لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

مع حلول رمضان: دول الخليج تواصل إهمال حقوق عاملات المنازل

وتعطي الأولوية لاحتياجات أصحاب العمل

في 15 مارس 2024

عندما يحل شهر رمضان، يترقب الكثيرون التجمعات الاحتفالية، والوجبات اللذيذة وأمسيات تُقضى في مشاهدة المسلسلات الرمضانية مع العائلة. لكن، في خضم هذه الأجواء الاحتفالية، تبقى حقوق عاملات المنازل المهاجرات في دول الخليج، مهملة، برغم أن عملهن يشكل العمود الفقري لاحتفالات رمضان لدي كثير من العائلات.

وتلعب عاملات المنازل في دول الخليج، دوراً حيوياً في تسيير شئون الأسر بتقديم خدمات متعددة، ابتداءاً من رعاية الأطفال وكبار السن، الى التنظيف والطبخ. ودورهن هذا يصبح أكثر أهمية في رمضان. فيتوجب عليهن تحضير وجبتي الإفطار والسحور في الوقت الذي يواصلن أداء مهامهن اليومية الاعتيادية. فتصبح ساعات العامل بلانهاية تقريباً، خلال رمضان، فهن غالباً ما يصبحن تحت الطلب على مدار الساعة ولا يتبقى لهن سوى الحد الأدنى من الوقت، للراحة. والكثير من عاملات المنازل المحظوظات بالحصول على يوم راحة أسبوعية يفقدن هذا ‘الامتياز’ – الذي يعتبر حق قانوني في معظم دول الخليج – في رمضان. 

في الفترة ما بين 2015 و2020، أجرت Migrant-Rights.Org، برنامج توعية محلية حول حقوق عاملات المنازل المهاجرات، شمل أصحاب العمل ووكالات التوظيف. وأخبرنا كثير من المشاركين أن عاملات المنازل «يهربن» قبل أو خلال رمضان. أما العاملات اللاتي أجريت مقابلات معهن فتحدثن عن تجاوز العمل الملقى على عاتقهن، قدرتهن، ولذلك فهم يخترن الهرب من الأوضاع الاستغلالية – بسبب عدم وجوة بديل عملي لرفض العمل أن الحصول على وظيفة أفضل. 

ودأبت دول الخليج على تركيز جهودها التوعوية على إصدار التحذيرات بشأن عمليات الاحتيال والتوظيف غير القانوني الذي يتعرض له أصحاب العمل في الشهر السابق لرمضان عندما يرتفع معدل التوظيف. وفي العادة، لا يرافق ذلك حملات مماثلة لرفع الوعي بشأن حقوق عاملات المنازل وظروف العمل.

في الكويت، أدى الطلب المرتفع على عاملات المنازل قبل حلول شهر رمضان إلى الحد الذي تقاضي أصحاب العمل ما يصل إلى 2000 دينار كويتي (6500 دولار أمريكي) لتحويل كفالة العاملات التي لم يعد هناك حاجة لخدماتهن. وبرغم أن هذه الممارسات تعكس أهمية ‘عمل’ عاملات المنازل، إلا أن هذه العاملات لا يحصلن على الاعتراف بذلك، ولا الحقوق، والحماية المستحقة لهن. 

ولا تدرج أي من دول الخليج، عمالة المنازل تحت مظلة قوانين العمل فيها (البحرين شملتهم تحت بعض البنود)، وقامت أربع دول فقط بسن قوانين خاصة لهذه الفئة من العمالة. وهذه القوانين ضعيفة بشكل كبير في كلا البنود التي تشملها، والتطبيق، إذ تفتقر إلى آليات التنفيذ مثل التفتيش العمالي أو إدراجهم في نظام حماية الأجور لمراقبة مخالفات العقود. وتتجاوز ساعات العمل لعاملات المنازل في المنطقة، أصلا، ساعات العمل في القطاع الخاص، المحددة، في العادة، بـ8 ساعات في اليوم. في المقابل، وُضع الحد الأقصى لساعات عمل عاملات المنازل بـ 12 ساعة في اليوم في الإمارات والكويت، و10 ساعات في السعودية وقطر. ولا تنص القوانين في البحرين وعمان على حد أقصى لساعات العمل. وبالإضافة إلى ذلك، تخفض دول الخليج ساعات العمل بما يصل إلى ساعتين، خلال رمضان، لكن مثل هذه الشروط لا تنطبق على عاملات المنازل. 

تقول آن* وهي عاملة منزل فلبينية، تعمل في قطر، إن ساعات عملها تتغير في رمضان لكن الأمر ينتهي بها بالعمل لساعات أكثر لأن عليها الاستيقاظ في وقت مبكر لتحضير الطعام، ومواصلة العمل حتى وقت متأخر في المساء. وتقول إن ساعات عمل زميلتها التي تعمل معها، تمتد لفترة أطول لأن عليها تنظيف المنزل الرئيسي في وقت نوم أصحاب البيت، ثم تنظيف غرف نومهم عندما يستيقظون. وبحسب آن، إن بعض صديقاتها اللاتي يعمل لدى أسر أخرى، يواصلن العمل حتى الصباح، بعد السحور، وساعات العمل الطويلة هذه تصبح هي الوضع الطبيعي. 

وتتحدث جوجو، وهي تترأس الجالية الكينية في قطر، عن شهادات أسوأ كثيراً. فالغالبية ليس لديها أكثر من 4 ساعات للراحة، لأن عليهن العمل حتى ساعات متأخرة في المساء، ثم يبدأن العمل باكراً لتنظيف المنزل وتحضير وجبة الإفطار. وتقول إنهن يعانين في آلام القدم وانتفاخها بسبب العمل الإضافي، ويتم إعطائهن البندول لمساعدتهن لتجاوز ذلك. 

«والحال مشابه مع كثيرات في عدم الحصول على يوم للراحة الأسبوعية.  وخلال رمضان، عدد قليل من العاملات يحصلن على إجازة أسبوعية، ولا يحصلن على تعويض علن ساعات العمل الإضافية. وإذا ما كن محظوظات سيحصلن على 100 – 500 ريال أو ملابس جديدة في نهاية رمضان.»

كما أشارت إلى أنه لا يُسمح لهؤلاء اللاتي تنتهي عقودهن في شهر رمضان أو الشهور القليلة التي تسبقه بالذهاب إلى بلدانهم لقضاء إجازاتهن، ويجبرن على مواصلة العمل. وتضطر العاملات غير المسلمات للصوم «لأنه ببساطة، في بعض الأحيان لا يتبقى طعام ليتناولنه خلال اليوم، ولا يسمح لهن بالطبخ». 

 

التركيز على التوظيف وليس الإصلاح

وبرغم أن دول الخليج اعترفت ، وعلى مدى سنوات، أن أكبر عدد من حالات هروب عاملات المنازل في رمضان بسبب عبء العمل، إلا أنه، ومع ذلك، لم تتخذ أي منها أيه إجراءات حمائية لعاملات المنازل، وعوضاً عن ذلك، فإن حكومات دول الخليج تعطي الأولوية لحقوق أصحاب العمل. 

وعلى سبيل المثال، أصدر وزير التجارة والصناعة الكويتي توجيها في وقت سابق هذا العام بقرار يحدد الحد الأقصى لرسوم التوظيف بـ750 دينار كويتي (2441 دولار أمريكي) من الدول الآسيوية، و 575 دينار كويتي (1871 دولار أمريكي ) من الدول الأفريقية.  وشمل القرار بنداً لتعويض صاحب العمل بالكامل وبما يشمل تذاكر السفر، في حالة إخلال العاملة المنزلية بشروط عقد العمل. وبعد مرور أسبوع فقط على القرار، أعلنت الحكومة الكويتية أن أصحاب العمل أصبح بإمكانهم تقديم تهم الهروب ضد عاملات المنازل من خلال تطبيق ‘سهل’، المنصة الحكومية للخدمات الالكترونية لجميع الوكالات. 

وفي الوقت نفسه، وافق مجلس النواب البحريني بالإجماع على قرار حجب مستحقات عاملات المنازل اللاتي يهربن من مكان عملهن، بهدف خفض “هروب عاملات المنازل، بردعهن من خلال تشديد العقوبات، ولحفظ حقوق صاحب العمل في الوقت الذي يتم فيه أيضا تشجيع استقدام عاملات المنازل وتوظيفهن». ويستمر المسئولون ووسائل الإعلام في إصدار بيانات غير مطلعة تشير إلى أن عاملات المنازل يهربن بسبب «إغراءات الفنادق والمقاهي لهن بالعمل في الدعارة». وتتجاهل مثل هذه الروايات ظروف العمل السيئة التي تدفع العاملات للهرب. 

وفي الإمارات، لايزال قانون عمالة المنازل الصادر في 2022، يعاني من ثغرات كبيرة في الحماية، ويمنح أصحاب العمل سلطة مهيمنة نسبياً. وفي العام نفسه، اعتقلت شرطة دبي 948 عاملة منزل في تهم «هروب» خلال شهر رمضان. 

وخلال الشهور الأخيرة، تقدمت السعودية بعدة مبادرات ذات علاقة بتوظيف عمالة المنازل، بدلا عن معالجة الثغرات الحمائية في قطاع العمالة المنزلية. وتشمل هذه المبادرات، خفض الحد الأعلى لكلفة التوظيف وتوقيع اتفاقيات ثنائية تهدف إلى زيادة المتوفر من العمالة. وتأتي هذه الاتفاقيات، بشكل رئيسي،  كرد فعل للحظر الذي فرضته عدد من دول الأصل بسبب حدوث إساءات على نطاق واسع في القطاع. وركزت السعودية ودول الخليج الأخرى على التشديد على وكالات التوظيف التي تفشل في تعويض صاحب العمل، بدلا من صاحب العمل المسيء  الذي لا يلتزم بالقانون

وبشكل مشابه، تركز وسائل الاعلام في جميع دول الخليج على اهتمامات صاحب العمل وتتجاهل في الوقت نفسه التطرق لحقوق عمالة المنازل. وتركز وسائل الاعلام منذ سنوات، مع استثناءات قليلة، خلال الفترة التي تسبق شهر رمضان، على التكاليف التي يتحملها أصحاب العمل، والرسوم التي تُدفع لوكالات التوظيف، والنقص في العمالة من الدول المفضلة. وحتى في المسلسلات الرمضانية، أصبح من الشائع تقليديا التركيز على مشاكل أصحاب العمل وفي المقابل، إظهار العمال في صورة سلبية.