الإخلاء القسري: حملة كويتية مهينة للكرامة الإنسانية تستهدف العمال المهاجرين
تشهد دول الخليج حملة تمييزية ضد العمالة المهاجرة من ذوي الدخول المنخفضة من الذكور الذين يقيمون في مساكن مشتركة. في الكويت، تسببت حملة "إطمئن" التي أقيمت مؤخرا في ترك مئات من هؤلاء العمال بلا مأوى وفي أحوال مزرية.
تعتبر الحملة الكويتية "إطمئن" آخر التدابير الحكومية التي تجتهد من خلالها لتهميش العمال المهاجرين منخفضي الدخل. وطُرد خلال هذه الحملة التي استمرت من 1 يوليو 2019 حتى نهاية أغسطس التالي، العمال المهاجرين غير المصحوبين بعائلاتهم – غالباً ما يطلق عليهم، خطأً، صفة العزاب – من الأحياء السكنية. كما قامت السلطات بقطع الماء والكهرباء لإجبار العمال على مغادرة أماكن إقامتهم.
وقامت الحكومة الكويتية بتثبيت 124 لوحة إعلانية من الحجم الكبير في شوارع البلاد للترويج للحملة ولتشجيع المواطنين لاستخدام الخط الساخن المخصص للإبلاغ عن "العزاب" المقيمين في المناطق السكنية.
وبحسب إدارة العلاقات العامة في بلدية الكويت، فإنه تم إخلاء 119 مسكناً من العمال غير المصحوبين بعائلاتهم، كما تم قطع التيار الكهربائي عن 120 مسكن في يوليو. وفي أغسطس أُخلي 175 مسكن من قاطنيه وقُطع التيار الكهربائي عن 144 مسكن. ومع انتهاء الحملة، أصدرت الحكومة 500 إنذار للمخالفين.
ولم تُؤخذ الأحوال البائسة التي وجد هؤلاء العمال أنفسهم عليها في اعتبار منفذي الحملة، إذ لم يتم توفير أي خيار للسكن أمامهم.
وتحدثت Migrant-rights.org مع إثنان من المتضررين من حملة الإخلاء وهما، شكيل وفازال من ولايتي جامو وكشمير في الهند على التوالي. وكلاهما كانا يقيمان لخمس سنوات، مع 50 من العمال المهاجرين في مبنى يتكون من ثلاثة طوابق في جليب الشيوخ، وهي المدينة المكتظة بالعمال.
وأبلغ شكيل وفازال، اللذان أصبحا، والـ 50 عامل الذين كانوا يقطنون المبنى معهم، بلا مأوى، Migrant-rights.org أنهما لم يعرفا سبب إخلائهم من المبنى؛ وكل ما يعرفانه أن الوزارة قامت بقطع التيار الكهربائي بدون إنذار سابق. وحين قاموا بالاتصال بمالك المبنى أخبرهم بإعادة التيار الكهربائي فور دفعه للغرامة المفروضة، إلا أن الوضع ظل على ما هو لأكثر أسبوعين حتى وقت تصريحهما لMigrant-rights.org.
ويعيش هؤلاء العمال أوضاع سيئة جداً منذ أن أجبروا على مغادرة مساكنهم والاضطرار إلى السكن مع معارفهم وأصدقائهم.
السياسات التمييزية تقود للمزيد من التمييز
تتجاهل حملة "إطمئن" والجهود المتواصلة لإزاحة "العزاب" من الأحياء السكنية، حقيقة أن هؤلاء العمال ليس لديهم خياراً سوى العيش في مساكن مشتركة إذا ما أُخذ في الاعتبار شح خيارات المساكن ذات الكلفة المناسبة لمستويات دخولهم في الكويت.
ويلزم قانون العمل ، فقط أصحاب العمل الذين يعملون في مشاريع حكومية أو أولئك الذين يشغّلون العمال في مناطق نائية، أن يوفّروا لعمالهم إقامة مناسبة وخدمات المواصلات. ومن لا يوفر السكن المناسب، يُلزم بدفع علاوات بدل السكن وذلك بحسب القرار الوزاري رقم 199 لعام 2010. وتحتسب هذه العلاوة بنسبة 25% من أجر العامل إذا ما كان يستلم الحد الأدنى للأجور، أو 15% إذا ما تجاوز أجر العامل ذلك. ويبلغ الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص 75 دينار كويتي (250 دولار أميركي) شهرياً. وبذلك فإن علاوة السكن للعامل الذي يتسلم هذا الأجر، تبلغ 18.75 دينار كويتي (60 دولار أميركي)، الأمر الذي يجعل الخيار العملي الوحيد أمام هذا العامل هو الإقامة في سكن مشترك من المساكن المكتظة بـ "العزاب". أما أولئك العمال الذين لا يدفع لهم أصحاب العمل أية مخصصات للسكن فإن التحديات تصبح أكبر أمامهم لإيجاد مكان للعيش فيه.
وتعيق تكلفة المعيشة العالية وانخفاض الأجور، العمال من ذوي الدخول المنخفضة عن جلب أسرهم للعيش معهم في الكويت، أما الحد الأدنى من الأجر المطلوب ليسمح للعامل باستصدار تأشيرة إقامة لعائلته، فيجعل الأمر مستحيلاً. وبرغم أن الكويت تجتهد لخفض عدد "العزاب" المقيمين من العمال، إلا أنها تناقض هذا التوجه بمضاعفة الحد الأدنى للأجر المطلوب ليتمكن العامل من كفالة تأشيرة عائلته خلال الأعوام من 2016 -2019. فأصبح فقط من يكسب 500 دينار كويتي (1650 دولار أميركي) بإمكانه جلب زوجته وأبناءه ليقيموا معه في الكويت.
و يشكل المهاجرين 70% من إجمالي عدد السكان في الكويت، فيما يشكل الذكور 70% من المهاجرين. ولم تشفع الإقامة لفترة طويلة في الكويت، والمساهمة الكبيرة في الاقتصاد من قِبل هؤلاء لفتح المجتمع أمامهم وإدماجهم فيه؛ فنظام الكفالة الاقصائي تصاحبه سياسات الإبعاد المكاني، خلقا على عكس ذلك، عداءً وعلاقات متوترة، في الوقت الذي يرفض الكثير من المواطنين العيش في مناطق قريبة من سكن العمال متدنيي الدخل.
ويعيش الكثير من العمال في مساكن عمالية نائية، أو في أماكن إقامة مؤقتة بالقرب من مواقع عملهم. أما في المدينة، فيتخذ العمال المهاجرون السكن المشترك مكاناً لإقامتهم. وقد برزت هذه الظاهرة خلال العقود الأخيرة مع نمو عدد الأجانب، ومع انتقال المواطنين الكويتيين إلى خارج المدينة وتأجير بيوتهم القديمة للعمال الأجانب.
وفي الآونة الأخيرة، أصبح التأجير خارج الإطار النظامي لمساكن الإقامة المشتركة، تجارة مربحة للكويتيين، إذ يقتصر امتلاك العقار فيها على المواطنين. ويشمل ذلك إنشاء مبانٍ مخصصة لغرض التأجير على العمال المهاجرين، وكذلك تحويل المباني القديمة التي أنشئت في فترة الطفرة عام 2000 إلى مساكن للعمال. ويقوم بعض ملاك العقار بتقسيم الغرف لتأوي عدد أكبر من المستأجرين، ولتعظيم الإيراد المتأتي من الإيجارات. وفي السابق كانت هذه المساكن متركزة في جليب الشيوخ وخيطان، إلا أنها زحفت مؤخراً على مناطق أخرى لتشمل الفحيحيل والصباحية والاندلس والسالمية و الدسمة.
وتشير الكاتبة فرح النقيب، في كتابها عن التحول الحضاري والعلاقات الاجتماعية في الكويت إلى " أن الثراء، وتشكل الضواحي، والتقسيم الوظيفي، وخصخصة المساحة العامة، وقلة مشاركة الناس في صنع محيطهم المكاني، أدى إلى تآكل التنوع التاريخي في الكويت. وفي الحقيقة، فإن التنوع الديموغرافي قد ظل، بل شهد زيادة عن السابق، إلا أن التفاعل بين الناس المنتمين إلى خلفيات متنوعة قد أصبح محدوداً ومحكوماً بشروط اقصاء اجتماعية وإبعاد مكاني."
في العام 1992، أصدرت الكويت القانون رقم 125 الذي يمنع "العزاب" من العيش في الأحياء السكنية وأصدرت قراراً للعزاب بمغادرة المكان خلال 6 شهور. إلا أن هذا القانون افتقر إلى التطبيق ، بشكل أساسي، بسبب التداخل البيروقراطي بين عدد من المؤسسات الحكومية المسئولة عن انفاذه.
ويضاف إلى ذلك أن حرمة الأملاك الخاصة مترسخة في القانون، فلا يمكن للسلطات دخول المباني دون الحصول على إذن صاحبها إلى في الحالات الخاصة. وبذلك لا يمكن أن يتم تفتيش المباني المؤجرة، بشكل غير قانوني، على العمال المهاجرين. كما أن الهيئات الحكومية تفتقر إلى إرادة تطبيق القانون، إذ أن الإيجارات تحقق أرباحاً للمواطنين.
إلا أن ارتفاع الأصوات بالشكاوى من قبل المواطنين خلال السنوات الأخيرة، دفع إلى تأسيس لجنة الحد من مساكن العمال في المناطق السكنية الخاصة للتصدي لظاهرة العمال المهاجرين غير المصحوبين بعائلاتهم. وكنتيجة لذلك شددت السلطات في الكويت على تطبيق القانون رقم 125، كما اقترحت عدد من المعايير لتقليل عدد العمال المهاجرين منخفضي الدخل غير المصحوبين بعائلاتهم، في المناطق السكنية.
التخطيط لمدن عمالية على هامش الدولة
تخطط الكويت لبناء 6 مدن عمالية في منطقة بعيدة من المحيط العمراني في إطار جهود متواصلة من أجل إقامة "العزاب" من العمال ممن سيتم إزاحتهم من المناطق السكنية. وسوف يتم توزيع المدن على 6 محافظات حول البلد. وستقام المدينة الأولى، التي تتسع لسكن ما بين 20,000 و40,000 عامل، في جنوب الجهراء. ومن المتوقع البدء في الأعمال الإنشائية في هذه المدن، التي تقام بمبادرة حكومية وأهلية ، في نهاية 2019.
ويعتبر السكن اللائق الذي يقام بكلفة مناسبة ومنظم إلى درجة ما، أمراً مهماً، إلا أن الموقع مهم أيضاً؛ فهذه المدن العمالية المخطط لها بعيدة عن المدن، ولا تبعد فقط العمال المهاجرين عن أعمالهم فحسب، وأنما تجعلهم في منأى عن المكاتب الحكومية، والسفارات والمنظمات الاجتماعية التي يحتاجون لها في أوقات الشدة.
وأبلغ أحد المهاجرين العرب، خلال فترة الإخلاء في 2016، قناة الحرة:" سيكون الأمر مقبولاً، وستقبل الانتقال لو كان المكان قريباً، لو كان منحنا خيار السكن في منطقة تبعد 30 دقيقة عن أماكن عملنا." أما أحد المهاجرين الأجانب فقال :"مكان عملي ومكان إقامتي كلاهما قريبان من كل شي، فلما يأخذوننا بعيدا! حقا أنها مشكلة."
كما أن الفصل الجبري للعاملين من متدنيي الدخل يهمشهم أكثر عن المجتمع. فالعمال المهاجرين تم نقلهم من "المناطق السكنية " برغم أنهم مقيمين أيضا فيها وليس مجرد عمال.
وسائل الاعلام اللامبالية تغذي العنصرية
ومن جانبها تغذي الصحافة اللامبالية، العنصرية. وتظهر قضية "العزاب" في الكويت في الخطاب الرسمي وفي وسائل الإعلام جنباً إلى جنب مع القلق من "عدم التوازن الديموغرافي". وعندما تنشر وسائل الاعلام المحلية تقاريرها حول حملة "اطمئن" فهي غالباً لا تحمل انطباعها الخاص بشأن العمال المهاجرين ومدى تأثير الحملة عليهم، وإنما تكرر التصريحات العنصرية التي تطلقها الحكومة وتنال من كرامة هؤلاء العمال.
وفي تعليقه حول منطقة جليب شيوخ، صرح عضو مجلس بلدية الكويت، ورئيس لجنة محافظة الأحمدي، فهيد المويزري لصحيفة كويت تايمز :" أن هذه المنطقة تعتبر جنة للخارجين عن القانون والمخالفين لأنظمة الإقامة، وأن أكوام من القمامة تنتشر فيها، والحشرات والقوارض مع غياب الوعي الصحي والتعليمي في المجتمعات الآسيوية فيها"
وفي وقت سابق هذا العام، نشرت صحيفة عرب تايمز مقالاً بعنوان "بغياب عائلات الأجانب، وزيادة العزاب ترتفع معدلات التحرش ضد الأطفال" مما يلقي باللائمة في موضوع زيادة التحرش بالأطفال، على المهاجرين الذكور الذين يقيمون وحدهم، وذلك برغم عدم وجود دليل يعزز هذا الزعم.
وقد يكون للعائلات المحلية والمهاجرة بعض القلق المشروع عندما يأتي الأمر للتجمعات التي تتشكل من الذكور، لكن الخطاب العنصري والذي يصدر أحكاماً مسبقة لا يمكنه أن يدعو لحلول منصفة. فقضايا سكن العمال المهاجرين أكثر تعقيداً مما تبدو وتستحق مناقشة بناءه حول السلامة وجودة السكن، وأهمية إعادة لم شمل العائلات بالإضافة إلى مساهمة المهاجرين
ويتناقض الخطاب في الكويت اليوم مع ثقافة المدينة المتحضرة التي كانت يوماً ميناء عالمياً. فالسلطات تشعل الخلاف بتصريحاتها وسياساتها العنصرية، وتتنكر بلا رحمة للعمالة المهاجرة التي تشكل الغالبية العظمى من قواها العاملة. فالكويت ملزمة أن تؤمن للمهاجرين ظروف معيشية لائقة واطمئنان بخلوها من العنصرية والتمييز.