الانتماءات الدينية والطائفية تطغى على جهود الدفاع عن حقوق العمال في الخليج
مقابلة مع مؤلف كتاب "غير نظامي": قصص مهاجرين هنود في الخليج العربي
برغم مرور عشرات السنين على هجرة ملايين الهنود، إلا أنه لا توجد سرديات لهذه الحيوات والتجارب. ويأتي كتاب "غير نظامي" للكاتب ريجيمون كوتابان والذي يروى قصص مهاجرين هنود في الخليج العربي، ليسهم بمليء هذا الفراغ. يعود تاريخ أوّل قصص الكتاب إلى الستينات عندما كان الناس يسافرون بدون جواز سفر، في رحلات تستغرق أسابيعا على أمل العثور على الثروة في "دوفى".
لا يشهد المؤلف على الحيوات الكامنة خلف الإحصائيات فحسب وإنما يوضح أيضا مدى تنوع رحلة الهجرة. حتى في المسار الذي يصبح عليه المهاجر غير نظامي أو غير موثق، وحتى عندما تبدأ الرحلة بشكل متشابه فإن لكل منها تفاصيل فريدة وخاصة. تمكًن كوتابان من التقاط ذلك بتعاطف كبير، ينغمس في الحالات التي ساعد في سردها وفي حلّها، وضمّن قصص الكتاب مسيرته الشخصية من مهاجر طموح إلى حين ترحيله من عمان بسبب محاولاته رفع السقف، كصحافي وكناشط في البلد الذي لا يمنح لأي منهما مساحة للعمل فيها. توضح القصص تقاطع تسييس الهوية، والأبوية، وحرية الإعلام بالإضافة إلى التمييز.
بالنسبة لكوتابان، هذه ليست حالات ساعد في حلّها أو قصص يخبّر عنها فحسب، وإنما هي علاقات قام بتنميتها واستمرت حتى بعد انتهاء "مشكلتها" بفترة طويلة. تظل هناك فكاهة ويأس أيضا بعد مرور وقت طويل على حدوثها. منها قصة جميلة التي اضطرت للحصول على كفالة ابنها العماني ذو الـ 11 عاما والذي تسميه "أرباب" أو "أبوني" والذي عاد إلى كيرالا بعد صراع كبير، إلى عائلة غير مرحبة به، تسمّي سيارته الصغيرة، منزله وكفنه.
ويتجنب الكتاب، أيضا تصنيف الناس أو المجتمعات بالأسود والأبيض. وعوضا عن ذلك، يلفت الانتباه إلى الأنظمة والقوى التي تمكّن من الإساءة. تقرأ فيه كثيرا عن أفراد الشرطة العمانيين المتعاطفين أو مسئولي الهجرة الذين يذهبون أبعد من واجبهم الوظيفي ليساعدوا المهاجرين، كما تقرأ عن أصحاب العمل العمانيين القساة. كما تقرأ عن المهاجرين الهنود والباكستانيين الذين يخاطرون بحياتهم لمساعدة هؤلاء الذين يمرون بأوضاع صعبة كما تقرأ عن الأثرياء الذين لا يخدمون سوى أنفسهم. و"رواد الأعمال" والأخصائيون الاجتماعيون.
MR تتحدث إلى كوتابان عن تجربته الشخصية في كتابة هذا الكتاب.
القصص التي تسردها تنتهي إلى قرارين: إما العودة إلى "الوطن" كما يودون (حتى وإن كانت العودة إلى حياة غير سعيدة) أو البقاء بسبب التزام أكبر. ماذا عن القصص التي كُسرت أحلام أصحابها أو أنها لم تتحقق؟
في الفترة ما بين 2010 و2017، أبلغت عن أكثر من 3000 من قصص المهاجرين لمختلف الصحف، والوكالات، والمنصات الالكترونية. لكنني أعلم أيضا أنه فاتتني آلافا من القصص. كيف يمكنني أن أروي كل هذه القصص؟ بالعودة إلى الكتاب، أردت أن أروي قصص حقيقية. ولذلك، اخترت عددا من القصص التي تعاملت معها. نعم اتفق أن بعض القصص فاتها أن تُروى.
في 2015، التقيت شخصاً مسناً من كيرلا في عمان. كان نائما على دكة أحد المتاجر يوم الجمعة، العطلة الرسمية. بدا منهكاً. وعندما قدمت نفسي له رحب بي وبدأ الكلام. كان مريضا وعالقا. كان غير نظامي وكان في منتصف الستينات من عمره.
كان بحاجة للذهاب إلى المستشفى والعودة إلى الهند. تمكنت، بمساعدة أصدقاء لي، إدخاله المستشفى برغم كونه غير نظامي وتوجهت إلى السفارة الهندية طلباً للمساعدة. فقامت السفارة بوضع خطة.
قمنا بالتواصل مع السلطات الحكومية في كيرلا، الذين عملوا على تجهيز الوثائق المطلوبة لإثبات كونه مواطناً هندياً. وحددنا موعد الإعادة إلى الوطن، واشترينا تذكرة السفر. لكن قبل يوم من العودة وافته المنية. كان مهاجر هندي غير نظامي لمدة 25 عاماً في عمان.
ثم بعد ذلك قمنا بحرق الجثة في عمان. حتى بعد أن اقتربنا من النهاية السعيدة حدثت خيبة الأمل. لم انجح في سرد روايته أو أن أجد فيها نهاية سعيدة. وهناك الكثير من القصص المشابهة.
الكتاب أيضا عبارة عن تعليق على وضع حرية الصحافة في المنطقة، ولكن كان لديك محرر ورئيس مجلس إدارة مستوعبين الفكرة تماماً. كم استغرقك لتصل لهذه الدرجة من الإقناع؟
كنا جميعاً على خط تفكير واحد. لدينا فهم جيد لسرد القصص. كان رئيس مجلس الإدارة والمحرر داعمين لي في أي وقت عندما كنت أعمل في الميدان. مرات كثيرة، عندما كنت أواجه مشاكل في خيام احتجاجات الربيع العربي أو في مساكن العمال، كانوا يساعدونني. كل هذه التجارب كانت مقنعة كثيرا بالنسبة لي.
أنت تتحدث عن أولئك الذين يساعدون المهاجرين الذي يواجهون الأوضاع الصعبة والمحن مثل بينل (اسم غير حقيقي). ما هو الخطر الذي يتعرضون لها وهم يواصلون العمل هناك؟
عليهم أن يكون أكثر حذراً. الجميع أصلا تحت رقابة الحكومة. ففي أي وقت يمكن استدعائهم، واستجوابهم، واعتقالهم وأيضا ترحيلهم. لكنهم على استعداد للمخاطرة بعملهم ومصدر رزقهم في البلد لأنهم يرون في مساعدة المهاجرين العالقين أمراً أكثر أهمية. بالإضافة إلى ذلك، اعتاد بينل أن يخبرني "إن مساعدة مهاجراً عالقاً ليس بجريمة..."
هناك نقص شديد في الحركة المجتمعية المدنية باستثناء التبرعات، وهذا يجعل الوصول للعدالة والتمكين صعباً. أين ترى عملك بين كل ذلك؟
اعتاد نشطاء منظمات المجتمع المدني المخضرمين في عمان على تحذيري من "تجاوز حدودي كناشط". وقد خسرت عملي بسبب "تجاوزي هذه الحدود". لكنني لست آسفا لذلك. أعرف أنني قمت بعمل أفضل من كثير من الكثير من الناشطين هناك في الفترة القصيرة التي أتيحت لي.
كصحافي وناشط، هل أقلقك تجاوز الخطوط أو طمسها؟ هل من الممكن التظاهر بالموضوعية عند الكتابة عن قضايا حقوق الإنسان؟
كان ذلك صعباً، لكن المحررين ساعدوني في المحافظة على الموضوعية.
مالذي تريده أن يبقى لدى قراءك بعد انتهائهم من قراءة الكتاب؟ هل هناك رسالة معينة في ذهنك أثناء كتابته؟
نعم، في المحصلة سيخلص القارئ إلى إن الأمور ليست على ما يرام فيما يتعلق بالعمال المهاجرين في الخليج العربي. سيجد القراء أن جميع الأسئلة المتعلقة بهجرة العمال، وعبودية العصر الحديث، والاتجار بالبشر، جميعها تظل بلا إجابة حتى عندما يزعم القادة أنهم أبطال في حقوق الإنسان والعمال.
تعتبر الهند أكبر دولة مرسلة للمهاجرين إلى الخليج، ومع ذلك فنحن نحصل على أدني مستوى من الحماية سواء في دولة المقصد أو لدى العودة. إلى ماذا تعزو ذلك؟
لقد شعرت أن فهم الحكومة الهندية للهجرة العمالية الخارجية ضعيف. فهي أكثر بيروقراطية من اهتمامها بالتركيز على الإنسان. وهذا سبب فشل الحكومة الهندية.
لماذا لا يتمتع المهاجرون بنفوذ سياسي أفضل؟
يبلغ إجمالي عدد سكان الهند 1,2 مليار. ويصل عدد الهنود غير المقيمين إلى 13 مليون، أو ما يشكل 1% من إجمالي عدد السكان. وهذه النسبة حتى وإن اجتمع أصحابها فلن يكون لهم رأي مؤثر. فالنسبة ضئيلة تكاد لا تذكر في بلد كبير مثل الهند.
وبالإضافة إلى ذلك، ينقسم الهنود إلى مجموعات وطوائف مختلفة جميعها تنتمي إلى أحزاب سياسية ذات أهداف وأغراض مختلفة. ولم يكن رفاه المهاجرين يوماً على أجندة أولوياتهم. الآن، لنأخذ حالة مهاجر هندي إلى الخليج العربي. لن يحصل على من يرى معاناته كمهاجر. لن يسأل أبدأ لحقوق المهاجر، وإنما سيدفع أكثر من أجل الحقوق الدينية والطائفية والسياسية التي يمليها عليهم رؤسائهم.
كيف كان تأثير الكتابة عن هذه القضايا عليك شخصياً؟
إيجابي وسلبي على السواء. إيجابي لأن مثل هذه القصص وهذا الكتاب يجلبان الاحترام لي ولعائلتي.
أما السلبي، فهو أنني أخاطر بسلامتي بالكتابة بهذا الانفتاح. الكثير من دول الخليج منعتني من دخولها. وبالإضافة إلى ذلك، فأنا أعاني ماليا بدون دخل منتظم بعد أن فقدت وظيفتي في 2017 بسبب فضح ممارسة الاتجار بالبشر من خلال قصة كنت قد كتبتها. أنا المعيل الوحيد لأسرتي وخسارة الدخل أمر محبط.