لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

شركة ألومكو محصنة ضد الإضرابات، والأحكام والقلق المزمن للعمال

الفيسبوك يخنق محاولات العمال لنشر مظالمهم

في 18 أكتوبر 2020

انتقل أمير الباكستاني من بلاده إلى جدة في عام 2010 للعمل كفنيّ في ألومكو، شركة الألومنيوم اللبنانية الشهيرة التي تمتد عملياتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط. 

وقبل حوالي ثلاث سنوات، بيعت ألومكو التي تتخذ من جده مقراً لها لرجل الأعمال السعودي صلاح بن حمدان البلاوي، الذي يدير ايضاً شركة رواد المدائن للإنشاء والتعمير المحدوده (RCC). وتعتبر RCC، من أكبر شركات المقاولات التي تشتمل أعمالها على عدد من المشاريع الكبرى، بما في ذلك المشروع الذي تبلغ قيمته 131 مليون دولار أمريكي، ويعود لعام 2016، لتأثيث 6 فنادق كبرى بالشراكة مع شركة جبل عمر للتطوير. 

وعلى رغم أنه لم يعلن سبب شراء الأقسام السعودية من RCC لـ ألومكو، إلا أنه هذا الاستحواذ نجم عنه الكثير من المشروعات المعلقة وحالات عدم دفع الأجور، الأمر الذي قاد العمال للإضراب، وجعلهم يواجهون مستقبلاً مجهولاً. 

يقول أمير*: "منذ أن تغيرت ملكية المشروع لم تعد الأمور تسير بالشكل الصحيح بالنسبة لنا". وأمير هو واحداً من 150 عاملاَ توظفهم الشركة. وكانت آخر مرة دُفعت فيها أجور موظفي الشركة العاملين بدوام كلي بما فيهم الفنيين والكهربائيين، في أبريل 2019. فيما قضى غالبيتهم الأشهر القليلة الماضية في تنظيم حملات للحصول على مستحقاتهم. 

 

وبرغم الاحتجاجات، وضمان الحصول على حكم من المحكمة لصالحهم، إلا أن أكثر جهودهم التي آتت ثمارها كانت على وسائل التواصل الاجتماعي. فقد أجبرت منشورات أمير الافتراضية على فيسبوك، قنصليات العمال على توفير الإغاثة الفورية لهم. كما أنهم عرضوا على العمال تذاكر للعودة إلى أوطانهم، وإن كان هذا الخيار يعني تنازلهم عن مستحقاتهم غير المدفوعة. 

إلا أن الفيسبوك، عطّل حساب أمير نهائياً لسبب "أن حسابة أو نشاطه" لم "يتّبع إرشادات المجتمع". وبحسب فيسبوك، فإن القرار لا يمكن التراجع عنه. وتعتبر منصات التواصل الاجتماعي في المجتمعات التي يستحيل فيها القيام بنشاطات القواعد الشعبية والمناصرة، بمثابة شريان حياة للأطراف المتضررة. 

ويقول أمير: "كنت أستخدم حسابي لسرد القصص ولفت انتباه الناس، وقد بدأت تأثيراته تتضح ولكنهم أغلقوه بهذا الشكل، أنا مكتئب للغاية، وأريد استعادة حسابي فقط." ويضيف: “لا أعرف من أغلق الحساب، ولا حتى سبب موافقة فيسبوك على ذلك، فلم أنشر شيء سيء الذوق، أنني فقط أريد استعادة حسابي."

18 شهر من النزاع

في الفترة من أغسطس وحتى نوفمبر 2019، نظّمت القوى العاملة – تشمل بنغلاديشيين، مصريين، وهنود، وباكستانيين، وفلبينيين، كبار وصغار السن -بأكملها في ألومكو، إضراباً وأعلنوا أنهم لن يستأنفوا أعمالهم إلا أذا ما دُفعت لهم رواتبهم المستحقة. وواصلوا الإقامة في مساكن الشركة إلا أنهم لم يتسلموا أية بدلات للطعام. 

ويقول أمير: "كانت آخر مرة تسلّمنا فيها رواتبنا، في أبريل 2019، لكننا واصلنا العمل حتى يوليو 2019. وبعد ذلك قمنا بالإضراب."

ويوضح: "كنا نذهب، مرة كل حوالي أسبوعين، إلى المكتب الرئيسي ونتحدث للإدارة، التي كانت تطلب منا العودة إلى أعمالنا وتعدنا بأن نتسلم رواتباً قريباً لكننا كنا نرفض العودة حتى نتسلم رواتبنا فعلاً." ويضيف:" قالت الإدارة أنهم بانتظار عودة صاحب الشركة من الخارج حتى يتمكنون من دفع رواتبنا، وبذلك واصلنا الإضراب."

وكانت الإدارة تتشكل من كبار مسئولي صنع القرار، من المهندسين، ومدراء الموارد البشرية السعوديين أساساً، بالإضافة إلى غير السعوديين، وغادر أغلب هؤلاء الشركة بمن فيهم المهندس الذي تحدث سابقا.

 

وفي ديسمبر، دفع مبلغ 1500 ريال سعودي (400 دولار أمركي) لـ 40 عامل. وهذا المبلغ أقل من راتب شهر لهؤلاء – ووُعِدوا بتسليمهم المتبقي من مستحقاتهم إذا ما استأنفوا أعمالهم، أما الـ 110 عاملاً الآخرين، فقد تم إعلامهم بإنهاء خدماتهم. 

ويقول أمير: "في يوم عشوائي من ذلك الشهر، جاء أحد أفراد الإدارة إلى مكان إقامتنا ووضعوا قائمة بالأشخاص الذين سيعودون إلى العمل ودفع لهم راتب شهر واحد، كما تم إعلام الآخرين منا أنه تم إنهاء خدماتنا. أي منطق في هذا؟”.  ويضيف: "لم يعطَ أي منا خطاب إنهاء الخدمة، ولم يكون هناك وضوح بأن إلغاء الإقامة – والتي، فقط للتوثيق، كانت منتهية لغالبيتنا – أو حتى بشأن رحلات العودة إلى أوطاننا. لا شيء من ذلك له معنى."

ويستذكر أمير: "لم يكن يُسمح لنا بدخول المكاتب بعد الآن" مضيفاً:"لم يعد لدينا سوى أن نجتمع في الشارع خارج المكتب للاحتجاج، ولكن الإدارة حينها ستتظاهر بأننا غير موجودين أو أنهم لا يعرفوننا."

ويتذكر أمير أنه في إحدى المرات أن الشركة اتصلت بالشرطة لتشتكيهم في أواخر ديسمبر 2019. 

ويقول: "اختارت الشرطة واحد من كل بلد نمثلها وأخذتهم إلى مركز الشرطة لنقدم شكوانا بشكل رسمي، كما أنهم وعدوا بمساعدتنا للحصول على حل عادل لنا. ولكن لم ينتج شيء عن ذلك الاجتماع، ولكن في المرة الأخرى التي ذهبنا، قابلنا شرطي آخر وكان فضاً جداً في تعامله معنا."

 

"مازلنا نعيش في مساكن الشركة ولا زلنا مضربين عن العمل ولكننا لم نتسلم ريالاً واحداً منهم. أحياناً تعترف الشركة بوجودنا، لكن لا شيء يتأتّى من وراء ذلك ماعدا وعود كاذبة بأننا سنتسلم مستحقاتنا قريباً."

في فبراير 2020، قرر فريق من 50 موظف بما فيهم أمير مقاضاة الشركة. ويقول أمير أن ذلك لم يكن بأمل أن تُدفع مستحقاتهم وإنما لمنع ترحيلهم. وفي السعودية تتكرر المداهمات ضد العمالة غير النظامية خصوصاً في أعقاب إطلاق"حملة وطن بلا مخالف" في 2017.

ويضيف أمير: "بقينا بدون إقامة سارية الصلاحية لمدة عامين تقريباً، ولكن بعضنا كان يخرج للبحث عن عمل هنا وهناك، ولكن كان هناك تصاعد في حملات فحص (الوثائق القانونية) هذه الأيام. اعتقدنا أننا لو أخذنا قضيتنا إلى المحكمة وتم إيقافنا ولم يكون لدينا إقامة فلن نواجه مشكلة إذ سيكون هناك دليل على أننا لم نتسلم رواتبنا ولذلك كان علينا إنقاذ وضعنا بطرق أخرى" 

لكن قرار المحكمة لم يلتفت لذلك

فبعد أسابيع من ذلك، في مارس 2020، أصدرت المحكمة العمالية قراراً أن يتم دفع رواتب العمال لأربعة شهور من عام 2019 (أبريل – يوليو) بالإضافة إلى أية مزايا مستحقة عن تلك الفترة. 

كانت المبالغ المستحقة لأمير عن الشهور الأربعة من 2019 التي عمل خلالها ولم يتسلم عنها راتباً، تبلغ 10,000 ريال سعودي (2,666 دولار أمريكي). وحكم القاضي بعدم استحقاقه للأشهر التالية التي كان مضرباً خلالها عن العمل، وأن بإمكانه الانتقال إلى كفيل وصاحب عمل جديد بعد دفع غراماتهم عن فترة الإقامة غير القانونية. بعض العمال كانوا أيضاً يستحقون تذاكر للسفر.  

يقول: "قالوا إنه لا يمكن أن تُدفع لنا رواتب عن الشهور التي لم نعمل خلالها، برغم أننا أخبرناهم أننا كنا نود العمل ولكن لم نستطع لأننا كنا لا نتسلم رواتباً. ولكنهم قالوا إن الشركة عليها أن تدفع لنا عن الشهور التي عملنا خلالها، وأية مدفوعات أخرى معلقة مثل تذاكر السفر، والمزايا، وأجر العمل الإضافي المستحق لنا – حتى وإن كان ليس بإمكاننا اثبات العمل الإضافي لأن من يقوم بتسجيلها موظف من الشركة."

وأشار أمير إلى أنه في أعقاب هذا القرار، كان لديهم خيار رفع قضية أخرى لدى وزارة العدل ويتم الاستماع لها من قبل محكمة المنطقة، ولكن ذلك سيتطلب دفع رسوماً قدرها 450 ريال سعودي (120 دولار أمريكي) لكل عامل. 

ويقول: "لم نختر ذلك، لأننا افترضنا أن النتائج ستكون نفسها، إلا أن مجموعة من الفلبينيين قاموا بجمع المال ومضوا في رفع القضية، وصدر القرار بأن يُدفع للعمال عن الشهور التي عملوا خلالها، ولكن بسبب أن الشركة ليس لديها المال في الوقت الحالي، فإن عليهم الاختيار بين العودة إلى بلدهم وترك قضية رواتبهم غير المدفوعة لتتابعها السفارة نيابة عنهم، أو البحث عن كفالة وعمل في شركة أخرى، أو الانتظار."

وحالياً، ينتظر العمال وينظمون حملات – لإنفاذ حكم المحكمة العمالية.

يقول العمال أن أغلب مشاريع ألومكو قد توقفت، ماعدا مشروع جبل عمر حيث يتم استخدام مقاول آخر بالباطن وليس موظفي RCC. وبحسب موظف في الإدارة السابقة، فإن الشركة تواجه صعوبات بسبب "الاحتيال وسوء الإدارة". وليس من الواضح إذا ما إذا كان عملاء الشركة قد سددوا مبالغ المشاريع المستحقة. 

وقال مهندس سعودي كان يعمل في إدارة RCC في السابق، أنه لا يتوقع أن يحصل العمال على مستحقاتهم المعلقة وينصح بأن يوافقوا على التسوية بالحصول على تذكرة للعودة إلى بلدانهم. إلا أنه لم يقاضِ الشركة – وحقق مكسباً – في وقت سابق من هذا العام عندما حصل على راتبي شهرين. وانتقل إلى عمل آخر منذ ذلك الوقت. 

وحاولت Migrant-Rights.org التواصل مع ألومكو و RCC، وإرسال رسالة بالبريد الالكتروني ولكنها لم تحصل على أي رد. 

ويقول المهندس " لقد انهارت الشركة، ولن نتسلم مستحقاتنا، فلا يوجد مال في هذه الشركة، ولا أتوقع لها أن تتعافي. "

وفي حالة الرغبة في الانتقال إلى صاحب عمل جديد، يتوجب على العامل المهاجر أن يدفع غرامات إقامته المنتهية صلاحيتها والتي من الممكن أن تصل إلى 30 ألف ريال سعودي (8,000 دولار أمريكي).

قال إنه قبل تفشي كوفيد 19 بوقت قصير، قام مالك الشركة، صالح بن حمدان البلاوي بالتواصل، شخصياً، مع واحدٍ من العمال ووعده أن كل واحد منهم سوف يحصل على مستحقاته. ولكن مرت سبعة شهور ولم يحدث أي شيء من ذلك. 

كذلك توقفت المجموعة الصغيرة التي أعيد توظيفها في ديسمبر 2019، عن العمل منذ ذلك الوقت. يقول أحمد، وهو فني آخر تم إعادة توظيفه خلال تلك الفترة، أنه كان يحصل على راتبه بشكل متقطع خلال الشهور التي عمل فيها وأنه ينتظر الآن رواتبه المستحقة. 

ويضيف أحمد الذي كان يعمل لدى الشركة خلال الإحدى عشرة سنة الماضية: "كانت تُعرف بأنها أحد أشهر الشركات في السعودية، ولم أكل لأتخيل أبداً أن المالك (اللبناني السابق) كان سيبيعها دون أن يخبر أحداً، ويتركنا مع كل هذه المشاكل". 

وبرغم أنه لم يسبق لأي منهم الذهاب للمحكمة سابقاً، إلا أنهم انضموا إلى الآخرين في حملاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على مستحقاتهم. 

يقول أمير: "تمر ببعضنا أيام، وليس لدى الواحد منا ريال واحد، ومن المفترض أننا هنا لدعم عائلاتنا في الوطن. وفي هذا الوقت، توقّف (البلاوي) عن تلقي مكالماتنا أو الرد على رسائلنا. يستمع لرسائلنا الصوتية، لكنه لا يرد."

وبمجرد فرض الإغلاق في أبريل، استُبعدت أية إمكانية للعمل في وظائف غير نظامية. 

يقول أمير: "حاولنا استخدام كل ما بوسعنا، ولكننا لم نتلقَ، إذا ما تكلفوا عناء الرد، سوى وعود فارغة باستلام مستحقاتنا قريباً. لا شيء يأتي بنتيجة". ويضيف: " ولكننا نعرف أن صاحب الشركة هو شخص مؤثر جداً، وتهمه سمعته، ليس في السعودية فحسب، وإنما أمام شركائه التجاريين في أماكن مختلفة في العالم، ولذلك نحاول الآن جذب اهتمام الاعلام لأنه ذلك قد يدفعه إلى فعل الشيء الصحيح."  

ويقول: "بعضنا يفكّر فقط في العودة، ولكن آخرون مازالوا بانتظار استلام مستحقاتهم، فنحن لا نستطيع العودة خاليي الوفاض. البعض منا، ممن هم أكبر سناً يعانون من أمراض مزمنة كالسكر وضغط الدم – وهؤلاء، تحديداً، قلقون لأنه ليس بإمكانهم حتى شراء الأدوية بدون إقامة سارية الصلاحية، ذلك قد يستسلمون ويغادرون قريباً". 

وبرغم صدور الحكم لصالحهم، فلم يتلقَ العمال سوى 500 ريال سعودي (133 دولار أمريكي) – "وُهبت" في عيد الأضحى – مع وعود بالمزيد. إلا أنه، وحتى أكتوبر 2020، لم يتم دفع أية مبالغ أخرى.  

وبرغم سمعة المحاكم العمالية السعودية الجيدة وأنها عادلة، بين المهاجرين، إلا أن هناك آليات قليلة لضمان تطبيق الأحكام، واتخاذ الإجراءات القانونية ضد أصحاب العمل المتخلفين عن الدفع. 

يقول أمير:" لدينا حكماً في صالحنا، لكن ما فائدة ذلك إذا لم نتسلم، فعلاً، رواتبنا؟ نحن لا نستطيع أن نأكل الأحكام، نحتاج رواتبنا لنعيش".