على مدى 15 عاماً، كان فرحان خان يدير محلا لبيع الملابس الباكستانية في جدة. وكان عملاؤه بشكل أساسي هن النساء اللاتي يبحثن عن الملابس الشعبية بأسعار معقولة للاستخدام اليومي وكذلك للمناسبات الاحتفالية.
ويعتبر محل فرحان، واحداً من 12 محلٍ مشابهٍ في الحي الذي أغلب سكانه من جنوب شرق آسيا. ولكن كان على عدد من هذه المحلات أن تغلق أبوابها خلال الثلاث سنوات الماضية، ويخشى فرحان أن يتبعهم في ذلك.
وتعاني الأعمال الصغيرة – خصوصاً التي تخدم مجتمعات الأجانب – بشكل كبير بسبب رسوم المعالين التي فرضتها السعودية في 2017.
وتُلزم السعودية الأجانب بدفع رسوماً شهرية قدرها 400 ريال سعودي شهرياً لكل شخص معال تحت كفالتهم. وقد أجبرت هذه التكلفة الباهظة الكثير من الأجانب إما على إعادة عائلاتهم إلى بلدانهم الأصلية، أو القيام بتخفيض مصروفاتهم الشهرية بشكل كبير – وهي إجراءات ساهمت في انخفاض كبير في الاستهلاك.
وإلى جانب ذلك، كان من الصعب على شركات القطاع الخاص تحمُّل عبء ضريبة الأجانب الإضافية. ففي 2018، وفي إطار استراتيجيتها لتخفيض البطالة بين السعوديين، أصدرت الحكومة قراراً ينصّ على أن الشركات التي توظّف من جنسيات أجنبية أكثر من المواطنين السعوديين ستدفع رسوماً شهرية قدرها 400 ريال سعودي (106 دولار) عن كل موظف أجنبي. وقد ارتفعت هذه الرسوم الآن إلى 800 ريال سعودي (213 دولار أمريكي) عن كل موظف غير سعودي. وحتى أولئك الذين يوظفون عدداً مساوياً من الأجانب أو أقل من السعوديين، فيدفعون 700 ريال سعودي (180 دولار أمريكي) عن كل موظف غير سعودي.
يقول الباكستاني خان:" بالطبع ليس لدي مشكلة في توظيف سعودي أو غير سعودي"، قبل أن يوضح كيف أثرت هذه السياسة على عمله، قائلاً: " نحن جميعاً بشر-لماذا يكون لدي مشكله في جنسية الموظف العامل لديّ، إذا ما كان يؤدي العمل المطلوب منه ويحترم العملاء وجميع من حوله – هذا هو ما يهمني."
ومع ذلك، فإن نظام الحصص يعني تكاليف عامة أكبر بسبب الراتب الأعلى الالزامي الذي يجب أن يُدفع للموظفين السعوديين. وحُدّد الراتب الذي يجب أن يعطى للعامل السعودي ضمن برنامج حصص التوطين بـ 3000 ريال سعودي. في الوقت الذي لا يوجد حد أدني لأجر العمال المهاجرين.
ولكن، ما تعاني منه الشركات الصغيرة ليس تحديات الأجور فحسب، وإنما معنويات الموظفين أصبحت مشكلة في الشركات التي يديها المهاجرون.
ويوضح: "مع الأخذ في الاعتبار الاختلافات بين الناس، إلا أنه بالنسبة للأغلبية، فإن السعودي عندما يتم توظيفه يكون واثقاً تماماً من عمله ولن يحسن الأداء بالشكل المطلوب. سوف يأتي إلى العمل متأخراً ويغادر مبكراً، أو سينشغل بهاتفه الجوال أغلب الوقت، بينما يقوم العمال غير السعوديين بغالبية العمل" ويضيف:" البعض لا يشعر بالراحة للاستجواب من قبل غير السعوديين – لم يقل لي ذلك أحداً من قبل لكني أشعر به، خصوصاً أن غالبية من أوظفهم هم في العشرينات من العمر وبداية الثلاثينات، والمعروف أن الشباب في هذا العمر لهم طريقتهم الخاصة."
ويشاطر خان مشاعره، تانفير لاشاري، الذي يدير مع اخوته ثلاثة محلات صغيرة للأجهزة.
ويقول:" خلال العامين الماضيين، كان علينا الاحتفاظ بما لا يقل عن سبعة موظفين سعوديين، وربما اثنان منهم فقط كانا يقومان بأعمالهما فعلياً. أما الآخرون فهم يعرفون أن توظيفهم هو الثمن الذي يتوجب علينا دفعه لنحافظ على استمرار أعمالنا" مضيفاً: "أنا شبه متأكد من أنهم لا يريدون هذه الأعمال أصلاً."
وكان صندوق تنمية الموارد البشرية قد أنشأ مراكز توظيف في أنحاء المملكة لدعم الباحثين علن العمل في إطار جهود معالجة البطالة بين المواطنين، والتي بلغت 11,8% في الربع الأول من 2020.
ومع ذلك، فإن السعودة ليست مبادرة جديدة، وقد تم تبني هذه السياسات بشكل متقطع منذ 1985 في أعقاب انخفاض الإيرادات النفطية، التي صاحبها ارتفاع في عدد السكان، مما يعني انخفاض في وظائف القطاع العام. ويعتبر إحلال الأجانب بالسعوديين، واحداً من أهداف "خطة التنمية الرابعة"، للأعوام من 1985 حتى 1989.
وكتبت جيمس وينبراندت في تاريخ السعودية، أن ذلك أدى ذلك إلى تشديد لوائح الهجرة، مما أدى بدوره إلى مغادرة الكثير من العمال الأجانب البلد. إلا أن البرنامج لم يحقق النجاح المطلوب "إما بسبب أن السعوديين ليس لديهم التدريب المطلوب للأعمال التي تتطلب مهارات خاصة، أو لعدم ميلهم لقبول هذا النوع من الأعمال التي يعتبرنها وضيعة."
واستمرت جهود إحلال العمال الأجانب بالمواطنين خلال بدايات وحتى منتصف العقد الأول من القرن الحالي، عندما اتضحت زيادة بطالة الشباب السعودي، برغم طفرة الأسعار النفطية، وذلك القطاعات غير النفطية، والإيرادات المحلية العامة. وفي العام 2003، أعلنت الحكومة خططاً لخفض عدد العمال الأجانب إلى 20% من إجمالي السكان خلال عقد، والتأكد من أن تفي الشركات الخاصة بحصة الـ 30% للتوظيف المحلي. إلا أن نقص العمال المحلية الماهرة وتردد الشباب السعودي في القبول بما يعتبر أعمال وضيعة كان يعيق تحقيق الأهداف.
وفي العام 2011، تم، رسمياً، إطلاق برنامج نطاقات لتسريع توظيف المواطنين السعوديين في القطاع الخاص. ويتم فرز الشركات تحت تصنيف "وضع نطاقات" وهو تصنيف خاص لكل منها بحسب نشاطاتها، والخدمات التي تقدمها، وحجمها، ونسبة السعودة فيها، وهو ما يحدد نوع الحوافز والامتيازات الممكن الحصول عليها عند تعيين الموظفين. ومع حلول العام 2014 أغلقت 200,000 شركة خاصة أبوابها بسبب فشلها في تلبية الشروط المنصوص في برنامج نطاقات لتوطين الوظائف.
كما بذل مجهود لحصر مهن محددة للمواطنين السعوديين فقط. وبرغم من أنه تم قصر عدد من الوظائف الإدارية على السعوديين منذ التسعينات، إلا أنه تم تمرير تشريع في 2013 بقصر 19 مهنة في القطاعين العام والخاص، على المواطنين. وهذه الوظائف هي، مدراء الموارد البشرية، ومدراء الشئون العمالية، ومدراء علاقات الموظفين، وأخصائيو علاقات الموظفين والكتبة، وموظفو الاستقبال واخصائيو المبيعات النسائية.
وأصبحت هذه القائمة الآخذة في التوسع تضم 72 مهنة تجمع ما بين وظائف المبتدئين والإدارة.
كما بدأت الوزارة في العام 2018 توطين أجزاء من قطاع تجارة الجملة والتجزئة، مثل معارض السيارات والدراجات النارية، ومتاجر بيع الملابس الجاهزة للرجال والأطفال، ومحلات بيع الأثاث والمحلات التي تتعامل مع الأجهزة المنزلية.
وأعلن القرار المبدئي حظراً تاماً على توظيف أي عامل أجنبي في 12 نشاط اقتصادي في قطاع التجزئة، إلا أن إرشادات آلية تطبيق السعودة على الموقع الالكتروني للوزارة نصت فيما بعد، على أن السعودة المستهدفة لهذه الأنشطة خُفضت من 100% إلى 70%.
ونشرت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية مفتشين للتأكد من الامتثال في التطبيق.
كما فرضت الحكومة مؤخراً حصة توطين سعودية مقدارها على عدد من الأنشطة التجارية.
أما عبدالله، اليمني الذي يعمل في محل يبيع البهارات والطحين في مكة، فقد أخبره صاحب العمل، أنه لم يعد قادراً على تجديد كفالة تأشيرته.
ويقول عبد الله: "أعيش في السعودية منذ 10 سنوات، وهذا هو عملي الثالث". ويواصل: "سوف ابحث عن شخص آخر يستطيع أن يكفل تأشيرتي وإلا فقد أخبرني صاحب العمل أن بإمكاني مواصلة العمل بأجر أقل وبدون تأشيرة، ولكن عليّ أن أختبئ لو حضر المفتشون. لا أعرف ماذا سأفعل فهذا ليس خياري المثالي، لكن سأنتظر وأرى ما يمكنني فعله."
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، فقد عدة آلاف من العمال الأجانب وظائفهم، ومعها حق البقاء والعيش في المملكة، وذلك بسبب السياسات التي تمنح الأولوية للباحثين عن العمل السعوديين. إلا أن معدل البطالة بين السعوديين لم يشهد سوى تذبذبات طفيفة.
ومع انخفاض معدلات البطالة من 34,5% في الربع الأخير من 2016 إلى 28,2% في الربع الأول من 2020، كانت زيادة عدد النساء السعوديات في القوى العاملة أكثر وضوحاً. وساهمت بعض المبادرات الحكومية في هذا الانخفاض، بما في ذلك إطلاق أكثر من 200 مركز لرعاية الأطفال، ومنح المرأة العاملة علاوة دعم لرعاية الأطفال قدرها 200 دولار أمريكي. كما شجعت تعديلات قانون العمل التي تحمي حقوق النساء العاملات، وإدخال أحكام مكافحة التمييز على أساس الجنس، على مشاركة المرأة في سوق العمل. وبرغم أن رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارات في 2018 ليس مفهوماً بعد، إلا أنه من الممكن استنتاج أن زيادة حركة وتنقلات المرأة سيكون له تأثيرات مشابهة.
ويفضل خان توظيف نساء سعوديات للعمل في متجره.
يقول: " نسبياً، النساء أكثر حرصًا على العمل -ربما يشعرن بالامتنان للفرصة التي لم تكن متاحة لهن قبل بضع سنوات". ويضيف"يحضرن في الوقت المحدد وهن يردن فعلًا القيام بالعمل، وحتى تحمل المزيد من المسؤوليات -فهن بالتأكيد موظفات أفضل وأعتقد أنه إذا كان أي شخص مستفيد على الإطلاق من السعودة، فهن النساء ولهن الحق في ذلك. لكني لا أعرف إن كان ذلك كافيا".
وأدى نموذج قصر بعض الوظائف على السعوديين ونظام الحصص الآخذ في التوسع، إلى خلق تحديات كبيرة للشركات. وتشمل هذه التحديثات ارتفاع التكاليف العامة، والصراع على ديناميكيات القوة بين مديري الأعمال غير السعوديين والموظفين السعوديين – كما يقول خان – بالإضافة إلى صعوبة الحصول على المواهب المناسبة.
كما أن متطلبات "نطاقات" أصبحت أكثر صرامة، فمنذ يناير 2020، تم نقل الشركات التي صنفت "صفراء" مما يؤشر إلى امتثال ضعيف، إلى "الفئات الحمراء" مما يشير إلى عدم الامتثال تماماً.
كتب عمر زكريا، مدير التوظيف السعودي لدى روبرت والترز، في توضيحه لمجموعة التوظيف المهنية المتخصصة متعددة الجنسيات: " كان النقص في المهارات أكثر وضوحاً في الوظائف الأكثر تقنية المخصصة للمهندسين والمعماريين، وأخصائيي تكنولوجيا المعلومات وممارسي الرعاية الصحية."
وقد عانى القطاع الصناعي، وهو يشمل الشركات العاملة في التصنيع، وبيع وشراء الآلات، والمواد الكيميائية تحديداً، في التأقلم مع عمالة أكثر تكلفة، وفي أكتوبر 2019، أعلن بيان صادر عن مجلس الوزراء أن الحكومة سوف تتحمل عنهم تكاليف رسوم العمال الأجانب للسنوات الخمس المقبلة.
ويشير زكريا إلى "أن الشركات التي توظف العمال من ذوي المهارات هي الأكثر حاجة للتنافس على المواهب المحلية إذ أن السعوديين يتنقلون بين الأعمال ويطالبون برواتب أعلى"، مضيفاً: " ولذلك فهم يركزون على ضمان قدرتهم على إبقاء أفضل العاملين لديهم بتقديم مزايا أفضل لهم."
ولا تزال التأشيرات تصدر للوظائف التي يتم اثبات وجود نقص في المهارات المتوافرة محلياً منها.
"وعندما لا تتوفر مواهب سعودية على الاطلاق، يتم توظيف أجانب، ومن ثم يتم توظيف سعوديين تحت اشرافهم لتلقي التدريب الازم. ولكن الأفضلية لكل وظيفة هو توظيف سعودي مناسب."
ومن أجل زيادة الموارد البشرية المدربة والماهرة، فقد وسّعت الحكومة برنامج بعثاتها الذي تبلغ تكلفته عدة مليارات للشباب السعوديين الراغبين في الدراسة في الخارج. وفي الوقت الحالي، يبقى العمال الأجانب وأصحاب الأعمال على حذر من أية سياسات وشيكة من الممكن أن تعرض معيشتهم للخطر.
* تم تغيير الاسماء لإخفاء الهوية