على بعد 4 كيلومترات عن بيت أنيش بوديداثو الواقع على ضفاف نهر بامبا، بالقرب من شلالات بيرونثيناروفا بكيرلا، توقفت لشرب كوباً من الشاي، حيث تواصل معي ليسأل عن موقعي.
وتقع قرية أنيش الجبلية في جنوب الهند بالجات الغربية، وتعتبر أقدم من الهيمالايا وهي موطن ملا يقل عن 325 من الطيور والحيوانات المهددة عالمياً.
كما تبعد هذه القرية، نحو 180 كيلومتر عن عاصمة ثيروفانانثابورام
كان الرياح قوية والمشوار صعباً من خلال الطرق الصاعدة الملتوية، والنزول الحاد.
وأشار نظام تحديد المواقع الالكتروني ( جي بي اس) إلى أننا سوف نصل خلال 20 دقيقة. وقال أنيش: "إنني في موقع مزارع المطاط على ضفة النهر الأخرى. ومع وصولك إلى منزلنا، سأكون أنا هناك أيضاً."
كان أنيش الذي نسقت لعودته من عمان قبل عدة شهور ماضية، ينتظر في الخارج أمام منزله القديم، وكان متشوقاً للقاء.
وأنيش الذي يبلغ من العمر 42 عاماً، كان قد عاد في يونيو على متن رحلة تم الترتيب لها وتحمل كلفتها من التبرعات. ووصل أنيش إلى عمان في سبتمبر 2019 للعمل في شركة تصنع الألمونيوم، بوعد الحصول على راتب قدره 600 دولار أمريكي. كانت الشركة صغيرة بست موظفين فقط.
وبحلول شهر فبراير، لم يكن هناك عملاً كافياً، وحرم العمال من أجورهم. ومع نهاية شهر مارس، ومع فرض عمان الاغلاق الصارم، طُلب منهم البقاء في غرفهم.
يقول أنيش: "لم يكن هناك، ولم طعام ولا مال"
وحصل أنيش وزملاؤه على الدعم من منظمات مجتمع جالية كيرلا في عمان.
ويضيف: "كنا نعتقد أننا سنموت. ولكن بطريقة ما حصلنا على مساعدة عدد من المنظمات. كانت إحدى المنظمات تمدنا بالطعام بشكل مستمر، فيما ساعدتنا أخرى بإصدار تذاكر السفر. وعدنا في 23 يونيو. من جحيم إلى آخر."
"لقد ذهبت للعمل في الخليج من أجل تسديد قرض حصلت عليه من أجل شراء هذا المنزل القديم وأرض صغيرة، وها أنا ذا أعود خالي الوفاض، والآن ليس لدي أي فكرة عن الكيفية التي سأسدد بها القرض."
وكان أنيش قد اقترض 900,000 روبية (12,400 دولار أمريكي) بفائدة شهرية معدلها 14,000 روبية (حوالي 200 دولار أمريكي).
ويواجه أنيش حالياً ضغطاً من البنك، ويعاني في سبيل تلبية احتياجات عائلته اليومية. كما أن العمل الزراعي الذي بدأ بممارسته لم يجنِ أي دخل بعد.
يقول: "زرعت أشجار مطاط والتابيوكا، عليّ الانتظار لخمس سنين للاستفادة من المطاط لأحصل على عصارته، أما أشجار التابيوكا فقد دمرتها الخنازير البرية."
وفي خضم هذه الأزمة، تعرض والد أنيش لأزمة قلبية في أغسطس راكمت فواتير للمستشفى قيمتها 1,500 دولار أمريكي.
يقول أنيش: "كان عليّ، أن اقترض لدفع هذه الفواتير."
ويود أنيش الهجرة من الجديد، لكن من الصعب أن تأتي الفرص في الوقت الحاضر.
وأضاف:" أحاول الهجرة من جديد، لكن لا توجد وظائف في الخليج. وحتى إن وجدت فإن الرواتب المقدمة أقل مقارنة بها في السنوات السابقة."
هل ستنمو سوق الخليج؟
وتعتبر سوق دول الخليج المنكمشة تفسيراً ثانوياً للانخفاض الحاد في عدد المهاجرين الهنود إلى الخارج للعمل من خلال القنوات الرسمية. أما السبب الرئيسي فهو، بالطبع، الجائحة.
ومع حلول الربع الرابع من 2019، هاجر 295,173 هندياً من خلال قنوات الهجرة الالكترونية. وفي خلال الفترة نفسها من العام، لم يهاجر سوى 86,506 شخص بانخفاض مقداره 70% بسبب الحدود المغلقة وقيود السفر.
وعندما فتحت بعض الدول حدودها، هاجر نحو 1200 شخص في سبتمبر، و2,000 شخص في أكتوبر.
وقال أنيش: "بحثت عن عمل جديد في الخليج وحصلت على فرص قليلة ولكنها براتب قدره 400 دولار أمريكي، بانخفاض 35% عما كنت أحصل عليه في السابق. وبهذا الراتب يصبح من الصعب الادخار."
ويضيف:" ولذلك ألغيت خطط للهجرة، ولكن زوجتي ستسافر إلى إسرائيل. وقد بدأنا معاملات وثائقها لذلك."
وتحمل زوجة أنيش، سيامول أنيش، دبلوم تمريض مساعد في القبالة، وخبرة ثماني سنوات من العمل في الهند.
كما تم توظيفها أيضاً كممرضة مساعدة في الصفوف الأمامية في كيرلا خلال فترة الجائحة.
إلا أنها كانت تتسلم راتباً مقداره 271 دولار أمريكي.
ويقول أنيش: "منذ شهر مارس بدأت زوجتي تعمل في الحكومة. ولكن، وبسبب أنها تعمل على أساس عقد، فإن راتبها لايزال معلقاً. وبهذا يصبح من الصعب الاهتمام ورعاية العائلة."
وتعاقد أنيش، من خلال أحد الأقرباء، مع وكيل توظيف بدفع 12,250 دولار أمريكي لإرسال زوجته للعمل لرعاية أحد كبار السنة براتب قدره 2,000 دولار أمريكي شهرياً.
وأوضح: "تقوم حالياً باستكمال الوثائق اللازمة، وسوف تستقيل من عملها الشهر المقبل للذهاب إلى صف لتعلم اللغة العبرية. وعلينا أن ندفع مبلغ مقدم قدره 1,400 دولار أمريكي. وبعد الحصول على التأشيرة، علينا أن ندفع المتبقي."
وسوف يتوجّب عليه بيع أرضه ليحصل على هذا المبلغ.
يقول: "تبلغ قيمة ديني 13 "لكّ" روبية (حوالي 18,000 دولار أمريكي). لن اقترض المزيد. ولذلك فإن عليّ أن أبيع أرضي، فبدون دخل جيد لن نتمكن من العيش بشكل لائق. فأبنينا يكبران، ويدرس الأكبر منهما في الصف السادس، والاصغر في الصف الثالث. فهم يحتاجون إلى مبلغ جيد من المال للتعليم. سوف أعمل في الزراعة وستعمل زوجتي في إسرائيل."
وفي حين أنه من المرجح أن تنمو فرص وظائف الرعاية في العالم بشكل مطرد، إلا أن حالة عدم اليقين التي واجهت القطاعات الأخرى قد تترك عشرات الآلاف من المهاجرين في أوضاع مزرية، خصوصاً في دول الخليج. فمع عدم وجود ضمان اجتماعي أو مزايا للتعطل، ومع تزايد سرقة الأجور والحرمان من مستحقات نهاية الخدمة، سوف يواجه العمال المزيد من الدين لإعالة أنفسهم. ومن المرجح أن يعاود الهجرة أولئك الذين اضطروا للعودة، مثل أنيش، الذين لايزال لديه أرض يستند عليها، وغيره من الآلاف الآخرين ممن يعانون من أوضاع أكثر فقراً.