لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

الوضع الصحي غير المستقر للعمال المهاجرين في الخليج

التقييم والتوصيات

في 21 مارس 2020
يأخذ المسئولون والمنظمات غير الحكومية على عاتقهم توثيق مآسي العمال المهاجرين والانتهاكات التي يتعرضون لها توثيقاً جيداً. مراراً وتكراراً، تُسرد قصصاً عن الفظائع وانتهاكات حقوق الإنسان من خلال النشر في حسابات الضحايا والأدلة النوعية التي تحصل عليها جماعات حقوق الإنسان. ومع ذلك، ربما تكون الآثار الصحية الناجمة عن افتقارهم للحماية من العيش في أوضاع مزرية، أقل انكشافاً ولا تحصل على اهتماما ًمشابه للتركيز عليها.

بامكانك تنزيل المقال كنسخة PDF هنا

تقدر منظمة العمل الدولية (ILO) وجود نحو 17 مليون عامل مهاجر، للعمل في الدول العربية، بما يعادل حجم القاطنين في تشيلي أو ولاية نيويورك الأميركية. هل لك أن تتخيل أن سكان بلد بأكمله يعيشون في الخارج بحثاً عن المأوى الاقتصادي، والمال الكافي لإرساله إلى ذويهم في أوطانهم؛ إنه أمر مخيف للغاية! وبالإضافة إلى ذلك فإن العمال يشكلون الغالبية من السكان في كل من البحرين، والكويت، والإمارات العربية المتحدة، وقطر. ومعظم هؤلاء العمال يأتون من دول جنوب شرق وشرق آسيا مثل الفلبين، والنيبال، والهند، وبنغلادش، وباكستان. ويشكل هؤلاء أكثر من 90% من القوى العاملة في قطاعات الإنشاءات والعمالة المنزلية في هذه الدول، فيما تصل قيمة التحويلات التي بعثها هؤلاء إلى أوطانهم 126,5 مليار دولار أميركي في 2019.

ويسهم العمال المهاجرون بقيمة لا تقدر بثمن في اقتصادات دول المقصد وأوطانهم على السواء. إن الانتهاك الذي يتعرض له هؤلاء العمال المهاجرون ليس سراً، والتساؤل هنا، كيف يؤثر عبء العمل، والمخاطر اليومية التي يتعرضون لها، ونمط الحياة الجديد غير المعتادين عليه على صحتهم؟ والأهم من ذلك، مالذي سيجعل دول الخليج تهتم بصحة العمال؟ 

يستخدم العمال المهاجرون في البحرين المنشار الكهربائي لقطع الخشب دون ارتداء قناع او أي أداة وقائية لضمان سلامتهم

في دول الخليج، من الطبيعي أن يكون العمال المهاجرين يعملون في قطاعات تعتبر وضيعة، وكثيفة العمال و/أو خطرة، أو ما تسمى بالأبعاد الثلاثة (قذرة، خطرة، مهينة). والقطاعات التي توظّف هؤلاء، هي الإنشاءات، والزراعة، والشحن، والصيانة، والمواصلات، واستخراج ومعالجة النفط، والعمل المنزلي. ويشكّل العمل في هذه المواقع الأكثر عرضة لأنواع لا تعد ولاتحصى من المخاطر.  وفي الواقع فإن الأمراض الناجمة عن الحرارة الشديدة، تعتبر أكثر التعقيدات الصحية التي يتسبب فيها العمل في الخارج والتعرض للحرارة الشديدة. 

الأمراض الحرارة

وتؤدي غالبية الأمراض المرتبطة بالحرارة كضربة الشمس، والإجهاد الحراري، وأمراض القلب، والحروقات الجلدية إلى أمراض مزمنة مصاحبة مثل القصور الكلوي المزمن. أما الأمر المخيف هنا فهو أن التنظيم الحراري مرتبط بشكل معقد بوظيفة الجهاز العصبي المركزي، فارتفاع الحرارة في الحالات الشديدة من الممكن أن يؤدي إلى التشنجات والهذيان وحتى الغيبوبة. ويحدث هذا في الغالب في بداية فترة العمل، قبل أن يتعود الجسم على حالة الطقس، وهو ما يستغرق بشكل عام ما بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، وفي الغالب لا يستمر لفترة طويلة

في منطقة لا يتم فيها بذل الكثير من العناية الواجبة للممارسات الواعية للصحة في التوظيف، يمكن للجفاف، والاكتظاظ، والإجهاد البدني الشديد أن يؤدي إلى تفاقم خطر الإصابة بأمراض الحرارة الشديدة. ومن المقدر أن العمل في القطاع الزراعي يرفع معدل الوفاة من التعرض للحرارة 20 مرة أكثر منها في الأعمال الأخرى. وبرغم محدودية الإحصاءات الإقليمية في الخليج، إلا أنني أستطيع أن أتخيل أن يكون الرقم أعلى بكثير في دول ذات معدلات حرارة عالية. وكل دولة من دول الخليج تحظر العمل في الخارج خلال ساعات منتصف النهار، إلا أن العمال يظلون في العمل لأكثر من 12 ساعة في اليوم في ظل حرارة تصل إلى 55 درجة مئوية (131 فهرنهايت). وفي تقرير صدر عن مستشفى راشد بدبي، فإن ما لا يقل عن 2500 شخص تم إدخالهم للمستشفى شهرياً بسبب إصابات متعلقة بالحرارة في 2004. وفي بعض الأحيان، لا تتجاوز الاستشارة الطبية لهذه الحالات ولإصابات شديدة في مواقع العمل، إعطاء المصاب "بندول"

العناصر الكيميائية والسامة

وبالإضافة إلى الأمراض الحرارة، فإن العمال يتعرضون لـمواد ضارة وسامة (اقرأ الانصهار) من شأنها أن تسبب الضرر للأعضاء الداخلية، من بينها المبيدات الزراعية، والاسمنت وأدوات المعالجة، والأصباغ، ومواد التنظيف، والمذيبات المسببة التهيج، والتي غالباً ما يتم تشخيصها خلال زيارات المستشفى. ومن الممكن أن تؤدي هذه العناصر إلى تلف طويل المدى للجلد، الرئة، الجهاز الهضمي، والأعضاء التناسلية. كما أن هذه العناصر قد تكون مسببة للسرطان. وهنا قد يكون الحديث ببساطة عن التعرض لمواد شائع التعرض لها يوميا في العمل المنزلي مثل التدخين ومواد أصباغ الأظافر في الصالون. وكذلك فإن العمل في صناعات النفط، والبلاستيك، والنايلون والمطاط والألياف، وصناعة السيارات يعني التعرض المستمر للمركبات العضوية مثل البنزين. ومن الممكن أن يؤدي التسمم من البنزين إلى أمراض الدم، مثل الأنيميا، وفي أسوأ الأحوال من الممكن أن يكون سبباً في الإصابة بالسرطان، مثل اللوكيميا إذ لم يتم التأكد من صحة الاستخدام. وقد تظهر العملية البطيئة للأورام الخبيثة كأعراض غير محددة، وتظهر أعراض مثل التعب والصداع والدوخة التي قد تترك دون علاج.

وكذلك فإن العمل في صناعات النفط، والبلاستيك، والنايلون والمطاط والألياف، وصناعة السيارات يعني التعرض المستمر للمركبات العضوية مثل البنزين. ومن الممكن أن يؤدي التسمم من البنزين إلى أمراض الدم، مثل الأنيميا، وفي أسوأ الأحوال من الممكن أن يكون سبباً في الإصابة بالسرطان، مثل اللوكيميا إذ يتم التأكد من صحة الاستخدام. قد تظهر العملية البطيئة للأورام الخبيثة كأعراض غير محددة، وتظهر أعراض مثل التعب والصداع والدوخة التي قد تترك دون علاج.

كما يجب ألا ننسى مصادر التلوث المعدني التي توجد في مواد السباكة والبناء التي تفتقر للصيانة الجيدة، مثل الرصاص والكادميوم التي قد تؤدي إلى تضرر مؤقت أو دائم للأعصاب. كما يمكن أن تسبب بعض المعادن مثل السيليكا والأسبستوس ندبات دائمة في الرئة تؤثر سلبًا على قدرة التنفس لدى العمال، مما يؤدي إلى تدهور أكبر في جودة حياتهم. وتعد رواسب الاسبستوس والفحم والسيليكا من بين الأسباب المعروفة لما يسمى "الغُباريّة" الذي يؤدي إلى ندبات دائمة في الرئة وإلى ضعف في التنفس لما تبقى من حياة العامل، ناهيك عن زيادة خطر الإصابة بسرطان الرئة. ولا بد من أن يولى هذا الأمر اهتماما خاصاً فيما يتعلق بأماكن الإقامة التي تخصص للعمال منخفضي الدخل. 

وبرغم أن مسببات الحساسية ليست مميتة في كثير من الأحيان، إلا أن هي أيضا مشكلة كبيرة وضارة على أقل تقدير، إذ أنها تهيّج الحواجز الواقية للعينين والأنف والحنجرة لتسبب أعراض الانسداد. ومع ذلك، تخيل أن عامل بناء يتعامل مع معدات ثقيلة وخطيرة، أو راعٍ يجزّ صوف الغنم باستخدام أدوات حادة، ويعاني في الوقت نفسه من حكة وعيون دامعة. وإذا ما أخذنا في الاعتبار الكلفة العالية لمضادات الحساسية، فقد يعني ذلك التخلي عن شراء الدواء من أجل العائلة في أوطانهم. وفي أسوأ الحالات من الممكن أن تؤدي المواد المثيرة للحساسية إلى صدمة الحساسية، التي إن لم تعالج بشكل فوري أي خلال دقائق، فمن الممكن أن تتسبب في إعاقة عمل القصبة الهوائية إلى درجة التسبب في اختناق العامل. 

الاضطرابات العضلية الهيكلية (MSK)

ثم هناك الآثار الاضطرابات العضلية الهيكلية الحتمية الناجمة عن الوظائف المتطلبة للجهد العضلي بكثافة: نوبات عمل مدتها 12 ساعة من الكدح القاصم للظهر والذي يشمل حمل المواد الثقيلة والعمل باستخدام أدوات خطرة مثل آلات ثقب الصخور أو المناشير الكهربائية التي يتناثر منها الحطام المفتت. وبالنسبة للعامل المنزلي العادي، لا يمثل الرفع أشياء ثقيلة سوى جزءًا من الوصف الوظيفي، إلا إنه يخضع لضغط عضلي بسبب الوضع غير الصحي الذي يتخذه الجسم أثناء العمل والحركة المتكررة، بالإضافة إلى أنهم يجبرون على العمل لساعات ممتدة أكثر من اللازم دون أن يعوضوا عنها مادياً. ويمكنني أن أسمي عددًا لا بأس به من المتلازمات التي يسببها هذا النوع من الإجهاد -السلالات (strains) ، التهاب اللفافة الأخمصية (plantar fasciitis)، كسور الإجهاد الدقيقة (stress microfractures)، التقفعات (contractures )، متلازمة الفخذ الرضفي  (patellofemoral syndrome)، متلازمة الفرقة( iliotibial) ، داءُ أوزغُود شلاتَر ، الالتهاب الكيسي (يعرف أيضًا باسم "التهاب ركبة عاملة المنزل") ، وربما المرض الأكثر شهر الذي يصاب به هؤلاء العمال هو التهاب المفاصل (arthritis).

ولعل أقل وضوحًا من الإصابات الجسدية، هي الندوب النفسية التي يتعرض لها العمال المهاجرون الذين يعيشون ويعملون في ظروف منعزلة ومسيئة...

إن العمال المنزليين المهاجرين (MDWs) معرضين بدرجة كبيرة للإصابة بالاضطرابات العضلية الهيكلية (MSK)، إذ يتطلب عملهم ابتكار أساليب التحمل بسبب الضغط الشديد الذي يصيبهم على المفاصل الحرجة الدقيقة في الجسم، حتى في الأحوال العادية التي لا تنضوي تحت ممارسات الانتهاك. وفي دراسة وبائية عن اضطرابات MSK بين العمال المهاجرين الفلبينيين في ماليزيا، أبلغ العمال عن آلام مختلفة من MSK بالدرجات التالية: أسفل الظهر والكتفين (60 ٪)، وأعلى الظهر (48 ٪)، والعنق (45 ٪). وتشكّل عاملات المنازل ( 73 ٪) من الذين شملهم الاستطلاع، ومعظمهم يتحملون آلاماً في الحوض أو الفخذ. ومن المنطقي أن تؤدي المهام اليدوية المتكررة والعمل الميكانيكي سواء المتقطع أو المستمر إلى تلف مؤلم للأربطة والأوتار، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى حدوث التهابات متعبة كرد فعل عند تركها دون علاج (وتطور أيضا أنواعاً من الاضطرابات المزمنة مثل هشاشة العظام).

وبصرف النظر عن اضطرابات MSK ، فإن الإصابات الناجمة عن حوادث مكان العمل تحدث بشكل أكبر للعمال المهاجرين. بعض المناطق مثل أعمال البناء محفوفة بالمخاطر بطبيعتها بسبب الآلات المتطورة وبيئات العمل المحفوفة بالمخاطر، وغير المستقرة -فكّر في الوقوف فوق السقالات العالية. ففي قطر، وجدت دراسة وبائية واسعة أن الإصابات المرتبطة بمكان العمل شكلت ما يقارب من 29 ٪ من حالات الطوارئ كانت بسبب الصدمات في الفترة بين 2010 و2012. وكانت معظمها (51 ٪) من حالات السقوط، وغالبية هؤلاء كانوا من العمال المهاجرين (66 ٪ من جنوب آسيا، والباقي صُنفوا كـ “آخرون" ولم تتضح نسبة القطريين بينهم). وكان يعملون في مجالات مثل الأعمال الصناعية والنقل والتركيب والتصليحات، وحتى التدبير المنزلي (ولم يلاحظ استخدام أي من الأجهزة الواقية في 66 ٪ من الحالات). وأمضى ما يقارب من نصف هؤلاء فترات طويلة في المستشفى. وأفادت الدراسة أن الإمارات وسلطنة عمان قد توصلتا إلى نتائج مماثلة في ديموغرافيا المرضى وطرق الإصابة، مع معدلات أسوأ في الإصابة والوفيات (تم جمع البيانات أثناء طفرة البناء تحضيراً لكأس العالم إلا أن معظم الوفيات لم تكن مرتبطة بمشروعات كأس العالم). ومن الممكن أن يؤدي تشغيل الماكينات المعقدة إلى إصابات يدوية بسبب التآكل الطبيعي، كما يمكن لتطاير نشارة الخشب من أن تسبب إصابات العين. وأخيرًا، فإن ما يفاقم الأمور، هو أن عدم الانتباه للصحة العقلية ومعالجة أمراضها، من شأنه أن يرفع خطورة الإصابات المهنية، على الأرجح، بسبب ضعف التركيز أثناء أداء المهام المعقدة التي تتطلب تركيزًا تقنيًا ومكانياً فائقًا.

قضايا متفرقة 

ولعل أقل وضوحًا من الإصابات الجسدية، هي الندوب النفسية التي يتعرض لها العمال المهاجرون الذين يعيشون ويعملون في ظروف منعزلة ومسيئة. وترتبط الأمراض العقلية مثل الاكتئاب واضطرابات الصدمات، والقلق بوظائف مرهقة وضاغطة على الأعصاب، وبالحرمان من النوم. وفي الغالب، فإن العمال المهاجرين لا يدركون مدى خطورة هذه الأمراض بسبب حاجز اللغة، وصعوبة الحصول للرعاية الصحية والوصمة الاجتماعية المرتبطة بتشخيص الصحة العقلية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تفاقم وضعهم غير المستقر. وحتى لو تمكن العامل المهاجر من النجاح في الحصول على علاج لاضطرابات الصحة العقلية، فإن طبيعة الهجرة يمكن أن تعرقل بشكل خطير أنظمة العلاج المستمرة. وأفاد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن "انقطاع العلاج، وعدم المتابعة وفشل العلاج يتم توثيقها بمعدلات أعلى بين المهاجرين مقارنة بالسكان الثابتين" 

وبالإضافة إلى كل ذلك، فإن العيش في ظروف سيئة تفتقر للنظافة، يفاقم المشاكل الصحية بسبب البيئات الفقيرة وغير الصحية، وانعدام الأمن الغذائي، وصعوبة الحصول على الرعاية الصحية. كما أن الكائنات الحية التي تجد لها بيئة مناسبة في هذه الأماكن تنشر الأمراض كانتشار النار في الهشيم، بما في ذلك مرض السل والأمراض التي تنقلها البعوض (الملاريا) ، والزحار (الإسهال الدموي). وقد لاحظ العالم الظروف المخيفة للعديد من مراكز الاحتجاز التي شيدت لإيواء اللاجئين وطالبي اللجوء. ومن المحزن أن تكون مرافق الاحتجاز، طويلة الأجل، غالبًا مكتظة وتفتقر إلى الإمدادات الأساسية مثل النظافة الشخصية الجيدة، والوصول إلى الغذاء والماء الصحيين. وبذلك فإن فترات الاحتجاز الطويلة "يمكن أن تسهّل انتقال الأمراض المعدية ويمكن أن يكون لها تأثير مدمر على الصحة العقلية للعمال المهاجرين"، وذلك فقاً للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.

إن الكتابة عن الأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي تعتبر أمراً صعباً لأن البيانات مثيرة للجدل للغاية في المنطقة (في وقت من الأوقات خلال مؤتمر عُقد في واشنطن العاصمة، عُرِضت على أحد الشرائح من قبل خبير الأمراض المعدية المشهور عالمياً، الدكتور أنتوني فوشي، حيث كانت نسبة انتشار فيروس نقص المناعة في السعودية، بشكل لايصدق، صفر). ففي مجتمع تملى عليه عقائد الأخلاق الطائفية، من الصعب فهم أي بلد في المنطقة يركز على الوعي بالأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي وإدارتها، ناهيك عن العمال المهاجرين. وبالبحث في المواقع الالكترونية لوزارتي الصحة في السعودية والإمارات العربية المتحدة، يبدو أنه لا توجد وسيلة ممكنة للحصول على معلومات عامة عن الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي عدا فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز (والأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو ادعاء وزارة الصحة السعودية بأن العلاج بمضادات الفيروسات ART، وهو العنصر الأساسي في علاج فيروس نقص المناعة البشرية، لا يوصى به من قبل منظمة الصحة العالمية وهو غير صحيح تماما). أما موقع وزارة الصحة القطرية فيظهر على الأقل عند البحث الأولي، ورقة معلومات مختصرة عن الوقاية والعلاج (بما في ذلك خط ساخن غير معروف). هذا رغم أنني، ومن خلال البحث الذي أجريته، فقد وجدت أن العديد من وكالات التوظيف تقوم بالكشف عن أمراض مثل فيروس نقص المناعة البشرية والتهاب الكبد الوبائي B / C، والتي عندما تكون إيجابية لدى المهاجرين، فإنها تؤدي تلقائيًا إلى استبعادهم من الأهلية للهجرة، دون أي إحالة لخدمات العلاج. 

الإبلاغ عن الاعتداء الجنسي أمر غير وارد في البلدان التي تعاقب على الجرائم الجنسية بعقوبة شديدة، كل من الضحايا والجناة. وإذا كان الاعتداء الجنسي أداة استغلال أخرى ضد العمال المهاجرين، فلا أستطيع أن أكتب بأقصى درجات اليقين حول الموارد المتاحة للسعي إلى الحصول على تعويض عقلي وجسدي. وعلى الأقل، فإن أمراض القلب والأوعية الدموية ومرض السكري تعد في المقدمة طبياً لدول مجلس التعاون الخليجي، ولكن للأسف، تزداد هذه الأمراض سوءًا بسبب المخاطر المهنية والإكراه العقلي والعنف الجنسي.

إن هذه الحلقة المفرغة من العبودية، والأضرار التي لا تتم معالجتها، والعمل القسري، وعلى الرغم من معاناتهم من التدهور الصحي، إلا أنها هي ما تدمر إنتاجيتهم

المناقشة

في هذا المقال، حاولت تغطية أكثر أمراض الصحة المهنية شيوعًا والتي تم توثيقها بين العمال المهاجرين، مع التركيز بشكل خاص على منطقة الخليج بسبب الطبيعة الاستغلالية لأنظمة الكفالة المعمول بها. ولتبسيط الأمر، تجنبت الكتابة عن الأمراض الشائعة بين المواطنين والمهاجرين مثل أمراض القلب والأوعية الدموية (والتعويذة هنا أن الأزمة القلبية لا تميز بين من تصيبهم) والانتهاك المباشر، الجسدي والعقلي، حيث يوجد فهم عام للعواقب الصحية (عظام مكسورة، ندبات تهتك، علامات الحروق وما شابه ذلك). وعلى الرغم من التغطية الإلزامية للرعاية الصحية في بعض دول مجلس التعاون الخليجي، فإن العمال المهاجرين غالبًا ما يجبرون على تغطية نفقاتهم الصحية برغم تعرضهم للمخاطر بسبب عوامل متعددة، والتي تعمل على تعزيز الصورة النمطية لـ "المهاجر المريض والمكسول" وتزيد من صعوبة وصولهم إلى خدمات الرعاية الصحية. وغالبًا ما يكون لديهم قدرة قليلة على التعبير عن تظلماتهم بسبب الحواجز اللغوية (أو القانونية) لذلك، فهم ليسوا فقط عرضة لساعات أطول من التعرض لأخطار مكان العمل، ولكنهم أيضا يفتقرون إلى الوسائل اللازمة لتخفيف عواقب هذه البيئات المسيئة، ناهيك عن معالجة الانتهاكات على نحو مناسب وفعال.

عمال مهاجرون بانتظار تلقي العلاج في مستشفى مكتظ بالمراجعين في الكويت. مصدر: Arab Times Online

والجانب المحزن حقًا، هو أن العديد من هؤلاء العمال يبدأون سفرهم المحفوف بالمخاطر إلى أراضٍ أجنبية "كأفراد يتمتعون بصحة جيدة"، إلا أن الظروف المعقدة المختلفة التي يمرون بها عبر مختلف أبعاد دورة الهجرة قد تجعلهم أكثر عرضة للضعف الجسدي والعقلي. وعلاوة على ذلك، فإن الخوف من الاحتجاز والترحيل، والوصم، والحواجز اللغوية، والحواجز الإدارية (عدم اكتمال الأوراق، والوضع القانوني، ومستوى الدخل غير المؤهل) يزيد من صعوبة معالجة المطبات الصحية التي تصيبهم. إن هذه الحلقة المفرغة من العبودية، والأضرار التي لا تتم معالجتها، والعمل القسري، وعلى الرغم من معاناتهم من التدهور الصحي، إلا أنها هي ما تدمر إنتاجيتهم. هذه العوامل الظاهرة والمخفية تسلب بشكل غير عادل حقوق العمال في الاستقلال الذاتي والعيش الصحي، كما يدل بوضوح على ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة وحتى الميثاق العربي لحقوق الإنسان (الذي كثير من دول المقصد موقعة عليه)

وبغض النظر عن الآثار المترتبة على حقوق الإنسان، فإن الحد الأدنى لهذا التباين الصحي هو ذو وجهين: الإنتاجية الاقتصادية وتكاليف الرعاية الصحية. فعندما يعاني العمال من الأمراض المزمنة الناجمة عن ظروف العمل السيئة، وبدون البحث عن إدارة مناسبة لتلك الظروف، فإن إنتاجية العمل تنخفض بشكل عام. وفي الواقع، فإن التقارير أوضحت أن اضطرابات MSK وحدها أدت إلى انخفاض الإنتاجية بنسبة 6-9 ٪، وحوالي 1.5 ساعة عمل و25000 دولار في السنة من التكاليف التشغيلية في الشركات المتوسطة الحجم، (وخسارة تقدر بنحو 1.8-6 ٪ في الناتج المحلي الإجمالي). ولا تعتبر الأمراض العقلية تعتبر قضية ملحة في كثير من الحالات، مما قد يؤدي، وبشكل خطير، إلى انخفاض جودة الإنتاج. كما هو الجهل التام بمعايير السلامة، والمثل الواضح في هذا الشأن هو انهيار رافعة مكة في عام 2015.

ثانياً، لوحظ على نطاق واسع من خلال دراسات الحالات حول العالم، أنه عندما يقرر المهاجرون والأفراد غير النظاميين، علاج مشكلة صحية، فإنهم يلجأون إلى الاستفادة من خدمات الطوارئ في المستشفيات المجتمعية والحكومية. إن العبء الاقتصادي الناجم عن تكاليف العلاج في حالات الطوارئ يتم الشعور به قبل كل شيء على مستوى الفرد والمجتمع.  ما يدفع الحكومة لتحويل التمويل عن المجالات التي هي في اشد الحاجة له مثل التطوير العمراني والتعليم. ولو تم رعاية المهاجرين على أساس روتيني، يمكن تخصيص الموارد بشكل صحيح، لأدى ذلك إلى خفض الزيارات للطوارئ، وتم واستثمار تلك الموارد في الرعاية الأولية كما يمكن أن يؤدي إلى توفير مدخرات لاستثمارها في مجالات أخرى.

وحتى لو سمح للعمال المهاجرين بإجراء الفحوصات الأساسية، فقد ذكرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنه قد يتم إنفاذ القوانين بشكل مشكوك فيه وأن توفير الرعاية قد يكون غير مناسب (كما في حالة البندول للأمراض الحرارية). وفي بعض الحالات، يكون العمال "مجبرين على دفع مصاريف الرعاية الصحية، بما في ذلك الرعاية في حالات الطوارئ، وفي بعض الأحيان تكون الأسعار مرتفعة بشكل غير مناسب مقارنة بدخلهم.". وللتغلب على ذلك، قد يضطر مقدمو الرعاية الصحية، مثلي، إلى إبلاغ السلطات عن المهاجرين غير النظاميين المهددين بالمقاضاة، مما يضطر العمال مرة أخرى إلى اللجوء إلى خيارات العلاج غير الآمنة أو للتخلي عن الرعاية بالكامل.

التوصيات 

  • يُوصَى بشدة، أن تقام زيارات فصلية روتينية لمقدمي الرعاية، مع تحمل الشركة للتكاليف في شكل تأمينات صحية إلزامية للموظفين. إن الفحوصات الروتينية ليست فعالة فقط في التحكم الفعال بالأمراض المرتبطة بضغوطات العمل كضغط الدم وآلام المفاصل. ولكن أيضًا لاكتشاف أية مشاكل خبيثة مثل فقر الدم والمتلازمات التنفسية، والتدخل لعلاجها المبكر.

ومن وجهة نظر الاقتصاد الطبي، فإنه يوصى وعلى نطاق واسع، بأن كلما تمتعت القوى العاملة بصحة جيدة، انعكس ذلك إيجاباً على الإنتاجية، الأمر الذي يؤدي إلى نمو اقتصادي أكبر وتوفير أكبر في تكاليف الرعاية الصحية ونفقات صاحب العمل التشغيلية. وتقر سياسات دول مجلس التعاون الخليجي بهذا، وتفرض، بصرامة، الفحص الطبي الإلزامي للحصول على تأشيرة عمل.

وعلى سبيل المثال، يطبق القانون التايواني "الفحص الطبي الدوري" على العمال الأجانب وعلاج الالتهابات مثل داء الأميبية المعوية والسل، مع ضرورة إثبات إتمام المعالجة من خلال شهادة من صاحب العمل. (على الرغم من أن بعض الشروط العقابية، للأسف، تمنع الأشخاص المصابين بالتهابات طويلة الأمد من إعادة الدخول إلى البلاد)

  • يجب أن يكون أصحاب العمل مسئولين على الرعاية الصحية للعمال

يبدو من غير العقلاني، الاعتقاد أن على العمال بتعليمهم المحدود، وضعف لغتهم، أن يفهموا أهمية المحافظة على الصحة الجيدة دون أن تُدفع لهم تكاليف الرعاية الصحية. وفي الواقع، فإن لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة توصى "أن تتأكد الدول من تضمين عقد العمل بعض الأمور مثل المحددات الأساسية للصحة، بما في ذلك الصحة المهنية، والوصول إلى المرافق والسلع والخدمات الصحية، والتعويض عن الإصابات والوفيات المرتبطة بالعمل بالإضافة إلى آليات تسوية النزاعات. "

تعد العقود وعدم وجود الحواجز الصارمة أمام الوصول، أساسية، لكن التنفيذ لا يقل أهمية عن ذلك. إن المسؤولية تقع في النهاية على الشركات والحكومات لفرض نفس قوانين الحماية المطبقة مؤخرًا في بلدانهم. إذا كانت مجرد دفع غرامة صغيرة أقل كلفة من إصلاح مشكلات أنابيب الصرف الصحي في معسكرات العمل، فإن المشكلة تكمن هنا. ويتعين على الحكومات أن تفرض عقوبات أشد على المخالفين لردع سلوك الانتهاك وتشجيع السلوك السليم من خلال تبسيط عملية التوظيف لشركات الممارسة الجيدة (يمكنني اقتراح فرض غرامة أكبر على الممتلكات والاستيلاء عليها، لكنني لست خبيراً في الشؤون العامة).

  • يجب إلى أصحاب العمل الاهتمام بأماكن العمل وكذلك ببيئة إقامة العمال

تم ربط التغييرات الدقيقة في تلوث الهواء والصرف الصحي بظهور الكثير من الأمراض، مما تسبب في تكاليف متمثلة في ضياع الفرص المتمثلة في تأثر الإنتاجية سلباً والقيام بزيارات يمكن تجنبها للطوارئ. وإن كان هذا واضحاً للغاية، فماذا عن اضطرابات MSK المدمرة بشكل خبيث؟ في هذا المجال، أجرى باساهيل وآخرون تجربة تدخّل لتحسين بيئة العمل في طريقة الوقوف والحركة بين عمال التعبئة في مصنع سعودي للأغذية، وبالفعل أظهرت النتائج انخفاضًا كبيرًا في مشكلات MSK بعد التدخل بشكل دوري كل  3 إلى 6 شهور ، بالإضافة إلى انخفاض الضغوط الجسدية والنفسية في المسوحات على الرغم من أن عبء العمل هو نفسه.

ولذلك، فيجدر التوصية أن يكون أصحاب العمل حذرون من الضغوطات التي تترافق مع الوظائف اليدوية كثيفة الإجهاد، وتنفيذ خطوات للتخفيف من هذه الأضرار المتقطعة وغير الملحوظة. وقدمت إدارة السلامة المهنية ووزارة الصحة وحقوق الإنسان بماليزيا مجموعة شاملة من أدوات تقييم المخاطر التي تبدو للوهلة الأولى بمثابة دليل إرشادي ممتاز لبدء تقييم المخاطر البيئية ومعالجتها.

  • اتباع الإرشادات الحكومية الخاصة بفترة الراحة، خاصة خلال أيام الصيف الحارة، لا يقل أهمية عن ذلك. إذ يسمح وقت الراحة وامتصاص الجسم للسوائل للجسم باستعادة فقد الماء وإعداد طاقة إضافية عن طريق إتاحة الوقت لمعالجة الموارد الإضافية ببطء وكفاءة.

ويصل الأمر إلى استخدام التمثيل الغذائي الأساسي لاحتياطيات السكر في الكبد، الأمر الذي يستغرق بعض الوقت. ففي المدرسة الثانوية، يفرض المدربون الرياضيون فترات راحة ويشجعون على شرب كميات وفيرة من الماء. فإذا ما كانت الأنشطة الترفيهية مثل تلك تشدد على أهمية تنظيم المياه بشكل منتظم وكذلك أوقات الراحة لتحقيق مردود أفضل في نهاية المطاف، فهل من غير الآمن قول الشيء نفسه بالنسبة لمن يقومون بعملهم تحت أشعة الشمس؟ إن السماح بعدة أوقات للراحة يؤثر في قوة العمال ويمكنهم من إعطاء المزيد ولفترات تدوم طويلاً.  من شأنه أن يمنح العامل قوة إضافية تمكنه من إعطاء المزيد من النتائج في الإنتاجية والاستمرار في ذلك لفترة أطول (على الرغم من أنه ربما يكون غير مناسب لحق العامل في العمل لعدد من الساعات). وتعتبر أيام الراحة الكاملة مهمة جدًا أيضًا، لأنها تتيح الوقت للعاملين لمتابعة أمورهم المتعلقة بالصحة مثل زيارات الطبيب والطبخ الصحي والأهم من ذلك، ممارسة النشاط.

  • صندوق رعاية المهاجرين، وتقوم عليه وترفده حكومات العمال أنفسهم، ويحقق الأمان إلا أن فكرته محددة

وللفلبين مثال على ذلك، أنشأته باسم إدارة رعاية العمال في الخارج، وتقوم عله إدارة العمال والتوظيف. لكن لماذا هذه الفكرة تعتبر قاصرة؟ تعود المشكلة إلى الأسباب الجذرية للخلل في صحة العامل، وهي بيئة العمل نفسها وما لا يحصى من الأسباب التي كتبتها أعلاه.

إذا دفعت البلدان الأصل فاتورة الرعاية الصحية دون الاهتمام بالسبب، فإن ظروف المعيشة والعمل السيئة ستستمر دون عقاب. وبالإضافة إلى ذلك، فإنهم، أصلا، يعانون في تعاملهم مع النزاعات القانونية وتكاليف الهجرة. إن وضع "اللاصق الطبي" على إصابة دون عمل أي تغييرات في بيئة العمل سوف يؤدي حتماً إلى تهيئة بيئة من إعادة تدوير العمال بين من المستشفيات (مع العلم أن زيارات الطوارئ هي أكثر كلفة على الحكومات المضيفة). مرة أخرى، يجب أن يكون لحكومات دول المقصد وأصحاب العمل دوراً في الحفاظ على صحة العمال، ولا يجوز تمكين سوء سلوك صاحب العمل، لمجرد أن بلدان أخرى ليس لديها مانع في استيعاب التكاليف.

توصياتي الأخيرة واسعة النطاق وتُستمد من تقرير المقرر الخاص للجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والذي يحتوي على قائمة واسعة من التوصيات التي تشمل إلغاء سياسات الهجرة التمييزية مثل اختبار الحمل الإلزامي، منع انقطاع العلاج، إزالة الحواجز الإدارية أمام الوصول، توفير مرافق الصحة العقلية، توسيع نطاق قوانين الصحة والسلامة المهنية المحلية وأنظمة التأمين الاجتماعي لتشمل المواطنين والمهاجرين، وتجنب الاحتجاز والترحيل بناءً على الحالة الصحية ومن المؤكد أن تخفف هذه التدابير، إذا ما نفذت بشكل صحيح، إن لم تقض بشكل تام، على الأوضاع الصحية الخطيرة للعمال المهاجرين في الشرق الأوسط.

وتبين نظرة سريعة على البيانات الوبائية في منظمة العمل الدولية حول الإصابات المهنية القاتلة أن المعدلات تميل إلى أن تكون أعلى بين العمال المهاجرين من المواطنين. وبطبيعة الحال، بخلاف قطر، لم تكن هناك بيانات عن دول مجلس التعاون الخليجي في القائمة، وهو أمر يبدو متكررا في بحثي هذا. والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أنه حتى عام 2015، في بعض البلدان الأكثر ثراءً ذات الأنظمة الأكثر دعماً وظيفياً للمهاجرين، مثل ألمانيا والنمسا، كان العمال المهاجرون أفضل حالًا فيما يتعلق بالإصابات المهنية المميتة من المواطنين! وكقوة اقتصادية إقليمية متنامية، يتمتع الخليج بالقدرة على تطبيق حلول معقولة وعقلانية لمعالجة "وباء" حرمان المهاجرين من حقوقهم. إذا كنا لا نستطيع أن نناشد الإنسانية في شكلها الأساسي، والأخلاق الدينية لإقناع الجهات الفاعلة المعنية، فعندئذ قد تكون الطريقة للقيام بذلك هي تقديم المشورة بناءً على سياسات الرعاية الصحية والاقتصادية السليمة. الرسالة الحاسمة في هذه الحالة هي الرجوع إلى قول مأثور قديم: قوة عاملة أقوى وأكثر صحة تؤدي إلى اقتصاد أقوى وأكثر صحة.