واحد من أحدث مقاطع الفيديو التي تبادلها الجمهور مؤخرًا من الكويت هو مقطع غاضب للمدوِّنة سُندس القطان تنتقد فيه حصول العمالة المهاجرة على حقوقهم الأساسية، إذ نشرت نجمة إنستغرام نقدًا لاذعًا لما وصفته بالعقود الفلبينية الجديدة بخصوص العمالة المنزلية في الكويت. واعتبرت القطان حصول العاملة على يوم واحد إجازة أسبوعيًا وكذلك حقها في الاحتفاظ بجوار سفرها «مسخرة». في الواقع، تلك المعايير التي تحدثت عنها سندس هي جزء من القانون الكويتي.
ومنذ نشرها ذلك المقطع الذي يفتقر إلى المعلومات، توقف بعض الرعاة عن التعاون مع خبيرة التجميل الكويتية، وقررت الحكومة الفلبينية منعها من توظيف العاملات المنزليات الفلبينيات، وأصبحت محط أنظار الجمهور على مستوى دولي، وهو ما استفادت منه بنشر مقطع جديد تدافع فيه عن موقفها وتدعو لمناقشة «مواضيع أكثر أهمية مثل البوتكس» دون أن تقدم أي اعتذار.
عندما يكون عملك معتمدًا على نقرات الأزرار، يتلاشى الخط الفاصل بين الشهرة وسوء السُمعة؛ كل الدعاية تصبح دعاية جيدة.
في العام الماضي، نشرت صاحبة عمل كويتية مقطعًا آخر أثار استنكارًا عالميًا، إذ ظهرت فيه سيدة إثيوبية تُدعى أديسيش صادق وتعمل لديها كعاملة منزلية، بينما كانت تتمسك بيدٍ واحدة بشرفة منزل صاحبة الفيديو، التي لم تحاول مساعدة العاملة على الإطلاق، بل استمرت في التصوير حتى بعد سقوطها. وبينما ادعت صاحبة العمل الكويتية (التي لم يُكشَف عن هويتها حتى الآن) أن صادق كانت تحاول الانتحار، قالت العاملة إنها كانت تحاول الفرار من التعسف الذي كانت تتعرض له في ذلك المنزل.
يعكس المقطعان نوعًا من العنف الذي بات سائدًا تجاه العمالة المنزلية، إذ يُظهِر كلٌ منهما كيف تُنزع الإنسانية ببساطة عن العمالة المنزلية المهاجرة، سواء أكانت في الكويت، أو منطقة الخليج بوجهٍ عام، أو أماكن أخرى من العالم. وبينما يتضح أثر تلك السلوكيات بشكلٍ مباشر في مقطع صادق، تأتي تصريحات القطان المُخزية معبرةً عن العقلية السائدة التي تسمح بارتكاب جرائم ضد العمالة المنزلية دون اعتراض من قِبَل بقية أفراد الأسرة أو أي من الشهود على الإساءة. ويُجدر بالذكر أن «الإساءة» لا تعني التعنيف الجسدي أو الجنسي فقط. أما تصريحات القطان فقد جاءت قاسيةً بالنظر تحديدًا إلى كونها صدرت بعد بضعة أشهر من اكتشاف جثة جوانا ديمافيليس في «فريزر» في الكويت. وقد كانت ديمافيليس عاملة منزلية فلبينية تعمل لدى زوجين من لبنان وسوريا ويعيشان في البلد الخليجي.
المثير للغضب بشأن تصريحات سندس هو كون تلك الأفكار والمشاعر التي عبرت عنها مُشترَكة ومنتشرة بين الكويتيين، والسلطات الكويتية، وفي بلدان الخليج العربي بوجهٍ عام. يتشابه رفضها للإجازة الأسبوعية مع استنكار دول مجلس التعاون الخليجي للتوصيات الفلبينية بشأن العمالة المنزلية عندما صدرت للمرة الأولى عام ٢٠١١، إذ منعت السعودية استقدام العمالة الفلبينية قبل أن تتراجع بعدها بعامٍ واحد وتخضع للمعايير المطلوبة من قِبَل البلد الأسيوي. وفي ٢٠١٤، أصدرت الإمارات نموذجًا موحدًا للتعاقد مع العمالة المنزلية يمنع السفارة الفلبينية من التصديق على العقود وكذلك يمنعها من فرض شروطها المطلوبة. أما في ٢٠١٣، فقد فشل مشروع العقد الموحد للعمالة المنزلية في دول مجلس التعاون الخليجي بسبب الخلاف على يوم الراحة الأسبوعية، قبل أن تُعاد المحاولة مجددًا في ٢٠١٤ كطريقة للتحايُل على «الشروط المبالغ فيها التي تفرضها بعض الدول الأسيوية» مثل الفلبين.
في النهاية، أذعنت دول مجلس التعاون الخليجي لشروط الفلبين، فقط بسبب الإقبال الشديد على العمالة المنزلية الفلبينية، التي يُعتقد أنها أكثر مهارة من العمالة المنزلية من أي جنسية أخرى. للمفارقة، هذه التصورات عن كون العاملات الفلبينيات أفضل من غيرهن لا تُترجم إلى تقديرٍ ملائم لعملهن وجهودهن.
تلك المعايير التي تُدهش سندس هي بالأساس جزء من شروط العقد الموحد للعمالة المنزلية الفلبينية وجزء من القانون الكويتي منذ عدة أعوام. وكما هو واضح، لم يتم تطبيق هذه المتطلبات أو فرضها على أرباب العمل، حيث أن منهم من يجهلونها، ومنهم من لديه وجهات نظر متناقضة تجاهها، وآخرين أمثال سندس يعارضون وجود تلك الشروط أصلًا. هذا الموضوع ظهر على السطح من جديد بسبب تجديد الالتزام بين الفلبين والكويت بعد انتشار مقطع فيديو آخر بخصوص العمالة المنزلية في البلد الخليجي.
في حوارٍ هاتفي لوكالة فرانس برس، قالت القطان: «من حقي بصفتي كفيل أن أحتفظ بجواز سفر العاملة لديَّ، وأنا أيضًا مسؤولة عن دفع تأمين يصل إلى ١٥٠٠ دينار (١٧٩٩٨ درهم إماراتي)». حتى بيانها على إنستغرام، الذي يُفترض أنها استهدفت به «التوضيح لكثرة الشائعات والأقاويل»، قد جاء يحمل الفشل نفسه في فهم القانون الكويتي، إذ لا يسمَح لصاحب العمل بالإبقاء على جواز سفر العاملة لديه. لا شك أن هذا الخلل في فهم القانون شائع بين الكثير من أرباب العمل. (ثمة جهود محلية، بالتعاون مع الحكومة، للتوعية بقانون العمالة المنزلية.)
في سلسلة تصريحات خالية تمامًا من الاعتذار، تُلقي القطان باللوم على الإسلاموفوبيا كسبب للهجوم عليها بعد تعليقاتها، رغم أن الكثير من منتقديها هم من نفس المنطقة. تبادل الناس مقطع سندس وانتشرت أقوالها بسبب شهرتها، وقد أدانها الكثير من الكويتيين أنفسهم، إذ تشتهر الكويت من بين دول مجلس التعاون الخليجي بكونها تتمتع بمجتمع مدني قوي يهتم بقضايا حقوق الإنسان ويتصدى للزينوفويبا (رُهاب الأجانب) وينتقد سياسات الحكومة بشأن المهاجرين. مع ذلك، فإن الجانب الآخر من المجتمع الكويتي يتمتع بنفس القوة وله تأثير بارز في الحكومة والإعلام المحلي. تلك الطريقة التي اتبعتها سندس لإظهار نفسها كضحية، وبخاصة بالإشارة إلى تكلفة توظيف العاملات، هي طريقة معتادة ومتكررة يتبعها أعضاء الحكومة أنفسهم. لا يمكن الفصل بين رهاب الأجانب الذي ينتشر بين أعضاء الحكومة والمساعي الواضحة للإبقاء على ظروف عمل وأجور متدنية للعمالة المنزلية والعمالة المهاجرة بوجهٍ عام.
تجسد القطان الكثير من المتناقضات، فهي ثرية ومُرفهة إلى درجة لا يمكن معها الاستغناء عن المساعدة المنزلية كما يبدو، لكنها في الوقت نفسه لا تطيق دفع مقابل عادل لتلك المساعدة. القضية هنا أبعد من مجرد قضية طبقة اجتماعية وأموال، القضية هي السماح للعاملات المنزليات بوقت للراحة، وتعويضهن على نحوٍ عادل نظير خدماتهن، مما يؤدي إلى تمكينهن وإرباكهن لموازين القوى التي يفرضها نظام الكفالة، إلى حدٍّ ما، في محاولة لتحجيم «التهديد الديموغرافي» والتعتيم على الاعتماد المُفرط على العمالة الأجنبية.