لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

افتتاحية: أن تكون فقيرًا في أغنى دولة في العالم

في 16 سبتمبر 2018
وفقًا للبنك الدولي، يبلغ الدخل القومي الإجمالي للفرد (تكافؤ القوة الشرائية) في قطر ١٢٨٠٦٠ دولار أمريكي، لكن لا يُعتبر كل المقيمين مستفيدين من ذلك.

هل يمكن أن تكون فقيرًا في إحدى أغنى دول العالم؟ هل يمكن اعتبارك فقيرًا إذا كنت قد تم استدعاؤك بعرض وظيفي ولديك راتب شهري يتم تحويله بسلاسة إلى بلدك الأصلي؟

ربما تكون قطر بين أغنى دول العالم، لكن هدا لا يعني أن جميع القطريين أغنياء، وإنه بالتأكيد لا يعني أن المهاجرين كذلك.

قد يكون الفقر في قطر غير ملحوظ لأنها دولة ليست ذات كثافة سكانية مرتفعة، ولأن متوسط دخل الفرد فيها أعلى من أي دولة أخرى في العالم، غير أنها تتيح ترفًا ورَغدًا في العيش لا مثيل له، لِمن يمكنه الدفع بالطبع.

عندما ترى فقيرًا أو محرومًا، يمكنك المراهنة بكل ما تملك على السبب في ذلك، فإما أن نظام الدولة قد خذله أو أن العدالة لم تتخذ مجراها، أو الاثنين معًا، فمن بين مليونين و٧ من عشرة مليون نسمة، يُمثل المواطنون الأصليون أقل من ١٥٪ من ذلك العدد. أما البقية فهم من المهاجرين، ونصفهم تقريبًا من ذوي الدخل المنخفض، أي أنهم يتقاضون ما بين ١٧٥ دولار أمريكي و٤٠٠ دولار أمريكي شهريًا.

لا يمكن تطبيق النماذج الاقتصادية المعتادة بشأن الفقر هنا.

 الموظفون، أو «العمالة» كما يُسمون اختصارًا، يأتون إلى هنا على وعد بالأجر والإقامة والمعيشة، وعندما يُحرمون من ذلك كله أو بعضه، تصبح خيرات قطر بعيدة عن متناولهم.

كما يقول «بال كرايشنا غاوثام»، وهو دهَّان منازل من نيبال: «لم تكن لدينا أي تسهيلات لنستخدم الحمام أو نحفظ الطعام. عندما كنا نعمل في منازل قطرية، لم يكن يُسمح لنا بدخول دورة المياه، وكان طعامنا يفسد بسبب حرارة الطقس».

 

هذه الفئة هي أول وأكثر مَن يتأثر بالقرارات التجارية الخاطئة، والركود الاقتصادي، والصراعات الجيوسياسية (مثل حصار دول مجلس التعاون الخليجي).

ليست قطر مُصَممة لاستيعاب للفقراء، فهي غير مهتمة بتوفير المساكن المستقلة بأسعار معقولة، كما تصل أسعار الطعام والتنقُّل فيها إلى مستويات مرتفعة للغاية. وهكذا يعتمد وضعك ومستوى معيشتك على مَن تعمل لديه وكم مِن المال قد قرر إنفاقه ليستثمر في سعادتك.

حتى هؤلاء الذين يتمتعون بدخلٍ متوسط (٣٠٠٠ دولار أمريكي – ٤٠٠٠ دولار أمريكي) يتدهور حالهم عندما لا تُدفع لهم مرتباتهم لمدة شهرين متواليين، فماذا عمن يتقاضون أقل من ذلك بكثير ويعولون أُسرًا أكبر في بلادهم الأصلية؟

أحد الموظفين، الذي لم يتقاضى أجره لما يقرب من العام الكامل، لم يتمكن حتى من مغادرة البلاد وعاش بمساعدة أصدقائه له. يقول: «شعرتُ بالخزي الشديد». وهكذا فإن التبعات الجانبية دائمًا ما تقع على العامل

فهل يُعتبر الفقر المُمنهج المفروض عليك فقرًا؟

لقد أوضحتْ قطر موقفها تجاه «العمالة»، مثلها مثل أي دولة في مجلس التعاون الخليجي، بأنها عمالة مؤقتة، مجرد ضيوف، وهو الأساس الذي بُني عليه نظام الكفالة. لم تهدف الدولة يومًا إلى جعلهم يشعرون بأنهم في وطنهم أو أنهم يتقاسمون خيراتها. وكما يتضح من التسمية المفروضة عليهم، فإنهم في البلد من أجل العمل، وتقاضي الأجر، وإنهاء العقد مع صاحب العمل أو الكفيل، دون أي تطلع لتحقيق أي شيء أكثر من ذلك محليًا. فهل يمكن اعتبارك فقيرًا إذا لم يكن لديك أي امتياز؟

«آبي»، عاملة نظافة فلبينية جاءت إلى قطر في ٢٠١٦. تُقدِّم شركتها خدمات التنظيف للمنازل. تقول: «بعض أصحاب العمل يستنزفونك تمامًا مقابل كل دقيقة قد دفعوا مقابلها، مهما كنت تعمل بإخلاص، ومهما كنت مُنهَكًا».

لقد عادت إلى بلادها منذ عدة أسابيع، على إثر عدم تحملها لساعات العمل الشاقة والأجر الزهيد. غادرتْ دون أن تتقاضى مستحقاتها. لم تكن فقيرة حين وصلت قطر، لكنها عادت إلى بلادها كذلك.

لدى قطر صورة عالمية لتحافظ عليها: الواجهة وسحر المشروعات والفعاليات الكبرى. ليس هناك مجال للفقر في هذا المشهد، بل يتم ترحيل الفقراء عبر المحيطات عائدين إلى عائلاتهم، الذين تبقى أبسط احتياجاتهم غير مُجابة: لا تعليم، ولا رعاية صحية، ولا طعام، ولا سقف فوق رؤوسهم، ولا حلم بغدٍ أفضل.

(نُشرت نسخة مختصرة من هذا المقال على KULTURAUSTAUSCH)