وصلت إلى دبي في يوم حار ورطب في ليلة من أغسطس ٢٠٠٨ لأعمل كمتدربة اتصالات في شركة لتنظيم الفعاليات. على الرغم من أنني عشت وسافرت لدول كثيرة، دبي كانت أرض غير معلومة بالنسبة لي، كنت أسافر لأول مرة تجاه شرق تركيا.
لم أكن أعرف ماذا أتوقع وكيف علي أن أتصرف وماذا علي أن ألبس. عرفت دبي من خلال صورتها الإعلامية في العالم كمكان دولي ينمو ويجذب المهاجرين من الغرب الذي ينجذبون لبلاد ليس فيها ضرائب وتقدم رواتب مغرية وفيها شواطئ مشمسة طوال العام. كانت دبي يوماً ما ميناء صيد صغير، وتحولت إلى مكان حداثي متطور ومتعدد الثقافات بعد اكتشاف النفط. اليوم، التوسع المعماري والمدني يأخذ شكلاً غربياً يؤثر حتى على صورة سكانها. يسميها الكثير "مانهاتن الخليج الصغيرة".
هنالك أكثر من مليون ونصف عامل/ة من جنوب آسيا يمثلون أكبر مجموعة مهاجرة في دبي. يعملون في الوظائف المكتبية واليدوية ومنهم من تواجد في دبي لعقود من الزمن، يعتبرون دبي بيتهم ويساهمون في "صناعة" دبي. على الرغم من عددهم الكبير وتواجدهم القديم، مازال الجنوب-آسيويون يواجهون الإقصاء من الصور التمثيلية لدبي. يمكن أن تقابلهم في كل مكان حين تقيم في دبي، في كل المجالات وفي كل أجزاء المدينة: أطباء، ممرضين/ات، باعة، موظفي/ات بنوك، مساعدين/ات، سواق سيارات الأجرة، طباخين/طباخات، عمالة منزلية، وفي كل مجال آخر.
بإمكاني القول أنني عشت في مدينة جنوب-آسيوية بمحلات الساري ومطاعم شبه القارة الهندية في كل حي، والشوارع برائحة الأكل الهندي وموسيقى البنجابي، ودور السينما التي تعرض أفلام بوليوود، واللهجات واللغات المختلفة التي تصل إلى أذني. بمجرد أن أخرج من بيتي، أذهب في رحلات لدول مختلفة لم أتخيلها من قبل.
هكذا كان الحال لأنني عشت في الجزء القديم من دبي (بين مركز دبي التجاري العالمي إلى بر دبي، الديرة وعود ميثاء) الذي يشير له الكثيرون باعتباره "الجانب المظلم" والذي يعتبر الجنوب-آسيويين أغلبية سكانه. بالمقارنة، يعيش الأغنياء من العرب والغربيين في الجزء الجديد من دبي.
رغم ذلك، الجزء القديم من دبي لا يشبه الأحياء الفقيرة "الغيتو" أو التجمعات العرقية الموجودة في مدن حضرية مثل نيويورك ولندن وبرلين حيث الجرائم والبطالة تصل لنسب مرتفعة. كنت قد تعرفت على أصدقاء من الجيل الثاني لعائلات مهاجرة لمدينة متماثلة مثل أنقرة وفي مدن متعددة الثقافات مثل روتردام ولندن. كنت معجبة بطريقة تعبيرهم الشخصية المتفردة، حين يختلطون بالآخرين ويتفاوضون، كنتيجة لولادتهم في أماكن غير أماكن ثقافتهم الأم. لم يكن أغلبهم مندمجين بشكل تام مع المجتمع إلا أنهم متداخلين بشكل كبير ويتحركون بين ثقافات ولغات مختلفة، على غير عادة أهاليهم.
الجيل الثاني من المهاجرين في المدن يواجهون الإقصاء بأشكال مختلفة، بعضهم يواجه التمييز في المجالات الاقتصادية والاجتماعية القائمة على العرق أو اللون والأصل والدين، حتى في المدرسة والتوظيف والمجتمع. بعضهم عزلوا أنفسهم في مجموعاتهم العرقية، مهمشين بخيارهم أو قسراً.
الوضع كان مختلفاً في دبي، حيث الجيل الثاني من المهاجرين يعيشون في وضع خاص ومتناقض في آنٍ واحد. بينما في الغرب تتحدث الحكومات عن الاندماج والمساوئ النظامية التي يواجهها الجيل الثاني من المهاجرين (ليس بالضرورة بشكل إيجابي دائماً)، هذه المواضيع غير مرغوب بها في دبي. أولاً، عزل مجموعات المهاجرين عن المواطنين يعتبر أمراً مرغوباً به، وهذا ناتج عن سياسات الدولة. غياب الاندماج لا يُرى بأنه عكسي، بل كنتيجة حتمية لحواجز اجتماعية وقانونية قائمة لتؤكد على أن المهاجرين متواجدين بشكل مؤقت في البلاد. ثانياً، يواجه الجيل الثاني من المهاجرين مشاكل مختلفة عن المهاجرين الغربيين مثل البطالة والتعليم السيء وتواجدهم الضئيل في التعليم الجامعي وكلها تؤثر على فرصهم في تجديد إقاماتهم في البلاد. رغم ذلك، يواجه المهاجرون من الغربيين والشرقيين التمييز فيما يخص تشكيلهم لهوياتهم وإنتمائهم للمكان الذين يعيشون فيه.
على الرغم من الروايات الرسمية التي تعمل على تصنيف الجنوب-آسيويين باعتبارهم عمالة مؤقتة، يمثل هؤلاء أساساً قوياً وقديماً في دبي. على الرغم من أن أجيال منهم ولدوا وعاشوا في دبي، إلا أنهم مازالوا يواجهون ذات الإقصاء الاجتماعي والنظامي. على الرغم من ولادتهم وتعلمهم وعملهم في دبي، والإشارة لهذه المدينة باعتبارها بيتهم، إلا أن الجيل الثاني محرومين من أي حقوق ومزايا مثل أهاليهم وكل من يعيش في البلاد بفيزا عمل.
مع تزايد الهجرة إلى دبي بعد السبعينات واكتشاف النفط، تبنى سكان دبي المحليين بعددهم الصغير خطاب عرقي-قومي ضد ما أسموه بـ "خطر المهاجرين" وحاربوه بقوانين الهجرة والجنسية لتحديد من ينتمي للبلاد ومن لا ينتمي. قامت دبي باختراع "جماعة متخيلة" تحدد الهوية الإماراتية من خلال الدم والأصل. هذا التعريف تم صناعته بشكل محدد ضد "الآخر – المهاجر".
بينما مازال المهاجرون من الجيل الأول يعانون في الدول الغربية لممارسات إقصائية تمنعهم من الانتماء الكامل للدولة، لكن في حالات كثيرة حينما يحصل الأطفال على الجنسية أو الإقامة الدائمة من خلال الولادة أو التجنيس، يحصلون على حقوق ومزايا مهمة. ألمانيا من الاستثناءات القليلة التي تتشابه مع الإمارات حيث تحدد الجنسية من خلال الدم والأصل.
بالإضافة إلى الجواجز القانونية، المهاجرون من الجيل الثاني يواجهون أيضاً هرميات اجتماعية وقانونية تضعهم في منزلة أقل من غيرهم مثل النظام المدرسي الذي يميز بين المواطن والمهاجر من عمر مبكر بالإضافة إلى النظام العرقي الذي يقرر الوظائف والرواتب وأمور أخرى في الحياة الاجتماعية. من هذه الناحية، الجنوب-آسيويون مصنفين كعمال مؤقتين ممنوعين من حقوقهم الاجتماعية والقانونية في الانتماء لدبي وهذا يؤثر على طريقة تعريف الجيل الثاني منهم لعلاقتهم مع دبي.
علاقاتي مع "المواطنين المستحيلين لدبي"وملاحظاتي الشخصية من العيش والعمل في دبي دفعتني لدراسة هذه الحالة الخاصة من جانب سسيولوجي عن المهاجرين والهجرة والجيل الثاني منهم. في تحول كبير عن عملي في مجال العلاقات العامة، عدت لاهتمامي الأول في دراسة المجتمع وغياب العدالة. في دراسة الماجستير أركز على ثلاثة منظومات تؤثر على الجيل الثاني من الجنوب-آسيويين في دبي وهوياتهم وإنتماءاتهم، هي الجنسية والتعليم والعمل. في الجزء الثاني من المقال، أناقش تجربة ١٥ من الشباب الجنوب-آسيويين ولدوا وتربوا في دبي.
آي.أيه
عن الكاتبة:
بعد تخرجها بشهادة في الاتصالات من تركيا، عملت آي أيه في دبي لأربع سنوات قبل العودة للدراسة. التحقت بعد ذلك ببرنامج للماجستير في لندن في علم الاجتماع لدراسة ذات الموضوع وتحضر الآن للعمل على رسالة الدكتوراة.