مهاجرون نيباليون خلف القضبان في الخليج يتوسّلون المساعدة
ضعف التحقيق ونقص التمثيل القانوني يؤديان لمحاكمات جائرة والسجن لمدد أطول
ظلت موتي كوماري ماهاتو (34 عاما) من جنوب النيبال، تحلم بخروج زوجها من السجن في السعودية وبعودته أخيرا إلى الوطن. ولكن ما ان تستيقظ حتى ترى ابنهما ذو التسع أعوام يحتضنها وحدها بصمت. تقول موتي: «تقريبا أراه معي كل شهر» وتواصل: «لكن يؤلمني أن ما أراه ليس سوى حلم. أتمنى لو أنه حقيقة.»
ظل لال، زوج موتي، يعمل سائقاً لشاحنة مسطحة في شركة مواصلات في السعودية لنحو ثماني سنوات. كان لال (41 عاما) يصل بالشاحنة، في إطار عمله، إلى الإمارات، والبحرين والكويت لنقل السلع البلاستيكية.
وفي أحد أيام 2018، بينما كان عائدا إلى السعودية، قُبض عليه على الحدود وفي حوزته 10 قناني زجاجية بداخلها منشطات للقدرة الجنسية. ومنذ لك الوقت تم إيقافه في مركز الاحساء لتوقيف المهاجرين في الهفوف، غرب السعودية. وأصدرت المحكمة عليه حكما بالسجن لمدة 15 عاما.
يقول لال في مكالمة هاتفية من سجنه: «لم أكن أعلم أن حمل هذه الأقراص ليس مسموحا به هنا، لم أكن لآخذ هذه الأقراص معي في الشاحنة لو كنت أعلم أن الأمر غير قانوني.»
ويوضح، أن مواطناً إماراتياً أعطى هذه الأقراص لأحد سائقي الشاحنات النيباليين ممن يعملون للشركة نفسها، وطلب منه توصيلها إلى أحد الأشخاص في السعودية. وقام السائق النيبالي فيما بعد بوضع الأقراص في شاحنته.
وقال متوسلاً: «لم أقم بأي خطأ مقصود، أرجو مساعدتي، لقد خدعت.»
وأضاف أن السائق الذي أعطاه الأقراص عاد إلى النيبال فور احتجاز لال.
ولم تفقد موتي، التي أمضت فقط 3 سنوات من عمر زواجهما منذ 16 عاما معه، الأمل في أن يلتقيا مرة أخرى. لكنها أحيانا تخشى أن لا يأت هذا اليوم سريعا.
يقول لها لال مواسيا: «لا تقلقي، لابد من أن يسمع أحدا مناشدتي، ويمكنني العودة إلى الوطن قريبا.»
هناك المئات من العائلات في النيبال تنتظر بفارغ الصبر عودة أحبائها، دون معرفة أسباب سجنهم، أو متى سيتم الإفراج عنهم. وفي الكثير من الحالات، يبدو أن السجناء أنفسهم لا يعرفون السبب الذين بسببه، أصبحوا وراء القضبان.
في 2021، سُجن 360 نيبالي في دول الخليج، وذلك بحسب البيانات التي تم الحصول عليها من مجلس التوظيف الخارجي (FEB). ويوجد أكبر عدد من السجناء في السعودية (143)، ثم الإمارات (136)، ثم الكويت (43)، وقطر (31) البحرين (4) وعمان (3).
وبحسب سجلات FEB، فإن المهاجرين النيباليين سُجنوا بتهم مختلفة تتراوح بين تعاطي المخدرات إلى استهلاك الكحول، والشجار، والسرقة والقتل. كما أن هناك بعض الحالات التي قُبض على العمال فيها بسبب جرائم بسيطة أخرى مثل مخالفات المرور، والتبول على جانب الطريق أو عدم الامتثال لقواعد الهجرة.
يقول رئيس قسم الرعاية والتأهيل والاتصال بـ FEB، تيكاماني نوبين:« العمال ‘النيباليون’ ليسوا على وعي بالقواعد واللوائح في الخليج والتي تعتبر أكثر صرامة من تلك المطبقة في النيبال»
وأضاف أن الوضع بالنسبة للعمال منخفضي الدخل خصوصا، بائس لأنهم على الأغلب على دراية قليلة بالاختلافات الثقافية أو ربما لا يعرفون عنها شيئا. ويتفاقم الوضع أكثر بوجود حاجز اللغة.
وعندما يسجن العمال المهاجرين – الذين هم المعيلين الوحيدين لعائلاتهم – في الخارج، فإن عائلاتهم تعاني لتتمكن من إعاشة نفسها.
فعلى سبيل المثال، عندما لم يعد زوجها قادرا على إرسال المال لعائلته، أصبح على موتي كوماري، الأم لطفلين، العمل في متجر محلي للملابس.
كان زوجها يكسب 3000 ريال سعودي (800 دولار أمريكي) شهريا بالعمل 48 ساعة أسبوعيا. وافقت موتي، التي لم تكن راضية على ذهاب زوجها للعمل في الخارج، على ذلك فقط بسبب عبء قرض بقيمة 800,000 روبية نيبالية، اقترضاه لشراء قطعة أرض. ولا تعرف الآن كيف ستقوم بتسديد هذا القرض.
تقول موتي: «ذهب إلى هناك ليصنع مستقبل أفضل لنا، لكن الوضع أصبح أسوأ الآن.» وتضيف: «لا أعرف كيف سألبي الآن احتياجات أطفالي.»
في السنة الأولي من سجنه، تمكن لال من إجراء محادثة فيديو مع موتي من خلال هاتف نقال هربه زميله له إلى السجن. لكن الحارس صادر الهاتف ولم تره منذ ذلك الوقت. وتتحدث الآن معه لبضع دقائق، مرة في الأسبوع من خلال مكالمة صوتية، ولكن غالبا ما ينقطع الاتصال. كما تسمع موتي غالبا نزلاء آخرين يصرخون في الخلفية بانتظار دورهم للاتصال بعائلاتهم.
يشعر لال بالإحباط بسبب نقص الدعم من حكومة النيبال. «شهدت زملائي السجناء يُفرح عنهم بعد مساعدة حكوماتهم. لما لا تساعدني حكومة بلادي؟ لم أرتكب أي خطأ مقصود.»
وأضاف أن أحدا لم يزره من السفارة لمواساته، ناهيك عن تقديم المساعدة القانونية له. ذلك برغم أن المساعدة القانونية المجانية تعتبر حقا أساسيا في الدستور النيبالي.
وفي النيبال، يتوسّل، غانغارم ماهاتو، والد لال السبعيني، المسئولين الحكوميين للتدخل، وقطع مسافة 180 كيلومتر من مدينته إلى إدارة الخدمات القنصلية ومجلس التوظيف الخارجي في كاتماندو. كما أجرى اتصالات مع السفارة النيبالية لدى السعودية، إلا أن جميع محاولاته باءت بالفشل.
ومن جانبها، لم تتلق Migrant-Rights.Org ردا على استفسارات بعثتها للسفارة السعودية بخصوص هذه الحالة.
بعد اعتقال لال، كان والده غانغرام خائفا من أن يتم إعدامه. لم يكن متأكدا بشكل قاطع ماهي ‘الجريمة’ التي اقترفها أو القوانين في السعودية، لكنه سمع أنه توجد عقوبة الإعدام في السعودية، ولم يكن قادرا على التواصل مع ابنه لأسابيع. (أوقفت السعودية عقوبة الإعدام في جرائم المخدرات التي لا تنطوي على عنف في 2020. وقبل صدور هذا التوجيه، كان الأجانب المتهمون بقضايا لها علاقة بالمخدرات يشكلون عددا كبيرا من الذين يتم إعدامهم سنويا). تنفس الصعداء عندما أتاه اتصال من لال وهو السجن يخبره أنه سيقضي فترة سجن طويلة.
يقول غانغارم: «أنا سعيد لأنه على الأقل، على قيد الحياة، لكني، كوني أبا، اشعر بالأسف طيلة الوقت لأنني لست قادرا على مساعدته، لكن مالذي يمكنني فعله من هنا؟»
ويضيف بأنه سيكون سعيدا لو تم نقل ابنه إلى سجن في النيبال، فعلى الأقل سيتسنى لهم زيارته هنا.
وتشجّع الأمم المتحدة نقل الأحكام – عملية نقل السجناء إلى بلدانهم لقضاء مدة محكوميتهم – وذكرت أن هذه الممارسة أكثر إنسانية في التعامل مع السجناء. وأنها تدعم «إعادة التأهيل، وإعادة إدماج السجين وبالتالي تعتبر حماية للأمن العام.»
ويقول الناشطون في حقوق الإنسان النيباليون أن نقل الأحكام يجب أن يكون أولوية الحكومات لأنه يؤثر إيجابا على السجين وأفراد عائلته. يقول أنوراغ ديفكوتا، المحامي الناشط في مجال حقوق الإنسان والمدافع عن نقل الأحكام، إن ذلك ممكن أن يتم إذا ما كانت الحكومات في طرفي المنشأ والمقصد مستعدة لفعل ذلك.
ويقول: «إن ذلك يمنح السجناء فرصة أكبر لإعادة الاندماج في المجتمع، ويخفف الصعوبات العاطفية التي تواجهها العائلات في أعقاب سجن أحبائها». ويضيف: «يجب أن تتم معاقبة السجناء بنهج إصلاحي وليس انتقامي.»
«كعاملة منزل، كان علي أن أطيع أوامر صاحب العمل، لم أكن أعرف أنه مخدرات.»
ثمان سنوات في سجن كويتي
على بعد أميال قليلة من منزل لال في نوالبور، ينتظر غوبال داراي (60 عاما) عودة أحد أحبائه. غوبال لا يدري لماذا سجنت زوجته غوما في الكويت لـثماني سنوات.
ذهبت إلى هناك لكسب المال لأننا فقراء، يقول غوبال: «لازلت منتظرا، لكنني لا أعرف متى يمكنني أن أراها.» لا يعتقد غوبال أن زوجته من الممكن أن ترتكب جريمة تدخل على إثرها السجن.
غوما هي أم لأربعة أبناء، وهي أميّة ومصدر الإعالة الوحيد للعائلة.
يقول غوبال نادماً: «لم تكن لتذهب إلى هناك لو كنت أستطيع كسب المال هنا، أشعر دائما بالأسف لكن ماذا يمكنني أن أفعل؟»
غوما الآن في منتصف الأربعينات، ذهبت إلى الكويت لتعمل كعاملة منزلية في 2013، بحسب سجلها الوظيفي. وتم القبض عليها بعد أشهر قليلة من وصولها إلى الكويت.
أخبرت غوما أطفالها أنها بريئة – وأن صاحب العمل أعطاها حقيبة بها «مادة تشبه المسحوق» للاحتفاظ به في غرفتها. لم تكن متأكدة بشأن ما تحتوي عليه الحقيبة عندما تم القبض عليها. بعد ذلك عرفت أنه سكر بني، وهو نوع من الهيروين منخفض الجودة.
قالت غوما لابنها أنيل داراي، الذي أصبح عمره الآن 21: «كعاملة منزل، كان علي أن أطيع أوامر صاحب العمل، لم أكن أعرف أنه مخدرات.»
وأخبرت غوما ابنتها أكريتي، أن فريقا من السفارة النيبالية في الكويت زارها مؤخرا وعدد من السجناء النيباليين. لكنها ظلت غير سعيدة لأن السفارة لم تول قضيتها أي اهتمام على مدى الثماني سنوات الماضية. «أين أنتم خلال كل هذه السنوات.»
رفضت السفارة الحديث لـ MR بشأن غوما، خلال فترة التنظيم لإدارة خدمات القنصلية في النيبال، حيث قاموا بإرسال معلومات عن قضيتها. لكن، منذ 7 مارس 2022، ظلت إدارة القنصلية تؤكد على أنها لم تتسلم أية تفاصيل من السفارة.
لم تنجح محاولات MR للاتصال بغوما. لكن بحسب ابنتها، فإنه تم الحكم مبدئيا على غوما بالسجن 25 عاما، ثم تخفيض الحكم فيما بعد إلى 8 سنوات، مما يعني أنها ستعود للوطن خلال ستة شهور تقريبا من الآن.
يقول أنيل، الذي علم عن اعتقال والدته من خلال وسائل التواصل الاجتماعي: «وكأنني وقعت من قمة جبل عندما سمعت بالحادثة أول مرة». كانت عائلتنا تعتمد عليها بشكل كامل. دُمر كل شي بعدما أودعت السجن.
كانت غوما، التي عملت في السابق في البحرين وفي وظيفة أخرى في الكويت، تبعث 10,000 روبية نيبالية (80 دولار أمريكي) شهريا لعائلتها للإنفاق على احتياجات المنزل.
ترك أنيل الدراسة بمجرد دخول غوما السجن وبدأ العمل كعامل بناء في مدينته. وقضى طفولته في العمل كعامل منزلي في بيت مسئول شرطة في كاتماندو، وكان يرغب في التسجيل المدرسة الثانوية العليا. يتذكر أنيل الذي يرتدي قميصا عليه شعار ناسا: «كنت سأدرس في الجامعة لو لم تدخل والدتي السجن، لكن لم أتمكن من إكمال تعليمي لأنه كان على أن أعمل.»
شعرت عائلة غوما بخيبة أمل تجاه السلطات النيبالية التي لم توفر لغوما أي مساعدة قانونية. تقول الابنة آكرتي: «لقد تم سجنها لسبب غير واضح. لكن لم يمد أحد يد المساعدة لإخراجها من السجن.»
لم تكن عائلة غوما على علم بعملية تقديم طلب المناشدة لدى الحكومة النيبالية (أنظر الشريط الجانبي). كما أنهم لا يعرفون السجن الذي تحتجز فيه غوما.
تقول دان بهادور اولي، مدير عام إدارة خدمات القنصلية: «في أغلب الأحيان، تجهل العائلات المعلومات الخاصة بأفرادها المسجونين مثل جواز السفر، رقم الجنسية، نوع الوظيفة، أسماء الشركات والأماكن التي يعملون فيها.» مضيفا «أن ذلك يعقّد عملية الإنقاذ.»
وبحسب إرشادات الحصانة القانونية للعمال في الخارج 2018، فإنه حتى في حالة عدم قدرة العامل أو عائلته تقديم الطلب أو أنه ليس في وضع يمكنه من ذلك، فإن البعثة الديبلوماسية النيبالية بإمكانها اتخاذ إجراء الحصانة القانونية والدفاع.
ومع ذلك، يقول السكرتير العام للشبكة الوطنية للهجرة الآمنة NNSM، كريشنا نيوبين: «إنه لا يتم تطبيق التوجيهات». و NNSM هو تحالف يضم نشطاء حقوق الإنسان الداعين لهجرة أكثر أمانا. وتسمح هذه التوجيهات للمجلس FEB لاستخدام ما يصل إلى 1.5 مليون روبية نيبالية للدعم القانوني للعمال النظاميين المتهمين بارتكاب جرائم. ويقول:« من المحزن أنه لم يتم استخدام ذلك بشكل استباقي. ومن المستغرب تردد المجلس في إنفاق هذه الأموال لتوفير المساعدة القانونية للعمال.»
وبحسب تيكاماني نيوبين من FEB فأنه في الواقع، منذ أن طُبقت هذه التوجيهات، قدم المجلس أموالا للدعم القانوني لأربعة عمال مسجونين فقط.
وتبلغ موجودات صندوق FEB رفاه التوظيف الخارجي 6 مليار روبية نيبالية.
ويدرك تيكاماني أن جزءا بسيطا من الميزانية تم انفاقها للمساعدة القانونية للسجناء، لكنه يقول إن أولوية المجلس هي إعطاء هذه الأموال لعائلات العمال المهاجرين المتوفين.
يقول تيكاماني: «لا نود أن نعطي الانطباع بأننا نعطي الأموال للمجرمين أو أننا نحمي الجرائم»، مضيفا أنه من الأفضل محاولة تقليل تورط العمال النيباليين في الأنشطة الإجرامية بدلا من إعطاء المال لمحامين للدفاع عنهم.
ويخطط المجلس لمراجعة المبادئ التوجيهية، ذلك لأن الأعضاء الحاليين لا يعتقدون أنه من المهم انفاق 1.5 مليون روبية نيبالية للدعم القانوني.
ومع ذلك، فإن راميش بهادور شاهو، رئيس البرنامج بلجنة برافاسي النيبالية للتنسيق PNCC، وهي منظمة غير ربحية مقرها كاتماندو تدير حملات التعويضات المالية للضحايا (الديّه) للإفراج عن السجناء، يرى أن الدعم القانوني الحكومي مهم للسجناء.
يقول راميش أن حملتهم تمكنت من الإفراج عن ثلاث سجناء من العمال المهاجرين حتى الآن، لكنه يقول إن على الحكومة أن تتحمل هذه المسئولية.
يقول راميش: «الحكومة لديها صندوقا لدعم العمال، بإمكانها دعم العديد من العمال في السجون إذا ما شاءت»، مضيفا: «إن هذا الصندوق أنشئ من أموال العمال أنفسهم، يجب على الحكومة ألا تتردد في استخدامه من أجل رعايتهم ورفاههم.»
ولكن، حتى في حال تقديم الحكومة للدعم القانوني للعمال المتهمين، فإن ذلك لن يوفر أي حماية للعمال غير النظاميين. فهذه التوجيهات تنطبق فقط على العمال النظاميين المتهمين بجرائم جنائية ممن لم تنته عقود عملهم.
يقول أنوراغ إن المبادئ التوجيهية تنفي بشكل قاطع الحقوق الأساسية للعمال غير النظاميين. مضيفاً: «ظل العمال غير النظاميين كأشخاص«غير مرئيين»، فيما كل شخص من حقه أن يحصل على المساعدة القانونية بموجب دستور النيبال.»
وفي السياق نفسه يقول كريشنا نيوبين من الشبكة الوطنية للهجرة الآمنة، إن العمال المهاجرين لم يحصلوا على المعاملة العادلة برغم مساهمتهم العظيمة في اقتصاد البلد. مشيرا إلى «أنهم لا يحصلون قبل المغادرة على التدريب الصارم بشأن مخاطر التعرض للسجن، كما لا يحصلون على المساعدة القانونية فيما لو تعرضوا لمشكلة هناك.» ويضيف: «لن يضطر الكثير من العمال لقضاء فترات في السجن لو ساعدتهم الحكومة في التعرف على القواعد واللوائح في دول المقصد.»
* تم تغيير الأسماء
حكاية السجين
ذهب ثانيشور بوسال (41 عاما) من منطقة نوالبور الواقعة جنوب النيبال، إلى السعودية في 2011 للعمل في قطاع الإنشاءات. وعند وصوله، طلب منه صاحب العمل أن يعمل كسائق لشاحنة يقوم باستلام ونقل وتوصيل الشحنات من وإلى مواقع الانشاءات.
رفض ثانيشور بداية الأمر، كونه لا يملك رخصة سياقة. إلا أن صاحب العمل أكّد له أنه بدأ إجراءات حصوله على الرخصة وأن الشركة ستتحمل المسئولية في حالة حدوث أي مشكلة. على مضض، وافق ثانيشور بعد ذلك مضطرا.
وعندما أدرك أن صاحب العمل لم يتخذ أي إجراء لإصدار رخصة السياقة، أخبر رئيسه برغبته في العودة إلى بلاده. لكن صاحب العمل لم يسمح له بالمغادرة. يقول ثانيشور: «كنت مجبرا على السياقة بعدما هددني رئيسي بعدم دفع راتبي وعدم السماح لي بالإقامة في السكن». ويسترسل: «أعرف أنه ما كان يجب أن اسوق السيارة بدون رخصة، لكن ماذا بوسعي أن أفعل إذا ما أجبرني صاحب العمل على فعل ذلك؟»
بعد تسعة شهور من وصوله إلى السعودية، اصطدمت مركبته بمركبتين أخريين. وتوفي شخصان في الحادث، أحدهما هندي والأخر سعودي. وجدته المحكمة مسئولا بنسبة 50% عن الحادث واتهمته بقيادة المركبة بدون رخصة سياقة. وحكم عليه بدفع 150,000 ريال سعودي (40,000 ريال سعودي) مديّة لعائلة الضحية. أما صاحب العمل الذي أجبره على السياقة بدون رخصة فلم يواجه أي تداعيات جراء فعله.
وبسبب عدم قدرته على الدفع، كان عليه قضاء أربع سنوات ونصف في ثلاثة سجون مختلفة – سجن بريمان، وسجن ذهبان المركزي بالإضافة إلى مركز احتجاز الشميسي – بذكريات كثيرة غير قابلة للنسيان.
أمضى ثانيشور ليال عدة يستمد راحته من ذكرياته العائلية. في السجن، كان لحافه خفيفا لا يوفر له الدفء وعلى أية حال فاللحاف مليء ببق الفراش.
ويتذكر: «كنا نحصل على خبزا واحدا للعشاء، وهو لا يكفي، ولذلك كنا نبقي على جزء من الرز الذي يقدم لنا في وجبة الغداء لنتناوله في المساء.»
وفي السجن شهد تمييزا واضحا بين السجناء، «كان معظم السجناء سعوديين، وكان الحراس يعاملوني بشكل أفضل، لكنهم يبدون وقحين جدا إذا ما كان هناك عدد كبير من السجناء من جنسيات أخرى.»
كان ثانيشور قد أصيب بجروح داخلية بسبب الحادث، الأمر الذي ظل يسبب له مشاكل صحية. لم يعد بإمكانه رفع أي شي ثقيل بسبب آلام أسفل الظهر والساقين. يتذكر: «طلبت من السجانين أن يأخذوني للمستشفى، لكن لم يأخذني أحد إلى المستشفى الأكبر واكتفوا ببعض العيادات. ويضيف: «ستأخذك الشرطة للمستشفى فقط في حالة أصبت بالإغماء أو صرخت من الألم، عدا ذلك ليس لديك فرصة لذلك.»
في أثناء سجنه، فقد ثانيشور جده وجدته، وتركته زوجته، الأمر الذي تركه محطما، ومع ذلك فهو لا يحمل لها أية ضغينة. ويقول: «كيف يمكنها البقاء وحيدة، وهي لا تعرف كم عام سأظل في السجن؟»
في 2018، تم، أخيرا، الإفراج عنه. ويعود الفضل في ذلك لحملة PNCC التي تمكنت من جمع 4,098,000 روبية نيبالية (33,000 دولار أمريكي) لدفع الديّة.
فتح ثانيشور محلا للخياطة في مدينته. بدا نحيفا وهو مرتديا سترة سوداء ويقول فيما يضع خيطا في ماكينة الخياطة: «لدي الكثير من الذكريات الحزينة، الآن أريد أن أجعل حياتي أكثر سعادة وإشراقا.»