استأنفت بعض دول الخليج توظيف العمال المهاجرين، برغم بقاء عشرات الآلاف من العمال المتضررين من الجائحة في وضع من اللايقين بما يحمله المستقبل. وتسمح كل من الإمارات، وقطر، والسعودية، والبحرين الآن بإصدار تصاريح عمل جديدة وتأشيرات لقطاعات معينة، بما في ذلك العمل المنزلي.
وبإمكان المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية في الإمارات، وأصحاب العمل الآخرين في القطاعات الحيوية، التقدم بطلب لتصاريح العمل لموظفيهم. كما يمكن أيضاً إصدار تصاريح عمل جديدة للعمال المنزليين
وفي السعودية، استؤنف توظيف العمال المنزليين في 7 أكتوبر. كما تقوم الدولة بإعادة إصدار التأشيرات للعمال العالقين في الخارج، مع عودة أكثر من 30,000 عامل من بنغلادش إلى البلد، فقط، في أغسطس وسبتمبر.
وإلى قطر، وصلت في أكتوبر المجموعة الأولى ممن تم توظيفهم حديثاً من كينيا، مع توقعات قدوم المزيد لتلبية احتياجات قطاع الخدمات تحديداً. وأعلنت وزارة التنمية الإدارية والعمل والشئون الاجتماعية أنه سيتم استئناف إعطاء الموافقات على طلبات التوظيف ابتداء ًمن 15 نوفمبر.
وفي البحرين، تم قبول طلبات تصاريح العمل الجديدة منذ أغسطس، وللعمال المنزليين ابتداءً من منتصف سبتمبر. ويتوجب تعميم إعلانات الوظائف الجديدة محلياً لمدة أسبوعين، بما يسمح للمواطنين والمقيمين في البحرين بالتقدم لها. وأنشأت كل من قطر، والإمارات، والسعودية أسواق عمل افتراضية (أونلاين) للترويج لتوظيف العمال المتواجدين في البلد فعلاً. برغم أنه لا يُتطلب نشر إعلان محلي قبل التوظيف الجديد.
"من المرجح أن يواجه العمال الجدد، أوضاع عدم اليقين وعدم الاستقرار نفسها التي تتأثر بها القوى العاملة الحالية. فالغالبية العظمى من العمال الذين تم الاستغناء عنهم في بداية تفشي الجائحة لاتزال تبحث عن وظائف دون أي جدوى. "
وتستلزم إجراءات الدخول مجموعة جديدة من الفحوصات ومتطلبات الحجر الصحي. إلا أن الموظفين الجدد ليسوا فقط أكثر عرضة للإصابة بالفيروس وإنما أيضاً لسرقة الأجور والاستغلال. إن اقتصادات المنطقة تترنح في طريقها نحو الانتعاش، ولا يزال العمال الذين تضرروا من الجائحة بخسارة وظائفهم وخفض أجورهم بانتظار سماع تظلمهم وحل مشاكلهم. ولا تزال لوائح القوى القاهرة التي وضعت في خضم طوارئ أزمة الجائحة، مطبقة، والتي مكّنت الشركات من انهاء عقود العمال، و إجبارهم على أخذ إجازاتهم، أو خفض أجورهم. وكان من المفترض لهذه اللوائح أن تكون ضمن التدابير المؤقتة لدعم استمرارية الأعمال – ولا تتطلب تغيير رسمي للعقد – ولكن، وبعد مرور 9 شهور منذ تفشى الجائحة، لايزال غير معروف ما إذا كان سيتم الغائها ومتى سيتم ذلك.
وفي مثل هذه الظروف، لابد من أن تخضع فكرة استقدام عمال جدد، لتأنٍ وتفكير شامل وتطبيق لتدابير لحماية هذه العقود الجديدة، على سبيل المثال لا يمكن أن يتم تطبيق التدابير الطارئة التي أشرنا لها سابقاً على العقود الجديدة، إذ سيكون ذلك بمثابة استبدال العقود. وبالإضافة إلى ذلك، لابد من تشجيع أصحاب العمل للتوظيف من مجموعة العمال الموجودين محلياً والعالقين ممن تتوفر لديهم المهارات المطلوبة. ولتحقيق ذلك، فإن فترة السماح أو العفو التي تعمل على تعديل الأوضاع القانونية للعمال وإدخالهم في قاعدة بيانات إعادة التوظيف، هي من أهم احتياجات الساعة.
ومع التهديدات المحتملة لكوفيد 19 في الأفق، سوف تواصل القطاع المتضررة بشدة، معاناتها. ولا بد من الموافقة على التوظيف فقط في القطاعات التي لم تتأثر بشكل سلبي، واستبعاد شركات توريد الأيدي العاملة ومقاولي الباطن الذين ليس لديهم طلبات عمل، بشكل كامل من القائمة المعتمدة. فهناك قلق حقيقي من عودة دورة الانتهاكات، في حال عدم القيام بتحسينات حقيقية لنظام شكاوى العمال، في الوقت الذي لايزال العمال المهاجرون يعانون من عدم القدرة على الحصول على ما يلبي احتياجاتهم الأساسية أو العودة إلى بلدانهم.
"كما أنه لم يتم حتى الآن معالجة نقاط الضعف الخاصة بعمالة المنازل، بالرغم من الاستئناف الواضح للتوظيف في هذا القطاع."
وفي حين أن عدداً من دول الخليج تبنت نظماً لحماية الأجور سهلة الاستخدام افتراضياً (أونلاين)، إلا أنها تظل صعبة الوصول إليها من قبل غالبية العمال المهاجرين من ذوي الدخول المنخفضة. ولا يزال العمال المتضررون من الجائحة أو من لديهم تظلمات تعود لفترة ما قبل الجائحة يحاربون من أجل الحصول على مستحقاتهم في جميع دول المنطقة.
كما أنه لم يتم حتى الآن معالجة نقاط الضعف الخاصة بعمالة المنازل، بالرغم من الاستئناف الواضح للتوظيف في هذا القطاع. وبرغم رفع الإغلاقات، فلايزال هناك قيود على حركة عاملات المنازل، مما يوقعهن فيما يشبه المصيدة في منازل أصحاب عملهم على مدار الساعة، طيلة أيام الأسبوع. ولاتزال عاملات المنازل تتحملن عبء أكبر من العمل في ظل تحول العمل من المنزل (بالنسبة لأصحاب العمل) إلى كونه الأسلوب الجديد، وسيتواصل تعرضهن للمخاطرة لأنهن المسئولات عن اصطحاب الأطفال إلى المدارس، واستلام طلبات التوصيل للمنازل، وتعقيم المنازل. وتفاقم هذه الظروف أوضاع الاستغلال الموجودة أصلاً في قطاع العمل المنزلي.
من المرجح أن يواجه العمال الجدد، أوضاع عدم اليقين وعدم الاستقرار نفسها التي تتأثر بها القوى العاملة الحالية. فالغالبية العظمى من العمال الذين تم الاستغناء عنهم في بداية تفشي الجائحة لاتزال تبحث عن وظائف دون أي جدوى. وفي حين أن بعض الدول، مثل الامارات، تتطلب تصريحات إضافية من الحكومة لتوظيف العمال، لا يزال هناك افتقار لوجود إجراءات تحقق قوية تضمن توظيف العمال في وظائف جيدة وبدوام كامل. ومن بين هؤلاء الأكثر تضررا بالجائحة، هناك الذين تم توظيفهم بشكل فائض عن الطلب، والذين قضوا شهوراً قبل الجائحة دون عمل أو أجر. ولايزال الكثيرين من العمال الذين تمكنوا من الإبقاء على وظائفهم أو حصلوا على وظائف جديدةـ يبلّغون عن عدم انتظام دفع أجورهم. وسيظل العمال غير النظاميين أو أولئك الذي يحملون الرخص الحرة (فري فيزا)، بحاجة إلى دعم إضافي لتعديل أوضاعهم القانونية لمواصلة العمل من أجل العودة إلى بلدانهم. ولم تعلن أيٍ من دول الخليج عن فترات سماح تسمح بتعديل الأوضاع القانونية.
وفي حين وافقت بعض دول الأصل على التوظيف الجديد من جانبها، لايزال المسئولون متخوفين من ذلك. على سبيل المثال، فتحت النيبال للتوظيف مجددا في 30 أغسطس. ويتوقع الأمين العام لاتحاد النيبال لوكالات التوظيف الخارجي، سوجيت كومار، ارسال 70,000 عامل إلى السعودية وحدها. إلا أن بعثات النيبال الديبلوماسية لاتزال متوقفة عن القيام بمعاملات تأشيرات العمل. وقال متحدث من إدارة العمالة الخارجية لكاتمندو بوست، أنهم ليس فقط مشغولين في إدارة رحلات العودة للوطن للتحقق من تأشيرات العمل فحسب، وإنما هم قلقون أيضاً من ان لا تكون الظروف آمنه بما يكفي للمهاجرين الجدد.
لكن الضغط يتزايد، من الحكومات ووكالات التوظيف في بلدان المنشأ والمقصد على السواء. فالعمال تتزايد رغبتهم في العودة إلى العمل أو الحصول على فرص جديدة. في سبتمبر، نظم آلاف البنغلادشيين ممن يحملون تصاريح عمل سارية الصلاحية احتجاجاً في دكا بسبب أنهم غير قادرين على العودة إلى السعودية. وفي الوقت نفسه، لم يسمح لهنود وباكستانيين، يحملون تأشيرة زيارة، من دخول الإمارات برغم هبوط طائرتهم فيها. ولم يُمنع الركاب من ركوب الطائرة من بوابة المغادرة برغم أنهم يحملون تأشيرة زيارة، ذلك لأن تحديد ما إذا كان القادم سائح حقيقي أم باحث عن عمل لا يمكن تحديده إلى عند الوصول.
وقبل تفشي الجائحة، كان بإمكان المهاجرين ممن لديهم تأشيرة زائر لدخول الإمارات، تحويلها إلى تأشيرة عمل في البلد. ولم يمكّن ذلك الشركات بتجاوز الضوابط والموازنات المطبقة من أجل التوظيف الأخلاقي في دول الأصل فحسب، بل أنه سمح للدولة لاحتساب رسوم التأشيرة مرتين. وبينما يتمتع العمال بميزة هامشية بالبحث عن أعمال جيدة قبل الالتزام بعمل واحد بعينه، فإن الواقع الاقتصادي يعني أن نسبة كبيرة منهم تقبل بأي وظيفة على الإطلاق، كما ينتهي بهم الأمر بدفع رسوم ضخمة محلياً. وممارسات التوظيف الاستغلالية هذه معترف بها على نطاق واسع إلا أن الإمارات لا تقوم بشيء يذكر لوقفها.
نظراً لظهور نشاطات توظيف محلية في القطاع الخاص بدول الخليج، فمن المهم ضمان ألا تصبح الرشاوى وتحميل رسوم التوظيف للعامل، هي القاعدة.
وعلى الدول أن تتحاشى العودة إلى "الوضع الاعتيادي السابق"، خصوصاً بسبب ان العمال المهاجرين هم الأكثر عرضة للانتهاك بسبب ظروف معيشتهم، كما لم يتم تلبية الدعوات لإقامة نظام عدالة انتقالي، ولم يتم وضع تدابير حمائية جديدة.
التوصيات
- تطبيق فترة سماح أو عفو لتعديل الأوضاع القانونية لجميع العمال وإدخالهم ضمن قاعدة بيانات إعادة التوظيف.
- إلزام أصحاب العمل بالإعلان عن الشواغر من خلال قنوات التوظيف المحلية قبل تقديم طلبات التوظيف الجديدة.
- قبول التوظيف فقط من القطاعات التي لم تتأثر سلباً، ومنع شركات توريد القوى العاملة ومقاولي الباطن الذين ليس لديهم أوامر بالوظائف من التقديم لتأشيرات عمل جديدة.
- وضع إجراءات جديدة للتأكد من أن عمليات التوظيف الجديدة، تلبي احتياجات حقيقية، وأن أصحاب العمل يظلون في وضع مالي جيد.
- العمل مع وكالات التوظيف لتحديد العمال المنزليين – ممن كانوا يبحثون عن المأوى، وهؤلاء الذين لايزالون يعملون في بيئات استغلالية – لإيجاد وظائف بديلة.
- التحقق بشأن أصحاب العمل الذين يتقدمون لتأشيرات عمالة منزلية، للتأكد من عدم انتهاكهم للالتزامات التعاقدية في وقت سابق.
- وضع دليل إرشادات واضحة لوكالات التوظيف وأصحاب عمل عمالة المنازل لضمان عدم تحميلهم أعباء عمل مرهقة أو ابقائهم قسراً في المنزل. وكجزء من خطوات تضمين عمالة المنازل في نظام حماية الأجور، يجب دفع أجور العمال والعاملات الموظَّفات حديثاً عن طريق التحويلات المصرفية أو وسائل مشابهة، لضمان دفع الأجور بانتظام وليكون لديهم قدرة أكبر للوصول إلى أموالهم.
- تمكين العمال المهاجرين ممن لديهم شكاوى جارية من الاستمرار في متابعة قضاياهم من الخارج بسهولة، بما في ذلك دعمهم بتوكيل محامين والتنسيق مع سفاراتهم.
- ضمان معاقبة أصحاب العمل المخالفين، وتعويض ضحايا سرقة الأجور عن الأضرار التي يتعرضون لها، بالإضافة إلى أجورهم المستحقة.
- ضمان عدم دفع العمال الجدد أية رسوم توظيف أو رشاوي في كل من بلدي المنشأ والمقصد، أخذا في الاعتبار أن البيئة أصبحت الآن خصبة أكثر للاستغلال.