صدر تقريران متباينان إلى حد كبير حول الإصلاحات العمالية في قطر، وذلك في نهاية نوفمبر، بعد مرور نحو عام على انطلاق الفيفا 2022. إذ قامت كل من منظمة العمل الدولية، التي لها برنامج تعاون فني مع قطر، ومنظمة العفو الدولية بتقييم الوضع الحالي في البلاد. وفي حين يعترف التقرير الأول بوجود بعض القيود والتراجعات، لكنه في الوقت نفسه يقدم، وبشكل عام، تقريراً عن أداء إيجابي بناء على بيانات قدمتها وزارة العمل. أما النتائج التي تضمنها تقرير منظمة العفو الدولية والتي ترتكز على شهادات العمال فهي ترسم صورة آقل تفاؤلاً و بشكل كبير، وتعكس أيضاً ما وجدته [MR] Migrant-Rights.Org في تحقيقاتها وأبحاثها.
ويمثل تقرير منظمة العمل الدولية نهاية المرحلة الثانية من التعاون الفني مع قطر للفترة ما بين يوليو 2021 حتى ديسمبر 2023. وبدأ التعاون بين الطرفين في 2018، بإطلاق سلسلة من الإصلاحات التي تركّز على أربع ركائز:
- سوق العمل وإدارة الهجرة العمالية
- انفاذ قانون العمل والوصول إلى العدالة
- صوت العمال، والحوار الاجتماعي
- التعاون الدولي، وتبادل الخبرات
وقامت منظمة العمل الدولية، ومن خلال التعاون مع وزارة العمل القطرية، بمساعدة قطر في تطبيق عدد من الإصلاحات تضمنت: إعادة هيكلة إجراءات تقديم الشكاوى، وضع حد أدنى للأجور، وإنشاء نظام لحماية الأجور لمنع سرقة الأجور، وإلغاء نظام الكفالة ليتمكن العمال من تغيير وظائفهم بدون إذن الكفيل. وجميع هذه الإصلاحات تبقى حبر على ورق مادام العمال يواجهون عوائق لاحصر لها، لتحقيقها على أرض الواقع، خصوصاً فيما يتعلق بآليات الوصول إلى العدالة.
أدناه، تقوم MR بفحص ما توصلت إليه منظمة العمل الدولية (والحكومة القطرية) من نتائج في مقابل أبحاثنا، وتلك التي خلصت إليها منظمة العفو الدولية والمنظمات الأخرى العاملة في هذا المجال.
- الركيزة الأولى: سوق العمل وإدارة الهجرة العمالية
بيانات مستقاة من تقرير منظمة العمل الدولية
- انتقال العمال: رفض 364,053 طلب لتغيير الوظيفة من آصل 1,037,644 طلب قُدم خلال الفترة من سبتمبر 2020 وأكتوبر 2023 في حين تم قبول 669,198 طلب. وانخفض معدل الأيام المطلوبة لاستكمال طلب تغيير صاحب العمل من 22 يوم في أغسطس 2021 إلى 6 أيام في أغسطس 2023.
- العمالة المنزلية: بلغ عدد العمالة المنزلية في قطر 304,784 في أغسطس 2023. وفي 2023، قام الاتحاد الدولي للعمال المنزليين بتنظيم أكثر من 20 جلسة توعية وورشة عمل.
توصلت منظمة العمل الدولية إلى أن شهادة عدم الممانعة لاتزال متطلباً في الممارسة العملية، وذلك برغم الاحتفاء الكبير بإلغائها كمطلب قانوني. وشهادة عدم الممانعة هي وثيقة يمنحها صاحب العمل الحالي ليؤكد حصول العامل على إذنه لتغيير وظيفته.
«برغم إن هذا ليس مطلباً قانونياً أو بحسب نظام تغيير الوظيفة، إلا آن شهادة عدم الممانعة لاتزال مطلباً لكثير من طلبات العمل. » وظهر نظام شهادة عدم الممانعة فعلياً خلال شهور من إلغائه، كما ذكرت تقارير MR في مطلع 2021. ولم تتم أية محاولة خلال العامين التاليين من أجل إصلاح هذه الممارسة واسعة النطاق.
قامت MR مؤخراً بدعم قضية تتعلق بسائق قام برفع دعوى على كفيله بسبب حجب رواتبه عن 5 شهور، وأعطي تعليمات مكتوبة من وزارة العمل للحصول على شهادة عدم ممانعة ليتمكن من العمل في وظيفة أخرى. ولم يتمكن من الحصول على شهادة عدم الممانعة إلا بعد أن قام بإلغاء الدعوى. وهذه الحالة واحدة من حالات كثيرة تم توثيقها من قبل MR، بما في ذلك مجموعة من سواقين خدمات التوصيل، وهم أيضا لم يتمكنوا من تغيير وظائفهم في بداية هذا العام. ويشار هنا إلى أن «دوحة نيوز» وهي وسيلة إخبارية محلية، نقلت في فبراير 2023، وبشكل مشابه، شهادات لمجموعة من النساء الكينيات اللاتي لا يزلن بحاجة لتقديم شهادة عدم ممانعة لوزارة العمل للحصول على الموافقة لتغيير الوظيفة.
من السهل على أصحاب العمل/الكفلاء تجاوز الإصلاحات للسلطة الكبيرة التي لديهم، مما يترك العمال المهاجرين في وضع ضعيف وعرضة لجميع أنواع الانتهاكات بما في ذلك سرقة الأجور والعوز.
وعلى سبيل المثال، وثقّت منظمة العفو الدولية لاستخدام بطاقة الهوية القطرية (بطاقة الهوية أو الإقامة المطلوب من كل العمال المهاجرين حملها في جميع الأوقات) لتقييد الموظفين. فالشركات التي تأخذ دور الكفلاء، تملك سلطة إلغاء أو رفض تصاريح الإقامة. وهذه السلطة تسمح لهم بتقديم بلاغات كاذبة تتهم فيها العمال ب «الهروب»، مما قد يؤدي إلى القبض عليهم وترحيلهم، حتى هؤلاء الذين يحاولون الهرب من سوء المعاملة.
وكانت وزارة الداخلية قد أدخلت تغييرات في 2022، تتطلب من صاحب العمل الذي يقدم بلاغ عن حالة هروب، تقديم بيانات إضافية تشمل: راتب العامل الشهري، وأية مستحقات غير مدفوعة للعامل أو أية شكوى عمالية قائمة، وعنوان إقامة العامل، ومعلومات عن أي شهود. لكن، وكما هو مذكور في تحليلنا لقوانين الهروب، فإن القانون لا يحقق أي هدف سوى خلق العوائق أمام العمال، وما هذه الإجراءات سوى المزيد من الأعمال الورقية. فقانون العمل القطري أصلا يسمح بالقيام بإجراء تأديبي ضد العمال الذين لا يحضرون للعمل. فتجريم ذلك، كما يفعل قانون الهروب، لا يؤدي سوى إلى مفاقمة هشاشة وضع العمال المهاجرين.
فيما يتعلق بالتوظيف، قامت قطر بفتح 14 مركزاً لإصدار تأشيرات للدخول إلى قطر في 6 من دول الأصل (بنغلاديش، والهند، وباكستان، والنيبال، والفلبين، سريلانكا) حيث لا يدفع المتقدمون أي رسوم للتوظيف. وقد تم إنشاء هذه المراكز لحل مشكلة ممارسات التوظيف غير الأخلاقي، بما في ذلك الخداع، والابتزاز. وفي حين نجحت مراكز التأشيرة القطرية في التخلص من ممارسة استبدال عقد العمل، إلا أنها لا تلعب دوراً في عملية التوظيف حيث يمارس أغلب الفساد خلالها. ولايزال العمال المهاجرون المرتقبون يقترضون بمعدلات فائدة مرتفعة جدا ليتمكنوا من دفع هذه الرسوم، وغالباً ما يتعرضون لسرقة الأجور ومواجهة ظروف معيشية سيئة على عكس ما وُعدوا به أصلا.
في مارس 2023، كشفت وزارة العمل عن أسماء 4 وكالات فقط توظيف ممن تم إلغاء تراخيصها مؤخراً. لكن، بحسب وكالة أنباء قطر فإن مجموع عدد الوكالات التي تم إلغاء تراخيصها يبلغ 23 وكالة، ولم يتم تسمية باقي الوكالات. وفي يوليو، استكملت وزارة العمل ومنظمة العمل الدولية تقييماً لنظام الترخيص ومراقبة وكالات التوظيف الخاصة، وتضمنت التوصيات توسيع الإجراءات لوضع معايير للترخيص وكذلك وضع متطلبات قابلة للتدقيق لإصدار وتجديد التراخيص لوكالات التوظيف.
الركيزة الثانية: انفاذ قانون العمل والوصول إلى العدالة
بيانات مستقاة من تقرير منظمة العمل الدولية
- نظام حماية الأجور: 69,806 شركة مسجلة في نظام حماية الأجور
- الوصول إلى العدالة: تم إنشاد 5 لجان لتسوية المنازعات
- التفتيش العمالي: قامت إدارة التفتيش العمال بتفتيش 22,770 شركة، و 22,493موقع إقامة العمال، و14,795موقع عمل
- الإجهاد الحراري والسلامة المهنية: تم إغلاق 504 موقع عمل بسبب مخالفات عدم الالتزام وذلك بعد إجراء عدد من الحملات التفتيشية الموجهة. وتم إنشاء قاعدة بيانات موحدة لإصابات العمل في قطر.
ووجدت MR ومنظمة العفو الدولية أن آليات التظلم فشلت دائماً في حماية حقوق العمال القانونية. بالإضافة إلى ذلك لاتزال العمالة المنزلية مستثناة من الآليات الأساسية مثل نظام حماية الأجور والتفتيش العمالي. ولا يقوم نظام حماية الأجور برفع شكوى ضد صاحب العمل المخالف بشكل تلقائي، بل يترك الأمر للعامل المتضرر لتقديم الشكوى. بالإضافة إلى ذلك، وكما أشار استعراض سابق أجرته MR (في أغسطس 2023 بمناسبة مرور 3 أعوام على الإصلاحات)، فإن عقبات جديدة قد ظهرت وبسببها أصبحت الإصلاحات غير فعالة.
عندما يبدأ العامل عملية تقديم الشكوى، فإن الخطوة الأولى هي التحكيم ويقوم خلاله طرف ثالث (مسئول من وزارة العمل) باتخاذ قرار بناء على الخلاف الذي تم تقديمه بين الموظف وكفيله، وفي الغالب يكون عبارة عن مفاوضات للتوصل إلى حل وسط. وفي حالة عدم حل الخلاف يتم التوجه إلى لجنة تسوية المنازعات التي تلعب دور المحكمة. وفي حالة طعن العامل لإجراء تأديبي لعدم الفصل فإن الشكوى تصبح خارج اختصاص اللجنة.
وبحسب شهادة العمال وتعليقات المسئولين، فإن لجنتين أو ثلاث لجان فقط من أصل 5 لجان (كانت 3 ورُفع عددها إلى 5 في أكتوبر 2022) تعمل على مدى عدة شهور حتى عام 2023. وأشارت كل من منظمة العفو الدولية ومنظمة العمل الدولية إلى أن أغلب المطالبات التي وردت إلى لجان تسوية المنازعات، متعلقة بسرقة الأجور، وتعويضات الإجازات، ومستحقات نهاية الخدمة غير المدفوعة، لكنها لم تشمل حالات لها علاقة بدفع رسوم التوظيف، أو حالات الإصابة والوفاة المرتبطة بالعمل.
في 2019، تم إنشاء صندوق التأمين ودعم العمال لتعويض العمال الذين يكسبون قضايا سرقة الأجور في حالة فشل شركاتهم في دفع مستحقاتهم أو عدم قدرتها على ذلك. ولا يمكن الاستفادة من أموال الصندوق إلا بأمر مسئول المحكمة. وبحسب ملاحظاتنا، فإن مسئولو المحكمة غالباً ما يجبرون العمال إما على تسوية قضاياهم أو مواصلة المطالبة بحقوقهم من دول الأصل.
في أبريل 2022، وضع قراراً وزارياً حداً أقصى لمبلغ المستحقات المالية التي ممكن صرفها من الصندوق: رواتب 3 شهور أو20,000 ريال قطري كحد أقصى للعمال في الشركات القائمة، و12,000ريال قطري كحد أقصى للشركات التي لم يعد لها وجود، و8,000 ريال قطري كحد أقصى لعمالة المنازل.
ومن إجمالي 2,3 مليار ريال قطري تم توزيعها من الصندوق حتى أغسطس 2023، فقط نصفها صُرف ل 70,000عامل مهاجر. «فيما تم استخدام النصف الآخر من قبل شركات وجهات لدفع رواتب وأجور من خلال الصندوق. وتذهب أغلب المدفوعات من أو من خلال الصندوق إلى الشركات ذات السيولة المحدودة، بهدف دعم استكمال المشاريع أو العمليات ذات الصلة.»
ويشار إلى أن الشفافية بشأن استخدام أموال الصندوق ومعايير الأهلية، منخفضة، وتشير أحدث البيانات إلى أن التركيز هو على استكمال المشاريع أكثر منه معالجة مسألة سرقة الأجور آو مساءلة أصحاب العمل. بالإضافة إلى ذلك، فإن كل الوثائق والإجراءات هي باللغة العربية، ما يعني أن العمال المهاجرين (الذين يأملون في الاستفادة من هذا الصندوق أو من إجراءات التشاكي الأخرى) يعتمدون بشكل كامل على التفسيرات المقدمة لهم من قبل الحكومة.
ولم يتناول تقرير منظمة العمل الدولية العقبات التي يواجهها العمال في الواقع عندما يحاولون الهروب من إساءات مكان العمل، بما في ذلك الحصول على مكان إقامة مؤقت، وتغطية المصرفات اليومية للطعام والمواصلات خلال فترة تقديم البلاغ خصوصاً عندما يواجهون سرقة الأجور.
وعلى سبيل المثال، لا يوجد مأوى للعاملين الذين يقيمون في مساكن يوفرها أصحاب العمل. وبرغم أن وزارة العمل، ودار رعاية جمعية الهلال الأحمر القطرية لضحايا الاتجار بالبشر يعملون في أبو هامور، إلا آن القبول للإقامة فيها يتم فقط على أساس الإحالة من مؤسسات حكومية. وبناء على الحالات التي تعاملت معها MR، فإن دعم المأوى يمتد ليغطي الإقامة، وتوفير الطعام والمواصلات لحضور جلسات الشكاوى والمحاكم، إلا آنه لا يقدم المساعدة القانونية آو الإرشاد.
كذلك يتجاهل التقرير سبباً رئيسياً لسرقة الأجور في قطر، كما أشار تقرير منظمة العفو الدولية. فعندما يتأخر العملاء (بما فيهم الحكومة) عن الدفع للمقاول، يصبح وضع التدفق النقدي مقلقاً. ويؤدي هذا إلى تأثيرات الدومينو فيتم تأخير الدفع للمقاولين من الباطن أو عدم دفع مستحقاتهم كاملة، وفي نهاية المطاف يصل التأثير للعمال.
وسلط مشروع Vital Signs لمنظمة فيرسكوير و منظمة العفو الدولية الضوء على تردد قطر في تحسين التحقيق في وفيات العمال، ودور عامل الاجهاد الحراري في هذه الوفيات.
الركيزة الثالثة: صوت العمال والحوار الاجتماعي
بيانات مستقاة من تقرير منظمة العمل الدولية:
- الحوار الاجتماعي: 72 لجنة مشتركة على مستوى المؤسسة، تضم 578 عامل منتخب يمثلون 29,000 موظف. وتعمل منظمة العمل الدولية على جعل اللجان المشتركة الزامية للمؤسسات الخاصة التي تضم أكثر من 100 موظف، وذلك للمرحلة الثالثة من البرنامج الفني.
لاتزال مبادرة اللجنة المشتركة التي قدمتها منظمة العمل الدولية استجابة لهذه الركيزة، طوعية بطبيعتها، وتفتقر القدرة على التفاوض الجماعي والتنظيم. وبرغم آن قطر لديها اتفاقيات مع عدد من الاتحادات الدولية ممن يعمل ممثلوها لضبط التواصل المجتمعي، إلا أن تشكيل النقابات لايزال غير قانوني فيها. وفي غياب حق التنظيم الجماعي، من الممكن أن تكون اللجان المشتركة بديلاً غير مناسب.
تعتبر اللجان المشركة وسيلة لتوصيل الشكاوى إلى صاحب العمل، وتعتمد معلوماتها على موافقة الشركة. فلا يمكن ان يتفاوض العامل على أجر آو عقد عمل أفضل من خلال اللجنة. بالإضافة إلى ذلك، فهي تخدم شريحة صغيرة العمال المهاجرين وتستثني عمالة المنازل بشكل كامل. وكما ذكرت MR سابقاً، يظل العمال بلا صوت مسموع، ومعتمدين على المعلومات التي تسمح بها الشركة عنهم.
حتى مع خفوت الأضواء المسلطة على قطر، من المهم الحفاظ على زخم هذه المرحلة الإصلاحية لتقديم حماية أفضل لحقوق العمالة المهاجرة الإنسانية. وفي الوقت الحالي، يظل المهاجرون عرضة للاتجار، والاستغلال المالي والعمالي. ولابد من أن تتضمن الشراكة القائمة بين قطر، منظمة العمل الدولية مساءلة مرحب بها، وألا تظل محصورة في ضمان استيفاء معايير العمل، على الورق فقط.
توصيات MR:
وضعت MR التوصيات التالية لاستفادة العمال بشكل كامل من الإصلاحات، ولحماية جميع العمال المهاجرين من الاستغلال العمالي.
- فصل تأشيرة العمل عن تأشيرة الإقامة، والسماح للأفراد بتجديد تأشيراتهم للإقامة بشكل مستقل.
- إلغاء قوانين الهروب
- ضمان عدم مكافأة الشركات التي لها تاريخ في الاستغلال، بعقود جديدة.
- تقوية نظام حماية الأجور ليتم اتخاذ إجراء فوري ضد أصحاب العامل المخالفين.
- مد مظلة قانون العمل ليشمل العمالة المنزلية، وحتى يحين ذلك، ضمان أن يشملهم نظام حماية الأجور والتفتيش العمالي.
- إنشاد المزيد من مراكز التأشيرة القطرية لتشمل كافة دول الأصل.
- توسعة عمليات مراكز التأشيرة القطرية لتشمل التحقق من وكلاء التوظيف في دول الأصل.
- دراسة نماذج التوظيف الناشئة وغير التقليدية مثل قطاع الوظائف المؤقتة (عمال المنصات)، وتقديم حماية قانونية لهم.