وفي القصة الصوتية، أعلاه، يروي جون، بألم، تفاصيل تلك الليلة المروعة. لدى جون، وهو حارس أمن لمدة 8 سنوات، تأشيرة إقامة وتصريح عمل ساريين الصلاحية، ولم يرتكب أية جريمة قط إلا أنه تم احتجازه لمدة شهرين. بعض المهاجرين كانوا غير نظاميين، والبعض الآخر لديه تأشيرة زيارة – وهو أمر قانوني بموجب قوانين الامارات – وقيل إنه تم ترحيلهم أولاً. إلا أن الكثيرين من أمثال جون، لديهم وثائق صالحة وكانوا يعملون فعلاً.
وبرغم أن من الواضح أن الاحتجاز والترحيل لم يكن لهما علاقة بالأوضاع القانونية المتفاوتة للمهاجرين، إلا أن دوافع السلطات من وراء ذلك لاتزال غير واضحة. وزعمت الإمارات في بيان، نفت فيه حدوث أي انتهاك للعدالة أو أي دوافع عنصرية، إن هؤلاء العمال ينتمون لقائمة واسعة من الجرائم بما في ذلك "شبكات الدعارة، والاتجار بالبشر، والأفعال المخلة بالآداب والاعتداءات..." كما زعم البيان أن العمال تم ترحيلهم فقط بعد اتخاذ "الإجراءات القانونية اللازمة"، ما يناقض شهادات 100 عامل تم مقابلتهم من قبل ImpACT International and Euro-Mediterranean Human Right Monitor، وBBC، و تومسون رويترز (TRF).
ومن بين الانتهاكات الحقوقية المتعددة التي وصفها جون وآخرون، كانت أوضاع سجن الوثبة السيئة. ورغم أن ابوظبي تُعرف بأنها تطبق أنظمة ولوائح خاصة بكوفيد-19أكثر صرامة عن الإمارات الأخرى، إلى أن السلطات عرّضت المحتجزين لمخاطر غير معقولة: تكديس 62 مهاجر في زنزانة واحدة، حرمانهم من منتجات النظافة، كما زعم بعض المهاجرين أنهم خضعوا لفحوصات كوفيد 19 مزورة لتمكينهم من السفر. ولم يتسلم هؤلاء المحتجزون الصابون ومعجون الأسنان أو اية غيارات من الملابس إلا بعد مرور شهر على احتجازهم. كما أجبروا على شرب ماء الصنبور القذر وأجبروا على التنافس للحصول على قليل من البندول كبديل عن الرعاية الصحية الحقيقية.
"كنا نتساءل عما إذا كانت هذه الجرائم قد كتبت على وجوهنا الأفريقية (...) فغالبيتنا لدينا وثائق رسمية صالحة، وأصحاب عمل، وليس لدينا أي سجلات جنائية."
وتمت مصادرة جميع ممتلكاتهم الشخصية، بما في ذلك هواتفهم النقالة، ولم يسمح للمهاجرين التواصل مع عائلاتهم. السفارات كانت على علم بالوضع إلى حد ما، إذ أنهم زودوا كثيرين بوثائق للمغادرة، إلا أنهم لم يزوروا السجن. وأخبر القنصل العام الكاميروني المقيم في دبي TRF، أن طلباتهم المتكررة للحصول على معلومات، قوبلت بالتجاهل، كما لم يسمح له بالدخول إلى سجن الوثبة.
هذه حالة واضحة من التمييز العرقي والتجاوز العنيف للسلطات. لقد خلقت الحالة ضمنياً، مزيداً من المشاكل للعمال المهاجرين الأفريقيين. إذ سوف تتردد الشركات في توظيف الأفريقيين، كما سيقلق أصحاب العقارات بشأن تأجير العقارات لهم، وسوف يتم ربط المجموعة بأكملها بالجرائم حتى مع عدم وجود دليل يدعم هذه الادعاءات.
يحاول جون، حالياً، أن يحدد ما إذا رُفعت قضية ضده في الإنتربول. إلا أن الطلب للمعلومات الذي قدمه – ودفع ثمنه- أُلغي من قبل الإمارات. كما يحاول جون وآخرون تحصيل المدفوعات النهائية والتسويات من أصحاب عملهم السابقين.
"خسر الناس الأموال، وأشياؤهم القيمة، وأحلامهم، ودُمرت العائلات بلاسبب... خسر الناس آمالهم بلاسبب."
* تم تغيير الإسم
جون يتذكر ما مر به في محنته |
في الثالثة فجراً من 25 يونيو، داهمت قوات التدخل السريع، شققاً يقطنها مهاجرون أفريقيين في أبو ظبي وحولها. وبينما كنا نائمين، اقتحم شقتنا عدد كبير من رجال الشرطة وآخرون بملابس الجيش، وقاموا بقرع جميع الأبواب وتكسيرها. وبمجرد دخولهم، قاموا بتكسير جميع كاميرات المراقبة الموجودة في ردهات المصاعد والسلالم، بالإضافة إلى الكاميرات الموجودة داخل الشقق. كذلك قاموا بإطفاء أضواء الشارع في المنطقة. أخرجونا من الفراش وقاموا بتقييد أيدينا دون أن يخبرونا السبب. أمرونا بالاستلقاء على الأرض ورؤوسنا إلى الأسفل، فيما داس وسار بعض رجال الشرطة على ظهورنا، والبعض داس رؤوسنا بأحذيتهم الثقيلة. صدمونا بمسدسات صاعقة، وقاموا بركلنا عندما تساءلنا عن الذي يحدث. لم نقاوم، ومع ذلك كانوا يقفزون علينا من أجل المتعة. قاموا بأخذ الأفريقيين فقط وتركوا الآخرين في المبنى.
تم نقلنا بسرعة عبر السلالم، فيما كان أفراد الشرطة يواصلون ركلنا ولكمنا. وعندما وصلنا إلى الأسفل، كان بانتظارنا أسطول من الحافلات الصغيرة والكبيرة. قاموا بتصويرنا أمام المبنى قبل الصعود للحافلات. أخذونا بالحافلات إلى مركز شرطة الخالدية، وهو المقر الرئيسي لإدارة المباحث العامة، حيث مكثنا في الحافلات لمدة نصف ساعة. وعندما استفسرنا عما فعلناه، طلبوا منا أن نلتزم الصمت، وإلا فسوف نواجه معاملة أكثر قسوة. كثيرين منا ضُربوا بشدة فيما جُرح آخرون. الوضع كان يوحي بقلة الحيلة. نقلونا فيما بعد إلى سجن الوثبة الواقع في منتصف الصحراء. وصلنا إلى هناك حوالي السادسة صباحاً. وكان هناك ما يقارب 500 من الأفريقيين. وأجبرونا أن نركع حينما كانوا يقومون بتسجيلنا. جاء معظمنا عراة تقريباً، غالبية الرجال كانوا يرتدون سروالا قصيرا بدون قمصان، فيما كانت النساء يرتدين ملابس شفافة وملابس داخلية. البعض كنّ حوامل. البعض كانوا عراة تماماً، فيما كان المسئولون يحدقون فينا ويسخرون منا. بعد فترة طويلة من الانتظار، تم فصل النساء عن المجموعة وأُخذن إلى قسم الزنزانات الخاص بهن. تم أخذنا إلى قاعة بها حوالي 10 مسئولين، الذين قاموا بتجريدنا من ملابسنا، وكانوا يمزقون ملابسنا إذا ما طلبنا منهم الترفق بنا. أحرجونا جميعاً. بعد ذلك، وضعونا في زنازين مختلفة، وحبسونا في غرف، في كل منها يوجد 62 شخص. لم يكن هناك فرشاً كافية. وكان المكيف يعمل بأقصى حد، مثل مكيفات المصانع، قوي جداً. كنا نتجمد من البرودة (كان هذا في ذروة فضل الصيف في البلاد). فتجمعنا كلنا في جانب واحد للحصول على بعض الدفء. بعد مرور حوالي يومين، بدأنا نرفض الطعام حتى نلفت انتباه الضباط المسئولين لكن دون جدوى. حاولنا ثلاث مرات، رفض الوجبات ليوم كامل وأكثر، لكن ذلك لم يجدِ أيضا. لذلك قررنا الطرق على الباب الحديدي لإحداث ضوضاء. فجاءت مجموعة مسلحة مكونة من نحو 30 ضابط وأخذونا في موكب إلى الخارج. كذبوا علينا بالقول إنهم سيقيدون أيدينا بالأصفاد لأخذنا للتحقيق تمهيدا للإفراج عنّا. لكن عندما انتهوا من تقييدنا، قاموا بحبسنا من جديد وغادروا. تم تقييد أرجلنا وأيدينا بالسلاسل معاً لثلاثة أيام. البعض منا اضطر لقضاء حاجته في نفس المكان. لم نستطع النوم أو الأكل بشكل صحيح. ولم نتمكن من الاستحمام أو استخدام دورة المياه. بكينا وتوسلنا. وبعد عدة أيام أخذونا للمباحث ونحن مقيدين في مجموعات مكونة من عشرة أشخاص. وأخبرونا أنهم يتهمونا بالدعارة، والاتجار بالبشر واستهلاك الكحول. سألنا ما إذا كانت هذه الجرائم مكتوبة على وجوهنا الأفريقية، إذ لم يتم القبض على أي منا متلبساً أو على أتصال بشيء من هذا القبيل، كما أن غالبيتنا لدينا وثائق صالحة قانونياً، وأصحاب عمل، وليس لدينا أية سجلات جنائية. لكنهم لم يتحملوا عناء الرد علينا، بل أجبرونا على التوقيع على وثائق باللغة العربية لم نستطيع فهم محتواها. أعادونا إلى زنازيننا. وبعد أسبوعين أعطونا أول صابونة للاستحمام، لكنهم استمروا في حرماننا من الدواء، وحتى معجون الأسنان. كانوا فقط يقذفون بالطعام لنا – قطعة واحدة من الخبز للإفطار والعشاء، والرز للغداء. كانت مبردات الماء قذرة وبها نمل أسود، لأنها لم تُستخدم لفترة طويلة. قمنا بالشكوى، لكن لم يتغير شي، فكان علينا أن نشرب الماء القذر لنبقى على قيد الحياة. كان الوضع مهيناً ومحبطاً إذ كنا نبكي يومياً ونصرخ توسلاً ليسمحوا لنا بالتحدث مع سفاراتنا وشركاتنا. لكن كل ذلك كان دون جدوى فلم نحصل على فرصة لمقابلة أي مسئول من السفارة. فقدنا أي أمل لسنة أسابيع، عندما جاءوا بعدها وأعطونا فرش أسنان وأخبرونا أنه سيتم ترحيلنا لأن أخواننا وأخواتنا الذين يشبهوننا ارتكبوا جرائم في الإمارات. وقالوا إنه أمر من أحد الشيوخ، بترحيلنا كلنا سواء ارتكبنا جريمة أم لم نفعل. وبدأوا بإخراجنا تدريجيا كل يوم. أنا شخصياً، تم الافراج عني بعد شهرين. تم أخذنا إلى مكاتبهم ونحن مقيدين بالسلاسل وأعطينا ملابس ليست لنا، وكانت قذرة وذات رائحة كريهة، وتم اصطحابنا إلى المطار بعد إعطائنا هواتفنا النقالة فقط. أما باقي ممتلكاتنا الثمينة بما فيها أموالنا، فلم يتم تسجيلها من قبل المسئولين. كنا نأمل أن نسمع شيئاً من حكومتنا لتدافع عنا، لكننا لم يتصل بنا أو يسأل عنا أي أحد. حاولنا الوصول إليهم لكن دون جدوى. وبعد توقف "ترانزيت" لثمان ساعات في كينيا، وصلنا إلى بلدنا، جائعين، ومتعبين لكننا كنا جميعاً متحمسين برغم ذلك لأننا سنتخلص من كل ما مررنا به. قمنا بالتواصل مع أصدقاء من الشركات التي كنا نعمل بها لنطلب منهم البحث عن أشيائنا الثمينة التي تركناها في غرفنا، لكن تمت سرقت كل شي وبيعه من قبل صاحب المبنى. خسرنا كل شي بما في ذلك أموالنا باستثناء بعض الملابس القديمة. وعندما سأل أصدقائنا أصحاب المبنى، أخبروهم أن الحكومة غرّمتهم حوالي 8000 دولار لتسكينهم أفريقيين في المبنى، ولذلك قرروا استرجاع أموالهم. عانينا فقط بسبب بشرتنا السوداء، في بلد عشنا فيها لسنوات نحترم جميع قوانينها الاجتماعية والحكومية. لقد حطموا أحلامنا، وسرقوا أموالنا، واستغلوا تضحياتنا وجهودنا، وجعلونا نعمل لـ 12 ساعة يومياً، فقط لأننا أفريقيين. |