لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

عُمان تسعى لإلزام الشركات بتوفير تأمين صحي للعمال المهاجرين

في 6 أغسطس 2018

جاء محمد بلال، عامل السباكة البنغلادشي ذو الاثنين وأربعين عامًا، إلى عُمان في ديسمبر ٢٠١٧ ليعمل لدى مقاول بسيط له طموحات واسعة. دفع بلال ما يقرب من ٣٥٠٠ دولار أمريكي، ما بين رسوم توظيف ومصروفات تأشيرة، ليؤمِّن لنفسه هذه الوظيفة. ولجمع هذا المال، كان عليه أن يرهن أرضه ومجوهرات زوجته في موطنه الأصلي: مدينة شيتاغونغ في بنغلاديش.

كانت تلك المرة الأولى التي يزور فيها بلدًا خليجيًا، وكان أمله كبيرًا في أن يكسب بعض المال ويوفر لأسرته حياةً أفضل.

ولكن بعد ثلاثة أشهر فقط من وصوله، تعرَّض محمد لنوبة قلبية خفيفة دخل على إثرها مستشفى خاص.

ولأنه ليس لديه أي تأمين صحي، كان عليه أن يدفع فواتير المستشفى من دخله الشخصي. وعلى الرغم من أنه لم يتمكن من دفع الرسوم المطلوبة كاملةً، فقد خفَّض المستشفى الفاتورة وسمح له بالخروج.

بعد شهرين، تعرَّض بلال لأزمة أكثر حدة، ودخل المستشفى مجددًا ليتلقى علاجًا دقيقًا بما يناسب حالته. ورغم تحسنه السريع الذي كان يسمح بخروجه من المستشفى، لم يتمكن من المغادرة بسبب عدم قدرته على دفع تكاليف العلاج، التي وصلت إلى نحو ٦٥٠٠ دولار أمريكي. اضطُر للبقاء لثلاثة أشهر أخرى كان فيها طاقم المستشفى يمده بالطعام. أما صاحب العمل المسؤول عن بلال، فلم يوفر له أي دعم، رغم أنه احتفظ بجواز سفره.

لحسن الحظ، عرفت جماعة ثقافية هندية عن حالة بلال وتمكنت من مساعدته. أعلموا السفارة البنغلادشية بقضيته، وتحدثوا مع صاحب عمله، وجمعوا المال ليشتروا له تذكرة سفر. وبالفعل تمكَّن من العودة إلى بنغلادش في إبريل ٢٠١٨.

قضية بلال ليست الوحيدة من نوعها في عُمان، فهناك المئات من القصص المشابهة في البلاد، فالتأمين الصحي ليس إلزاميًّا على العمالة المهاجرة، بينما باتت تكاليف العلاج باهظة جدًا.

بينما تغطي بعض الشركات الاحتياجات الصحية لعمالها، معظم الشركات الصغيرة لا توفر ذلك. وفي النهاية، يجد العمال أنفسهم في وضعٍ حرج حين يمرضون أو يتعرضون لأي حادث.

شامير بي تي كيه (Shameer PTK)، عضو المؤسسة الثقافية الهندية الذي ساعد وزملاؤه بلال، قد شهِد بنفسه كيف يتأثر العمال سلبًا بسبب غياب الغطاء التأميني الصحي.

مسودة خطة التأمين للعمالة المهاجرة في القطاع الخاص

في ١٥ يوليو، نشرت الهيئة العامة لسوق المال تغريدةً ربطتها بوزارة القوى العاملة عن طريق وسم، وأعلنت فيها تحضير مسودة خطة لتوفير التأمين الصحي لعمال القطاع الخاص من المهاجرين.

يقول شامير: «قليل من الشركات الجيدة توفر غطاءً صحيًا للعمال المهاجرين، بينما تمتنع معظم الشركات الصغيرة عن ذلك، لذا، فإن ما يحدث عندما يمرض أحد العمال الذين لا يتمتعون بالتأمين الصحي أو عندما يتعرض لحادث، يصبح من الصعب أن يحصل على العلاج اللازم، وغالبًا ما تتكفل المؤسسات الاجتماعية بتسديد قيمة الفواتير». شامير، الذي رحب بمبادرة هيئة سوق المال، يتعامل أسبوعيًا مع ما لا يقل عن ستة عمال بحاجة إلى رعاية صحية لا يستطيعون تحمُّل نفقاتها.

يقول شامير: «إن تكاليف العلاج مرتفعة جدًا في عُمان، مما يُشكِّل مأزقًا بالنسبة إلى المؤسسات الثقافية التي تسعى للمساعدة»، كما يوضح شامير أن السفارات في عُمان لا تمتلك تمويلًا مخصصًا لتغطية نفقات علاج مواطنيها.

قام مسؤول كبير في وزارة القوى العاملة العُمانية بالتأكيد على المعلومات الواردة عن مبادرة الوزارة لـ«Migrant-Rights.org»، مشيرًا إلى أن الإعلان الرسمي عن الخطة سيكون قريبًا وسيتم البدء في تنفيذها على وجه السرعة.

قال سليمان خليل، المدير المساعد بقسم المعلومات في وزارة القوى العاملة، إن الشركات ستدفع أقساط التأمين للعمال، وإنه يجري حاليًا مناقشة التفاصيل.

IMG_9540

تعرض مد نازمول حق لسكتة قلبية عام 2014. كان أحد العمال ذوي الياقات الزرقاء الذين لا يتمتعون بتأمين صحي، وكان يشتغل لدى مقاول بسيط لم يتمكن من دفع تكاليف علاجه. جمع العمال الاجتماعيون في عمان والجمعيات الخيرية في داكا (عاصمة بنغلادش) المال لتسديد نفقات علاجه التي وصلت إلى 2000 ريال عُماني، ولإعادته إلى بلاده.

في الوقت نفسه، قال مدير تنفيذي في إحدى شركات التأمين إن هناك خطط تأمين صحي متاحة حاليًا لمجموعات العمال في عُمان، أما التأمين الصحي على الأفراد فهو مُكلف إلى حدٍ لا يمكن تحمله وغير منتشر بين أوساط العمال أصحاب الياقات الزرقاء.

قال فيليب كيه فيليب، المدير التنفيذي لشركة مسقط للتأمين في عُمان، إن الشركات العُمانية لم توفر التأمين الصحي لموظفيها إلا منذ قرابة ثلاث سنوات.

يقول فيليب لـ«Migrant-Rights.com»: «لقد شهدنا ارتفاعًا في الطلب على خطط التأمين الصحي للمجموعات في السنوات الثلاث الماضية، لكن هذا التحول لم يشمل العمال أصحاب الياقات الزرقاء. بمجرد أن يصبح التأمين الصحي إلزامي، مثل التأمين على السيارات، سيكون هذا مفيدًا للعمال وفعالًا من حيث التكلفة».

أضاف فيليب أن شركات المقاولات وما شابهها تصرف تعويضات للعمال بما يغطي مسؤولية أصحاب العمل في حال وقوع أي حوادث وفاة أو إصابات خطيرة أو أي حالات صحية أخرى في أثناء دوام العامل، لكن هذا لا يشمل أي أمراض أو ظروف صحية غير ذلك.

وبسؤاله عمن سيستفيد من خطط التأمين الصحي الإلزامي، قال فيليب إن مقدمي الخدمة سيكونون أكثر المنتفعين من النظام المقترح.

يشرح فيليب: «عندما أذهب إلى عيادة بسبب برد أو إنفلونزا عادية كعميل سيدفع نقدًا، فإن الطبيب العام يقوم بالكشف ويوصي بالحد الأدنى من الأدوية والفحوصات، بينما عندما يحدث الموقف نفسه مع شخص آخر يدخل إلى نفس العيادة ببطاقة تأمين، فستكون الفحوصات والإجراءات المعملية والوصفات الطبية كلها مختلفة. ليس غريبًا في أي سوق أن تجد أطباءً يقومون بعملهم بناءً على الحافز بدلًا من راتبهم الثابت».

يرى فيليب أنه «إذا لم يُساء استغلال النظام، فبالتأكيد سيفيد صاحب العمل، والموظف، والمساهمين الآخرين. لا شك أن التأمين الصحي الإلزامي سيكون في صالح العمال».

قال أحد النقابيين، وقد فضَّل عدم ذكر اسمه: «حاليًا، يعاني العمال الذين لا يتمتعون بتغطية تأمينية كثيرًا. نحن على دراية بذلك. العديد منهم يُحتجز في الأسرَّة حتى نتمكن نحن أو غيرنا من تسديد فاتورة المستشفى، حتى عندما يكونون مؤهلين صحيًا للخروج». أحد الأسئلة المهمة هنا هو هل ستُخصَم الأقساط التأمينية من أجور العمال؟ «أتمنى ألا تفعل الشركات ذلك. إنه من غير العادل ومن غير الأخلاقي أن يقوموا به».

من جانب آخر، قال الرئيس التنفيذي لجمعية المقاولين العُمانية لـ«Migrant-Rights.com» إنه في الوضع الاقتصادي الحالي، سيكون إلزام الشركات بالتأمين الصحي على العمالة المهاجرة عبئًا إضافيًا عليها.

قال شهسوار البلوشي، مدير البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي «تنفيذ» والرئيس التنفيذي لجمعية المقاولين العُمانية، إن «الخطوة مطلوبة لتأمين القوى العاملة ضد إصابات العمل، وأنا واثق أن التغطية التأمينية ستكون ميزة كبرى بالنسبة إلى العمال بوجهٍ عام».