لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

سانديجان الكويت: من ناجين إلى مُدافعين

في 23 يوليو 2018

جاءت آن أبوندا من الفلبين إلى الكويت عام ٢٠٠٠، وخلال ١٨ عامًا عاشتها هنا، تمكَّنت من تأمين مستقبل عائلتها، وساعدت المئات من العمالة المنزلية في الوصول إلى العدالة والحصول على الدعم، كما تمكنت من تأسيس أسرة لها.

كانت تبلغ الثانية والعشرين عامًا عندما وصلت، ولم تكن لديها فكرة عما هي ذاهبة إليه. تقول: «لم أعرف شيئًا عن قصص الإساءة أو كيفية تلقي المساعدة... ليس مثل الآن، إذ نعرف أين نحصل على كل تلك المعلومات».

أرادت أبوندا أن تذهب إلى الولايات المتحدة، لكن نتيجة لتعقيد الإجراءات وطول المدة اللازمة لإنهائها، قررت استغلال أول فرصة جاءت في طريقها: العمل لدى أسرة كويتية.

لم تكن مستعدة بشكل جيد لما كان ينتظرها.

Ann Abunda has been steadfast in her mission to empower workers, so that they are able to defend themselves and are not cast as victims

طالما كانت آن أبوندا عازمة على الاستمرار في مهتمها لتمكين وتقوية العمال بما يجعلهم قادرين على الدفاع عن أنفسهم والتخلص من دور الضحية.

تحكي أبوندا: «لم تكن هناك مشكلة في الراتب، وُعِدت بمئتي دولار أمريكي وهذا ما جنيته تقريبًا، لكن الصدمة الحضارية ونقص الطعام اللائق والاعتداء اللفظي... كلهم كانوا مُبالغ فيهم».

واصلت أبوندا العمل حتى أصبح الاعتداء جسديًا. تقول: «كان هذا بعد مرور سنة من بداية عقدي. هربت، وبدأت العمل في منزل آخر».

يُعتبر الشغل لدى شخص غير صاحب العمل أمرًا غير قانوني في دول مجلس التعاون الخليجي كلها. مع ذلك، لا يسمح نظام الكفالة بأي بديل آخر للتخلُّص من إساءات أصحاب العمل دون الخروج من البلاد.

على الرغم من أن القانون يُحمِّل صاحب العمل المسؤولية عند توظيف العمال «الهاربين»، فإن العامل هو مَن يتحمل عبء تلك المخالفة في الواقع، إذ يمتلك صاحب العمل، حتى وإن كان مُخالِفًا، سلطةً وقوة أكبر بكثير مما قد يطمح إليه العامل.

لهذا، عندما اختلفت آن مع صاحب عملها الجديد، اصطُحبت إلى الشرطة وسُلِّمت باعتبارها «هاربة».

تحكي آن: «كان هذا في ٢٠٠٤. لحسن الحظ، ساعدني شخصٌ ما وتمكنت من الخروج وتغيير التأشيرة والحصول على وظيفة جديدة في مجال المبيعات، وهو ما كان اختصاصي قبل القدوم إلى الكويت».

لم تكن عائلة أبوندا في الفلبين على علم بالمصاعب التي تواجهها.

بداية بسيطة

في السنوات التي تلت ذلك، أصبحت آن بمثابة ملاذ لفلبينيين آخرين بحاجة إلى الدعم والمواساة.

«عام ٢٠٠٩، قمنا بتكوين جماعة صغيرة، نحو عشرة أو عشرين مِنا فقط، على سبيل المرح. أما في ٢٠١٠ فقد أسسنا سانديجان، والتي تعني «سَنَد» في لغتي الأم (التغالوغ)».

تحكي أبوندا: «كان الكثير من الناس يطلبون مساعدتي، معظمهم كانوا يعملون في المنازل، ولم تكن هناك رابطة أو أي دعم لهم. لهذا ركزنا في البداية على العمالة المنزلية. أما الآن فنستقبل أي شخص بحاجة إلى المساعدة».

تتذكر آن تجربتها الشخصية حين كان الشخص الوحيد الذي يمكنها اللجوء إليه وكيل توظيف غير متعاون. تقول: «لم أكن أعرف حتى مكان السفارة».

تشكَّلت الجمعية من تجربة آن وتجارب كل الذين طلبوا مساعدتها.

تقول أبوندا: «حاليًّا، نُدرب متطوعين في سانديجان لمساعدتنا، ونقدم استشارات للعمال. نحن منظمون جدًا». هكذا تحكي عن المنظمة المكونة من سبعة آلاف عضو حاليًّا، والتي أسستها مع اثنين آخرين من أبناء بلدها. يضم اتحاد سانديجان للعمالة المنزلية في الكويت (Sandigan Kuwait Domestic Workers Federation) خمسة آلاف عضوًا، ويختص بالقضايا المتعلقة بالمجموعة التي يستهدفها.

«بسبب المعرفة المحدودة للعمالة المنزلية، تختلف طريقة دعمنا لهم. تمنح الفلبينيات ثقتهن للآخرين بشكل سريع، لذلك يتم التلاعب بهن عن طريق المهرِّبين والوكلاء. نحن نشرح لهن حقوقهن، ونخبرهن عن آليات تقديم الشكاوى والانتصاف».

 

تدعم الجمعية أيضًا حملات التوعية التي تنظمها الحكومة والمؤسسات شبه الحكومية، بما فيها حملة «سقف واحد».

«لدي وظيفة بدوام كامل، وكثيرًا ما أريد التوقف عن القيام بهذا العمل [في الجمعية]؛ إنه يستنزفك، ثم يتصل بي أحدهم طالبًا المساعدة، وأعلم أن عليَّ أن أساعدهم».

أزمة المعلومات

باتت آن وزملاؤها مُتخمين بالقضايا في الأشهر الأخيرة.

«العفو الكويتي ودعوة الرئيس الفلبيني جميع العمال للعودة قد تسببا في اندفاعٍ جنوني يفتقر إلى المعلومات. ظن العمال والعاملات أن بإمكانهم ترك أصحاب العمل ببساطة والتوجه إلى السفارة ثم العودة في أول رحلة إلى الوطن».

نتيجة نقص المعلومات بشأن آلية العودة، اضطرت سانديجان للتدخُل لمساعدة العمال والعاملات في الحصول على العفو.

«نمنحهم التوجيه الصحيح بشأن كيفية إتمام الأوراق. العديد من المهاجرين صحيحي الأوضاع كانوا يرغبون في العودة أيضًا. لقد فُسِّرت دعوة الرئيس على نحوٍ خاطئ، حيث هرب الكثير من العمال والعاملات من المنازل».

تسبب ذلك في مشكلة كبيرة أخرى.

بحسب التعليمات الكويتية، من هرب قبل فترة العفو فقط يمكنه الاستفادة من العفو، وليس من هرب خلال تلك الفترة. في أثناء ذلك الوقت، وبالتزامن مع العفو من ناحية والأزمة الدبلوماسية بين الدولتين من ناحية أخرى، استقبل المأوى الفلبيني ١٢٠٠ امرأة. تقول أبوندا إن ٥٪ منهن فقط استفدن من العفو وخرجن خلال فترة إعلان الرئيس. وتضيف: «نشهد نحو ٣٠ إلى ٥٠ حالة هرب يوميًا».

تم ترحيل هؤلاء العاملات بعد انتهاء فترة العفو بمساعدة الحكومة الكويتية. ورغم رفع الحظر منذ ذلك الحين، ما زالت الفلبين في انتظار صدور التوجيهات العامة بخصوص توزيع العمالة، بعد أن انتقل الاختصاص القضائي بشأن العمالة المنزلية من وزارة الداخلية إلى الهيئة العامة للقوى العاملة، بحسب آن.

وضعٌ لا يتحسن

تقول أبوندا أنه يبدو أن الأمور قد أصبحت أسوأ في الـ١٨ سنة الأخيرة. «ربما يبدو الوضع كذلك نتيجة تحسُّن الإبلاغ، أو المبالغة، أو كونها الحقيقة فعلًا».

في ٢٠١٣، طالبت سانديجان بوقف إرسال العمالة مؤقتًا، نتيجة ازدياد أعداد القضايا.

«قانون العمالة المنزلية غير مُطبق في الكويت. لا يزال الوضع سيئًا، لذا كان موقفنا هو: لماذا نرسل العمال إلى وضعٍ غير آمن؟». أرادت الجمعية ضمانًا بأن القانون سيُطبق. وتُنبِّه أبوندا إلى أنه في أمور الهجرة، ليس كل ما هو قانوني هو آمن بالضرورة، وهي تؤمن أن وحدهم العمال الذين يعرفون حقوقهم ولا يخافون الحديث هم مَن يجب أن يهاجروا.

«ولكن دون أي تشاور أو نقاش، قررت الحكومة الفلبينية إعلان الحظر (الذي تم رفعه لاحقًا)».

لدى آن موقف مشكك أيضًا بشأن الاتفاق الثنائي الذي تم بين البلدين: «يتحدثون عن الرواتب والهواتف المحمولة، ولكن أين التأكيد على ضرورة تطبيق القوانين في الكويت؟».

أبوندا لا تعتمد في معيشتها على عملها في الجمعية.

«لديَّ وظيفة بدوام كامل، وكثيرًا ما أريد التوقف عن العمل في الجمعية؛ إنه يستنزفك، ثم يتصل بي أحدهم طالبًا المساعدة، وأعلم أنه عليَّ أن أساعدهم».

في المستقبل القريب، ترغب آن في ضم جنسيات أخرى إلى الرابطة، أو على الأقل مساعدتهم في إنشاء مجموعاتهم الخاصة.

ثمة خبرة طويلة ومعارف واسعة لدى سانديجان يجب تناقلها والاستفادة منها، وخاصةٍ بشأن التعامل مع الأشخاص الذين تعرضوا لظروف شديدة القسوة.

«لدينا عملية من أربع خطوات: أولًا نصنف الأشخاص حسب تجاربهم، فمنهم من يكون قد أتى إلى البلاد بصدمة قد تعرَّض إليها في موطنه الأصلي، ثم نكسر حاجز الصمت عن طريق رواية قصصنا، ثم نبدأ مرحلة الإصلاح والتعافي، ومن ثم نمضي قدمًا... نحو سبل جديدة للعيش».

اختبرت آن تلك التجربة بنفسها قبل أن يُتاح لها الدعم المناسب.

«لم أذهب إلى بلادي طوال ١٦ عامًا فقدت خلالها أمي. لم أتمكن من العودة لرؤيتها حين كانت مريضة بالمستشفى، لأنه كان عليَّ أن أدفع مصاريف علاجها، فاضطُررت إلى الاستمرار في العمل».