما بالنظر على النمو الحالي الذي تشهده الاقتصادات الخليجية.

في وقت سابق هذا العام، نظم سائقي التوصيل احتجاجا عماليا نادرا في الإمارات، مطالبين بتحسين الأجور وأوضاع العمل. ودفعت هذه الاحتجاجات العديد من الشركات لرفع الأجور وتحسين ظروف العمل. هناك حاجة لمثل هذه الجهود والإجراءات الجماعية في كل المنطقة ولجميع القطاعات لدفع الشركات والحكومات للإصلاح. 

لكن، فيما توفر البحرين للعمال المهاجرين درجة أعلى نسبيا من الحرية للتنظيمات أكثر من دول الخليج الأخرى. لايزال صوت العمال المهاجرين غير ممثلا بشكل جيد في النقابات العمالية البحرينية. فالعمال، على الورق، بإمكانهم الانضمام للنقابات، لكن عملياً، فإن التهميش الذي يعانون منه تحت نظام الكفالة – الذي يجعل كثير من العمال أما مؤقتين أو غير نظاميين – يعيق مشاركتهم. ويركز الإتحاد العام لنقابات عمال البحرين GFTBU، وهو منظمة العمال الحقوقية الرئيسية، على القضايا ذات العلاقة بالعمال المواطنين. وانعكس ذلك، على سبيل المثال في حملة الاتحاد لرفع الحد الأدنى للأجور، الذي يخص العمال البحرينيين فقط، كما أن شعار الإتحاد لهذا العام هو «البحريني قرار وليس خيار»، الذي يدعو أصحاب العمل إلى توظيف البحرينيين فقط. 

إن نظام الهجرة العمالية الاستغلالي، الذي يؤدي إلى انخفاض الأجور واستبعاد المهاجرين من مزايا الرعايا الاجتماعية يجب أن يقلق الجميع لمن فيهم المواطنين البحرينيين. فمزايا الرعاية الاجتماعية وحقوق العمال عادة ما تبدأ في التآكل في طبقة العمال المهاجرين قبل أن تتوسع لتشمل بقية السكان خصوصا في أوقات الأزمات أو في فترات انخفاض أسعار النفط مرة أخرى. فالمواطنين وغير المواطنين يستفيدون من تحسين أوضاع العمل، وتحدي قمع القطاع الخاص المنهجي للأجور.